السعودية تستضيف أحد أكبر مشاريع ترميم الشعاب المرجانية في العالم

«مشروع شوشة» بالبحر الأحمر شراكة استراتيجية بين «كاوست» و«نيوم»

في بيئات أحواض مائية قابلة للضبط (كاوست)
في بيئات أحواض مائية قابلة للضبط (كاوست)
TT

السعودية تستضيف أحد أكبر مشاريع ترميم الشعاب المرجانية في العالم

في بيئات أحواض مائية قابلة للضبط (كاوست)
في بيئات أحواض مائية قابلة للضبط (كاوست)

غالباً ما تتطلب الظروف الاستثنائية إجراءات استثنائية أيضاً. فمع الوتيرة المتسارعة لتغير المناخ وتأثر النظم البيئية بطرق وخيمة وغير متوقعة، أصبح العلماء وصانعو السياسات والخبراء في جميع أنحاء العالم يعيدون التفكير بضرورة وضع استراتيجيات حاسمة وجريئة قابلة للتطبيق والتكيف وذات مغزى تتصدى للتبعات المدمرة لهذه الظاهرة.
وعلى ضوء ذلك، أطلقت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) مبادرة طموحة لدعم استعادة الشعاب المرجانية في وقت يشهد العالم فيه تغيراً بيئيّاً غير مسبوق. وتعد هذه المبادرة في جزيرة شوشة على ساحل البحر الأحمر أول مشروع واسع النطاق لترميم الشعاب المرجانية في العالم، تديره وتموله «كاوست» بالشراكة مع «نيوم»، أحد المشاريع العملاقة في المملكة العربية السعودية التي تركز على الاستدامة وتحسين جودة الحياة وحماية الطبيعية. وتوفر هذه الشراكة الاستراتيجية بين الكيانين الخبرة البحثية والبنية التحتية التقنية اللازمة لتعزيز استعادة الشعاب المرجانية وترميمها على نطاقات كبيرة.
وقال البروفسور توني تشان، رئيس كاوست بهذه المناسبة: «نحن في سباق مع الزمن لإنقاذ الشعاب المرجانية، التي يمكن القول إنها من بين أكثر النظم البيئية قيمة على هذا الكوكب. وتعاني الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم من أزمة، وقد تعاونت (كاوست) مع (نيوم) ونخبة من الشركاء العالميين لنشر أفضل حلولنا العلمية والتقنية لترميم الشعاب المرجانية، وإثبات ذلك في جزيرة شوشة».

تستخدم عالمة البحار في «كاوست» البروفسورة راكيل بيكسوتو المعززات الحيوية (البروبيوتيك) لزيادة تحمل ومرونة الشعاب المرجانية

بدأ المشروع مع إنشاء مركز أبحاث المرجان في «كاوست» الذي يضم أعضاء من هيئة التدريس والباحثين المهتمين بتطوير مناهج جديدة لاستعادة الشعاب المرجانية. وسرعان ما تطورت هذه الخطة الطموحة لتصبح أساساً لمبادرة أكبر من المرجح أن تدعم استعادة الشعاب المرجانية وترميمها في جميع أنحاء المنطقة لعقود مقبلة. يشار إلى أن هذه المبادرة تهدف بالأساس لتكون عرضاً لتقنيات وأساليب استعادة الشعاب المرجانية المبتكرة التي يمكن تطبيقها في البحر الأحمر وأنظمة الشعاب المرجانية الأخرى حول العالم.
يتضمن المشروع زراعة مئات الآلاف من الشعاب المرجانية في موقع تجريبي بمساحة 100 هكتار يقع في البحر الأحمر شرق جزيرة شوشة، على بعد نحو 20 كيلومتراً من «نيوم» في محافظة تبوك بالمملكة العربية السعودية. وسيشمل أيضاً مركزاً للأبحاث والسياحة البيئية لزيادة المعرفة حول النظم البيئية للشعاب المرجانية والتنوع البيولوجي للأنواع التي تدعمها.

أساس متين لترميم المرجان
تتطلب المشاريع المعقدة وواسعة النطاق التي تضم فرقاً متعددة وخدمات لوجيستية كبيرة، وجود قيادة متمرسة قادرة على إعطاء توجيهات مهمة وحاسمة. ولهذا تم إحضار توم مور خبير السياسات البيئية وترميم الشعاب المرجانية المخضرم في عام 2021 للمساعدة في إطلاق مشروع مبادرة ترميم الشعاب المرجانية بـ«كاوست». وصل توم إلى الجامعة في أواخر عام 2021 جالباً معه خبرة كبيرة في إدارة الحفاظ على الشعاب المرجانية بعد أن عمل لأكثر من 23 عاماً في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) بالولايات المتحدة، فضلاً عن امتلاكه شبكة من الانتماءات العالمية التي ستشكل نطاق المشروع وآليات تنفيذه. ولا شك في أن مثل هذه المشاريع الضخمة تتطلب كوادر بشرية استثنائية، وهو ما يعمل عليه توم من خلال تجميع فريق كبير يضم علماء من «كاوست» وخبراء عالميين لتقديم شيء لم يسبق له مثيل، يقول: «ما يجعل هذه المبادرة قادرة على تغيير قواعد اللعبة في مجال استعادة الشعاب المرجانية هو اشتمالها على توليفة من الخبرات والعناصر الفذة والمستقلة التي تم تجميعها معاً في مشروع واحد. وهي فرصة مواتية لتطبيق علوم عالمية المستوى تخرج من جامعة كاوست، فضلاً عن امتلاكها الموارد الفائقة والآليات اللازمة لتوسيع نطاقها».


جزيرة شوشة بالقرب من «نيوم» ستكون موقعاً لأحد أكبر مشاريع ترميم الشعاب المرجانية في العالم

تلعب «كاوست» دوراً محورياً في هذا المشروع الواعد، حيث توفر التمويل والبنية التحتية البحثية الشاملة والمختبرات المتطورة والتقنيات الرائدة. ويقدم «نيوم» الرؤية الشاملة والبنية التحتية التشغيلية والمواقع المخصصة لزراعة وتكاثر المرجان. ويقوم فريق دولي من الخبراء متعددي التخصصات الذين عمل توم مور على تعيينهم منذ وصوله - من المهندسين الذين يمكنهم بناء نظم أساسية لدعم الحياة، إلى مديري المشاريع الذين يمكنهم تشغيل المرافق المعقدة، إلى علماء البحار الذين لديهم معرفة عميقة بالبحر الأحمر وترميم الشعاب المرجانية، وأخيراً القوى العاملة من الغواصين اللازمين لزراعة الشعاب المرجانية.
يذكر أن عدة منظمات إقليمية ودولية مختلفة تسهم أيضاً في دعم الخبرات الداخلية لـ«كاوست» الخاصة بهذا المشروع، بما في ذلك اتحاد استعادة المرجان، ومؤسسة استعادة المرجان، و«NOAA»، والمعهد الأسترالي للعلوم البحرية، و«Oceans Inc»، وشركة كورال فيتا، ومنصة تسريع أبحاث وتطوير المرجان (CORDAP) في «كاوست» التي نشأت خلال رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين (G20) في عام 2020. وتتمثل مهمتها في دعم المبادرات الحالية والجديدة التي تركز على الحفاظ على الشعاب المرجانية وتكيفها ودعم جهود ترميمها وتكميلها على أوسع نطاق.
يشار إلى أن البروفسور كارلوس دوارتي، أستاذ علوم البحار المتميز في «كاوست»، هو من بين العلماء في مركز أبحاث المرجان بـ«كاوست» الذين يعملون على إيجاد وتطبيق حلول استعادة الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة، وفي عدد من المواقع الدولية من خلال دوره كمدير تنفيذي لمنصة تسريع أبحاث وتطوير المرجان في الجامعة. يقول دوارتي: «الشعاب المرجانية هي أول نظام بيئي معرض لخطر الانقراض - شبه الوظيفي - في ظل ظاهرة تغير المناخ، ونحن بحاجة إلى زيادة قدرتنا على استعادتها من بضعة هكتارات إلى كيلومترات مربعة وما بعدها. وفي ظل ذلك، يقدم هذا المشروع فرصة فريدة لاختبار وتطوير معرفتنا والتعلم من خلال العمل في هذا المجال الحرج لمستقبل محيطاتنا والبحر الأحمر. إنه منارة الأمل التي تأتي من المملكة إلى العالم».
ويوضّح توم أن عمليات استعادة الشعاب المرجانية وترميمها شهدت تطوراً كبيراً منذ تسعينات القرن الماضي، أي قبل تهديد ظاهرة ابيضاض المرجان اليوم. كان علماء الأحياء حينئذٍ ينفذون عمليات الاستعادة استجابةً لجنوح السفن والحوادث البحرية الناتجة عن ارتطام السفن بالشعاب المرجانية وتأثيرات بناء السواحل. وكانت معظم الجهود تتم بدعم مالي وتقني محدود. وظل الأمر كذلك حتى أوائل عام 2000 عندما عمل علماء الأحياء البحرية في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، على إصلاح الأضرار الناجمة من ترسانات السفن على الشعاب المرجانية في منطقة البحر الكاريبي، حيث بدأت الوكالة في التفكير بشكل مختلف حول آلية استعادة المرجان، خصوصاً بعد هلاك نوعين رئيسيين من الشعاب المرجانية على نطاق واسع بسبب الابيضاض والأمراض. ومع ذلك، لم يتم اتخاذ إجراءات مباشرة للحفاظ على البيئة وإدارة تدهورها على الوجه الأكمل، يقول توم: «لقد عرفنا كيفية إصلاح الموائل الأخرى مثل الأعشاب البحرية وأشجار المنغروف، لكننا لم نعرف كيفية إصلاح الشعاب المرجانية».

