الهند: صعود نجم الساسة من أبناء المهاجرين... يناقض حالة الانكفاء القومي داخل البلاد

الهجرات امتدت من جنوب شرقي آسيا إلى أوروبا والأميركتين

ريشي سوناك يحتفل بعيد «ديوالي» أمام مقر رئاسة الحكومة البريطانية
ريشي سوناك يحتفل بعيد «ديوالي» أمام مقر رئاسة الحكومة البريطانية
TT

الهند: صعود نجم الساسة من أبناء المهاجرين... يناقض حالة الانكفاء القومي داخل البلاد

ريشي سوناك يحتفل بعيد «ديوالي» أمام مقر رئاسة الحكومة البريطانية
ريشي سوناك يحتفل بعيد «ديوالي» أمام مقر رئاسة الحكومة البريطانية

بعدما أصبح ريشي سوناك ثالث رئيس وزراء لبريطانيا هذا العام، وأول شخص ملوّن يقود القوة الإمبريالية السابقة، بدأت أنظار وسائل الإعلام العالمية تتجه نحو هذا الأمر. ومع ذلك، لدى إلقاء نظرة على تاريخ العالم، يتضح لنا أن هذا ليس حدثاً استثنائياً من نوعه؛ ذلك أن أفراداً من أصل هندي يرأسون حكومات في جميع أنحاء العالم لعقود حتى الآن. ولدى إعادة النظر في أكثر من 40 سنة من صفحات التاريخ للشتات الهندي المنتشر في جميع أنحاء العالم، نجد أن أكثر عن 31 رجلاً وامرأة من أصول هندية أصبحوا رؤساء أو رؤساء وزراء لكثير من البلدان. ويوجد داخل دول كبيرة مثل الولايات المتحدة وكندا وغيرها كثير من الهنود، الذين صعد بعضهم إلى مناصب حكومية قيادية. ومع ذلك، فإن المثير للاهتمام أن أياً منهم لم يجرِ الاحتفاء به داخل الهند، مثلما حدث مع ريشي سوناك، بسبب أصولهم الهندية. فقد احتفى الهنود على تعدد إثنياتهم بإرثيه الهندي والهندوسي، واحتفل الناس في جميع أنحاء المستعمرة البريطانية السابقة (حتى باكستان) بفخر بوصول سوناك إلى هذا المنصب الرفيع.
تعود أصول أجداد رئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك إلى إقليم البنجاب قبل تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين، هما الهند وباكستان، بعد انتهاء الحكم البريطاني عام 1947. ولقد انتقل ذوو سوناك إلى شرق أفريقيا أواخر الثلاثينات قبل أن يستقروا أخيراً في بريطانيا خلال عقد الستينات. أما سوناك نفسه، فقد ولد عام 1980 في مدينة ساوثهامبتون على الساحل الجنوبي لإنجلترا. واللافت أن أسلافه ليسوا الرابط الوحيد بينه وبين الهند؛ ذلك أنه أيضاً متزوج من أكشاتا مورتي، ابنة الملياردير الهندي إن آر نارايانا مورثي، مؤسس عملاق التكنولوجيا «إنفوسيز». أكثر من هذا، يتحدر عدد من أبرز وزراء الحكومة البريطانية وسابقاتها في السنوات الأخيرة من شبه القارة الهندية، على رأسهم وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، ووزيرة الداخلية السابقة بريتي باتيل، ووزير الخزانة والصحة السابق ساجد جاويد.
جدير بالذكر أن آخر شخص جرى الاحتفاء به في الهند على نحو مشابه للاحتفاء بسوناك، كان نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس، خلال العام الماضي بفضل جذورها الهندية من جانب الأم. ولقد حرص رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، على توجيه التهنئة إلى سوناك، عبر «تويتر»، قائلاً: «نتطلع إلى العمل معاً على نحو وثيق بخصوص القضايا العالمية»، وأردف: «نتمنى بصدق بناء (جسر حي) مع الهنود المقيمين بالمملكة المتحدة من أجل تحويل الروابط التاريخية إلى شراكة حديثة».

