نادية هناوي: الاختلافية هي أساس رؤيتي النقدية

الناقدة العراقية قالت إن أكثر من كاتب وصف مشروعها بالانقلابي وهي مقتنعة بذلك

د. نادية هناوي
د. نادية هناوي
TT

نادية هناوي: الاختلافية هي أساس رؤيتي النقدية

د. نادية هناوي
د. نادية هناوي

خلال مسيرتها النقدية التي نيفت على العقدين، وهما عقدان موّاران بالتطورات والتحولات على صعيد الأدب عامة والنقد خاصة، تعددت مساهمات الناقدة نادية هناوي الإبداعية التطبيقية والنظرية؛ كتباً ودراسات ومقالات ومحاضرات، عبر أهم منصات التواصل الثقافي، وآخرها كتابها «علم السرد ما بعد الكلاسيكي» الذي أثار اهتماماً ملحوظاً، في الأوساط النقدية. وبالمناسبة كان لنا معها هذا الحوار عن هذا الكتاب:

> أثار كتابكِ «علم السرد ما بعد الكلاسيكي» بجزأيه اهتماماً ملحوظاً وكُتبت عنه عدة مقالات... ما السبب في رأيك؟ لأنك وقفت فيه عند مسائل شائكة؟ أم لأن مادته جديدة ومغايرة لما هو مألوف في النقد العربي؟
- لا دوافع سابقة وراء أي دراسة أنشرها أو كتاب أنجزه سوى دافعية البحث عما يضيف إلى المعرفة جديداً، ويفتح آفاقاً تحمل على المغايرة والاختلاف. وهذه الدافعية وليدة في داخلي منذ أن وضعت خطواتي على أعتاب البحث العلمي فكان هو نهجي ومنهجي. ومن يطالع دراساتي ومقالاتي منذ 2001، وإلى اليوم، فسيجد أني لا أكرر نفسي أو أتبع غيري أو أكتفي بما يستورد مترجماً من نظريات ومصطلحات ومناهج أو ما يطرح عربياً من تطبيقات وتحليلات. فأنا أجد أن في أدبنا وتجارب أدبائنا خصوصيات تفرض على نقدنا أن يكون ذا بصمة خاصة، يتأهل بها لأن يملك هويته المميّزة. ولعل خاتمة أطروحتي للدكتوراه التي فيها وضعت تصوراتي للخروج من أزمة نظرية في نقدنا العربي هي أول دليل على ذلك، أما أحدث دليل فهو كتابي «علم السرد ما بعد الكلاسيكي». وكما تفضلت في سؤالك، فإن الكتاب أثار اهتماماً ولاقى جزآه الأول والثاني، ترحيباً من لدن كتّاب عراقيين وعرب، وأنا بصدد إنجاز جزئه الثالث، ولعل البحث سيقودني إلى جزء آخر منه ربما.
> ما بين علم السرد البنيوي وعلم السرد ما بعد الكلاسيكي اختلافات والتقاءات وربما تعارضات، كيف تنظرين إلى هذه المسألة؟ وعلى أي مدرسة نقدية تعتمدين في صياغة رؤاك وتشكيل تصوراتك وآرائك؟
- الاختلافية هي أساس رؤيتي النقدية التي تجعلني أرى السرد علماً ذا تراتبيات تكشف وتستقصي وتستقرئ. وقد نظر النقاد الغربيون إلى معرفية هذه التراتبيات، فعدوها تقليدية (كلاسيكية)، وبعضهم الآخر رآها غير تقليدية فسماها «ما بعد كلاسيكية»، لكن ذلك لا يغير من حقيقة أن هذه التراتبيات بمجموعها هي علمية بكل ما فيها من الأصالة والمغايرة، وبغض النظر عما تتصف به من وضوح أو شائكية. ولا أرى نفعاً في الارتكان إلى تراتبية مدرسية معينة في السرد، لأن علم السرد ـ مثل كل العلوم ــ متغير ومتبدل ومن ثم تظل آفاقه قابلة لأن تتجدد فتضيف إلى سابقها تجديداً. وكل تجديد هو استمرار في التطوير بحثاً عما هو مستحدث من مفاهيم أو اتجاهات أو اشتغالات. ولا شك في أن راهنية علم السرد تفرض على المشتغلين أن يبحثوا نظرياً وإجرائياً عما يسد نقصاً مفاهيمياً هنا، أو يعالج قصوراً اصطلاحياً هناك، أو يقوّم عثرات أصابت بعض مساراته أو تعقيدات أشكلت على دارسيه.
> طرحتِ مشروعاً عن الأقلمة السردية في مساهماتك الأخيرة، لا سيما محاضراتك في عدة منصات، وأثرت بها حواراً مع أكثر من ناقد عربي حوله، ما أهمية موضوعة الأقلمة برأيك؟ وكيف يمكنها أن توفق نقدياً بين الرؤية الفكرية والرؤية الجمالية في قراءة سردنا العربي؟
- للسرد العربي تاريخ بعيد هو تاريخ اللغة العربية نفسه، ومثلما تركت اللغات السامية أثراً مهماً في اللغة العربية كذلك تركت الآداب القديمة السومرية والبابلية أثراً في السرد العربي، فضلاً عن أثرها في آداب الأمم المجاورة. وهذا ما ينبغي أخذه بنظر الاعتبار عند دراسة تاريخ سردنا القديم. وما من سبيل لترسيخ هذه الحقيقة والحفر فيها وكشف خفاياها سوى بالأقلمة التي بالعمل عليها سنضع هذا التاريخ في مكانه اللائق بين السرديات العالمية. ولقد فَهم بعضهم الأقلمة السردية - ولأسباب مختلفة - على أنها مفهوم نقدي أو منهج مقارن وتصورها بعضهم الآخر أنها فرضية غير قابلة للتطبيق وتطلع طوباوي مستحيل.
وليس من سبيل لتطوير واقعنا النقدي ما لم نعتمد أولاً على ما في أدبنا من مخزونات إبداعية وأن نثق بما لدينا من طاقات بحثية آخراً. ولن نخسر شيئاً إن نحن جرّبنا وحاولنا، ثم إن مرحلتنا العولمية انفتاحية وفيها تقوّضت الهرمية وتميّعت، وحلّت محلها منظورات اندماجية، تقتضي منا استثمارها، كي نؤكد خصوصيات تاريخنا الأدبي الشعري والسردي ونبني لنقدنا هوية هي مهمة في ظل عالم كوزموبوليتي فيه الحدود متداخلة والمسافات عابرة بين الآداب. والأدب الذي لا يسعى إلى امتلاك هويته ستضيع خصوصيته في ركب العولمة فلا تعرف لغته ولا تراثه ولن يكون له حاضر يؤسس لمستقبل. ويمكننا في ميدان علم السرد أن نتفاعل مع المنظرين الغربيين مفيدين من كشوفاتهم، وفي الوقت نفسه نمضي معهم كتفاً بكتف في بلورة خصوصياتنا وعندها سنقف على الجديد وقد نكشف ما لم يكشفه أولئك المنظرون بدل أن نتقوقع في مدارسة ما درسوه.
من هنا تكون الأقلمة السردية مشروعاً لا فرضية أو نظرية أو مفهوماً أو منهجاً. وهذا المشروع لا يقوم به فرد أو مؤسسة واحدة، بل هو يتطلب جهداً جماعياً مؤسساتياً ننخرط به في مجاراة ما يشهده عالم النقد اليوم من متغيرات، وفي الآن نفسه الاشتغال على حفظ هويتنا من دون كولونيالية مراكز متفوقة وهوامش اتباعية متدنية، وبعيداً عن التعنصر الشوفيني والانغلاق القومي.
وأقول بأسف إن نقدنا الأدبي ومنذ ثمانينات القرن العشرين وإلى اليوم، ترك مركبه لرياح التبعية تسير به كيف تريد من دون أن تكون له قولته وهذا أمر خطير. واتضحت لي هذه الخطورة مع دعوتي إلى «الأقلمة»، فكان أمر استقبالها باهتاً نقدياً؛ كأن ناقدنا العربي لا يريد الخروج من شرنقة التبعية فلا يقول كفى للاتباعية ناظراً بجدية إلى ما عنده من مميزات، متخلصاً من عقدة الخواجة وبانياً ذاته المعرفية. وما ينبغي أن نعمل عليه نحن النقاد هو الاشتراك مع الآخر الغربي في أروقة درسه فنضيف إليه جديداً مثلما هو يشترك معنا ويضيف إلى أروقة درسنا المستجد والحديث. وهو طريق سار فيه النقاد الصينيون والنقاد الروس حتى في المرحلة السوفياتية وبوريس بورسوف مثالاً.
> على هذا الأساس نحتاج إلى مراجعة جديدة للنقد العربي، ما الذي حاولتِ الإتيان به في تأكيد حاجتنا إلى هذه المراجعة؟
- من يراجع مقالاتي سيجدني حريصة على المراجعة والتأشير على سلبيات النقد العربي الراهن وتحديد آفاته حتى لا سبيل لإصلاح هذه الحال سوى أن نؤمن واثقين من قدراتنا النقدية، وندرك أن لنا اجتهاداتنا التي يمكن لنا أن نتفاعل بها مع الآخر من أجل توسيع الآفاق البحثية، لا أن ننكفئ على ذواتنا مكتفين بما لدينا من منطلقات وقد نهشم مجاذف بعضنا خوفاً من أي جديد نعتقد أنه سيضرنا أو يخطف منا مجهوداتنا أو يفقدنا ما لدينا. وما من آفة تواجه نقدنا الراهن سوى آفة تقزيم بعضنا بأن نتجاهل ما في نقادنا العرب من طاقات، بينما نضع ثقتنا كاملة في الغربيين متحيزين لهم ومنحازين إليهم.
> في الجزء الثاني من كتابك «علم السرد ما بعد الكلاسيكي» تناولت نظرية السرد غير الواقعي... فهل ثمة فرق بينه وبين «السرد العجائبي»؟
- لا علاقة للسرد غير الواقعي بأي صورة من صور المذهب الواقعي، ومنها العجائبية التي وضع تودوروف فيها تنظيرات مهمة. وإذا كان السرد العجائبي يتخيّل الواقعي من أجل تصعيد الواقع، فإن السرد غير الواقعي يتخيل ما لا واقع له كي يكون واقعياً، أي أنه لا يريد أن يغير الواقع ولا أن يعيد صنعه، بل هو يصنع واقعاً لا خطوط محددة فيه وما من محاكاة أو انعكاس.
أنا لم أخترع نظرية السرد غير الواقعي أو كان اقتراحها جزافاً، بل هي جاءت على خلفية ما في مروياتنا السردية القديمة من تقاليد عليها تأسست أرضية السرد الواقعي. وبالطبع أفدت كثيراً في ذلك من آخر الأبحاث والدراسات حول السرد ما بعد الكلاسيكي والسرد غير الطبيعي.
> تجربتكِ النقدية شمولية بمعنى أنها تهتم بمختلف الأجناس الادبية سرداً وشعراً وترود ميادين مجاورة كالاجتماع والسياسة والتاريخ والفلسفة، كيف أفاد هذا الشمول مشروع نادية هناوي النقدي؟ وهل لديك اهتمامات أخرى تتعلق بالحياة العربية والقضايا العربية الأساسية فيها؟
- وَصَف أكثر من كاتب مشروعي النقدي بالانقلابي وأنا مقتنعة بهذا الوصف، وأجد أن لا مشروع يوصف بأنه انقلابي إلا إذا كان مختلفاً. ولعل مرد هذا الاختلاف هو في اجتراحاتي النظرية وما دشنته من نظريات وما دخلت فيه من سجالات مع النقاد، فضلاً عن تواصلي البحثي الذي فيه أحرص كثيراً على الاستقلالية والابتعاد عن التكتل والأدلجة والانغلاق. وأرى أن الناقد العربي اليوم يواجه تحديات معرفية كثيرة، وأولها أن تكون له لغة خاصة وبأدوات كافية تعطيه قدرة على مجاورة العلوم والمداخلة بين التخصصات، ومن هنا كانت أبحاثي في مجال النسوية وعلم الاجتماع والتاريخ والفلسفة والميثولوجيا وغيرها.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يطمح الفنان المصري هشام نوّار إلى إعادة تشكيل الجسد بصرياً عبر معرضه «الجميلات النائمات» متشبعاً بالعديد من الثيمات الأيقونية في الفن والأدب والتاريخ الإنساني، خصوصاً في التعامل مع الجسد الأنثوي، بما يحمله من دلالات متعددة وجماليات عابرة للزمان ومحيّدة للمكان.

يذكر أن المعرض، الذي يستضيفه «غاليري ضي» بالزمالك (وسط القاهرة) حتى 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يضم ما يزيد على 50 لوحة تتنوع خاماتها بين استخدام الألوان الزيتية على القماش بمساحات كبيرة، وبين الرسم بالألوان في مساحات أقل.

ويعدّ الجسد بمفهومه الجمالي والفني هو محور المعرض، والجسد الأنثوي تحديداً هو الأكثر حضوراً، بينما تبقى الوضعية الرئيسية التي اختارها الفنان، وهي فكرة «تمثال الكتلة» المصري القديم، وتوظيفه على هيئة فتاة نائمة هي الأكثر تعبيراً عن الفكرة التي يسعى لتقديمها، واضعاً ثيمتي الجمال، ممثلاً في الجسد الأنثوي، والنوم ممثلاً في وضعية واحدة تجسد المرأة، وهي نائمة في وضع أشبه بالجلوس، في إطار مشبع بالدلالات.

اللونان الأصفر والأحمر كانا لافتين في معظم الأعمال (الشرق الأوسط)

وعن المعرض، يقول هشام نوار: «الفكرة تستلهم تمثال الكتلة المصري القديم، فمعظم الشخصيات التي رسمتها تعود لهذا التمثال الذي ظهر في الدولة المصرية القديمة الوسطى، واستمر مع الدولة الحديثة، ويمثل شخصاً جالساً يضع يديه على ركبته، وكأنه يرتدي عباءة تخبئ تفاصيل جسده، فلا يظهر منه سوى انحناءات خفيفة، ويكون من الأمام مسطحاً وعليه كتابات، وكان يصنع للمتوفى، ويكتب عليه صلوات وأدعية للمتوفى».

ويضيف نوار لـ«الشرق الأوسط»: «تم عمل هذا التمثال لمهندس الدير البحري في الدولة الحديثة، الذي كان مسؤولاً عن تربية وتثقيف ابنة حتشبسوت، فيظهر في هيئة تمثال الكتلة، فيما تظهر رأس البنت من طرف عباءته، ومحمود مختار هو أول من اكتشف جماليات تمثال الكتلة، وعمل منها نحو 3 تماثيل شهيرة، هي (كاتمة الأسرار) و(الحزن) و(القيلولة)».

حلول جمالية بالخطوط والألوان (الشرق الأوسط)

وقد أهدى الفنان معرضه للكاتب الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا (1899 - 1972) الحائز على نوبل عام 1968، صاحب رواية «منزل الجميلات النائمات» التي تحكي عن عجوز يقضي الليل بجوار فتاة جميلة نائمة بشرط ألا يلمسها، كما أهداه أيضاً للمثال المصري محمود مختار (1891 – 1934) تقديراً لتعامله مع فكرة «تمثال الكتلة».

وحول انتماء أعماله لمدرسة فنية بعينها، يقول: «لا يشغلني التصنيف، ما يشغلني معالجة خطوط الجسد البشري، كيف أجد في كل مرة حلاً مختلفاً للوضع نفسه، فكل لوحة بالنسبة لي تمثل الحالة الخاصة بها».

الفنان هشام نوار في معرضه «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

ويشير نوّار إلى أنه لم يتوقع أن يرسم كل هذه اللوحات، وتابع: «الفكرة وراء الجميلات النائمات الممنوع لمسهن، لكن تظل المتعة في الرؤية والحلم الذي يمكن أن يحلمه الشخص، حتى إن ماركيز قال إنه كان يتمنى أن يكتب هذه الرواية».

«يؤثر التلوين والتظليل على الكتلة، ويجعلها رغم ثباتها الظاهر في حال من الطفو وكأنها تسبح في فضاء حر، هنا تبرز ألوان الأرض الحارة التي احتفى بها الفنان، وتطغى درجات الأصفر والأحمر على درجات الأخضر والأزرق الباردة»، وفق الكاتبة المصرية مي التلمساني في تصديرها للمعرض.

أفكار متنوعة قدّمها الفنان خلال معرض «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

وتعدّ مي أن هذا المعرض «يكشف أهمية مقاومة الموت من خلال صحوة الوعي، ومقاومة الذكورية القاتلة من خلال الحفاوة بالجسد الأنثوي، ومقاومة الاستسهال البصري من خلال التعمق الفكري والفلسفي؛ ليثبت قدرة الفن الصادق على تجاوز الحدود».

وقدّم الفنان هشام نوّار 12 معرضاً خاصاً في مصر وإيطاليا، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، وعمل في ترميم الآثار بمنطقة الأهرامات عام 1988، كما شارك مع الفنان آدم حنين في ترميم تمثال «أبو الهول».