رغم أن النتائج النهائية لانتخابات مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين لم تعلن بعد، فقد أظهرت نتائج انتخابات حكام الولايات الأميركية الـ36 المتنافس عليها هذا الأسبوع، التي شهدت منافسة محمومة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تقدماً «ديمقراطياً» في بعض الولايات، التي كانت تحت سيطرة الجمهوريين. وفي حين أظهرت النتائج أن موضوع الإجهاض كان العامل الرئيس الذي لعب دوراً في تعزيز حظوظ الديمقراطيين، عبر إقبال النساء على التصويت، كان لافتاً أيضاً، التقدم الذي سجل في عدد النساء، لتولي هذا المنصب. كذلك ارتفع عدد الحكام النساء إلى 12 من أصل 50 ولاية، ليكشف أيضاً عن «نجمات» واعدات في المشهد السياسي الوطني، مع اقتراب العد التنازلي لبدء معركة الرئاسة الأميركية عام 2024. ومن بين النجوم الصاعدة، حاكمة ولاية ميشيغان الديمقراطية غريتشن ويتمر، التي جدد ناخبو الولاية انتخابها لأربع سنوات أخرى، وتغلبت بذا على منافستها الجمهورية اليمينية تيودر ديكسون، المدعومة من الرئيس السابق دونالد ترمب.
اكتسبت ولاية ميشيغان الصناعية في شمال الولايات المتحدة أهمية خاصة في الانتخابات النصفية هذا العام، بعدما حاول الجمهوريون تكريس تحولها إلى ولاية «حمراء»، منذ فاز فيها الرئيس السابق دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة عام 2016.
غير أن غريتشن ويتمر، الحاكمة الديمقراطية للولاية والعدو اللدود لسياسات ترمب، لعبت دوراً كبيراً في حض النساء والناخبين الديمقراطيين والمستقلين، بل حتى بعض الجمهوريين، على تكثيف المشاركة في التصويت، بعدما حولت الإجهاض إلى قضية رئيسة في حملة إعادة انتخابها. وانعكس ذلك بالفعل في أرقام التأييد التي حصلت عليها من النساء، حاصلة على أكثر من 67 في المائة من أصواتهن.
ما يستحق الذكر، أن ويتمر، وهي محامية ديمقراطية ليبرالية، اكتسبت عام 2013 اهتماماً وطنياً واسعاً بعد إلقائها خطاباً خلال مناقشة حول الإجهاض، شاركت فيه تجربتها في التعرض للاعتداء الجنسي. ثم لمع نجمها أكثر بعدما كلفها الديمقراطيون بإلقاء رد الحزب على «خطاب حالة الاتحاد» الذي ألقاه ترمب عام 2020. وإثر ذلك، ذكرت تقارير عدة، أن الرئيس جو بايدن، خلال حملته الانتخابية عام 2020، وضعها على قائمة المرشحات لمنصب نائب الرئيس، إلى جانب كمالا هاريس وإليزابيت وارين وسوزان رايس. غير أن ويتمر أعلنت في وقت لاحق أنها لا ترغب في هذا المنصب الآن، طالبة من بايدن اختيار «امرأة سوداء».
سياسية جريئة وصارمة
مع هذا، فإن ورود اسم ويتمر على تلك اللائحة القصيرة سلط الأضواء عليها ورفع من مكانتها الوطنية. وكذلك دفع أداء كمالا هاريس «المخيب للآمال» في منصبها نائبة للرئيس، بالنسبة لكثرة من الديمقراطيين الذين يتهمونها بالعجز «عن إحداث أي فارق»، إلى بحث هؤلاء عن وجه «مقاتل» كفء في معركة سياسية، بات الانقسام الحزبي سيد الموقف فيها.
أيضاً، تعزز صعود ويتمر وحضورها الوطني، بعد الحملة الشرسة التي شنها الجمهوريون ضد سياسة الإغلاق الصارمة التي اعتمدتها الحاكمة في ميشيغان إبان جائحة «كوفيد - 19»، وصمودها في وجه الاحتجاجات العنيفة التي نظمها متطرفون يمينيون بيض حاولوا اقتحام مقرها عام 2020، والكشف عن مؤامرة لخطفها من قبل منظمة يمينية متطرفة. وحقاً، ألقت ويتمر خطاباً في المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 2020، أشادت فيه بعمل الرئيس بايدن في إنقاذ صناعة السيارات بميشيغان، وانتقدت تعامل ترمب مع الجائحة.
وفي أوائل يناير (كانون الثاني) 2021، رشحها بايدن المنتخب حديثاً، آنذاك، كأحد نواب الرئيس المرشحين للجنة الوطنية الديمقراطية، لتنتخبها اللجنة مع بقية قائمة المرشحين في 20 يناير من دون معارضة. ونُظر إليها على أنها تتمتع بفرص قوية للحصول على منصب في إدارة بايدن. غير أنها رفضت هذا العرض أيضاً، قائلة إنها غير مهتمة بترك منصبها حاكمةً لولاية ميشيغان.
بدايتها حاكمةً
انتخبت غريتشن ويتمر حاكمة لولاية ميشيغان للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2018، بعد سنوات من خدمتها في الهيئة التشريعية (البرلمان) في الولاية، وأصبحت منذ ذلك الحين صوتاً رائداً في الحزب الديمقراطي. ورغم إعلانها المتكرر أنها لن ترشح نفسها لمنصب الرئاسة عام 2024، سواءً ترشح بايدن أو لم يترشح، فإن العديد من المراقبين يعتقدون أن الحزب الديمقراطي، سيكون «مضطراً لإعادة التفكير في خياراته الرئاسية»، في ظل الشكوك «الصحية» والأسباب «العائلية» التي قد تحول دون ترشح بايدن مجدداً.
والواقع أنه يُنسب إلى ويتمر الفضل في تمكين الديمقراطيين من الفوز للمرة الأولى منذ 40 سنة، بمنصب الحاكم ومقاعد مجلسي الشيوخ والنواب في ميشيغان هذا العام، الأمر الذي أثار على الفور إعجاب «المؤسسة السياسية الديمقراطية» بالحاكمة، التي رسخت حضورها في دائرة الضوء الوطنية نتيجة لفوزها الكبير بإعادة انتخابها.
لقد قادت ويتمر، في حملتها الانتخابية الأخيرة، قائمة الديمقراطيين على مستوى الولاية عبر تركيز حملاتهم على حقوق الإجهاض. كذلك رفعت دعاوى قضائية عدة في محاكم الولاية لمنع «قانون عام 1931» الذي يحظر الإجهاض، من أن يصبح ساري المفعول، بعدما حاول مجلس نواب الولاية الذي كان الجمهوريون يسيطرون عليه، قبل الانتخابات الأخيرة، تفعيله مجدداً، إثر إلغاء المحكمة العليا الأميركية للقانون الفيدرالي المعروف بقضية «رو ضد وايد».
وفي خطابها يوم الأربعاء، أمام أنصارها في مدينة ديترويت، كبرى مدن الولاية، قالت ويتمر «إن قيادة هذه الولاية لمدة أربع سنوات أخرى، امتياز أشعر بالامتنان والحماس تجاهه بشكل لا يصدق». وأردفت: «سنعمل دائماً مع أي شخص يريد حقاً حل مشكلة ما، لأنه لا يوجد شيء أكثر أهمية من شعب هذه الولاية بالنسبة لنا، كل الناس مهمون في هذه الولاية».
قائدة وطنية مستقبلية
من ناحية ثانية، تعد غريتشن ويتر اليوم واحدة بين كوكبة من الديمقراطيين الذين سطع نجمهم بعد الانتخابات النصفية، كقيادات حزبية محتملة. ومن هذه الكوكبة مورا هيلي، التي من المقرر أن تصبح أول امرأة حاكمة لولاية ماساتشوستس وأول حاكمة مثلية على مستوى الولايات المتحدة، وويس مور الذي سيكون أول حاكم أسود لولاية ماريلاند، وحاكم ولاية بنسلفانيا المنتخب جوش شابيرو.
وفي مؤشر على قوة ويتمر، نجاحها في زيادة هامش انتصارها في مقاطعة ماكومب، وهي مقاطعة ساحلية شهدت منافسة حادة، في الجزء الشرقي من الولاية، وكان ترمب قد فاز بها في عامي 2016 و2020، إذ فازت فيها بنسبة 5 في المائة، مقارنة بـ3.5 في المائة عام 2018، وفي تعليق على أدائها، قال ديفيد أكسلرود، الذي كان أحد كبار مستشاري الرئيس باراك أوباما، «ليس هناك أدنى شك في أن اسمها سيكون إلى حد كبير في القائمة عندما يتحدث الناس عن القادة الوطنيين في المستقبل». وتابع: «كان فوزها مثيراً للإعجاب على أرض وعرة... لكنها أثبتت أنها ذكية ومرنة ولديها نوع من الجاذبية».
موضوع آخر، اهتمت به ويتمر ودافعت عن إنجازاتها فيها هو الاقتصاد. وهي تستشهد بإعلان شركة «جنرال موتورز» لصناعة السيارات عن استثمار 7 مليارات دولار في أربع منشآت داخل الولاية لإنتاج السيارات الكهربائية والبطاريات. يُذكر أنه عام 2018، وبعد فوزها بمنصب الحاكم للمرة الأولى، الذي جاء جزئياً على وعد «بإصلاح الطرق السيئة»، قال مكتبها إن ميشيغان «تسير على المسار الصحيح لإصلاح أكثر من 16 ألف ميل من الطرق و1200 جسر».
قدوة نسوية
يكرهها الجمهوريون
في المقابل، تبنى قادة الحزب الجمهوري في الولاية، وجهة نظر مختلفة عن فترة ولايتها. إذ اعتبر جيسون رو، المدير التنفيذي السابق للحزب الجمهوري في الولاية، أن صورة ويتمر بين الديمقراطيين لا تتطابق مع حقيقة سجلها في ميشيغان. وادعى أنه «فيما يتعلق بالإنجازات الحقيقية، فإن سجلها هزيل... لقد صعدت إلى الصدارة بسبب الطرق الوحشية التي نفذت بها أوامر البقاء في المنزل أثناء جائحة (كوفيد - 19)، ما أكسبها مكانة مرموقة بين الديمقراطيين، لأنها استهدفت ترمب على وجه التحديد بصفتها (تلك المرأة من ميشيغان)، كما وصفها ترمب».
وفي سياق متصل، تعرضت ويتمر لانتقادات، بسبب مخالفتها الشروط الصحية التي كانت قد وضعتها إبان فترة الجائحة، بعدما سافرت بالطائرة إلى ولاية فلوريدا وعادت من دون أن تلتزم بحجر صحي لمدة 7 أيام. كما جرى تصويرها مع مجموعة كبيرة من الأشخاص من دون أقنعة، ودون تباعد، في مطعم بمدينة «إيست لانسينغ»، في انتهاك واضح لإرشادات التباعد الاجتماعي، وعلى الأثر، قدمت اعتذارها عن الحادث. ولكن، مع هذا، وجد استطلاع أجرته غرفة «ديترويت» الإقليمية في منتصف أبريل (نيسان)، أن 57 في المائة من سكان ميشيغان وافقوا على تعامل ويتمر مع الجائحة، بما في ذلك تمديد فترة الإغلاق، رغم الاحتجاجات. على أي حال، برزت ويتمر على أنها «بعبع» ضد اليمين، وتلقت مئات التهديدات من ناشطيه المتطرفين. بل، وكانت هدفاً لمحاولة اختطاف من قبل ثلاثة أعضاء من مجموعة شبه عسكرية يمينية، وعلى ذلك علقت «لقد كانت مؤامرة اغتيال، لكن لا أحد يتحدث عنها بهذه الطريقة».
بهذا الصدد، ترى السيناتور الديمقراطية عن ولاية ميشيغان مالوري مكمورو، تصدي ويتمر العنيد لهجمات اليمين، محفزاً لها ولكل المشرعات الأخريات في الولاية. وتضيف: «إذا أظهرت ميشيغان أي شيء، فهي أننا بتنا الاختبار الحقيقي لبقية البلاد... لقد كانت هناك مؤامرة لقتل الحاكمة... ولكن الآن من المتوقع أن تقود الولاية ثلاث نساء، وقد يضم المجلسان غالبية من النساء». وتستطرد قائلة: «بعد هذه الدورة الانتخابية، لا مجال للعبث مع هؤلاء النساء... علينا أن نكون النموذج الذي يجب أن تتبعه الولايات الأخرى إذا كانت تأمل في إعادة بناء سلطة الدولة الديمقراطية».
سيرة ذاتية
ولدت غريتشن إستر ويتمر، قبل 51 سنة، في مدينة لانسينغ عاصمة ولاية ميشيغان، ونشأت فيها. تخرجت في مدرسة فورست هيلز الثانوية بالقرب من مدينة غراند رابيدز (غرب الولاية)، وكلية الحقوق بجامعة ميشيغان الحكومية (ميشيغان ستيت) في إيست لانسينغ، التي كانت في ذلك الوقت تدعى كلية الحقوق في ديترويت.
ويتمر أم لبنتين من زوجها الأول غاري شروزبري. وبعد انفصالهما تزوجت مرة أخرى عام 2011، من طبيب الأسنان مارك بي مالوري، وله ثلاثة أطفال من زواجه السابق. ويعيش الزوجان حالياً في مقر الحاكم بمدينة لانسينغ، مع ابنتيها وأبنائه الثلاثة.
ثم أنها الولد الأكبر بين ثلاثة إخوة لوالديها المحاميين ريتشارد ويتمير وشارون ريسيج. ولقد شغل والدها منصب رئيس وزارة التجارة بالولاية في عهد الحاكم ويليام ميليكين، وكان الرئيس والمدير التنفيذي لفرع شركة «بلو كروس بلو شيلد» للتأمين الصحي في ميشيغان بين عامي 1988 و2006، أما والدتها فعملت مساعداً للمدعي العام في ولاية ميتشيغان، فرانك كيلي. ولدى طلاق الوالدين عندما كانت في العاشرة من عمرها، انتقلت وإخوتها مع والدتهم إلى غراند رابيدز.
على الصعيد المهني، ويتمر محامية ممارسة، وأيضاً سياسية تشغل منصب الحاكم 49 لميشيغان منذ عام 2019. وفكرياً، تصف نفسها بأنها ديمقراطية تقدمية تستطيع العمل مع مشرعي الولاية من وجهات نظر سياسية مختلفة. وخلال مسيرتها السياسية، فشلت في انتخابات مجلس نواب الولاية في التسعينات، قبل انتخابها عام 2000. بعدها، خدمت في مجلس النواب في ميشيغان من 2001 إلى 2006 وفي مجلس شيوخ ميشيغان من 2006 إلى 2015. وعام 2011، اختارها الديمقراطيون بالإجماع لتكون زعيمة الحزب الديمقراطي في مجلس شيوخ الولاية، ما جعلها أول امرأة تقود كتلة حزبية فيه.
وخلال الانتخابات الأخيرة وانتخابات 2018، كانت المرشحة الديمقراطية الوحيدة التي لم تدعم نظام الرعاية الصحية الذي يدفعه الفرد. وبصفتها حاكمة، ركزت على الرعاية الصحية للمرأة وتوسيع برنامج «ميديكايد».
غريتشن ويتمر حاكمة ميشيغان نجمة صاعدة في سماء الحزب الديمقراطي
حوّلت الإجهاض إلى قضية رئيسية للناخبين الأميركيين
غريتشن ويتمر حاكمة ميشيغان نجمة صاعدة في سماء الحزب الديمقراطي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة