جاء اليوم الثاني (السبت) من فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ19 حافلا بالفقرات الفنية والأنشطة الموازية، التي استعادت بها التظاهرة نشاطها مجددا، بعد سنتين من التوقف الاضطراري، بفعل تفشي وباء «كورونا».
وترأس الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان، حفل عشاء أقامه الملك محمد السادس، بمناسبة الافتتاح الرسمي لهذه التظاهرة السينمائية التي كانت فعالياتها قد انطلقت الجمعة، بقصر المؤتمرات، بحضور شخصيات مرموقة من عوالم الفن والسينما والثقافة.
كما كان الموعد مع حفل تكريم المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الأميركي جيمس غراي، الذي تسلم «النجمة الذهبية» من يدي الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار، التي سبق أن أدت دور البطولة في فيلمه الرابع «المهاجر»، سنة 2013.
وشكر غراي ملك المغرب محمد السادس والأمير مولاي رشيد، وكذا إدارة المهرجان، على منحه «النجمة الذهبية»، معربا عن سعادته بالحضور إلى مراكش، التي قال إنها تحتل مكانة خاصة في قلبه، كما تثير إعجاب أفراد عائلته، مستحضرا مشاركته في دورة 2018 التي ترأس خلالها لجنة التحكيم، مشيدا بمستوى الإنتاجات السينمائية التي تعرض بهذا المحفل الفني الكبير.
الأمير مولاي رشيد والممثل الهندي رانفير سينغ وفي الصورة ميليتا توسكان دو بلونتيي
كما عبر غراي عن سعادته بتقديم فيلمه «زمن هرمغدون» للجمهور المغربي؛ وهو الفيلم الذي قال عنه إنه فيلم شخصي للغاية، لا يعكس جوانب معينة من طفولته فحسب، بل يتطلع أيضا إلى المستقبل، ويقدم صورة عن بعض المشاكل والوقائع الجائرة التي ما زالت حاضرة في عالم اليوم.
وكان غراي قد خاطب إدارة المهرجان، قبيل وصوله إلى مراكش، قائلا: «أشكركم لأنكم شعرتم بهذه الموضوعات التي أتطرق لمعظمها في جميع أفلامي. شكرا لكم على هذا التكريم الرائع».
وإذا كان غراي واحدا من المخرجين الأميركيين الذين حققوا النجاح في عقد التسعينات إلى جانب كوينتين تارانتينو وبول توماس أندرسون وديفيد فينشر وويس أندرسون، فإنه يبقى من دون شك أكثر من لا يعرفه عامة الناس من بينهم، لكنه، في مقابل ذلك، أكثر من يحظى بتقدير عشاق السينما من بين باقي زملائه من المخرجين. ربما لأن أفلامه، بنقائها السردي وهوسها المزدوج بالعائلة والطبقة الاجتماعية، وبطريقة عرضها للمشاعر الإنسانية في شكلها الخام من دون أي قيود، تبدو وكأنها شيء من مفارقة تاريخية، كما لو أنها عودة لبزوغ العصر الذهبي لسينما هوليوود من جديد في فترة يتم فيها تعريف معظم الأفلام الأميركية بالرجوع إلى ثقافة البوب الشعبية وحركة ما بعد الحداثة التي كانت رائجة في تلك الفترة.
وتتميز سينما غراي بأنها عصرية وشخصية إلى حد كبير، فهي تحمل بصمة كلاسيكية مستوحاة من المخرجين الأوروبيين الكبار من حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لا سيما السينمائيين الإيطاليين أمثال فيديريكو فيليني ولوتشينو فيسكونتي وفيتوريو دي سيكا، والأفلام الملحمية التي أنجزها فرنسيس فورد كوبولا في عقد السبعينات، إذ إن قصص غراي حميمية وشاملة، من النادر أن نجدها تبتعد عن موطنه الأصلي نيويورك، حيث صور ستة من أحدث أفلامه الطويلة الثمانية. وكمثل أبطاله وبطلاته الذين يسعون جاهدين من أجل حياة أفضل في مدينة غالبا ما تدينهم منذ البداية، تبدو أفلام غراي كأنها مقيدة بنفس الموضوع – كما لو كان ذلك هو قدرها – مهما كانت جهودك، لا يمكنك أن تتخلص من أصولك. وبالنسبة للناقد جوردان مينتزر، فغراي كلما كانت أفلامه تشبه رؤيته الشخصية العميقة للفن وللسينما كطريقة للوصول إلى حقائق عاطفية عميقة، فإنها تحدثت بشكل مباشر إلى كل واحد منا.
