أظهرت ندوة حواريّة متخصصة حول العلاقة «بين المحرر والمؤلف» عُقدت على هامش الدورة 41 لـ«معرض الشارقة الدولي للكتاب» وجود فجوة لم تجسر بعدُ في العلاقة بين مؤلف الكتاب في العالم العربي والمحرر، حيث تمرّ معظم التبادلات بين الجانبين بشكلها التقليدي عبر الناشر، فيما تبدو تلك العلاقة وثيقة ومؤسسة ومنتِجة في أجواء النشر الغربيّ.
وتحدّث القاص والروائي التونسي محمد عيسى المؤدب، الحائز على جائزة الكومار الذهبي للرواية العربية (2017) عن روايته الأولى «جهاد ناعم»، عن تجربته مشيراً إلى تغييب عام للعلاقة الوثيقة المباشرة بين الكاتب العربي والمحرر، في مقابل العلاقة الكلاسيكية القائمة بصورة أكبر بينه وبين الناشر، ذلك على الرغم من الأهمية البالغة التي تفاعل الطرفان معاً للارتقاء بصناعة الكتاب وتقديمه للقارئ المتطلّب بأحسن صورة ممكنة. ونبّه المؤدب إلى أن «هنالك خلطاً بين دور المحرر الأدبي والمدقق اللغوي في عالم النشر العربي، وهذا خطأ»، موضحاً الفرق بين مسؤولية المحرر في إبراز القصور على مستوى البناء الأدبي للنص، وبين الوظيفة النهائية للمدقق المقتصرة على القواعد الإملائية والنحوية، فيما شدد على أن تطور الكتاب العربي مرهون بالتعامل مع القارئ بوصفه متطلّباً وذكياً وصعب الإقناع، الأمر الذي لا يمكن أن يستقيم دون وجود علاقة راسخة ومنظمة بين الكاتب والمحرر.
على النقيض من ذلك، بدَت الصورة بشأن العلاقة بين المؤلف والمحرر في عالم النشر الغربيّ مختلفة تماماً، أقلّه وفق خبرة الكاتب الأمريكي نيل ستراوس الذي تحدّث عن أهمية ومتانة العلاقة بين الكُتاب والمحررين الأدبيين في بلاده. وأشار ستراوس، الذي يُعدّ من أكثر الكتاب مبيعاً في الولايات المتحدة، بجانب عمله محرراً في صحيفة «نيويورك تايمز»، ومجلة «رولينج ستونز»، إلى أن تعامله مع محرريه بوصفهم معلمين، والنقد البنّاء الذي حصّله منهم على مسوَّدات نصوصه، هما ما أكسبه الخبرة والحِرفة كي يصبح كاتباً أفضل، وعلى نحو يفوق المعارف التي اكتسبها من مقاعد الدراسة الجامعيّة.
وقال ستراوس: «إن السبب الوحيد لكوني كاتباً جيّداً هو أنه كان لديّ دائماً محررون جيدون»، مؤكداً أن هذا الأمر ينطبق على أي شيء نفعله في الحياة، «فإذا أنت أنتجت شيئًا ما في فراغ، دون أن ينتقدك أحد ويشير إليك بكيفيّة تحسينه، فلن تتمكن من التحسن، وستراوح مكانك».
من جهتها، تحدثت كاري ثورنتون، نائبة الرئيس في دار «دي ستريت بوكس»، عن تجربتها الطويلة بوصفها محررة أدبية أسهمت في وصول أكثر من خمسين عنواناً لقائمة «نيويورك تايمز» للكتب الأكثر مبيعاً، مشيرة إلى الأهمية التي يكتسبها دور المحرر في الاطلاع على المسوَّدات الأولى للنصوص بوصفه القارئ الأول لأي كتاب، مما يجعله بمثابة عين دار النشر التي تنظر للكتاب من منظور القارئ، منوهة بتلك العلاقة الوثيقة التي يوفرها لها عملها مع المؤلفين والكتّاب، وحيوية التفاعل الإيجابيّ بين الجانبين لإنجاح الكتاب مهنيّاً وتجاريّاً.
وتحدثت ثورنتون عن علاقتها بالمؤلفين الذين عملت معهم بكونها متعددة الجوانب، فهي صديقة وشريكة لكُتابها، ومرشدة ومستشارة فنيّة لهم، بل مستمعة جيّدة أحياناً لجوانب شخصيّة من حياتهم، ولا سيّما عندما يكون العمل متعلقاً بالسير الذاتية، التي تفرض عليها بحكم الموضوع الاقتراب أكثر من تفاصيلهم، مشيرة إلى أن إيجابيّة هذه العلاقة مسألة محوريّة أساسية في إنجاز منتج ثقافيّ لائق.
واعتبرت ثورنتون أن وظيفة المحرر ليست ممارسة علميّة تقنيّة محضة، بل قد تكون أقرب إلى الفن وتحتاج إلى حسّ عال بمتطلبات التسويق.
وقد اتفق المتحدثون في الندوة على الأهمية البالغة التي يلعبها المحرر في تطوير المجال الأدبي وسوق النشر، بصورة تتكامل ولا تتعارض مع عمل الكُتاب والمؤلفين، وشددوا على ضرورة الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لفهم ذائقة القراء وتعليقاتهم عن الكتب، مشيرين إلى الدور الذي تلعبه منصات كتطبيق «تيك توك» مثلاً، الذي بات منصة لليافعين والشبان للترويج لكتبهم المفضلة. كما علقت ثورنتون قائلة: «إن أي شيء يشجّع اليافعين على القراءة هو أمر محمود، ونحن بوصفنا ناشرين نتابع ما يعجبهم ونتساءل عما يمكننا فعله لمخاطبة هذا الجمهور، في إطار سعينا لخلق قاعدة معجبين للكتاب، ولا سيّما بين المؤثرين على أقرانهم على مواقع التواصل».
هذا وتستمر الفعاليات والندوات الحواريّة حول صناعة النشر والكتب، على هامش الدورة 41 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب حتى 13 نوفمبر الحالي. واستضافت الشارقة لهذه الغاية 150 من الكُتَّاب والمفكرين والفنانين العرب والأجانب من 15 دولة للمشاركة في عشرات النشاطات الثقافية من جلسات وقراءات وورش عمل، وشهادات حول تجاربهم الإبداعية في مختلف مجالات أنواع المعارف والتأليف والنشر والمكتبات.
ندوة تكشف عن فجوة في العلاقة «بين المحرر والمؤلف» بعالم النشر العربي
ضمن فعاليات الدورة الـ41 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب
ندوة تكشف عن فجوة في العلاقة «بين المحرر والمؤلف» بعالم النشر العربي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة