في حين تستخدم روسيا في حربها بأوكرانيا علناً المدفعية الثقيلة والدبابات والمدرعات والطائرات وغيرها من الأسلحة الفتاكة، إلا أنه يبدو أن هناك معركة أخرى «أكثر ذكاءً» يخطط لها سراً الجنرالات الروس الذين يرسلون إشارات «خادعة» تهدف إلى إرباك وتضليل أعدائهم، ونصب الفخاخ لهم، وفقاً لما ذكره تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
وفي مقطع فيديو تم تصويره مؤخراً عبر نافذة إحدى الحافلات، تبدو نقطة التفتيش الروسية في منطقة خيرسون المحاصرة بأوكرانيا مهجورة، وسط هتاف الركاب معبرين عن سعادتهم بالانسحاب الروسي من المنطقة.
ولم يتضح من الذي صور مقطع الفيديو، الذي تم تداوله على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن بعض المحللين أشاروا إلى أنه قد يكون «مجرد خدعة» من قبل موسكو لجذب الجنود الأوكرانيين إلى الفخ.
وأشار المحللون إلى أن هذا المقطع يضاف إلى لقطات أخرى مثيرة للشكوك تم رصدها في مدينة خيرسون الاستراتيجية في اليوم نفسه الذي تم تصوير الفيديو به، فقد اختفت أعلام روسيا من المباني الإدارية بالمدينة، وصرح جنرال روسي على التلفزيون الحكومي بأن الجيش «قد يضطر إلى التخلي عن المدينة»، بدلاً من مطالبته بحشد القوات كما كان متوقعاً.
وفي أول إقرار منه بتدهور الأوضاع في المنطقة، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال احتفال بيوم الوحدة الوطنية الروسي، يوم الجمعة الماضي: «ينبغي الآن إخراج القاطنين في خيرسون من المنطقة التي تشهد العمليات الأشد خطراً؛ لأنه لا ينبغي للمدنيين أن يعانوا».
ودأبت القيادة العسكرية والمدنية لروسيا منذ شهر على إرسال رسائل متكررة تشير إلى نيتها الانسحاب من خيرسون.
فقد سحبت موسكو معداتها العسكرية من خيرسون، وطلبت من المدنيين مغادرة المنطقة وأزالت بعض الأشياء التي يُنظر إليها على أنها ذات أهمية ثقافية بالنسبة للروس - مثل عظام الأمير غريغوري ألكسندروفيتش بوتيمكين، القائد العسكري الروسي الذي أقنع حبيبته، كاثرين العظيمة، إحدى أبرز وأهم وأكبر حكام روسيا عبر التاريخ، بضم هذه المنطقة عام 1783.
وأيدت القيادة العسكرية الجنوبية في أوكرانيا ووكالة المخابرات العسكرية آراء المحللين الذين قالوا إن هذه التحركات الروسية هي مجرد خدعة، وأكدتا أن روسيا نشرت قوات إضافية على الضفة الغربية للنهر وتستعد للقتال في المناطق الحضرية.
وقالت ناتاليا هومينيوك، المتحدثة باسم القيادة الجنوبية، لشبكة إخبارية تلفزيونية أوكرانية في مطلع الأسبوع: «إنهم يحاولون عن عمد إقناعنا بأنهم ينسحبون لإغراء أوكرانيا بشن هجوم سابق لأوانه على المدينة».
ومن ناحيته، قال مدير وكالة الاستخبارات العسكرية في أوكرانيا، كيريلو بودانوف إن الروس «يخلقون الوهم بأن كل شيء قد ضاع وبأنهم انسحبوا من خيرسون. لكن ما يحدث في الحقيقة هو العكس تماماً، فهم ينشرون وحدات عسكرية جديدة ويجهزون شوارع المدينة للدفاع».
وقال تور بوكفول، الباحث البارز في مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية، وهي مؤسسة بحثية عسكرية: «الخداع قديم قدم الحروب، وكل الجيوش تمارسه، لكن الروس ركزوا بشكل خاص على الخداع والمراوغة في عقيدتهم العسكرية».
أما مايكل كوفمان، الخبير بالشؤون العسكرية الروسية بمركز التحليلات البحرية، ومقره الولايات المتحدة، فقد علق على الأمر قائلاً: «الوضع في خيرسون ضبابي وغير واضح تماماً. هناك إشارات متناقضة فيما يخص الانسحاب الروسي بشكل نهائي من المنطقة».
وأظهر الجيش الروسي، والجيش السوفياتي من قبله، اهتماماً طويلاً بالعمليات التي تنضح بالخداع والمراوغة، وعُرف بتطوير مجموعة من الحيل التي تم تدريسها في الأكاديميات العسكرية لعقود من الزمن وتم تطبيقها في أفغانستان والشيشان وسوريا وأوكرانيا.
إلا أن المحللين يقولون إن الوضع مختلف في حرب أوكرانيا، حيث إن المسؤولين في كييف لديهم القدرة على كشف هذه الحيل، بل والرد بالمثل على هذا الخداع الروسي.
«الخداع والمراوغة»... سلاح روسيا الآخر في حرب أوكرانيا
«الخداع والمراوغة»... سلاح روسيا الآخر في حرب أوكرانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة