«قرقيعان».. فرحة أطفال الخليج

عادة سنوية تتوارثها الأجيال في السعودية وغالبية دول الخليج العربي والعراق

جانب من إحياء مناسبة القرقيعان في المنطقة الشرقية بالسعودية
جانب من إحياء مناسبة القرقيعان في المنطقة الشرقية بالسعودية
TT

«قرقيعان».. فرحة أطفال الخليج

جانب من إحياء مناسبة القرقيعان في المنطقة الشرقية بالسعودية
جانب من إحياء مناسبة القرقيعان في المنطقة الشرقية بالسعودية

ما أن تغيب شمس اليوم الرابع عشر من شهر رمضان حتى يبدأ الأطفال بحمل أكياس من النايلون والبلاستيك أو غيرها من المواد ويرتدون نوعًا خاصًا من الملابس الشعبية ويكونون مجموعات ليقوموا بالتجول بين الحواري يرددون أنشودة خاصة بشهر رمضان تختلف كلماتها من دولة لأخرى من دول مجلس التعاون الخليجي التي تحتفل بمناسبة «القرقيعان أو القرنقوش» من أجل الحصول على حصة مما تجود به أيدي الأهالي الذين يجهزون لهذه المناسبة من خلال شراء المكسرات والمرطبات والوجبات الخفيفة عدا العملات الورقية التي عادة ما ترفق معها صورة لأحد الأطفال الذين تفضلهم العائلة التي تقوم بتوزيع هذه العملات احتفاء بالأطفال.
وتلقى هذه المناسبة عند أهالي المنطقة الشرقية من السعودية وغالبية دول الخليج العربي وكذلك جمهورية العراق، اهتمامًا كبيرًا بكونها عادة سنوية تتوارثها الأجيال وتعتبر من العادات الحميدة في شهر رمضان المبارك لكونها تعزز جوانب مهمة في الترابط بين الأسرة وأبناء الأحياء، خصوصًا في القرى قبل أن تتطور بشكل أكبر في المدن بكونها أهم علامات انقضاء النصف الأول لشهر رمضان المبارك.
ومع كثرة الإيجابيات لهذه المناسبة، حيث إنها لا تخلو من السلبيات وفي مقدمتها الإسراف والتكلف في هذه المناسبة مما يثقل كاهل رب الأسرة، خصوصًا من ذوي الدخل المحدود، حيث تحولت هذه المناسبة من مناسبة تبرز وجوه كثيرة من البساطة إلى مناسبة للتكلف من قبل شرائح واسعة، حيث إن هناك من يخصص لها ميزانية من دخله الشهري وتحضر فيها البهرجة بصور متعددة. ويرى خالد الصويغ، رجل أعمال، أن هذه المناسبة تعتبر من أهم المناسبات التي يجري إحياؤها منتصف شهر رمضان ويتوارثها الآباء عن الأجداد، واعتبر الصويغ في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن البهرجة والتكلف باتا من أهم السلبيات حيث تتسابق بعض الأسر على شراء أنواع فاخرة جدًا من الحلويات والمواد الغذائية والألعاب والهدايا لتوزيعها على الأطفال؛ مما يثقل كاهل أرباب هذه الأسر، خصوصًا ذات الدخل المحدود، ولكن المؤسف أن هناك منافسة على البهرجة أو التنافس على شراء الأغلى والأجود من الأسر المقتدرة ماليًا.
وأشار إلى أن جمال إحياء هذه المناسبة يكمن في بساطتها وليس بالتفاخر بين العائلات على أنها تقدم الهدية الأغلى لمن يزورنهم من الأطفال، وكانت هذه المناسبة أو العادة لها رونق خاص جدًا في قديم الزمان، خصوصًا في الحواري القديمة حيث تتجلى البساطة بأروع صورها؛ من خلال مشي الأطفال لمسافات طويلة على أقدامهم، ولكن في السنوات الأخيرة اختلفت سبل التنقل وإحياء هذه المناسبة.
وأبان أن هذه المناسبة تحوي الأذكار الإيمانية والأدعية التي تلهج بها ألسن وحناجر من يشارك في هذه المناسبة وجمالها بكل تأكيد في بساطتها، ولا يقتصر إحياء هذه العادة على الأحياء الشعبية والمدن، بل إن هناك أندية وجمعيات خيرية تقوم بإحيائها من خلال توزيع الهدايا على المستفيدين من هذه الأندية والجمعيات.
وبالعودة إلى خلفيات تسمية المناسبة، حيث تختلف الآراء حول أسباب هذه التسمية للقرقيعان، فهناك من يقول إن الاسم مأخوذ من اللغة العربية (قرع الباب) وهي الطريقة التي يقوم بها الأطفال للحصول على هديتهم؛ سواء كانت من المواد الغذائية أو الألعاب، أو حتى الأموال النقدية ممن يشاركونهم هذه الفرحة. ويقول أحمد المبارك، المهتم بجانب التراث وإحياء المناسبات الشعبية: «لا يهم الكثيرون، خصوصًا الأطفال، مدلول هذه التسمية، بل ما يهمهم هو الفرحة وحصد ما تجود به أنفس الأقارب والجيران عليهم، حيث يعتبرون تلك المناسبة تضاهي من حيث السعادة المناسبات الكبيرة كالأعياد واحتفالات الزفاف وغيرها».
واعتبر المبارك أن التمدن قتل الكثير من حلاوة وجمال هذه المناسبة، وفي الفترة الأخيرة كثرت الإشاعات المغرضة والحذر من أن الأطعمة التي ستوزع يحتمل أن تكون من مسببات نقل الأمراض بين الأطفال أو حتى تترك آثارًا صحية أخرى إلا أنه عاد وشدد على أن الاحتفال بهذه المناسبة في القرى والأحياء القديمة لا يزال برونقه الخاص.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».