اللغة والهُوية في أدب المهجر المعاصر

جانب من ندوة {كتاب المهجر، التحديات والصعاب}
جانب من ندوة {كتاب المهجر، التحديات والصعاب}
TT

اللغة والهُوية في أدب المهجر المعاصر

جانب من ندوة {كتاب المهجر، التحديات والصعاب}
جانب من ندوة {كتاب المهجر، التحديات والصعاب}

لعل القرن الحادي والعشرين سيدخل التاريخ بوصفه قرن اللجوء واللاجئين. وفي ثنايا هذه الموجات من البشر ثمة جيل جديد من الكتاب العرب الذين هاجروا أو هجروا من بلادهم، أو هم ولدوا ونشأوا جيلاً ثانياً بعيداً عن تربته الأصلية، ما يثير تساؤلات عن طبيعة الإنتاج الثقافي لهؤلاء من قبيل إمكانية الاستمرارية في فضاءات غير مألوفة، أو إذا كان لهذه الانتقالات الحاسمة بين الثقافات أن تنتج لغة جديدة وأدباً مختلفاً أو مذاهب أدبية مستحدثة على نسق الرابطة القلمية وأدباء الأميركيتين أيام جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي، أم أنها تنكمش في الدائرة المغلقة لاهتمامات المهاجر المباشرة، فتنحصر في مساحات أدب الحرب والسجون، وحكايا اللجوء والمنفى، وأوجاع الهويات المتشظية؟
كل تلك التساؤلات، وغيرها مما يتعلق بأدب المهاجرين، كانت موضوع ندوة «كُتاب المهجر، التحديات والصعاب»، التي عقدت ضمن الأنشطة الثقافية على هامش الدورة الحادية والأربعين من معرض الشارقة للكتاب 2022، واستدعي للمشاركة فيها خمسة من أدباء المهجر هم الروائي اليمني حبيب عبد الرب، والشاعر العراقي محمد مظلوم، والشاعر السوري مروان علي، والقاص الفلسطيني مازن معروف، والكاتبة اللبنانية سونيا بوماد، إضافة إلى الدكتور هيلموث نيدرلي رئيس «نادي القلم النمساوي».
وقد أدار الندوة الشاعر علي العامري، مدير تحرير مجلة «الناشر الأسبوعي»، الذي أشار إلى أهمية موضوع أدب المهجر وطبيعة المتتالية الجديدة من الهجرة أو النزوح أو تعاقب الأجيال الذي يؤثر ليس فقط على طبيعة التجربة المعيشية للكاتب، بل وأيضاً في قدرته على اقتراف الإبداع، وكذلك اتصال قضايا المهجر المعاصر بمجموعة تحديات ثقافية ولغوية وحياتية متغيرة، تطرح بدورها تساؤلات حول إشكالات الهوية، واللغة، وفضاء التعبير.
وقدم المنتديون شهادات عن تجاربهم الذاتية، كان أولها للروائي اليمني المقيم في فرنسا حبيب عبد الرب، الذي وصف إشكاليات التعامل مع اللغة الجديدة وفرص التعلم، ودور الكاتب ذاته في فتح آفاق لنفسه تمكنه من تغيير العلاقة مع الهوية الأولى، واكتساب هوية جديدة تقوم على التفاعل الإيجابي مع الآخر لإثراء التجربة الذاتية. واعتبر الشاعر مروان علي، أن تحديات اللغة الجديدة توحد غالب المهاجرين، إلا أنها تكتسب لدى الكاتب حجماً أكبر من مجرد تدبير المعاش، إذ هو بحكم حاجته إلى عبور ألوان الأدب في البيئة الجديدة، وربما إتقان اللغة للوصول إلى درجة التعبير الأدبي عن الإبداع، وهو ما حققه بالفعل العديد من أدباء المهاجر.
من جهته، تحدث القاص مازن معروف، عما سماه فقدان الديناميكية التي توفرها الحياة في المحيط العربي الأصلي مقارنة بمجتمعات المهاجر غير المعتادة على تقبل مهاجرين كتاباً ومبدعين من ثقافات ولغات أخرى، مما يخلق لدى الكاتب العربي هناك شعوراً بالتهميش والاغتراب عن الفعاليات والأنشطة الثقافية، ويفرض عليه غالباً الارتكاس في مساحات تعبير مرتبطة بأزماته المختلقة تلك.
أما الشاعر العراقي محمد مظلوم، فتحدث حول تجربة النفي القسري، حيث يعمد كثيرون إلى التعبير بأسماء مستعارة، وينشرون بها دون أن يعرف أحد أسماءهم الحقيقية، وقد يرحل بعضهم دون أن يعرف أن تلك كانت إبداعاتهم، في حين أشادت الكاتبة سونيا بوماد، بتجربة استضافتها في معرض الشارقة الدولي للكتاب، معتبرة أن ما يحتاجه الأدباء العرب في المهجر هو الاعتراف بهم وتقبلهم ضمن أسرة الحياة الثقافية العربية.
على أن ثمة تقاطعاً بين المنتديين حول جوانب إيجابية لتجربة المهجر عند امتلاك الكاتب القدرة على تجاوز محنة التغيرات التي تلم به، وتبرز بفضلها مقدرته الإبداعية لدى أخذه بما توفره البيئات الجديدة من حريات في التعبير والكتابة لم يعهدها، وتقدم له فرصاً لاستكشاف أنواع جديدة من الكتابة بناء إليها.
ومن الضفة الأخرى، قال الدكتور هيلموث نيدرلي، رئيس «نادي القلم النمساوي»، بأن الهجرة عموماً تحمل تحديات كبيرة، سواء للمهاجرين أو للبلاد التي تستقبلهم، وأن مصاعب الكتاب والمبدعين قد تكون خاصة بفنهم كذلك، إذ ليست موضوعاتهم جميعها ذات أهمية بالنسبة للناشر الغربي، مما يضيق عليهم فرص الإبداع والتعبير إذا هم انقطعوا عن النشر في بلادهم الأصلية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

طباخ بريطاني يحثّ سارقيه على التبرّع بالطعام المسروق للمحتاجين

الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
TT

طباخ بريطاني يحثّ سارقيه على التبرّع بالطعام المسروق للمحتاجين

الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)
الطاهي البريطاني تومي بانكس مع صورة لشاحنته المسروقة (صفحته على «إنستغرام»)

قال تومي بانكس، الذي يمتلك مطعمين حائزين على نجمة ميشلان لجودة الطعام، وحانة في مقاطعة يوركشاير الإنجليزية الشمالية، إن أحد موظفيه اكتشف اختفاء شاحنة للعمل، وفي داخلها حمولتها من شرائح اللحم والديك الرومي وغيرها من المأكولات والمشروبات المخصصة لسوق عيد الميلاد في مدينة يورك البريطانية.

وقُدرت قيمة الطعام بنحو 25 ألف جنيه إسترليني (32 ألف دولار)، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وقال بانكس إن الشاحنة كانت مؤمنة، لكنه ناشد لصوص الشاحنة عدم ترك الطعام يضيع. وفي مقطع فيديو على «إنستغرام»، اقترح أن يتخلصوا من الفطائر في مركز مجتمعي أو مكان آخر.

قال: «أعلم أنك مجرم، ولكن ربما عليك أن تفعل شيئاً لطيفاً لأنها عطلة عيد الميلاد، وربما يمكننا إطعام بضعة آلاف من الناس بهذه الفطائر التي سرقتها. افعل الشيء الصحيح».

صورة غير مؤرخة تظهر فطائر للطاهي البريطاني تومي بانكس (أ.ب)

تعد سرقة الفطائر أحدث سرقة للأطعمة التي تهزّ تجارة الأغذية في المملكة المتحدة. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، تم سرقة ما يقرب من 1000 عجلة من جبن الشيدر المصنوع يدوياً، والمغلفة بالقماش، التي تزن 22 طناً، وتقدّر قيمتها بـ300 ألف جنيه إسترليني (390 ألف دولار) من شركة «Neal’s Yard Dairy» في لندن، بواسطة محتال متنكر في هيئة موزع جملة لتاجر فرنسي كبير.

وعلى الرغم من مطاردة الشرطة البريطانية والدولية، ونداء من قبل الشيف التلفزيوني جيمي أوليفر، لم يتم العثور على الجبن. وتم القبض على رجل يبلغ من العمر 63 عاماً، واستجوابه من قبل الشرطة، لكن لم يتم توجيه اتهام إليه.