حماية الشعاب
مع استمرار تدهور الشعاب المرجانية، بدأ توم والعلماء الآخرون بالمنطقة في التساؤل عما إذا كانت التقنيات نفسها التي استخدمتها المشاريع المجتمعية الصغيرة وتجارة الأحواض المائية لعقود من الزمن - مثل تفتيت الشعاب المرجانية الفردية إلى مئات القطع الصغيرة (المستنسخات الجينية) وتنمية المستعمرات المرجانية - يمكن استخدامها لإصلاح الشعاب المرجانية في المواقع المتضررة، أم لا. وهنا بدأت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي جهوداً مركزة لاستعادة المرجان باستخدام هذا النهج في نطاقات كبيرة، عبر إنشاء مشاتل مرجانية صغيرة في المحيط الأطلسي وفي جميع أنحاء فلوريدا ومنطقة البحر الكاريبي.
نجحت هذه الطريقة، لكن توم قال إنه باستثناء عدد قليل من الأطراف المشاركة، فإن بقية العالم لم ينتبه لحجم المشكلة وكانت أغلب الجهود البيئية مركزة على المناطق البحرية المحمية، ومشكلات التلوث البري، والصيد الجائر، وحلول تغير المناخ. وفيما تلعب كل منطقة دوراً حاسماً في تعافي الشعاب المرجانية، فإنها لا تستطيع معالجة التحدي بمفردها. ولم ينتبه العالم لحجم الضرر الذي لحق بالنظام البيئي للشعاب المرجانية حتى عام 2015 عندما أصبحت ظاهرة ابيضاض المرجان منتشرة بشكل مزداد حتى بدأ دعاة الحفاظ على البيئة على مستوى العالم في التحدث بجدية عن استراتيجيات ملحة لترميم المرجان.
في عام 2016، شكل توم مور والمتعاونون معه ائتلاف استعادة الشعاب المرجانية، وهو مكان تبادل المعلومات وحلول «العصف الذهني» (شحذ الذهن) للممارسين والمعلمين والمديرين والعلماء وغيرهم من المشاركين في الحفاظ على الشعاب المرجانية. وسرعان ما تطور هذا الاتحاد من مجموعة صغيرة مقرها منطقة البحر الكاريبي إلى مجتمع دولي فاعل.
وكان مؤتمر مستقبل المرجان 2018 نقطة انطلاق الائتلاف، حيث ناقش فيه المشاركون كيفية توسيع عمليات استعادة الشعاب المرجانية وترميمها على نطاق أكبر وأكثر تركيزاً. بينما وضع كثير من المجموعات خططاً خاصة تتناول هذه القضية، لم يكن أي طرف على استعداد لتولي الاستثمار الحقيقي المطلوب، حتى تقدمت «كاوست»، بالتعاون مع نيوم وحكومة المملكة العربية السعودية، وشُكلت مبادرة «كاوست» لاستعادة الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة، وبدأت العمل على قدمٍ وساق لاستعادة المرجان.
يشرح توم: «يحاول علماء الأحياء حل المشكلات الهندسية في مناطق ترميم الشعاب المرجانية باستخدام الشريط اللاصق والأربطة ذات الزمام المنزلق والأنابيب البلاستيكية والصمغ السريع منذ عقدين من الزمن وحتى يومنا هذا، إلا أن ما نحتاج إليه فعلاً هو أن يطور المهندسون حلولاً مبتكرة ومخصصة لهذه المشكلات. ولحسن الحظ، كان التفكير المبتكر سمة باحثي (كاوست). لا يوجد مشروع في العالم مماثل لهذا المشروع مطلقاً من ناحية الدعم الحكومي الكامل، والاستثمار والاستعداد لتوسيع نطاقه، ووجود فريق من الخبراء الذين يمكنهم تحقيق ذلك».

أساليب مبتكرة
ستسهم «كاوست» - باعتبارها شريكاً رئيسياً في هذا المشروع - بموارد وخبرات من مختلف التخصصات لتنفيذ المشروع، بما في ذلك التقنيات التي تطورها والمصممة لتوفير طرق أكثر كفاءة لنمو الشعاب المرجانية وزراعتها مثل تقنية (KAUST Maritechture) لتغطية الحدائق المرجانية بالهياكل الصناعية. وسيعمل باحثو الجامعة على تطوير سلسلة توريد أفضل للشعاب المرجانية باستخدام أدوات مثل الروبوتات والتصنيع التكيفي ثلاثي الأبعاد، والمساعدة في تعزيز مرونة وحياة الشعاب المرجانية باستخدام أساليب متطورة من العلوم البيولوجية.
وكمثال على جهود «كاوست» في هذا المجال، يقوم البروفسور مانويل أراندا، أستاذ البيولوجيا التطورية في «كاوست»، بتطبيق خبرته في علم الجينوم المرجاني على المشروع من خلال تحديد الجينات التي تجعل مستعمرات مرجانية معينة أكثر مقاومة للحرارة من غيرها من خلال التكاثر الانتقائي الذي يمكن من خلاله إدخال هذه السمات المرنة إلى مجموعات المستعمرات المرجانية الأقل تحملاً لمنحهم فرصة أفضل للبقاء في ظل درجات حرارة أكثر دفئاً. وفي دراسة أخرى، تعمل البروفسورة شارلوت هاوزر، أستاذة العلوم الحيوية في «كاوست»، على تطوير هياكل عظمية مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد مغلفة بمادة تسرع نمو المرجان. وهي نفسها الهياكل الصناعية التي سيستخدمها العلماء في المشروع لزراعة الشعاب المرجانية. كما تبحث البروفسورة راكيل بيكسوتو، أستاذة علوم البحار في «كاوست» وزميلة الجمعية الدولية للشعاب المرجانية منذ عقود في كيفية استخدام البكتيريا لدعم الكائنات الحية المختلفة والنظم البيئية الطبيعية الحيوية، على اليابسة وتحت الماء. ويعد عملها الثوري في المعززات الحيوية المرجانية (البروبيوتيك) مثالاً مهماً آخر على مساهمات أعضاء هيئة التدريس بـ«كاوست» في حلول الترميم واستعادة الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة.
يقول إيان كامبل، المدير التنفيذي للمشاريع الخاصة في «كاوست» الذي يشرف على المبادرة في جزيرة شوشة: «نريد تقديم مشروع لترميم الشعاب المرجانية على نطاق واسع، وفي الوقت نفسه نرغب باستخدام مناهج استعادة بيئية شاملة تضم الأساليب التقليدية والحديثة والمبتكرة من خلال إدماج تقنيات تحليل البيانات والذكاء الصناعي لإنشاء نموذج عمل مستدام. يتمثل هدفنا بتسخير مواردنا المتميزة لبناء حلول يمكن أن تدعم المشاريع الأخرى في جميع أنحاء المنطقة والعالم».
يحتوي الموقع الذي تم اختياره للمشروع على شعاب مرجانية في حالة سليمة وأخرى سيئة على حد سواء، التي قال توم إنها توفر فرصاً لتطبيق واختبار استراتيجيات الاستعادة المختلفة. من المقرر زرع أكثر من 5 آلاف من الشعاب المرجانية كل يوم، بإنتاجية تقريبية تصل إلى نصف المليون من الشعاب المرجانية سنوياً، ومليونين من الشعاب المرجانية على مدار خمس سنوات. وسيتم استخدام هياكل صناعية خاصة عند الحاجة مصممة لدعم الشعاب المرجانية ومساعدتها في النمو لتشكل مستعمرات كبيرة، فضلاً عن استخدامها لزراعة المرجان على الشعاب المرجانية الحالية.
سيستخدم العلماء شعاباً مرجانية من عدة مصادر متنوعة، مع التركيز على تلك التي تنمو في المشاتل، سواء في المحيطات أو تلك التي في مرافق خاصة وتستخدم أنظمة إضاءة مثلى وظروف نمو قابل للضبط. وسيعمل الفريق على الحد من استخدام المرجان الموجود قدر الإمكان. كما سيستفيد المشروع من المرجان الذي تضرر وانفصل عن شعابه بفعل العواصف أو مشاريع البناء.
ويؤكد توم أن الهدف الرئيسي من هذا المشروع هو زيادة مرونة وتنوع الشعاب المرجانية، يقول: «لا يمكنك نقل الشعاب المرجانية من جميع الأنحاء والأعماق المختلفة إلى مواقع جديدة. فلا يوجد حل واحد يناسب الجميع. نحن بحاجة إلى التفكير مَلِيّاً بشأن الشعاب المرجانية التي يمكن أن تنمو وتزدهر في الموقع، بالإضافة إلى الشعاب المرجانية النادرة التي تتكاثر لَاجِنْسِيّاً».

ولهذه الغاية، ستحتوي الخطة الرئيسية التي يجري تطويرها للموقع على مئات من المناطق التشغيلية تضم شبكة من الوحدات، لكل منها خطتها الوصفية الخاصة. وسترصد أجهزة الاستشعار وتقنيات المراقبة الرقمية الأخرى الشعاب المرجانية التي تعيش بشكل جيد وستحدد مواقعها، حيث تساعد هذه المعلومات في اتخاذ قرارات حول الاستراتيجيات التي تُمكن الشعاب المرجانية من الازدهار في المستقبل. وبكل تأكيد، ستلعب القدرات والموارد الحاسوبية المتفوقة في «كاوست» دوراً كبيراً في هذا الجهد. يقول توم مور: «يستعرض هذا المشروع الإمكانات والتقنيات الحالية والمستقبلية لـ(كاوست) في مجال حماية التنوع الحيوي والتي ستساعدنا في الاختيار الصحيح للمرجان وبطريقة ذكية تجعل الشعاب المرجانية أكثر قوة وصحة».

مركز تعليمي
بمجرد بدء المشروع وسريانه، سيتم إنشاء مركز زوار ومنشأة بحثية لتوفير فرص تعليمية وتبادل مستمر للعلماء والطلبة والسياح على حد سواء، وتسهيل وصول الزوار من جميع أنحاء المملكة والعالم. وسيضم مركز الزوار معارض تعليمية تفاعلية لزيادة الوعي بالبيئات البحرية، بما في ذلك العروض المرئية التي قال توم إنها ستكون «التوأم الرقمي» لتجربة استعادة المرجان تحت الماء. ستكون منشأة البحث مركزاً متطوراً لباحثي «نيوم» وباحثي «كاوست» والعلماء المقيمين لدراسة الشعاب المرجانية هناك وفي المناطق المجاورة.
يفيد توم بأنهم لا يزالون يستكشفون الفرص المختلفة لهذا المشروع ويدرسون الجوانب الأخرى منه. وأشار إلى أن المشروع من المرجح أن يوجّه الابتكارات بقدر ما ستوجّه الابتكارات المشروع، يقول: «إنه طريق ذو اتجاهين. ما هو مناسب للعلماء في مختبر على نطاق صغير قد لا يعمل بشكل جيد على نطاق منشأة ضخمة. لهذا نحتاج إجراء مزيد من النقاشات والتقارير حول هذا المشروع مع العلماء والمشاركين بالموقع لمساعدتهم في فهم الأساليب والأمور التي تعمل بشكل أفضل في هذا المجال، وبالتالي نتمكن من الخروج بتقنيات وأساليب جديدة ومحسنة لم نفكر فيها في البداية».
وعلق مدير مركز أبحاث البحر الأحمر في «كاوست»، البروفسور مايكل بيرومين على المشروع بقوله: «نعيش اليوم في وقت حرج بيئياً يستدعي تدخلات جريئة وطموحة للحفاظ على الشعاب المرجانية ومعالجة التحديات التي تواجهها على مستوى العالم باستخدام مناهج مبتكرة تغطي تخصصات علمية متعددة. ولا شك أن (كاوست)، التي يعد البحر الأحمر أكبر مختبراتها، في وضع فريد يؤهلها لتكون مركزاً للأبحاث والتطورات التكنولوجية التي سيكون لها تأثير محلي وعالمي».
بدأ فريق مبادرة استعادة الشعاب المرجانية في «كاوست» إطلاقاً مَبْدَئِيّاً للمشروع خلال مؤتمر مستقبل الشعاب المرجانية (Reef Futures 2022) في الفترة من 26 إلى 30 سبتمبر (أيلول) 2022 في كي لارغو بولاية فلوريدا الأميركية، وهو مؤتمر دولي لاستعادة الشعاب المرجانية يجمع ممارسي الاستعادة والباحثين والمديرين وصانعي السياسات من جميع أنحاء العالم لمناقشة أحدث التقنيات والعلوم لتوسيع نطاق وتأثير جهود استعادة الشعاب المرجانية في العالم بشكل كبير.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مولّد تصاميم» ذكي لمحطات معالجة المياه في أكثر من 70 دولة

«مولّد تصاميم» ذكي لمحطات معالجة المياه في أكثر من 70 دولة
TT

«مولّد تصاميم» ذكي لمحطات معالجة المياه في أكثر من 70 دولة

«مولّد تصاميم» ذكي لمحطات معالجة المياه في أكثر من 70 دولة

إن الضجة حول التصميم والهندسة المعمارية «التوليدية» تجعلك تعتقد أنه في المستقبل القريب، سيصمم المهندسون المعماريون ناطحات سحاب شاهقة بسهولة من خلال إدخال طلبات إلى برنامج دردشة آلي. لكن آدم تانك لا يعتقد أنه لا حاجة إلى استخدام هذه التكنولوجيا في بناء الهياكل الرائعة والإنجازات الهندسية المذهلة.

بنية تحتية رتيبة وذكاء اصطناعي

بصفته كبير مسؤولي خدمة العملاء في «ترانسيند» Transcend، وهي شركة برمجيات مقرّها نيوجيرسي تركز على تحسين كفاءة تصميم البنية التحتية، يقول تانك إن المستقبل القريب للذكاء الاصطناعي أكثر ملاءمة لتصميم المشروعات التي هي، بلا شك، أكثر رتابة ومللاً في نطاقها.

يعمل تانك وفريقه مع الذكاء الاصطناعي لجعل أنظمة السباكة ومعالجة المياه أكثر انسيابية، مع قيام الذكاء الاصطناعي التوليدي بمعظم أعمال التصميم الثقيلة.

في البرازيل، عملت شركة «ترانسيند» مع شركة «بي آر كيه أمبينتال»، وهي شركة تمتلك وتدير أكثر من 160 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي في جميع أنحاء البلاد، حيث لا يزال نصف البلاد تقريباً يفتقر إلى جمع مياه الصرف الصحي داخل المنازل. ومع استمرار شركة «بي آر كيه» في التوسع من خلال الاستحواذ على أنظمة جديدة وشرائها، فإنها «في حالة تخطيط دائم»، كما يقول تانك. وهذا يتطلب قدراً كبيراً من المال والطاقة التي لا تمتلكها الشركة.

الذكاء الاصطناعي التوليدي والبنية التحتية

تستخدم الكثير من الشركات الأخرى تقنية مماثلة لتسريع أعمال البنية التحتية الأخرى واسعة النطاق.

* السكك الحديدية. ساعدت ALICE Technologies في تحسين كفاءة البناء في تطوير السكك الحديدية الضخم في شمال إنجلترا.

* الشوارع. استخدمت مقاطعة مونتغومري بولاية ماريلاند الأميركية برنامجاً يسمى Remix لإنشاء بدائل تصميم الشوارع بشكل أسرع.

* محطة طاقة شمسية. استخدمت شركة مرافق إسبانية برنامجاً يسمى PVcase لإنشاء نموذج أولي لمحطة طاقة شمسية جديدة بشكل أسرع.

مولد تصميم ذكي

أدخل التصميم التوليدي، الحلول التي تبنَّتها شركة «بي آر كيه»، وهو مولد التصميم من «ترانسيند» Transcend Design Generator، يعمل على إنشاء نماذج أولية للمباني والبنية الأساسية بسرعة ويساعد في تسريع الموافقات والتصميمات.

تصميم محطات المياه

قالت «ترانسيند» إن مولدها استُخدم لتصميم محطات معالجة المياه في أكثر من 70 دولة. كما صممت الشركة وحدة لتصميم محطات فرعية كهربائية؛ وتأمل تانك أن تلعب دوراً في تسريع توسيع البنية التحتية الكهربائية في وقت تفرض فيه مصادر الطاقة المتجددة وتطورات التصنيع ضغوطاً على شبكة الطاقة الحالية. كما تضمنت تحديثاً للبرنامج يمكنه إعادة تصميم محطات معالجة المياه لتكون متوافقة مع PFAS قواعد إزالة المواد الكيميائية الخطرة، وهو متطلب جديد أسندته وكالة حماية البيئة للتو إلى المرافق.

ابتكار حلول سريعة وتقليص النفقات

يقول كايك أموريم، مهندس الصرف الصحي في شركة «بي آر كيه»، إن برنامج «ترانسيند» سمح لمهندسي «بي آر كيه» بتشغيل سيناريوهات غير محدودة وابتكار حلول بسرعة. كانت المدخرات من استخدام «ترانسيند» للقيام بالتصميم الأولي كبيرة جداً، لدرجة أن «بي آر كيه» توقفت عن توظيف مستشاري الهندسة للقيام بأعمال التخطيط والتصميم للموقع، وبدلاً من ذلك قامت بهذا العمل داخلياً.

تقليص زمن وضع التصميم

باستخدام النظام لمعرفة الخطط الأكثر كفاءة لتثبيت البنية التحتية الجديدة لمعالجة المياه، يمكن للشركة تقليص الوقت المستغرق لوضع التصميم من أربعة أشهر إلى أسبوع، وكذلك إعداد الوثائق اللازمة للقروض المصرفية والموافقات البيئية. يمكن أن يعني هذا الفرق بين أن تكون فافيلا (مدينة صفيح) أو مستوطنة غير رسمية قادرة على تحمل تكلفة محطة معالجة جديدة أم لا.

تلافي النقص في المهندسين

أصبح التصميم التوليدي جزءاً أكبر بكثير من الأجزاء الروتينية المهمة، من الهندسة المعمارية وتصميم البنية التحتية. ارتفع الإنفاق على البناء في الولايات المتحدة، الذي بلغ ما يقرب من تريليونَي دولار العام الماضي، بنسبة 7.4 في المائة، ويرجع ذلك جزئياً إلى نمو الإنفاق على البنية التحتية بنسبة 17.6 في المائة.

ومع نقص 133 ألف مهندس في الولايات المتحدة أيضاً، فإن ميزة أتمتة المهام المتكررة وتوسيع نطاق القوى العاملة توفر لتانك و«ترانسيند» فرصة عمل.

ويقول تانك: «عالم البنية التحتية الحرجة - القضبان والجسور ومياه الصرف الصحي والطاقة، والأشياء غير المثيرة - لا يوجد الكثير من الشركات التي تلعب في هذا المجال اليوم. أتمنى لو كان هناك المزيد».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»