«عودة أميركا تبدأ الآن». بهذه الكلمات أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عودته رسمياً إلى ساحة السباق الرئاسي في الولايات المتحدة، ممهداً لعامين من التجاذبات السياسية والمشاحنات الحزبية.
وقف ترمب على منصة غلفتها الأعلام الأميركية وأمامه جمهور من مناصريه في مقر إقامته في مارالاغو - فلوريدا، وحذر قائلاً: «الطريق أمامنا لن تكون سهلة. أي شخص يسعى لمواجهة هذا النظام المغشوش والفاسد سيواجه بعاصفة من النار لا يفهمها إلا القلائل».
رسالة واضحة ليست لخصومه الديمقراطيين فحسب، بل ولمنتقديه الجمهوريين، الذين حثوه حتى اللحظة الأخيرة على إرجاء إعلانه هذا إلى ما بعد انتخابات ولاية جورجيا في السادس من الشهر المقبل. فالجمهوريون لا يزالون يضمدون جراحهم بعد الانتخابات النصفية التي كلفتهم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ومعظمهم وجه أصابع اللوم في الخسائر التي تكبدوها للرئيس السابق، معتبرين أن دعمه مرشحين موالين له لكن غير مؤهلين للفوز كلفهم مقاعد كانت تعد سهلة المنال.
تحدي «الناخب المستقل»
ويتهم هؤلاء الرئيس السابق بدفع الناخبين المستقلين إلى التصويت لمرشحين أكثر اعتدالاً، الأمر الذي أدى إلى فوز الديمقراطيين في عدد من الولايات، مثل بنسلفانيا وأريزونا. وهذا ما تحدث عنه زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل الذي قال: «لقد أخفقنا في استقطاب المستقلين والمعتدلين، لأن الكثيرين من قيادات الحزب يعتقدون أنهم شاركوا في اعتداءات مفرطة، وكانوا سلبيين وفوضويين، وهذا يخيف الناخب المستقل والجمهوري المعتدل».
ويواجه ترمب مجموعة بارزة من الجمهوريين الذين لمحوا هم بدورهم إلى نيتهم الترشح للانتخابات الرئاسية، لكنهم اختاروا الانتظار إلى ما بعد انتخابات جورجيا. أبرز هؤلاء صديقه اللدود حاكم ولاية فلوريدا رون ديسنتس الذي حقق فوزاً ساحقاً في الانتخابات النصفية، وقلب الولاية المتأرجحة عادة إلى اللون الأحمر القاني. وقال ديسنتس، الذي يتعرض لهجوم مكثف من ترمب: «هؤلاء الناخبون المستقلون لم يصوتوا لمرشحينا، حتى في وقت يوجد فيه بايدن في البيت الأبيض ويرتكب كل تلك الأخطاء التي نراها. هذه مشكلة».
وانضم مايك بنس، نائب ترمب السابق وأحد المرشحين المحتملين للرئاسة، إلى مجموعة المنتقدين فقال إن «المرشحين الذين ركزوا جهودهم على قضايا مهمة كالتضخم والجريمة قاموا بعمل جيد، على عكس المرشحين الذين ركزوا على الطعن بنتيجة انتخابات العام 2020»، في إشارة إلى المرشحين المدعومين من ترمب الذين خاضوا السباق على أساس التشكيك بنتائج الانتخابات الرئاسية، كالمرشحة لمنصب حاكم ولاية أريزونا كيري لايك.
وكما هو معهود، انقض ترمب على المنتقدين في خطابه الذي استمر أكثر من ساعة مساء الثلاثاء، فخفف من أهمية الخسارة التي يتحدث عنها الجمهوريون، مشيراً إلى فوزهم بالأغلبية في مجلس النواب، ولو كانت أغلبية بسيطة، كما أشار إلى أن الناخب الأميركي «لم يشعر بعد بالألم الذي تمر به البلاد»، فقال: «الأميركيون لم يشعروا بعد بالألم الذي تعيشه بلادنا. لكنهم سيشعرون به قريباً. وليس لدي أدنى شك أن الأمور ستكون أسوأ من الآن وحتى عام 2024، وسوف يرون بوضوح ما يجري».
