إلى متى يمكن أن تستمر الحرب الروسية - الأوكرانية؟ (مقال تحليلي)

هناك تلميحات من كلا الجانبين بأنه قد تكون هناك أسباب لحل دبلوماسي

أشخاص يمرون أمام دبابة روسية مدمَّرة في محيط كييف (أ.ب)
أشخاص يمرون أمام دبابة روسية مدمَّرة في محيط كييف (أ.ب)
TT

إلى متى يمكن أن تستمر الحرب الروسية - الأوكرانية؟ (مقال تحليلي)

أشخاص يمرون أمام دبابة روسية مدمَّرة في محيط كييف (أ.ب)
أشخاص يمرون أمام دبابة روسية مدمَّرة في محيط كييف (أ.ب)

بينما تستمر الحرب الروسية - الأوكرانية بلا هوادة ومن دون هدف واضح في نهاية المطاف في مقابل خسائر مستمرة في الأرواح والممتلكات، يظل التساؤل الذي يطرح نفسه هو: إلى متى يمكن أن تستمر هذه الحرب؟
وقال إدوارد سالو، وهو أستاذ في التاريخ ومدير مشارك لبرنامج الدكتوراه في دراسات التراث في جامعة ولاية أركنساس الأميركية، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، إنه على مدى الأيام القلائل الماضية، كانت هناك تلميحات من كلا الجانبين في الحرب الروسية - الأوكرانية بأنه قد تكون هناك أسباب لحل دبلوماسي. وأوضح أن هذا الطريق إلى السلام واعد بسبب الخسائر العسكرية الهائلة التي تكبّدتها روسيا، والتي أضعفت الدولة بشكل خطير وستتطلب سنوات إن لم تكن عقوداً لتعويضها. كما يعلم الجانبان أن أشهر الشتاء المقبلة ستجعل العمليات العسكرية أكثر صعوبة، وستؤدي إلى مزيد من الموت داخل ساحة المعركة وخارجها. ويقول سالو إنه «في حين أن الأجواء الحالية للتوصل إلى حل دبلوماسي تبدو سيئة، فإنني أزعم أن هذه فرصة لقوة ناشئة للتقدم على الساحة الدولية والتوسط في السلام بين روسيا وأوكرانيا لتعزيز مكانتها كقوة رائدة، تماماً كما فعلت الولايات المتحدة خلال الحرب الروسية - اليابانية (1905 - 1904)».
ويرى سالو، كما جاء في تقرير الوكالة الألمانية، أن الكثير من الموضوعات المتعلقة بالغزو الروسي لأوكرانيا تُذكِّرنا بالوضع خلال الحرب الروسية - اليابانية. وقد نتجت الحرب عن التوسع الاستعماري التنافسي لروسيا واليابان، وكلتاهما أرادت السيطرة على الشرق الأقصى. علاوة على ذلك، رأى قيصر روسيا الحرب وسيلةً لتعزيز شعبية نظامه في فترة من التراجع الوطني وتعزيز مكانة روسيا وسط الإمبراطوريات الكبرى في أوروبا. ورأت اليابان في الحرب فرصة لتصبح القوة العظمى في آسيا.
وبعد سلسلة من المهام الدبلوماسية الفاشلة لتجنب الحرب، شنت البحرية اليابانية هجوماً مفاجئاً على البحرية الروسية في بورت آرثر. وبعد هذا الهجوم الساحق، استمر الروس في المعاناة من هزائم أخرى قبل أن يوافقوا أخيراً على سلام تفاوضي في عام 1905، وكان الجيش الياباني أقرب إلى الانهيار مما كان يبدو عليه، رغم أن ذلك لم يكن ظاهراً لليابانيين.
ويرى سالو أنه في حين أن الوضع الفعلي لما حدث في الفترة من 1905 - 1904 ليس هو نفس سياق الحرب الروسية - الأوكرانية الحالية (ففي عام 1904 هاجمت اليابان روسيا، وفي عام 2022 هاجمت روسيا أوكرانيا)، إلا أنه يقدم الكثير من أوجه التشابه التي تجعل الحرب الروسية اليابانية نموذجاً مفيداً. فقد تكبَّدت القوات الروسية في أوكرانيا، كما حدث في عام 1905، خسائر فادحة أمام ما كان يُنظر إليه في البداية على أنه عدو أدنى. وكانت الحرب الروسية - اليابانية كذلك واحدة من أوائل الصراعات التي توضح قوة الثورة الصناعية في الإنتاج الضخم للأسلحة والمعدات، تماماً كما أظهرت الحرب الروسية - الأوكرانية فاعلية الطائرات المسيّرة وغيرها من التقنيات في ساحة المعركة. وفي 1904- 1905 فقدت البحرية الروسية الكثير من أسطولها الذي كان محور استعراض القوة في ذلك الوقت.
وفي أوكرانيا، فقدت روسيا الكثير من السفن البحرية وأكثر من 1400 دبابة ومركبة مدرعة، وهي السمة البارزة للحرب البرية الحديثة. وفي فترة 1904 - 1905 واليوم، كانت الخسائر والهزائم في ساحة المعركة مؤلمة لروسيا محلياً ودولياً.
ومع مثل هذه الأحداث الكارثية التي تحدث في روسيا وأوكرانيا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيفية إنهاء الحرب والتفاوض على السلام. ومرة أخرى، تقدم النظرة إلى الوراء في التاريخ سيناريو واحداً محتملاً. ففي حالة الحرب الروسية - اليابانية، كانت الولايات المتحدة هي التي برزت كوسيط سلام. وكانت الولايات المتحدة قوة عالمية ناشئة بعد هزيمة إسبانيا في الحرب الإسبانية الأميركية. ويقول البعض إن النصر كان بداية إمبراطوريتها وفترة من النمو الاقتصادي الهائل.
ومع ذلك، لم تكن الولايات المتحدة قوة عالمية تقليدية مثل بريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية وروسيا، لأنها لم تكن منخرطة في المعاهدات والاتفاقيات الدبلوماسية التي كانت عليها تلك الدول، بما في ذلك التحالف الأنجلو - ياباني عام 1902، وبسبب هذه الشبكة من التحالفات، لا يمكن النظر إلى معظم القوى الأوروبية على أنها محايدة بما يكفي لتسهيل معاهدة لن تكون أحادية الجانب.
واليوم، تشارك الولايات المتحدة والدول الغربية في أوروبا في دعم أوكرانيا بحيث لا يمكن اعتبارها محكماً محايداً للسلام. وأي مفاوضات تُجريها روسيا لن يُنظَر إليها إلا من المتشددين في موسكو على أنها تُضعف دولتهم (وهو ما تقوم به الحرب بالفعل).
ومع ذلك، فإن هذه فرصة لقوة ناشئة أخرى لترسيخ نفسها على الساحة الدولية من خلال العمل كوسيط في مؤتمر للسلام. وتحتاج هذه الدولة إلى امتلاك القوة الدبلوماسية والعسكرية، كما كان لدى الولايات المتحدة في عام 1905، ليُنظَر إليها على أنها نظير قريب من روسيا، ولكنها ليست تهديداً لوجود روسيا. علاوة على ذلك، يجب ألا يكون لتلك الدولة مصلحة مباشرة في المنطقة (ولتكن تركيا) ولكن لديها بعض المصالح الاقتصادية على المحك (مثل إنتاج الغذاء الأوكراني). وأخيراً، يجب أن تكون للدولة روابط رسمية قليلة مع حلفاء روسيا أو أوكرانيا. ومع تقدم الحرب، انخفض عدد الدول التي تنطبق عليها هذه المعايير. وكانت الصين، التي يتطلع إليها الكثير من الدول كطرف رائد آخر، فهي داعمة جداً لروسيا. وبطبيعة الحال، حتى لو حاولت قوة ناشئة مثل البرازيل أو المملكة العربية السعودية أو الهند التوسط في اتفاق سلام، فإن هذا لا يضمن قبوله أو أن روسيا سوف تلتزم بالشروط في الأمد البعيد.
ومع ذلك، ومع فقدان المزيد من القوات الروسية في ساحة المعركة، يبدأ حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التشكك به، ويعاني الأوكرانيون من شتاء قاسٍ، وستتم ممارسة المزيد من الضغوط الدولية على كييف وموسكو لبدء محادثات السلام. وهذا يمثل فرصة لدولة أخرى لتأخذ مكانها على المسرح العالمي كحكم محايد. وتحتاج الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى فهم هذا السيناريو المحتمل وتحديد أفضل مسار للعمل للمساعدة في التوسط في السلام، ولكن أيضاً لفهم العواقب الدائمة.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: واشنطن لم تخطرني بالتسريبات الاستخباراتية

الولايات المتحدة​ زيلينسكي: واشنطن لم تخطرني بالتسريبات الاستخباراتية

زيلينسكي: واشنطن لم تخطرني بالتسريبات الاستخباراتية

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لصحيفة «واشنطن بوست»، إن الحكومة الأميركية لم تُبلغه بنشر المعلومات الاستخباراتية ذات الأصداء المدوِّية على الإنترنت. وأضاف زيلينسكي، للصحيفة الأميركية، في مقابلة نُشرت، أمس الثلاثاء: «لم أتلقّ معلومات من البيت الأبيض أو البنتاغون مسبقاً، لم تكن لدينا تلك المعلومات، أنا شخصياً لم أفعل، إنها بالتأكيد قصة سيئة». وجرى تداول مجموعة من وثائق «البنتاغون» السرية على الإنترنت، لأسابيع، بعد نشرها في مجموعة دردشة على تطبيق «ديسكورد». وتحتوي الوثائق على معلومات، من بين أمور أخرى، عن الحرب التي تشنّها روسيا ضد أوكرانيا، بالإضافة إلى تفاصيل حول عمليات التجسس الأميرك

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم الجيش الأوكراني: تدمير 15 من 18 صاروخاً أطلقتها القوات الروسية

الجيش الأوكراني: تدمير 15 من 18 صاروخاً أطلقتها القوات الروسية

أعلن الجيش الأوكراني أن فرق الدفاع الجوي دمرت 15 من 18 صاروخا أطلقتها القوات الروسية في الساعات الأولى من صباح اليوم الاثنين، فيما كثفت موسكو الهجمات على جارتها في الأيام القليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم حريق بخزان وقود في سيفاستوبول بعد هجوم بمسيّرة

حريق بخزان وقود في سيفاستوبول بعد هجوم بمسيّرة

قال حاكم سيفاستوبول الذي عينته روسيا إن النيران اشتعلت اليوم (السبت) في خزان وقود في المدينة الساحلية الواقعة في شبه جزيرة القرم فيما يبدو أنه ناجم عن غارة بطائرة مسيرة، وفقاً لوكالة «رويترز». وكتب الحاكم ميخائيل رازفوجاييف على تطبيق «تيليغرام» للمراسلة، «وفقا للمعلومات الأولية، نتج الحريق عن ضربة بطائرة مسيرة». وتعرضت سيفاستوبول، الواقعة في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في عام 2014، لهجمات جوية متكررة منذ بدء غزو روسيا الشامل لجارتها في فبراير (شباط) 2022. واتهم مسؤولون روس كييف بتنفيذ الهجمات. ولم يرد الجيش الأوكراني على الفور على طلب للتعليق اليوم.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم بعد مقتل 25 بقصف روسي... زيلينسكي يطالب بدفاعات جوية أفضل

بعد مقتل 25 بقصف روسي... زيلينسكي يطالب بدفاعات جوية أفضل

طالب الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بالحصول على مزيد من الأسلحة للدفاع عن بلاده بعد موجة من الهجمات الصاروخية الروسية التي استهدفت مواقع سكنية، مما أسفر عن مقتل 25 شخصا، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وقال زيلينسكي في رسالة فيديو مساء أمس (الجمعة) «الدفاع الجوي، قوة جوية حديثة - من دونها يستحيل الدفاع الجوي الفعال - مدفعية ومركبات مدرعة... كل ما هو ضروري لتوفير الأمن لمدننا وقرانا في الداخل وفي الخطوط الأمامية». وأشار زيلينسكي إلى أن الهجوم الذي وقع بمدينة أومان، في الساعات الأولى من صباح أمس، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 23 شخصا، من بينهم أربعة أطفال.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم مقاتلات روسية تحبط تقدم قوات الاحتياط الأوكرانية بصواريخ «كروز»

مقاتلات روسية تحبط تقدم قوات الاحتياط الأوكرانية بصواريخ «كروز»

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الجمعة)، أن الطيران الروسي شن سلسلة من الضربات الصاروخية البعيدة المدى «كروز»، ما أدى إلى تعطيل تقدم الاحتياطيات الأوكرانية، حسبما أفادت وكالة الأنباء الألمانية. وقالت وزارة الدفاع الروسية، في بيانها، إن «القوات الجوية الروسية شنت ضربة صاروخية بأسلحة عالية الدقة بعيدة المدى، وأطلقت من الجو على نقاط الانتشار المؤقتة للوحدات الاحتياطية التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، وقد تحقق هدف الضربة، وتم إصابة جميع الأهداف المحددة»، وفقاً لوكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية. وأضافت «الدفاع الروسية» أنه «تم إيقاف نقل احتياطيات العدو إلى مناطق القتال».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