عمر ميقاتي لـ «الشرق الأوسط»: لبنان هو الدراما الكبرى

الممثل القدير يحتفظ بأوسمة في صندوق وليس في صدر المنزل

عمر ميقاتي
عمر ميقاتي
TT

عمر ميقاتي لـ «الشرق الأوسط»: لبنان هو الدراما الكبرى

عمر ميقاتي
عمر ميقاتي

ثلاث مرات خلال خمس سنوات، دخل الفنان عمر ميقاتي المستشفى، ليبدأ حديثه مع «الشرق الأوسط» بخلاصة: «على الممثل أن يحيط نفسه بظروف مريحة ليحافظ على نشاط دماغه». خمسون عاماً أمضاها بين المسرح والإذاعة ومواقع التصوير، أشعلت آلاماً في الركبة ورفعت عالياً تقدير النِعم: «لا أزال واقفاً على قدمَي. أراعي صحتي وأحيطها بالحذر. عمري 77 عاماً؛ علامتا النصر بالأرقام العربية. أصوّر مسلسلاً بعد أيام، وأمضي الوقت في القراءة والاستماع للموسيقى الكلاسيكية. (بحيرة البجع) لتشايكوفسكي تذهلني، وأمرّن ذهني بألعاب مفيدة».
كانت أمامه ساعة قبل وصول سيارة تقله إلى مدينته طرابلس حيث «المسرح الوطني»؛ مكانه الحميم. الطلاب هناك في انتظاره، فيقدّم لهم تدريبات تُحسّن الإلقاء بالفصحى. خلال الحوار، قدّم صورة المتصالح مع نفسه، الواثق بخياراته: «أعتذر عن (عدم قبول) أدوار لا تليق، ومن أصل 10 خلال السنوات الأخيرة، وافقتُ على 5. الكتّاب والمنتجون يعرفونني جيداً. حين يطلبونني لشخصية، لا يفعلون ذلك إلا لثقتهم بقدرتي. الأهم؛ أن تُتاح ظروف مريحة».
عمر ميقاتي رفيق «الإذاعة اللبنانية» الرسمية، كتب وأخرج عشرات البرامج، ومنح صوته لشخصيات ضخّ فيها اللحم والدم. لا ينتظر دوراً بقدر ما يريد من الدور نفسه أن يشغله: «الأدوار المفضلة تعتمد على دماغ الممثل وتُظهر حضوره وثقافته. في (شتي يا بيروت) كنتُ ذلك الأب الضئيل الذاكرة، لكنه الطيب تجاه ابنتيه. ثمة أدوار يمكن تأديتها بالتمثيل فقط. الدور الحقيقي هو ما نؤديه بشغف المهنة».
بسلامه الداخلي يقرأ المشهد الدرامي الميّال إلى التركيبة المشتركة والنقل من التركي: «لا بأس؛ ما دام التنفيذ محترفاً. يستوقفني نوع يدّعي (الواقعية) وهي مزعجة برأيي، لكون بعض المَشاهد في بعض المسلسلات غريباً عن بيئتنا. الجرأة غيرها الوقاحة، وحين تغلب الأخيرة، أطرح علامات استفهام حول النوايا. للعمل الدرامي أصول، فإن سيطر الهمّ التجاري، قلَّ الحياء وما هو مُوجّه للعائلة».
يعنيه أنّ صغاراً يعرفونه في تجولاته، فيطمئن إلى أنّ فنه آمن. هذا «مبدأ وتربية»؛ برأيه. هاجسه حراسة ما تعلّمه في منزله، فلا يخدش عيناً أو يُخجل جَمعة. يعود إلى أنه ابن الفنان الكبير نزار ميقاتي، مؤسّس «المسرح الوطني» اللبناني. يُحمّله الأب الراحل مكانته وهيبته، فيخشى التفريط في الإرث. يسمّي والده «أستاذي العظيم في الفن والأدب والفكر، ترك لي مكتبة تضم نحو 5000 كتاب؛ بينها النادر»، ويعود بالتاريخ إلى جذور أمه وشجرة العائلة. الرجل على عتبة الثمانين، أمامهما هو طفل لا يكبر.
أيعقل أنه لم يعتد الغياب ولم يتكيّف مع الرحيل؟ يقيمان فيه؛ «فأستيقظ ليلاً لأرى طيف الوالدة إلى جانبي. الوالد بدوره لا يغادر أفكاري». إطلاق اسم الأب على قاعة «المسرح الوطني» في طرابلس، بهمّة المسرحي الشاب قاسم إسطنبولي، يريح الابن لإحساسه بحضوره الدائم. يترقّب الربيع المقبل موعداً لإصدار كتابه «مشوار نزار» عنه: «لم أرده سرداً. أكتبه منذ سنوات على شكل حوار يُظهر جماله الإنساني».
لا تتخذ مشاعر السخط في داخله مساحة، إلا حيال الوضع اللبناني: «هنا الدراما الكبرى. دراما الشعب. ما بعدها يهون». عاش حروباً وتحولات؛ «إنما ما يحدث اليوم لم نشهده من قبل». صرخته الوحيدة من وجعه على الإنسان الفقير الجائع، وكم تملأ فضاءات ولا تبلغ الآذان!
يحتفظ بأوسمة تقديرية في صندوق، فليس عمر ميقاتي ممن يفلشونها في صدور المنازل. تمنحه إحساساً بأنّ الجهد لا يُحجب. ككل نفس يحرّرها الشبع من الصغائر، يردّ المحبة بأبهى حلّتها إلى ما يكنّه الناس له... «الشباب والكبار»، يؤكد ويشدد، «يعني أنني على السكة الصحيحة، وفني يحاكي العائلة بكامل أفرادها».
السمعة الطيبة ليست وليدة يوم وليلة... هي مسار من المحاولات والدروس والتجارب. سنوات وعمر ميقاتي يقدّم فناً محترماً على المسارح اللبنانية، ويبني مع الخشبة علاقة وفاء. وهو إن تنقّل في أدوار تلفزيونية أو أخذته شخصية سينمائية إلى عالمها، يبقى المسرح الأعزّ على القلب.
يقول عنه: «هو علاقتي المباشرة مع الجمهور وحضوري المُدرَك. لا مجال لنسيان سطر، فذلك يسبّب إرباكاً. ينال المسرح من أعصابي ويقضم وقتي. لسبع أو ثماني سنوات، وأنا أقدّم عروضاً متواصلة مع جورج خباز. بلغتُ مرحلة عدم القدرة على الاستمرار. باستثناء مرة أو اثنتين أسبوعياً، بات الذهاب إلى الشاتو تريانون (مسرح في منطقة الزلقا) صعباً ليلاً. تتعذّر القيادة ويغدو إرهاق الآخرين مسألة غير لطيفة. أرى من الأفضل التفرّغ للكتابة والإخراج. (تمثلياً)، لم يعد الظرف يساعد».
على لسانه ترِد استعادة ذكرياته أيام مجد المسرح مع الرحابنة وزياد الرحباني والمسيرة الطويلة. يشعر بأنه أدّى قسطه. يحمل سؤاله «أين المسرح اليوم؟» حزناً على البلد وأحواله، كحزنه على مدينته طرابلس وهي تُصدّر الجثث إلى البحار وتقتل طلابها لسقوط سقف الصف على الرأس. المضيء في مشهدها هو «المسرح الوطني» الذي يحضّر عرضاً على خشبته. يسدّد الغضب تجاه مُستحقيه: «مسؤولون بمعظمهم لا خير فيهم لأحد. ضمائرهم ميتة».


مقالات ذات صلة

«ساعته وتاريخه» مسلسل مصري يجذب الاهتمام بدراما حول جرائم حقيقية

يوميات الشرق مريم الجندي في مشهد يجمعها بأحد أبطال المسلسل (لقطة من برومو العمل)

«ساعته وتاريخه» مسلسل مصري يجذب الاهتمام بدراما حول جرائم حقيقية

في أجواء لا تخلو من التشويق والإثارة جذب المسلسل المصري «ساعته وتاريخه» الاهتمام مع الكشف عن «البرومو» الخاص به الذي تضمن أجزاء من مشاهد مشوقة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مع أبطال «العميل» الذين ألفوا عائلة حقيقية (إنستغرام الفنان)

جاد خاطر لـ«الشرق الأوسط»: تفاجأت بالشهرة التي حققتها مع «العميل»

يُبدي جاد خاطر حبّه للأدوار المركبّة فهي تسمح له بأن يجتهد ويستخدم تجاربه ودروسه في كلية الفنون.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مسلسل «موعد مع الماضي» يعتمد على التشويق (نتفليكس)

«موعد مع الماضي»... دراما تشويقية تعتمد على الغموض

يعيد المسلسل المصري «موعد مع الماضي» الأحداث التشويقية والبوليسية والغموض مجدداً إلى الدراما المصرية والعربية، من خلال قصة مكوّنة من 8 حلقات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

تعرَّضت بطلات المسلسل المصري «وتر حساس»، الذي يُعرَض حالياً، لانتقادات على «السوشيال ميديا»؛ بسبب ما وصفها البعض بـ«علاقات مشوهة».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )

«القسام» تعلن مقتل اثنين من عناصرها بقصف إسرائيلي في شمال الضفة

رجال يتفقدون سيارة محترقة قيل إنها تعرضت لغارة جوية إسرائيلية في قرية العقبة الفلسطينية بالقرب من مدينة جنين بالضفة الغربية 3 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
رجال يتفقدون سيارة محترقة قيل إنها تعرضت لغارة جوية إسرائيلية في قرية العقبة الفلسطينية بالقرب من مدينة جنين بالضفة الغربية 3 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

«القسام» تعلن مقتل اثنين من عناصرها بقصف إسرائيلي في شمال الضفة

رجال يتفقدون سيارة محترقة قيل إنها تعرضت لغارة جوية إسرائيلية في قرية العقبة الفلسطينية بالقرب من مدينة جنين بالضفة الغربية 3 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
رجال يتفقدون سيارة محترقة قيل إنها تعرضت لغارة جوية إسرائيلية في قرية العقبة الفلسطينية بالقرب من مدينة جنين بالضفة الغربية 3 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة «حماس»، مساء اليوم الثلاثاء، مقتل اثنين من عناصرها في قصف إسرائيلي بشمال الضفة الغربية المحتلة.

وقالت كتائب «القسام» إنهما قُتلا في قصف إسرائيلي تعرضا له في أثناء تنفيذهما مع عدد من عناصر الكتائب «مهمة جهادية قرب بلدة عقابا بطوباس شمال الضفة الغربية».

كانت وسائل إعلام إسرائيلية قد ذكرت يوم الجمعة أن تسعة إسرائيليين أصيبوا في إطلاق نار على حافلة قرب مستوطنة أرئيل في الضفة الغربية، في هجوم أعلنت كتائب «القسام» مسؤوليتها عنه.