وتحدث ترمب عن التضخم وارتفاع الأسعار ومشاكل الهجرة غير الشرعية، فقال بلهجة سوداوية: «نحن أمة في تدهور. نحن أمة فاشلة. ونحن هنا لنعلن أن الأمور لا يجب أن تكون على ما هي عليه اليوم»، مضيفاً «سوف أحرص على ألا يحصل جو بايدن على 4 أعوام إضافية. بلادنا لن تتحمل ذلك».
وتغنى الرئيس السابق بسجله في الاقتصاد وأمن الحدود، إضافة إلى التصدي لخصوم الولايات المتحدة كالصين، مشدداً على أنه تجنب «الكثير من الحروب» على عكس الرئيس الحالي.
ترمب بمواجهة بايدن والجمهوريين والقضاء؟
وفيما شن الرئيس السابق البالغ من العمر 76 عاماً هجوماً عنيفاً على خلفه جو بايدن، الذي سيحتفل بعيد ميلاده الـ80 يوم الأحد، قال الأخير في تغريدة على «تويتر» إن ترمب «خذل أميركا»، من دون أن يتحدث عن أي خطط لخوض السباق الرئاسي مجدداً.
ومما لا شك فيه أن خطوة ترمب بالترشح هي مراهنة سياسية بامتياز، فهو أول رئيس سابق في التاريخ المعاصر يقرر العودة إلى البيت الأبيض. قبل ذلك، تمكن رئيس واحد فقط من الفوز بالرئاسة مجدداً في العام 1892 وهو غروفر كليفلاند.
بالإضافة إلى المفارقة التاريخية، يواجه ترمب تحديات قضائية عدة تتراوح ما بين تحقيقات في شركاته، ومساعيه لقلب نتائج الانتخابات، واحتفاظه بسجلات سرية في مقر إقامته في مارالاغو.
ويشير البعض إلى أن توقيت إعلان ترمب سيضع وزارة العدل في موقف حرج، إذ إن وزير العدل ميريك غارلاند حرص على عدم توجيه أي اتهامات لترمب في قضية مارالاغو قبل الانتخابات النصفية لتجنب أي تشكيك بتسييس القضية في موسم انتخابي. ففاجأه الرئيس السابق بتوقيت إعلانه، ووضعه في موقف حرج في هذا الإطار، فإذا ما قرر إدانته، فسوف يؤدي هذا إلى اتهامات بالتسييس والانحياز.
«تشريح النتائج»
يخوض ترمب السباق في وقت يسعى فيه الجمهوريون إلى تعزيز صورة حاكم ولاية فلوريدا في الحزب، وتقديمه على أنه الوجه الجديد لهم.
ويوافق مناصرو ترمب ومنتقدوه من الحزب على نقطة واحدة: الانتخابات النصفية غيرت وجه الحزب جذرياً، ودفعت بقياداته إلى إجراء ما يسمى بـ«تشريح للحزب» لمعرفة أسباب الإخفاقات. ويختصر السيناتور الجمهوري جوش هاولي، وهو أحد داعمي ترمب، المشكلة بهذا التصريح: «الانتخابات النصفية كانت جنازة الحزب الجمهوري الذي نعرفه».
ورغم أن بعض استطلاعات الرأي تشير إلى أن شعبية ديسنتس تفوق شعبية الرئيس السابق في صفوف الحزب الجمهوري، فإن هذه الاستطلاعات أثبتت فشلها في السابق، فعادة ما يفاجئ ترمب المشككين بالدعم الواسع الذي يحظى به في صفوف مناصريه.
وهذا ما أظهره استطلاع جديد لصحيفة «بوليتيكو» أشار إلى أن 47 في المائة من الجمهوريين والمستقلين سيدعمون ترمب في حال جرت الانتخابات اليوم، مقابل 33 في المائة قالوا إنهم سيدعمون ديسنتس.