لطالما نظر الأميركيون إلى بنسلفانيا باعتبارها واحدة من بضع ولايات متأرجحة رئيسية في أي انتخابات تشهدها الولايات المتحدة. حيث شكلت عام 2020 رافعة رئيسية للرئيس الديمقراطي جو بايدن، مثلما ساهمت عام 2016 في إيصال الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ولعبت في عامي 2012 و2008 الدور نفسه بالنسبة إلى الرئيس سابقاً باراك أوباما. غير أن مواطني هذه الولاية يقفون خلال الانتخابات النصفية للكونغرس، اليوم (الثلاثاء)، عند ما يعتبره البعض «فالقاً زلزالياً» في الحياة السياسية الأميركية.
يتذكر توبي، وهو أميركي من أصل أفريقي في منتصف الثلاثينات من العمر، ويعمل سائق تاكسي في مدينة فيلادلفيا، متحسراً كيف هاجم أنصار الرئيس ترمب مبنى الكابيتول في مطلع يناير (كانون الثاني) 2021 «في أسوأ هجوم على الإطلاق» تعرضت له الحياة الديمقراطية في الولايات المتحدة. لكنه يتنفس الصعداء لأن «الغالبية على جانبي الممر» في الكونغرس، أي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري «منعت العبث بقيمنا». ومع ذلك، بدا قلقاً لأن الناخبين «لا يعيرون للانتخابات النصفية الاهتمام الذي يعطونه للانتخابات الرئاسية». يعزو ذلك إلى «اعتقاد خاطئ» لدى غالبية الأميركيين أن «الرئيس يمثل كل شيء في حياتنا السياسية».
وعلى الرغم من أنها لا تقف على مسافة بعيدة من توجهات توبي السياسية، لا تعرف كريستينا، وهي ممرضة من أصول أسكوتلندية في الخمسينات من العمر، إلى أي حد ستنخرط الأقليات في الانتخابات النصفية التي «لا تمثل في نظر هؤلاء قدراً مهماً على غرار الانتخابات الرئاسية». وعلى الرغم من إعجابها بـ«شخصية ترمب القوية»، لم تفصح عن الطريقة التي ستنتخب فيها الثلاثاء، وعما إذا كانت تعتقد أن انتخابات 2020 الرئاسية «سُرقت» بالفعل من ترمب. وقالت شون يونغ، التي تقيم في مقاطعة لانكستر (أحد أهم معاقل الجمهوريين في الولاية)، إنها ستصوت لصالح أوز لأنها «مواطنة مسنة» وتحتاج إلى «دخل ثابت». وتشعر جارتها ميشال غارجانو (57 عاماً) بالقلق على سلامة ابنتها في فيلادلفيا، مضيفة أن عملها في رعاية الحيوانات الأليفة يعاني بسبب التضخم. وإذ انتقدت بايدن، ركزت على أن «هذا البلد سقط في الأشهر الثمانية عشر الماضية في حفرة مظلمة».
«فرصة ذهبية» للديمقراطيين
يتفق كلاهما على أن الرئيس الأميركي يحظى بصلاحيات واسعة بالفعل، إذ كان مدعوماً بقوة من مجلسي النواب والشيوخ لتمرير أجندته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وإذا لم ينعم بهذا التأييد، يتحول «بطة عرجاء» لا حول لها ولا قوة.
أتى الرئيس جو بايدن 3 مرات في الآونة الأخيرة إلى بنسلفانيا، التي تشكل «الفرصة الذهبية» لكي يتمكن حزبه الديمقراطي من السيطرة على مجلس الشيوخ، آملاً في انتزاع مقعد شغر بتقاعد السناتور الجمهوري بات تومي. وكذلك قام الرئيس أوباما بحملة في مناطق حساسة لتحفيز الناخبين على الاقتراع بكثافة للمرشح الديمقراطي جون فيتيرمان. فيما دفع الرئيس ترمب بقوة من أجل نجاح المرشح الجمهوري محمد أوز، الذي يتطلع إلى دخول التاريخ من بابه العريض، إذا تمكن من دخول مجلس الشيوخ كأول سيناتور مسلم في الولايات المتحدة.
تجري المنافسة على كل المقاعد الـ435 في مجلس النواب و35 من المقاعد الـ100 في مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى 36 من حكام الولايات الذين يشكلون ذراعاً صلبة لتنفيذ الأجندات الرئاسية في الولايات المتحدة.
