الصراعات الحزبية واتهامات الفساد تعصف بتوافقات النجف

أول محافظ يطلب من البرلمان حل حكومة محافظته

الصراعات الحزبية واتهامات الفساد تعصف بتوافقات النجف
TT

الصراعات الحزبية واتهامات الفساد تعصف بتوافقات النجف

الصراعات الحزبية واتهامات الفساد تعصف بتوافقات النجف

في حادثة تعد الأولى في العراق منذ الإطاحة بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في عام 2003 وتشكيل الحكومات المحلية في المحافظات العراقية وفق الدستور الذي تم التصويت عليه في عام 2005. قدم عدنان الزرفي محافظ النجف (161 كلم جنوب غربي العاصمة بغداد) طلبا رسميا للبرلمان العراقي بحل مجلس المحافظة وإجراء انتخابات مبكرة، وذلك بعد قرار المجلس باستجواب المحافظ على خلفية تهم بالفساد وهدر المال العام.
وفي الوقت الذي أكد فيه المحافظ أن الطلب قدم فعليا للبرلمان وأن المحكمة الاتحادية هي الفيصل إذا ما تم رفض الطلب، بين خبير قانوني أن «حل المجلس يتطلب أغلبية كبيرة ويجب أن يكون قبل قرار الإقالة»، فيما بين خبير استراتيجي أن «التحالفات الجديدة وتوافق المصالح ورفض الكتل السياسية الشيعية الكبيرة لشخص عدنان الزرفي السبب وراء محاولات تغيره».
وقال محافظ النجف عدنان الزرفي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «البرلمان العراقي تسلم طلبا رسميا من قبلنا نطالب فيه بحل مجلس المحافظة وإجراء انتخابات مبكرة وذلك بعد ما رصدناه من خروقات دستورية قام بها المجلس الحالي». وأضاف: «لقد وجدنا أن مجلس المحافظة غير من خطابه السياسي الخدمي لأهالي النجف إلى الحزبي الأمر الذي أنعكس سلبا على الوضع الأمني في المحافظة، كما بدأت الشركات الاستثمارية بالعزوف والخوف من العمل في النجف مما سبب أضرارا كبيرة بالاقتصاد الوطني وذلك بسبب تدخل أعضاء المجلس بالكثير من الأمور». وتابع أن «كل هذه الأمور وأكثر تم إدراجها في الطلب المقدم للبرلمان وإذا ما رفض النظر فيه ستكون المحكمة الاتحادية العليا هي الفيصل بيننا».
مجلس محافظة النجف الذي يتكون من 29 عضوا مقسم على النحو التالي 9 مقاعد لقائمة الوفاء للنجف التي يتزعمها المحافظ الحالي عدنان الزرفي، و6 مقاعد لائتلاف المواطن، و5 مقاعد لائتلاف دولة القانون، و4 مقاعد لتيار الأحرار، ومقعدين لتيار الدولة العادلة بزعامة قحطان الجبوري رئيس مجلس المحافظة الحالي، ومقعد واحد لكل من ائتلاف النجف للتغيير وتجمع النهضة والبناء وحزب الدعوة تنظيم الداخل.
وشهدت الأيام الماضية تشكيل تكتل جديد باسم (التحالف الوطني) يحتوي 6 كيانات سياسية تضم 19 عضوا في المجلس يهدف لاستجواب المحافظ وإقالته، حيث قال رئيس كتلة المواطن في مجلس محافظة النجف خالد الجشعمي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «التحالف الجديد يضم أغلب الكتل السياسية في مجلس المحافظة باستثناء كتلة (الوفاء للنجف) التي يتزعمها عدنان الزرفي، ويهدف التحالف إلى إعادة رسم الخريطة السياسية في المحافظة التي تعاني حاليا من أزمة حقيقية بسبب سوء الإدارة والهدر في المال العام وشبهات الفساد والتخبط بالقرارات من قبل الشق التنفيذي للحكومة المحلية».
وأضاف أن «البرلمان تلقى طلبا من المحافظ لحل مجلس المحافظة من دون الرجوع إلينا وهذا دليل واضح ومخالفة قانونية حيث يحاول الزرفي التهرب من جلسة الاستجواب التي حددناها له».
إلى ذلك، قال الخبير القانوني القاضي علي حسين في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «محافظ النجف استند على المادة 20 من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008، وهذه المادة تخول رسميا البرلمان حل مجلس المحافظة قبل انتهاء مدته المقررة بأربع سنوات».
وأضاف أن «الأمر حاليا بيد البرلمان حيث يتطلب التصويت عليه وبالأغلبية أي 161 عضوا وهذا أمر يجب أن يسبق عملية استجواب المحافظ من قبل المجلس أو التصويت على إقالته».
من جهته، قال الخبير الاستراتيجي الدكتور محمد فيصل إن «محافظة النجف وبسبب وجود المرجعية الدينية الشيعية العراقية فيها تعد ذات أهمية استراتيجية لجميع الأحزاب الدينية ومسألة استجواب المحافظ والتلويح بإقالته جاءت على خلفية عدد من الأمور وفي مقدمتها أن المحافظ عدنان الزرفي يمثل خطا ليبراليا وله كتلة محلية لا تنسجم مع الأحزاب الدينية الكبيرة المشكلة للمجلس فهو يحمل الجنسية الأميركية وله علاقات واسعة مع الدول الغربية وليس محسوبا بشكل تام على الخط الإيراني».
وأضاف أن «حلفاء الزرفي كدولة القانون انقلبت عليه فالتسريبات من داخل التحالف الجديد في النجف أن المحافظ الجديد سيكون منها، أي صراع المناصب والسلطة والسيطرة على الثروات كانت الغاية من محاولات إقالته، لكن الزرفي استبق عملية الإقالة بالتوجه نحو البرلمان الذي تسيطر عليه الأغلبية الشيعية مراهنا بذلك على علاقاته مع الأحزاب الأخرى كالتحالف الكردستاني واتحاد القوى»، لافتا إلى أن «المسألة تبدو معقدة ويراد منها الإطالة في البقاء بالمنصب والرهان على عنصر الوقت لكسب تأييد حلفاء جدد في مجلس النجف وتفكيك التحالف الحالي الذي شكل ضده».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.