وبرمج مهرجان مراكش لغراي، بمناسبة تكريمه، أربعة من أفلامه: «نحن نملك الليل»، و«عاشقان»، فضلا عن «زمن هرمغدون» و«إلى النجوم»، اللذين عرضا في ليلة تكريمه، بقاعة الوزراء التابعة لقصر المؤتمرات وبساحة جامع الفنا.
ويحكي فيلم «إلى النجوم»، وهو من بطولة براد بيت وتومي لي جونز وروت نيجا، قصة رائد الفضاء روي ماكبريد، الذي يخوض مغامرة بلوغ أبعد مدى في النظام الشمسي بحثا عن والده المفقود، وكذا لأجل حل لغز يهدد بقاء كوكب الأرض. وخلال رحلته، سيواجه ماكبريد حقائق تشكك في طبيعة الوجود البشري، وفي مكانة الإنسان في الكون. فيما يتناول فيلم «زمن هرمغدون»، الذي يؤدي فيه دور البطولة آن هاتهاواي وجيريمي سترونج وبانكس ريبيا وأونتوني هوبكنز، حكاية شخصية للغاية عن انتقال فتى من حي كوينز لمرحلة البلوغ خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، عن قوة العائلة، وعن سعي الأجيال المتعاقبة خلف الحلم الأميركي.
وفضلا عن غراي، والممثل الهندي الذي تم تكريمه في حفل افتتاح الدورة، ينتظر أن يكرم المهرجان، يومي الأربعاء والسبت المقبلين، كلا من المخرجة المغربية فريدة بنليزيد والممثلة الاسكوتلندية تيلدا سوينتون.
وعلى مستوى باقي فقرات المهرجان، دخلت الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية سباق المنافسة، بعرض فيلمي «الثلج والدب» لمخرجته التركية سيلسين إيرغون، و«أشكال» لمخرجه التونسي يوسف الشابي.
ويحكي «الثلج والدب» قصة شابة في مقتبل العمر تم تعيينها حديثا ممرضة في بلدة صغيرة يجتاحها فصل شتاء قاس ويبدو بلا نهاية، جعلها معزولة بالكامل عن العالم، وتجد نفسها في صراع من أجل فرض نفسها في مجتمع تسوده سلطة الرجال. وفي هذا الجو الشتوي، يتم اكتشاف الجوانب الأكثر تعقيدا من الطبيعة البشرية، من خلال الاختفاء المفاجئ لأحد رجال البلدة وانتشار شائعات مفادها أن الدببة خرجت مبكرا من سباتها. ورغم أن الدب هو «بطل» الرواية باعتباره عدوا مفترضا، فإن الخوف المتنامي من ظهوره كان أكبر من العدو نفسه.
فيما ينقلنا فيلم «أشكال» إلى تونس العاصمة، وتحديدا إلى إحدى عمارات حي حدائق قرطاج الذي أنشأه النظام السابق قبل أن تتوقف أعمال بنائه في بداية الثورة. سيكتشف عنصران من الشرطة، فاطمة وبطل، جثة متفحمة في موقع بناء غير مكتمل. ومع استئناف عملية البناء تدريجيا، بدأ المحققان يتعمقان في لغز هذه القضية الغامضة، قبل أن تأخذ عملية التحقيق منعطفا محيرا عند وقوع جريمة مماثلة.
كما انطلقت فقرة «حوار مع...»، بلقاء مع الممثل الهندي رانفير سينغ، الذي لم يخف فخره بتكريمه في مهرجان مراكش وتأثره بدفء الاحتضان من قبل المنظمين والجمهور المغربي، على حد سواء؛ مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن زيارته للمغرب مكنته من الوقوف على حجم العشق الذي يكنه المغاربة للسينما الهندية، الشيء الذي يؤكد، حسب قوله، سحر السينما وقدرتها الهائلة على الربط بين الشعوب والثقافات عبر العالم. وقال سينغ إن كل إنسان يسعى، وسط تعب وتعقيدات الحياة، إلى البحث عن مصدر للفرح والمتعة، مشيرا إلى أن ذلك ما يحضر بقوة في أفلامه الحافلة بمظاهر الفرح، عبر الأغاني والإيقاعات الموسيقية والرقصات الجماعية التي تحتفي بألوان الحياة. وختم بأنه يبقى من المهم بالنسبة إليه أن يكون الشخص الذي يروي قصة رائعة ويقدم رقصة.