كيف يدمر «الإرهاب» التعليم في أفريقيا؟

باحثون ينبهون لزيادة العمليات المتطرفة ضد المدارس والطلبة

إخلاء جريح من موقع الانفجار قرب وزارة التعليم الصومالية في مقديشو (رويترز)
إخلاء جريح من موقع الانفجار قرب وزارة التعليم الصومالية في مقديشو (رويترز)
TT

كيف يدمر «الإرهاب» التعليم في أفريقيا؟

إخلاء جريح من موقع الانفجار قرب وزارة التعليم الصومالية في مقديشو (رويترز)
إخلاء جريح من موقع الانفجار قرب وزارة التعليم الصومالية في مقديشو (رويترز)

أظهرت هجمات «إرهابية» استهدفت مؤسسات تعليمية في دول أفريقية عدة، خلال الأسابيع القليلة الماضية، نهجاً، قدَّر باحثون وخبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» فضلاً عن تقارير دولية، أنها مؤشر على «استراتيجية» مخططة للنيل من الأنظمة التعليمية التي يرى المتطرفون أنها تقدم «تعليماً غربياً» يكنون له العداء.
وفي أحدث استهداف لمؤسسات ذات صلة بالعملية التعليمية، قُتل ما لا يقل عن مائة شخص بينهم أطفال في انفجارين هزا العاصمة الصومالية مقديشو، قبل أيام، وكان من بين مستهدفاته وزارة التعليم الصومالية، فيما تبنت «حركة الشباب» التابعة لتنظيم القاعدة الهجوم.
وقبل هجوم الصومال، أعلنت السلطات في النيجر، في يوليو (تموز) الماضي، أن البلاد «شهدت إغلاق 817 مدرسة تضم أكثر من 72 ألف طالب» فيما يسمى بمنطقة «الحدود الثلاثة» بين مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو.
وقال إيبي شيخ إلخاو، المستشار السابق بالمكتب الإقليمي لمنطقتي وسط وغرب أفريقيا لمنظمة «يونيسيف» في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «تأثير الإرهاب والنزاعات في التعليم واضح في أفريقيا»، وأضاف أن «الإرهاب والعنف يؤديان إلى موجات هائلة من النزوح وبالتالي فقدان الفرصة في التعليم، ومن ناحية أخرى يستهدف الإرهابيون تدمير المدارس، فيما تؤدي الهجمات إلى هجرة المعلمين والطلاب على نحو متزايد».
وقالت «يونيسيف» في تقرير صدر في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «مئات الآلاف من الأطفال لن يعودوا إلى المدرسة هذا العام في منطقة الساحل الأوسط وحوض بحيرة تشاد، حيث أُغلقت 11100 مدرسة بسبب العنف الناجم عن الإرهاب والصراعات أو التهديدات الموجهة ضد المعلمين والطلاب».
وأشار التقرير إلى أن عدد الهجمات على المدارس في غرب ووسط أفريقيا تضاعفت بين عامي 2019 و2020، فيما تم حرق أعداد كبيرة من الفصول الدراسية، واحتلت بعض المدارس من قبل الجماعات المسلحة أو القوات المسلحة.
حلقة مفرغة
وترى إيميليا كولومبو، الباحثة في الشأن الأفريقي، أن «ضياع الفرص التعليمية في مناطق العنف في أفريقيا وغيرها من المناطق يهدد بتعزيز الظروف التي من المحتمل أن تؤدي إلى تصاعد الإرهاب في هذه المناطق».
وتضيف كولومبو، الباحثة في برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن في تصريحات إلى «الشرق الأوسط» أنه «على المدى القصير، من المرجح أن يؤدي غياب المدارس وسط عدم الاستقرار هذا إلى زيادة تعرض هؤلاء الأطفال للتجنيد في هذه المنظمات».
وتابعت أنه «على المدى الطويل، من المرجح أن يؤدي الافتقار إلى الفرص التعليمية لهؤلاء الأطفال إلى تعزيز الهياكل الاجتماعية والاقتصادية الموجودة مسبقاً والتي أسهمت في الظروف التي أدت إلى ظهور هذه المجموعات».
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أصدر صندوق الأمم المتحدة العالمي للتعليم في حالات الطوارئ والأزمات الممتدة (التعليم لا يمكن أن ينتظر) (ECW)، تقريراً يشير إلى أن «عدد الأطفال في سن المدرسة المتأثرين بالأزمات والصراعات وخطر الإرهاب والعنف والذين يحتاجون إلى دعم تعليمي قد ارتفع من 75 مليوناً في عام 2016 إلى 222 مليوناً في عام 2022».
وقال التقرير إن 84% من الأطفال المتأثرين بالأزمة يعيشون في مناطق تعاني من أزمات ممتدة، وبحسب التقرير، توجد الغالبية العظمى من هؤلاء في البلدان التي تعيش في صراعات ممتدة ومنها: «جمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، ومالي، ونيجيريا، والصومال، وجنوب السودان، والسودان، واليمن».
خوف مضاعف
من جهة أخرى، لا يقتصر خطر الهروب من التعليم الناجم عن الإرهاب في دول أفريقية مثل كينيا على الهجمات والتهديدات، بل يمتد إلى الخوف الناشئ عن «التعرض للأخبار والميديا التي تتناول الإرهاب والعنف».
وفي هذا السياق، خلصت دراسة دولية حديثة إلى أن «التغطية الإعلامية للهجمات الإرهابية تثير الخوف بشكل كبير بين العائلات وتؤدي إلى إبعاد الأطفال عن المدارس في كينيا».
ووجدت الدراسة التي أجرتها كلية الإدارة بجامعة لانكستر البريطانية، وجامعة بوكوني في إيطاليا، والتي نُشرت في العدد الأخير من «دورية الرابطة الاقتصادية الأوروبية» أن «الآباء الكينيين الذين لديهم إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام يعتقدون أن نسبة خطر الموت في هجوم إرهابي أكبر 12 مرة من المعدلات الفعلية»، ونتيجة لذلك، بحسب الدراسة «من المرجح أن يبقي هؤلاء الآباء أطفالهم خارج المدرسة».
ويقول ماركو ألفانو، أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة لـ«الشرق الأوسط» إنه «في جميع أنحاء أفريقيا، هناك العديد من السياقات التي تشبه إلى حد بعيد سياق دراستنا: بلد يتمتع بمشهد إعلامي حر نسبياً يشهد زيادة مطردة في النشاط الإرهابي».
وقال ألفانو: «نيجيريا التي تعاني من إرهاب بوكو حرام، قد تكون مثالاً لذلك، حيث إن الأطفال وأهاليهم لديهم في الغالب إمكانية الوصول لوسائل إعلام».

«تعليم غربي»
وتفاقم عمليات خطف تلميذات في نيجيريا حيث يتوسع نفوذ «جماعة بوكو حرام» الإرهابية من مشاكل التعليم في البلاد، حيث «يتغيب نحو 40 في المائة من الطلاب عن المدارس»، بحسب تقرير لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية صدر العام الماضي.
وأوردت فورين بوليسي وقائع عدة نفذها التنظيم الإرهابي، حيث اختطف 276 طالبة من مدرسة شيبوك عام 2014، و300 فتاة من ولاية زامفارا بشمال غربي نيجيريا، في 26 فبراير (شباط) الماضي.
ويذهب عبد الفتاح الفاتحي، الخبير المغربي في شؤون الجماعات الإرهابية، في تصريحات إلى «الشرق الأوسط» إلى مكمن آخر للخطورة، موضحاً أن «العديد من الجماعات الإرهابية تؤمن بأنها مستهدفة وجودياً بنشر التعليم، لذلك عملت بعضها على إيجاد بدائل تعليمية وتربوية تخدم مشروعها في مجال نفوذها».
ويضيف مدير «مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية» في المغرب، أنه «في سياق المواجهة الكلية لا تتردد الجماعات الإرهابية في استهداف البنى التحتية الثقافية والمؤسسات التعليمية، بل تذهب إلى أبعد من ذلك حيث تروج في أدبياتها وأنشطتها لممارسة العنف المسلح بوصفه واجباً دينياً مقدساً يستهدف المؤسسات التعليمية الغربية».
ويقول الفاتحي إن «جماعة (بوكو حرام) مثلاً تبعاً لهذه القناعة عملت على إيجاد نهج تعليمي بديل يتحدى ما تعتبره (تعليماً حكومياً غريباً ودخيلاً)».



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.