سوناك و«قلب الطاولة»
من ناحية ثانية، مع دخول ريشي دار 10 داونينغ ستريت (مقر رئيس الحكومة البريطانية)، راود كثيراً من الهنود شعور بالعزة ـ وربما إثبات القيمة الذاتية. وأعاد البعض نشر عبارة سلبية قالها ونستون تشرتشل مراراً وتكراراً عام 1947 على مشارف الاستقلال الهندي، عندما ندد بالهنود ووصفهم بأنهم «أوغاد ومحتالون ولصوص»، إبان معارضته العنيدة نيل الهند استقلالها. إذ قال: «إذا نالت الهند الاستقلال، فإن السلطة ستؤول إلى أيدي مجموعة من الأوغاد، والمحتالين واللصوص، وسيأتي جميع القادة الهنود دون المستوى وسيكونون أشبه برجال من القش».
لذا اعتبر كثرة في الهند أن صعود ريشي سوناك إلى السلطة في لندن يشكل نوعاً من «قلب الطاولة». وحول كلمات تشرتشل الجارحة أعاد أناند ماهيندرا، رئيس «مجموعة ماهيندرا» العملاقة، نشرها وعلق عليها قائلاً: «كلمات ونستون تشرتشل باقية في الأذهان. اليوم، خلال السنة الخامسة والسبعين لاستقلالنا، نرى رجلاً من أصل هندي بمنصب رئيس وزراء بريطانيا. الحياة جميلة حقاً».
وأعاد ملايين الهنود نشر تغريدة ماهيندرا، بما في ذلك كثير من المشاهير والسياسيين وما إلى ذلك. أيضاً، كتب المشرّع راغاف شادا عبر «تويتر» مغرداً: «اليوم، بينما تحتفل الهند بعيد ديوالي في عامها الخامس والسبعين دولة مستقلة عن بريطانيا، يحكم المملكة المتحدة رئيس وزراء من أصل هندي. التاريخ يدور دورته الكاملة». وقال الصحافي البارز فير سانغفي ساخراً: «إنه لأمر مثير للسخرية بشدة، أن يختار المحافظون، الحزب القديم لتشرتشل، للتوّ زعيمهم الثالث في غضون 6 أسابيع في خضم خلافات سياسية لا تنتهي ومعارك على السلطة. وكان الرجل الذي اختاروه من أصل هندي، رغم أنه لم يكن (مارقاً) ولا (رجلاً ضئيل المستوى)».
من جانب آخر، أشعل تولي ريشي سوناك رئاسة الحكومة في بريطانيا جدلاً من طبيعة مختلفة داخل المجتمع السياسي الهندي، إذ مس موضوع وضع الأقليات وأصحاب الأصول الأجنبية. وشكت أحزاب المعارضة مما اعتبرته هيمنة للغالبية القومية الهندوسية على المشهد السياسي في الهند، وتساءلت حول ما إذا كان ممكناً لزعيم من إحدى الأقليات قيادة البلاد. إذ قال بي تشيدامبارام، زعيم حزب المؤتمر ووزير المالية الاتحاد السابق، في تصريح له، إن الهند بحاجة لتعلم الدرس من بريطانيا. وأضاف: «أولاً كمالا هاريس، والآن ريشي سوناك. لقد احتضن شعبا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المواطنين من غير الغالبية في بلدانهم وانتخبوهم في مناصب عليا في الحكومة... أعتقد أن ثمة درساً يجب أن تتعلمه الهند والأحزاب التي تمارس نظام هيمنة الغالبية». كذلك، علّق السياسي البارز الدكتور شاشي ثارور، الوزير السابق والبرلماني عن حزب «المؤتمر»، قائلاً: «بينما نحتفل نحن الهنود بصعود ريشي سوناك، دعونا نسأل بصدق؛ هل يمكن أن يحدث ذلك هنا؟».
في المقابل، رفض حزب «بهاراتيا جاناتا» (القومي الهندوسي) الحاكم عقد أي مقارنات بين رفضه وصول سونيا غاندي (الإيطالية الأصل) لمنصب رئيسة الوزراء عام 2004 واختيار الحزب الحاكم في بريطانيا سوناك زعيماً له. ورداً على الانتقادات، قال وزير العدل السابق والعضو البارز في «بهاراتيا جاناتا»، رافي شانكار براساد: «أصبح بعض القيادات مفرطين في هجومهم على فكرة حكم الغالبية بعد انتخاب ريشي سوناك رئيساً لوزراء المملكة المتحدة. أود أن أذكركم بفترة الرئاسة الاستثنائية لعبد الكلام، وتولي مانموهان سنغ رئاسة الوزراء طوال 10 سنوات. كما أن هناك زعيماً قبلياً مميزاً، هو دروبادي مورمو، يتولى منصب رئيس البلاد اليوم». ومعلوم، أنه قبل هيمنة اليمين القومي الهندوسي، تعاقب على رئاسة الهند مسلمون، مثل ذاكر حسين، وإم هداية الله، وفخر الدين علي أحمد، بينما جاء الرئيس جياني زايل سنغ من أقلية السيخ.
رئيس وزراء آيرلندا
ثمة قائد آخر من أصول هندية صعد في نصف الكرة الشمالي بخلاف ريشي سوناك وكمالا هاريس، هو رئيس وزراء آيرلندا السابق (ونائب رئيس الوزراء الحالي) الدكتور ليو إريك فارادكار، إلا أن صعوده لهذا المنصب لم يلقَ اهتماماً كبيراً داخل الهند. ولكن في عام 2019، نظمت احتفالات ممتدة، أشبه بتلك التي تقام في رأس السنة داخل قريته فاراد، الواقعة على ساحل منطقة كونكان (غرب الهند)، عندما زار رئيس الوزراء الآيرلندي، صاحب الجذور الماهاراشترية، القرية التي كان يعيش فيها والده، وقضى ليلة في منزل العائلة هناك.
وفي يونيو (حزيران) 2017، أصبح فارادكار (40 سنة) رئيس الوزراء الـ14 لآيرلندا. وللمرة الأولى، حقق أمنية والده البالغ عمره 80 سنة، في زيارة قرية فاراد، الواقعة على بعد نحو 525 كيلومتراً جنوب مومباي. يُذكر أن أشوك فارادكار، والد ليو فارادكار، مولود في مومباي، وكان حريصاً على زيارة فاراد بانتظام، وهو يتكلم اللغة المحلية بطلاقة. بل عاون في إعادة بناء مدرسته القديمة وتبرّع بكتب وزي مدرسي للطلاب الفقراء، وأعاد بناء منزل العائلة الذي جاء لزيارته عام 2015.
أما فارادكار الابن، فقد ولد في العاصمة الآيرلندية دبلن في 18 يناير (كانون الثاني) 1979، ويترأس حالياً حزب «فين غايل» الشريك في الحكم وأحد أبرز حزبين على مستوى البلاد. وهو يعد «نصف هندي». إذ انتقل والده أشوك إلى إنجلترا للعمل طبيباً هناك في ستينات القرن الماضي. وفي بريطانيا، التقى زوجته المستقبلية، ميريام، أثناء عملها ممرضة بمستشفى في بلدة سلاو، غرب لندن. واستقر والدا فارادكار في دبلن عام 1973. وبعد 5 سنوات، ولد ليو الذي سار على خطى أبيه وصار طبيباً. وهو الولد الأصغر للزوجين وله شقيقتان تكبرانه.

الريادة لدولة غيانا
على صعيد الريادة بالنسبة للشتات الهندي، فإنها تعود للدكتور تشيدي جاغان، الذي كان أول هندوسي وشخص من أصل هندي يتولى رئاسة حكومة خارج جنوب آسيا. كان جاغان أول من انتخب رئيساً لوزراء غيانا (غيانا البريطانية سابقاً) وحكم من عام 1961 إلى عام 1964، قبل الاستقلال. ولاحقاً، شغل منصب رئيس غيانا من عام 1992 إلى عام 1997. وبعد فترة وجيزة من انتصار جاغان، أصدر الحاكم الاستعماري أمراً بتدخل عسكري بريطاني، وعلق الدستور وشكل حكومة مؤقتة بسبب الخوف من أن ينشئ جاغان، اليساري الميول، موطئ قدم للاتحاد السوفياتي في أميركا الجنوبية. وشغل جاغان في وقت لاحق منصب رئيس جمهورية غيانا من عام 1992 إلى عام 1997. واليوم، يُنظر إلى جاغان على نطاق واسع في غيانا باعتباره «والد الأمة». وكان سياسياً مهماً وخطيباً مفوهاً.
من ناحية ثانية، أطلقت مجلة «تايم» على بهارات جاغديو لقب «بطل بيئي»، وهو سياسي غياني كان رئيس غيانا من 1999 إلى 2011 (حالياً نائب الرئيس) وخدم في منصبه لفترتين. ولد جاغديو لأبوين هندوسيين. عام 1912، هاجر جده إلى غيانا البريطانية من قرية بولاية أوتار براديش الحالية في الهند. وقبل بضع سنوات، زار القرية التي عاش فيها أسلافه والتقى بعمته البالغة من العمر 90 سنة وأقارب آخرين يغرقون في فقر مدقع. ويشغل محمد عرفان علي حالياً منصب رئيس غيانا، وهو من الجيل الرابع من أسرة هندية مسلمة مهاجرة إلى غيانا، درس في دلهي. وكان أجداده قد رحلوا عن الهند للعمل في مزارع السكر في غيانا البريطانية آنذاك. ولقد درس علي في جامعة إندرابراستا في دلهي؛ حيث نال درجة الماجستير. وللعلم، تكشف التقديرات أن ما يقرب من نصف سكان غيانا البالغ إجمالي عددهم 800000 نسمة ينتمون إلى أصول هندية. ومن ناحية أخرى، نجد أنه في سورينام (غيانا الهولندية سابقاً)، المتاخمة لغيانا، تعاقب على حكم البلاد 5 رؤساء من أصول هندية، بينهم الرئيس الحالي تشان سانتوخي.

ترينيداد وتوباغو
وغير بعيد عن غيانا وسورينام، في منطقة البحر الكاريبي، يعتبر نور محمد حسنالي، قاضي المحكمة العليا المتقاعد، ثاني رئيس لترينيداد وتوباغو (1987 - 1997) وأول رئيس للبلاد من أصول هندية، وكذلك أول رئيس مسلم. وأيضاً، يعد باسديو بانداي، المحامي والسياسي والنقابي والخبير الاقتصادي والممثل، خامس رئيس للوزراء في ترينيداد وتوباغو، وأول شخص من أصول هندية وأول هندوسي يتولى المنصب. وجاءت كمالا برساد بيسيسار، صاحبة الجذور الهندية والهندوسية، لتسطر التاريخ من جديد بعدما أصبحت أول سيدة تتقلد منصب رئيس الوزراء في البلاد.

الحكام في موريشيوس
من ناحية ثانية، في المحيط الهندي، تقلد مسؤولون من أصول هندية زمام السلطة في موريشيوس ما لا يقل عن 9 مرات. وبدأ الأمر عام 1968، عندما أصبح سيووساغور رامغولام أول رئيس للوزراء في موريشيوس المستقلة. وكان والده، موهيث رامغولام، قد هاجر إلى موريشيوس من الهند في عمر الـ18. وبين عامي 1968 و1982، عمل رامغولام الابن رئيساً للوزراء عبر سلسلة من الحكومات الائتلافية. ويحظى رامغولام بتقدير بالغ داخل موريشيوس، ويحمل المطار الدولي بالبلاد ومستشفى وطني وإحدى كليات الطب وحديقة نباتية اسمه تكريماً له. كما عمل نجله، نافين رامغولام، رئيساً للوزراء في موريشيوس بين عامي 1995 و2000. وعاد إلى المنصب من جديد بين عامي 2005 و2014.
كذلك تقلد المنصب ذاته مسؤول آخر من أصول هندية، هو أنيرود جوغنوث، الذي عمل رئيساً للوزراء لـ4 فترات متعاقبة، ويعتبره أبناء موريشيوس الأب الروحي لمعجزة موريشيوس الاقتصادية. ويعد رئيس الوزراء صاحب الفترة الأول في المنصب بعدد سنوات تجاوز 18 سنة. ولقد تقلد منصب الرئيس بين عامي 2003 و2012، بعد عمله رئيساً للوزراء ما بين 1982 و1995. ثم من جديد بين عامي 2000 و2003. وكان يبلغ 83 سنة عندما تولى رئاسة الوزراء للمرة الأخيرة عام 2014. قبل أن يتنازل أخيراً عن المنصب لنجله برافيندا جوغنوث، الذي يتولى حالياً منصب رئيس وزراء المستعمرة البريطانية السابقة.
وبالمثل نجد أن الرئيس الحالي للدولة، بريثفيراجسينغ روبون، ينتمي هو الآخر لأصول هندية هندوسية. والمعروف أن منصب الرئيس في موريشيوس يعد شرفياً في الجزء الأكبر منه. ومن بين المسؤولين الآخرين المنتمين إلى أصول هندية وتعاقبوا على رئاسة موريشيوس، فيراسامي رينغادوو وقاسم أوتيم وكايلاش بورياغ.

سنغافورة وماليزيا
وفي جنوب شرقي آسيا، لطالما هيمن سياسيون من أصول هندية على الساحة السياسية في سنغافورة (المستعمرة البريطانية السابقة التي تحمل اسما هندياً). من بين هؤلاء سي في ديفان نير، السياسي السنغافوري الذي تنتمي جذوره إلى ولاية كيرالا الهندية، وكان الرئيس الثالث لسنغافورة خلال الفترة بين عامي 1999 و2011. وحتى اليوم، يعتبر نير صاحب الفترة الكبرى في سدة الرئاسة في تاريخ البلاد. كما أن الرئيسة الحالية لسنغافورة، حليمة يعقوب، تنتمي لأصول هندية، فأبوها هندي وأمها من الملايو.
ومن بين المسؤولين البارزين الآخرين من أبناء الشتات الهندي، ماهيندرا بال تشودري، الزعيم والعضو المؤسس بحزب العمال في فيجي. وتولى منصب رئيس الوزراء في البلاد عام 1999، ليصبح بذلك أول مسؤول من أصول هندية يتقلد هذا المنصب. وتجدر الإشارة إلى أن جذور تشودري تضرب في إحدى قرى ولاية هاريانا المتاخمة لدلهي، انتقل جده لوالده إلى فيجي عام 1902 للعمل في مزرعة هناك. إلا أنه رفض لاحقاً العمل في المزارع، وفضّل بدلاً عن ذلك العمل مديراً بأحد المتاجر، حتى بدأ عمله الخاص.

مهاتير محمد
وأخيراً، لا آخراً، يتميز مهاتير محمد بكونه رئيس الوزراء صاحب فترة الولاية الأطول في تاريخ ماليزيا، وهو شخصية بارزة على مستوى البلاد وقارة آسيا منذ عقود. وكان جده قد هاجر إلى شبه جزيرة الملايو (الجزء الأكبر من ماليزيا اليوم) من كيرالا بجنوب غربي الهند، مع شركة الهند الشرقية البريطانية، كي يتولى تدريس الإنجليزية داخل قصر كداه الملكي. ورغم خلفيته الاجتماعية والاقتصادية المتواضعة، أصبح مهاتير طبيباً، ثم نشط في المجال السياسي.

قادة دول العالم الحاليون المتحدرون من أصول هندية
* ريشي سوناك، رئيس وزراء بريطانيا
* كمالا هاريس، نائبة رئيس الولايات المتحدة
* برافيند جوغنوث، رئيس وزراء موريشيوس
* بريثفيراجسينغ روبون، رئيس موريشيوس
* تشان سانتوخي، الرئيس الحالي لسورينام
* محمد عرفان علي، رئيس غيانا
* حليمة يعقوب، الرئيسة السنغافورية
* أنتونيو لويس سانتوس دا كوستا، رئيس وزراء البرتغال
* وايفل رامكالاوان، رئيس سيشيل

تزايدت الهجرة الهندية إبان فترة الاستعمار البريطاني
> بدأ الأفراد أصحاب الأصول الهندية في الهجرة إلى الخارج بأعداد كبيرة في القرن الـ19، وانطلقت هذه الهجرة بناءً على دوافع اقتصادية قادتها القوى الاستعمارية.
في البداية، انتشر الهنود في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا وفيجي ومنطقة الكاريبي، استجابة للطلب الهائل على العمالة الرخيصة في أعقاب إلغاء بريطانيا العبودية 1933 - 1934. وبعد ذلك، انطلقت موجة ثانية من هجرة الهنود في منتصف القرن الـ20، بحثاً عن حياة أفضل وكسب العيش في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما.
وكنتيجة لوجود مستعمرات لها داخل شبه القارة الهندية، ارتبطت البرتغال بصلات قوية مع الهند. وينتمي رئيس وزراء البرتغال الحالي، أنتونيو دا كوستا، إلى أصول هندية، فهو نجل الكاتب أورلاندو دا كوستا المنتمي إلى عائلة جوان البرتغالية ذات الجذور الهندية. وما يزال أفراد من عائلة كوستا الكبيرة يعيشون في الهند حتى يومنا، تحديداً في ولاية غوا التي ما تزال تضم منزل العائلة البالغ عمره 200 سنة في مارغاو. من جهته، أشار كوستا إلى جذوره الهندية خلال زيارته الهند قبل بضع سنوات، وقال إنه فخور بهذه الجذور. ذكر كوستا (59 سنة) أن والده، أورلاندو دا كوستا، أمضى الجزء الأكبر من شبابه في غوا، التي كانت آنذاك تحت الحكم البرتغالي. وأردف: «أمضى أبي طفولته في غوا، ولم نفقد صلاتنا قط مع الهند. وما يزال لديّ كثير من الأقارب في مارغاو، وسأزورهم قريباً». وأعرب عن اعتقاده أنه من واجب أبناء الشتات العمل على ربط بلدهم الأصلي بالبلد الذي يعيشون فيه في الوقت الحاضر.


مقالات ذات صلة

11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

العالم 11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

11 قتيلاً في تسرب للغاز بمنطقة صناعية بالهند

قتل 11 شخصاً بعد تسرب للغاز في الهند، حسبما أعلن مسؤول اليوم (الأحد)، في حادثة صناعية جديدة في البلاد. ووقع التسرب في منطقة جياسبورا وهي منطقة صناعية في لوديانا بولاية البنجاب الشمالية.

«الشرق الأوسط» (أمريتسار)
العالم الهند: مقتل 10 من عناصر الأمن في هجوم لمتمردين ماويين

الهند: مقتل 10 من عناصر الأمن في هجوم لمتمردين ماويين

قُتل عشرة من عناصر الأمن الهنود وسائقهم المدني في ولاية تشاتيسغار اليوم (الأربعاء) في انفجار عبوة ناسفة لدى مرور مركبتهم، حسبما أكدت الشرطة لوكالة الصحافة الفرنسية، متهمة متمردين ماويين بالوقوف وراء الهجوم. وقال فيفيكانند المسؤول الكبير في شرطة تشاتيسغار «كانوا عائدين من عملية عندما وقع الانفجار الذي استهدف مركبتهم».

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق «الصحة العالمية» تُحذر من دواء آخر للسعال مصنوع في الهند

«الصحة العالمية» تُحذر من دواء آخر للسعال مصنوع في الهند

قالت منظمة الصحة العالمية إنه تم العثور على مجموعة من أدوية الشراب الملوثة والمصنوعة في الهند، تحديداً في جزر مارشال وميكرونيزيا. وحذرت المنظمة من أن العينات المختبرة من شراب «غيوفينسين تي جي» لعلاج السعال، التي تصنعها شركة «كيو بي فارماشيم» ومقرها البنغاب، أظهرت «كميات غير مقبولة من ثنائي إيثيلين جلايكول وإيثيلين جلايكول»، وكلا المركبين سام للبشر ويمكن أن يكونا قاتلين إذا تم تناولهما. ولم يحدد بيان منظمة الصحة العالمية ما إذا كان أي شخص قد أُصيب بالمرض. يأتي التحذير الأخير بعد شهور من ربط منظمة الصحة العالمية بين أدوية السعال الأخرى المصنوعة في الهند ووفيات الأطفال في غامبيا وأوزبكستان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
العالم الأمم المتحدة تتوقع تفوق الهند على الصين من ناحية عدد السكان

الأمم المتحدة تتوقع تفوق الهند على الصين من ناحية عدد السكان

أعلنت الأمم المتحدة اليوم (الاثنين)، أن الهند ستتجاوز الأسبوع المقبل الصين من ناحية عدد السكان، لتغدو الدولة الأكثر اكتظاظاً في العالم بنحو 1.43 مليار نسمة. وقالت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة إنه «بحلول نهاية هذا الشهر، من المتوقع أن يصل عدد سكان الهند إلى 1.425.775.850 شخصاً، ليعادل ثم يتجاوز عدد سكان البر الرئيسي للصين». وطوال أكثر من مائة عام، كانت الصين الدولة الأكثر سكاناً في العالم، تليها الهند في المرتبة الثانية على مسافة راحت تتقلّص باطراد في العقود الثلاثة الأخيرة. ويأتي ذلك رغم غياب إحصاءات رسمية لعدد السكان في الهند منذ أواخر القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم اعتقال «انفصالي» من السيخ في الهند

اعتقال «انفصالي» من السيخ في الهند

أفاد مسؤول في شرطة ولاية البنجاب الهندية، اليوم (الأحد)، بأن قوات من الأمن ألقت القبض على «الانفصالي» المنتمي للسيخ أمريتبال سينغ، بعد البحث عنه لأكثر من شهر، في خطوة ضد إقامة وطن مستقل في الولاية المتاخمة لباكستان. وأدى بزوغ نجم سينغ (30 عاماً)، وهو واعظ بولاية البنجاب الشمالية الغربية حيث يشكّل السيخ الأغلبية، إلى إحياء الحديث عن وطن مستقل للسيخ. كما أثار مخاوف من عودة أعمال العنف التي أودت بحياة عشرات الآلاف في الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي أثناء تمرد للسيخ. وقال مسؤول كبير بشرطة البنجاب لصحافيين: «ألقي القبض على أمريتبال سينغ في قرية رود بمنطقة موجا في البنجاب، بناء على معلوم

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.