الجمهوريون «متأهبون»
تبدو بنسلفانيا وكأنها «بيضة القبان» بالنسبة إلى الرئيس بايدن الذي يحتاج الآن إلى الاحتفاظ بالغالبية، ولو ضئيلة، في مجلس الشيوخ، في وقت يبدو فيه الجمهوريون على أهبة الاستعداد لانتزاع السيطرة على مجلس النواب. إذ يبدو أنهم قادرون بسهولة - وفق الاستطلاعات - على قلب أكثر من 5 مقاعد ضرورية من أجل هذا الهدف.
شكّلت الحملات التي قام بها ترمب من جهة، وبايدن وأوباما من الجهة الأخرى في اللحظات الأخيرة قبيل الانتخابات النصفية، مؤشراً إلى موقع بنسلفانيا الحساس على «الفالق الزلزالي» الذي يهز الحياة السياسية في أميركا منذ سنوات طويلة. وعندما يذهب الناخبون إلى صناديق الاقتراع في هذه الولاية الثلاثاء، سيراقب الجميع في الولايات المتحدة وأبعد منها، ما ستفضي إليه النتائج المنتظرة بفارغ الصبر، التي تبدو على مسافة دهر للواقفين على ضفتي الفالق الزلزالي من الديمقراطيين والجمهوريين.
ويحذر الديمقراطيون من أن حقوق الإجهاض، وقوانين التصويت، ومستقبل الانتخابات النزيهة على المحك، ليس فقط في كل أنحاء البلاد، ولكن خصوصاً في بنسلفانيا، وهي خامس أكبر ولاية بعدد السكان، وربما تكون ساحة المعركة الرئاسية المحورية لعام 2024.
«خريطة طريق» رئاسية
لعل هذا ما دفع أوباما إلى إطلاق تحذيره من أن «الحقيقة والوقائع والمنطق والعقل وأساسيات اللياقة موجودة على ورقة الاقتراع»، مضيفاً أن «الديمقراطية نفسها موجودة على ورقة الاقتراع. والرهانات عالية».
لا يعبر الجمهوريون عن مثل هذه المخاوف. لكنهم يعبرون بشكل واضح عن هواجسهم بشأن تكاليف المعيشة والجريمة التي يشعرون بها كل يوم، في وقت يتفوق التضخم والاقتصاد باستمرار على القضايا الأخرى، باعتبارهما مصدر القلق الأكبر في استطلاعات الرأي العام.
وعما اعتبره كثيرون مؤشراً إلى «حلم» الرئيس السابق بالعودة إلى البيت الأبيض، قال ترمب لمؤيديه في الولاية أخيراً: «إذا كنتم تريدون وقف تدمير بلدنا وإنقاذ الحلم الأميركي، عليكم أن تصوتوا هذا الثلاثاء للجمهوريين».
لقد اعتاد مواطنو الولاية المسماة «كيستون» (أي الحجر الأساس) على الاهتمام الذي يلقونه من كل أنحاء البلاد خلال فترات الانتخابات، وهذا ما حصل في 2016 و2018 و2020، حين كانت بنسلفانيا في قلب الاضطرابات السياسية القوية في الولايات المتحدة. يبدو الأمر الآن أكثر أهمية في ظل تأرجح الولاية مرة أخرى في الميزان بين الديمقراطيين والجمهوريين. ويُعزى ذلك إلى المزيج المعقد من الناخبين الليبراليين والمعتدلين والمحافظين، الذين ينتشرون من مدن الساحل شرقاً وضواحيها إلى الأراضي الزراعية عند حافة الغرب الأوسط الأميركي. وقال النائب الديمقراطي عن الولاية مالكولم كينياتا: «على ما أعتقد (…) إنه أفضل انعكاس عن أين تتجه البلاد».
كان تجمع ترمب السبت الماضي بمثابة تذكير صارخ بالمخاطر المحدقة بالعملية الديمقراطية. كرر سلسلة «الادعاءات الكاذبة» حول انتخابات 2020، في ما كان بمثابة تذكير بأنه حاول قلب نتائج بنسلفانيا عام 2020، ويبدو أنه يستعد لإطلاق حملة رئاسية أخرى في أقرب وقت من هذا الشهر. ولعل ذلك ما يدفع البعض إلى اعتبار أن نتائج انتخابات الثلاثاء يمكن أن تحدد أيضاً خريطة طريق لكلا الحزبين قبل الحملة الرئاسية لعام 2024.
بنسلفانيا تشكل «فالقاً زلزالياً» في الانتخابات النصفية
بنسلفانيا تشكل «فالقاً زلزالياً» في الانتخابات النصفية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة