الهنود يعودون لأدوات طهي أجدادهم

من الأسباب جائحة {كورونا} والفائدة الصحية

الأواني النحاسية تحافظ على نكهة الطعام
الأواني النحاسية تحافظ على نكهة الطعام
TT

الهنود يعودون لأدوات طهي أجدادهم

الأواني النحاسية تحافظ على نكهة الطعام
الأواني النحاسية تحافظ على نكهة الطعام

يعجّ مطبخ الشيف الهندي الشهير فيكاس خانا بالأواني النحاسية وصناديق توابل عمرها 100 عام، حتى إن هناك مقلاة حديدية موجودة منذ حفل زفاف جدته.
ويقول الطاهي الهندي الحاصل على نجمة ميشلان، والذي يعمل بشكل دؤوب على جمع القطع الأثرية الخاصة بالمطابخ من جميع أنحاء الهند، التي غالباً ما يعرضها في مطعمه «جونون» الموجود في ولاية نيويورك، الولايات المتحدة: «لقد أتقنت الهند القديمة فن صناعة السبائك، ويسعدني أن أرى مكونات مثل النحاس والقصدير والحديد والكربون تشق طريقها مرة أخرى إلى مطابخنا، وذلك لأنهم لا يمثلون تراثنا الهندي فحسب، بل يمثلون البحث العلمي والفنون والتصميم والأشكال الفريدة الخاصة بنيودلهي أيضاً».

مجموعة من الأواني الفخارية التي تحافظ على حرارة الطعام لمدة أطول

ويضم «متحف الطهي»، الذي يعد الأول من نوعه، مئات الأواني والأطباق، ومغرفة رائعة عمرها 100 عام كانت تُستخدَم لتقديم الطعام في المعابد، وأواني من مناطق «كونكان» و«أودوبي» و«تشيتيناد»، ومرشات بذور قديمة، وأطباقاً ملونة يعود تاريخها إلى عصر هارابان، وبكرات دوارة، ومجموعة متنوعة من مصافي الشاي، وعصارات فواكه تعمل بالضغط اليدوي، وزجاجات لحفظ المخللات، وأواني خزفية جميلة، ومجموعة من الملاعق ذات النقوش الفنية وملاعق التقديم من مختلف أنحاء الهند، مثل «كوتشي» و«جامو» و«بيون» و«حيدر آباد» و«غوجارات» و«راغاستان»، حتى الولايات الشمالية الشرقية، من بين كثير من الولايات الأخرى.
وفي سعيه للحفاظ على التراث الثقافي الهندي الغني، سافر الشيف خانا على مدى السنوات العشر الماضية واستكشف طول البلاد وعرضها وقام ببناء هذا المستودع الضخم الذي يضم محتويات مطابخنا من المناطق والجغرافيا والأديان والثقافات المختلفة، وتمكن الشيف خانا أيضاً من استعادة بعض قطع أدوات الطهي والأواني التي كانت قد فُقدت بمرور الوقت، على سبيل المثال، في الحقبة الهولندية والبرتغالية.
ولكن مَن الشخص الذي قد يرغب في تأسيس متحف كامل للأواني؟ ولماذا؟ يجيب الطاهي الهندي على هذا السؤال قائلاً: «السبب يرجع إلى شغفي بالحفاظ على ثقافتنا التي باتت تحتضر»، ويضيف: «لقد لاحظت كيف تخلصت والدتي وجدتي، على مر السنين، من أواني الطهي الكبيرة والأواني المستخدمة في المناسبات الخاصة، وشعرت أنه في يوم من الأيام، سيضيع كل هذا إلى الأبد، ولذلك بدأت في الاحتفاظ بكثير من هذه الأدوات».
وفي السنوات الأخيرة، باتت فكرة إحياء التراث أحد الجوانب المميزة لفن الطهي الهندي، وذلك من خلال التركيز على تقنيات الطهي القديمة لوصفات عمرها قرون، واستخدام المكونات المنسية والمعلومات القديمة الخاصة بالطهي، إذ يبدو أن نيودلهي قد عادت إلى الوراء في الزمن من أجل كتابة لغة تذوق طعام جديدة للمستقبل، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك أيضاً اهتماماً متزايداً بالحياة المستدامة والصديقة للبيئة.

الشيف فيكاس خانا في جولة تسوق في أسواق الهند الشعبية المتخصصة ببيع أواني الطبخ القديمة

- العودة إلى كل ما هو قديم
مع ازدياد وعي الناس بمخاطر أدوات الطهي الحديثة؛ حيث يتم ترشيح النيكل والكروم من أواني الفولاذ المقاوم للصدأ (ستانلس ستيل)، وتسريب مركب «بيسفينول A» المعروف باسم «BPA» من البلاستيك إلى الأطعمة، فإن المواد التقليدية مثل النحاس والحديد والحجر والطين باتت تعود مرة أخرى إلى المطابخ الهندية، إذ يبدو أن الهنود قد باتوا يعودون إلى أدوات جداتهم القديمة فيما يتعلق بالطهي.
وتشير المتاجر التي تبيع أدوات الطهي التقليدية المصنوعة من النحاس الأصفر والبرونز والحديد الزهر والطين والحجر الأملس إلى وجود زيادة في الطلب في هذه الأوقات، ووفقاً للمؤسس المشارك في شركة «Zishta» الهندية لأدوات الطبخ التقليدية المصنوعة من حديد الزهر والنحاس، لميرا راماكريشنان، فإن الطلب على الأدوات التي ينتجونها قد تضاعف. وأضاف: «لقد أتاح وباء فيروس كورونا المستجد للجميع وقتاً للتوقف وإحداث تغيير في نمط حياتهم».
وبالنسبة إلى كايال فيزي سريرام، فإن بدء تشغيل منصة عبر الإنترنت لبيع أدوات الطهي التقليدية المصنوعة يدوياً كان هو الخطوة المنطقية التالية بعد إدارتها متجراً للأطعمة العضوية، إذ كانت هي وزوجها يديران المتجر لبضع سنوات في «تشيناي» عندما أدركت أن توفير المكونات الطبيعية بالكامل ليس كافياً لمساعدة الناس على عيش حياة صحية، ولذا فإنه كان من المهم أيضاً الطهي في الأوعية المناسبة للاحتفاظ بالعناصر الغذائية ونكهات المكونات، وبعدها بدأت رحلتها للعثور على أواني الطهي المصنوعة من الطين والحديد والنحاس.
وتقول سريرام: «هناك سبب لاستخدام أجدادنا لهذه الأواني، فالطبخ في الطين، على سبيل المثال، يقلل من حموضة الطعام، حتى لو استغرق وقتاً أطول من المقالي غير اللاصقة».
وافتتحت منصة سريرام الإلكترونية «Essential Traditions» منذ 3 سنوات 4 متاجر فعلية في «تشيناي» و«بنغالورو»، كما أنها توظف 16 شخصاً وتزيد إيراداتهم عن 10 ملايين روبية سنوياً.
وبالمثل، تأملت كافيا شيريان النكهات الموجودة في مطابخ الهنود القدامى، وتساءلت: «لماذا يكون طعم حساء راسام (حساء يتم تناوله بشكل تقليدي في جنوب الهند، وهو مصنوع من التمر الهندي والطماطم والتوابل والأعشاب العطرية) الذي تطبخه جداتنا لذيذاً جداً؟ ولماذا تمتاز الفاصوليا والأرز في مطابخ أمهاتنا بطعم ريفي سري؟».
يبدو أن الإجابة على هذه الأسئلة كانت تقودها دائماً إلى أدوات المطبخ التقليدية مثل الأواني الفخارية، التي يكمن السحر فيها؛ حيث أدركت أن هناك كثيرين مثلها يتوقون لتذوق الأطباق التي كانوا يتناولونها في طفولتهم مرة أخرى.
وأطلقت شيريان منصة عبر الإنترنت باسم «Green Heirloom» تبيع خلالها أدوات الطهي التقليدية المصنوعة يدوياً للمطابخ الحديثة، وتعتبر مقاليها المصنوعة من الحديد الزهر وأواني الأورالي الفخارية السوداء (المصنوعة عادة من الطين والنحاس والبرونز) من أكثر المنتجات مبيعاً.
وتقول شيريان: «المقالي التي نبيعها متعددة الاستخدامات بحيث يمكنك وضعها على المواقد التي تعمل بالغاز أو الكهربائية حتى داخل الفرن، فقط عليك أن تعتني بها جيداً، وحينها يمكن أن تدوم طويلاً، فالأواني الفخارية صحية لأنها تحول الأطعمة الحمضية إلى قلوية، ما يجعلها أسهل في الهضم».

هناك إقبال كبير على الأواني النحاسية في مطابخ الطهاة الهنود

- تفضيلات الطهاة
يستخدم الشيف الهندي مانو شاندرا، وهو شريك في مطعم «Olive Bar & Kitchen and Toast & Tonic» في الهند، مدقة خشبية ثقيلة يصفها بأنها «ناعمة للغاية»، يستخدمها في الضغط على بعض الخضراوات لإخراج النكهات منها، إذ يقول وهو يقوم بطهي صلصة «البيستو» عن طريق الضغط على الريحان الذي أحضره من حديقة مطبخه: «باستخدام هذه المدقة يتم تحرير النكهات، ولكن ملمس الريحان لا يصبح مثل العجين، ولأن صنع البيستو بهذه الطريقة لا يعرضه للحرارة ولا للأكسدة فإنه يحافظ على لونه، فيما تعمل حرارة الخلاط على أكسدة الريحان وتوزيع الزيت داخل الخليط، ما يغير لونه وملمسه».
فيما يصرّ الشيف الهندي إتي ميسرا على طحن عجينة الخردل البنغالية باستخدام أداة تقليدية قديمة تسمى «سيلباتا» تُستخدم لطحن الطعام، إذ يقول إنه عندما يتم ضغط بذور الخردل تحت الحجر الأسطواني وتتدحرج فوق الحجر المسطح في الـ«سيلباتا»، فإن نكهتها تزدهر بشكل أكبر، ويتابع: «نحن نريد أن يكون الخردل قشدياً وليس مُراً، فالمرارة تنتج عن استخدام الخلاط».
ويقول الشيف أبهيجيت ساها، وهو صاحب مطعم هندي أيضاً، إنه يجب استخدام الأواني التقليدية للطهي، وأيضاً لتخزين الطعام، ويضيف: «يتم وضع الزبادي تقليدياً في أواني فخارية، وذلك لأنها تساعد في تغذية البكتيريا الجيدة، التي بدورها تساعد في تكوين زبادي كثيف».
ويبدو مطبخ الشيف شيري ميهتا مالهوترا مليئاً بأواني الطهي التقليدية بما في ذلك الأواني النحاسية والبرونزية، ومقالي الحديد الزهر، والألواح النحاسية، والأوعية الفخارية، والـ«سيلباتا»، والهراسات الخشبية، التي ورثت معظمها من جدتها، وتقول مالهوترا: «لقد أصبحت أستخدم هذه الأواني منذ فترة طويلة، إذ إنني لم أرث وصفات من جدتي فحسب، بل ورثت أوانيها أيضاً».
وفي مطبخ جدتها البنجابي التقليدي، كانت الأواني النحاسية مُخصصة لطبخ البقوليات، بينما كان يتم طهي الخضراوات الجافة في المقالي الحديدية التي تضفي على الأطباق لوناً داكناً لذيذاً، كما يضمن تصميم هذه الأواني ذات الجدران السميكة بقاء الطعام ساخناً لفترة أطول.

- القيمة الغذائية
تقول اختصاصية التغذية الهندية لوفنيت باترا: «النحاس لا ينجذب للمغناطيس، وموصل للحرارة ويدوم طويلاً، وتكمن فائدة الطهي باستخدام الأواني النحاسية في فقدان 7 في المائة فقط من العناصر الغذائية خلال عملية الطهي».
وعن الفوائد المتعددة للشرب في الأواني النحاسية، تقول باترا إن «تخزين المياه في جرة مصنوعة من النحاس يخلق عملية طبيعية لتنقية المياه، فالمياه المحفوظة داخل الأوعية النحاسية لها خصائص مضادة للبكتيريا، ومضادة للميكروبات، ومضادة للأكسدة، ومضادة للالتهابات».
وفي كتابها الذي جاء بعنوان «كايا يوجا... الطريق إلى السعادة والصحة وطول العمر»، أوضحت الدكتورة ناتشيكيتا داس كيف تتبع النساء في بعض أجزاء جنوب الهند طريقة فريدة لإضافة الحديد إلى نظامهن الغذائي لمكافحة فقر الدم؛ حيث يقمن بطحن الزبادي في وعاء من الحديد المطاوع باستخدام مدقة، وتقول داس: «يمتص الزبادي ذو الوسط الحمضي الحديد عند طحنه، وهذا الزبادي المدعم بالحديد كان علاجاً فعالاً لفقر الدم في جنوب الهند على مدى أجيال».
وعن الفوائد التي تضيفها أواني الطبخ التقليدية القديمة إلى الصحة، يقول دريتي أوديشي، وهو خبير في فقدان الوزن الزائد والتحكم في الوزن ومدرب الصحة: «تعتبر المقالي المصنوعة من الحديد الزهر بديلاً رائعاً للأواني غير اللاصقة، التي تُصنع من مواد كيميائية سامة معينة تتحلل في درجات حرارة عالية، وهي بالتأكيد ليست طريقة صحية للطهي واستهلاك الطعام، فيما يمكن أن يرشح الحديد الزهر بعض الحديد في الطعام وهذا شيء جيد، بالنظر إلى أن نقص الحديد يعد أمراً شائعاً إلى حد ما في جميع أنحاء العالم».
وتقول سافيتا ماهاجان، وهي ربة منزل في نيودلهي: «لقد قمنا مؤخراً بالتبديل من الحديد غير اللاصق إلى الحديد الزهر، وقد بات مذاق طعامنا أفضل من أي وقت مضى، فعائلتي تستخدم أواني الطهي التقليدية منذ سنوات، ولكن تم إغراؤهم، بشكل مؤقت، بأدوات الطهي الحديثة اللامعة والمطلية قبل بضع سنوات، إلا أننا نقوم الآن بطهي جميع البقوليات والخضراوات في أواني فخارية».
وكان قد تم تشخيص مستشارة الطهي والمدونة الهندية سايانتاني مهاباترا بأنها مصابة بفقر دم خطير بعد ولادة طفلها الثاني، ولكن أقراص الحديد التي وصفها لها الطبيب لم تناسبها، وتقول: «في ذلك الوقت، اقترح كبار السن في الأسرة أن أحضر طعامي في أواني طهي من الحديد الزهر، واتفق طبيبي مع هذا الرأي».
وقد عُرفت الأواني التقليدية المصنوعة من معادن مثل الحديد والنحاس والبرونز منذ آلاف السنين بأنها لا تحافظ على العناصر الغذائية للطعام المطبوخ فيها فحسب، ولكنها تضفي أيضاً قيمة غذائية إضافية وخصائص طبية للطعام، وتوصي الأيورفيدا القديمة (منظومة من تعاليم الطب التقليدي التي نشأت في شبه القارة الهندية منذ أكثر من 5 آلاف عام، وانتشرت إلى مناطق أخرى من العالم كشكل من أشكال الطب البديل، وتعنى في اللغة السنسكريتية؛ علم الحياة)، باستخدام هذه الأواني أيضاً، بل إنها تنص على استخدامات محددة لكل معدن، مع التأكيد على مزاياه العلاجية.


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)
الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)
TT

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)
الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً، وعندما نسمع أي طاهٍ يردد المقولة الأشهر: «الطهي بحبّ» (التي قد يجد البعض أنها أصبحت «كليشيه»)؛ أقول لهم إنه لا يمكن أن يبرع أي شيف بمهنته إلا إذا أحب مهنته ووقع بغرام الطهي لأن هذه المهنة لا يمكن أن ينجح بها إلا من يطبخ بحبّ.

يجب أن يتحلى الطاهي الخاص بمهنية عالية (الشرق الاوسط)

الطهي أنواع، والطهاة أنواع أيضاً، فهناك من يطبخ في مطعم، وهناك من يطبخ لعائلة أو يطبخ بشكل خاص في المنازل. أما «الشرق الأوسط» فقد قامت بتجربة الطعام في أحد المساكن الراقية، التابعة لـ«أولتميا كولكشن» (Ultima Collection) التي تضم عدة شاليهات وفيلات في أماكن كثيرة، مثل جنيف في سويسرا، وموجيف في فرنسا، وغيرها من الوجهات الراقية.

بوراتا مع الطماطم (الشرق الاوسط)

الإقامة في مجموعة «أولتيما» صفتها الرقي والرفاهية التي تمتد إلى ما هو أبعد من السكن، لتصل إلى الطبق، وبراعة فريق العمل في المطبخ في تقديم أجمل وألذّ الأطباق بحسب رغبة الزبون، ففكرة «أولتيما» تدور حول تأجير العقار لمدة أقلّها أسبوع، حيث يتولى فريق كامل من العاملين تلبية كافة احتياجات النزل، بما في ذلك تأمين طلبات الأكل وتنفيذ أي طبق يخطر على بال الزبون.

من الاطباق التي تبتكر يوميا في مجموعة أولتيما (الشرق الاوسط)

لفتنا في طهي الشيف أليساندرو بيرغامو، الطاهي التنفيذي في «أولتيما كوليكشن» والمسؤول عن ابتكار جميع لوائح الطعام في مجموعة أولتيما، أنه يحمل في نكهاته رائحة الشرق الأوسط، وبساطة الأطباق الأوروبية والمنتج الطازج وطريقة التقديم التي تنافس أهم المطاعم الحاصلة على نجوم ميشلان.

من الاطباق المبتكرة في "أولتيما"

في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، شرح الشيف أليساندرو بيرغامو كيفية تنفيذ عمله بهذه الطريقة الحرفية لمجموعة أشخاص تختلف ذائقاتهم وذوقهم في الأكل، فكان ردّه أنه يتم إعداد قوائم الطعام بعد دراسة ما يفضله الزبون، ويتم تعديل قائمة الطعام استناداً إلى تفضيلاتهم، ومعرفة ما إذا كان أحدهم يعاني من حساسية ما على منتج معين، بالإضافة إلى تلبية الطلبات الخاصة في الأكل.

طبق فتوش لذيذ مع استخدام البهارات الشرقية (الشرق الاوسط)

يقوم الشيف أليساندرو بالطهي لجنسيات مختلفة، لكن كيف يمكنك طهي طعام يناسب الجميع؟ أجاب: «يأتي كثير من العملاء لاكتشاف أطباق جديدة، ومطبخ كل طاهٍ ومنطقة. نحن نعدّ مجموعة متنوعة من الأطباق على طريقة طبخ البيت لتلبية كل الطلبات».

طاولة طعام تحضر لمجموعة واحدة من النزل (الشرق الاوسط)

تتمتع أطباق الشيف بيرغامو باستخدام كثير من البهارات العالمية، فسألناه عن سرّ نجاحه في الدمج بينها، فقال: «نحاول تحقيق التنوع في النكهات بين الحريف والحامض والحار والمالح. يتعلق الأمر بتحقيق التوازن والتناغم. وتتوفر لدينا اليوم أنواع متعددة من البهارات تسمح لنا بإجراء بحث ممتد، والتعاون مع طهاة عالميين من أجل التطوير المستمر للعمل».

مائدة طعام في أحد مساكن أولتيما العالمية (الشرق الاوسط)

وأضاف: «بالطبع، أحب البهارات، والإضافة التي تقدمها إلى طبق ما، أو نوع من الخضراوات. هناك كثير من البهارات التي أستمتع بها. منها جوزة الطيب والكزبرة والسماق والبابريكا».

وعن طبقه المفضل الذي لا يتعب من تحضيره، أجاب: «أحب طهي المعكرونة بأشكال مختلفة متنوعة، إلى جانب أطباق اللحم بالصوص».

مهنية تامة وروعة في التقديم (الشرق الاوسط)

ومن المعروف عن بعض الزبائن، الذين يختارون الإقامة في عقارات تابعة لمجموعة أولتيما، أن طلباتهم قد تكون كثيرة وغير اعتيادية أحياناً، والسؤال هنا؛ كيف يستطيع الطاهي الخاص أن يقوم بتلبية جميع الطلبات الخاصة؟ فأجاب الشيف ألسياندرو بأنه يحاول الاتصال بكل من يعرفه للعثور على المنتجات المطلوبة. وبفضل الموردين الذين يتعامل معهم، يضمن السرعة والكفاءة في الاستجابة لأي طلبات خاصة. وبالتالي يتمكن في غضون 24 ساعة من تحديد موقع المنتج وإحضاره لاستخدامه في أي طبق يطلبه الزبون.

أطباق جميلة ولذيذة (الشرق الاوسط)

يبقى السؤال الذي يطرحه نفسه هنا: أيهما أصعب، العمل في مطعم أم العمل كطاهٍ خاص؟ وكان ردّ الشيف أليساندرو: «في رأيي لأصبح طاهياً خاصاً، من الضروري أولاً العمل في المطاعم لأتعلم المهنة وطرق وفنون الطهي، ثم بعد ذلك إذا كنت أشعر بالارتياح تجاه التعامل بشكل مباشر مع العملاء، يمكن التفكير في أن أصبح طاهياً خاصاً. إن الأمر مختلف جداً لأنه في المطعم تكون لديك قائمة طعام، ويختار العملاء أطباقهم، لكن عندما تكون طاهياً خاصاً، تكون الوجبات معدّة بشكل كامل بناءً على تفضيلات العملاء».

مائدة الفطور في "غراند أولتيما" (الشرق الاوسط)

من هو الشيف أليساندرو بيرغامو؟

ولد في إقليم كومو في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 1989. نظراً لشغفه بالطهي الذي ظهر في سن مبكرة، وحلمه بالفعل بالمشاركة في مسابقة «بوكوس دور»، تدرب في مركز التكوين المهني والتمهين في مدينة سوندالو، بالقرب من مقاطعة سوندريو، ثم في مدرسة «كلوزوني» للطهي مع طهاة على صلة بالمسابقة.

بدأ بعد ذلك مسيرته المهنية الاحترافية بالعمل في فنادق رائدة كطاهٍ تنفيذي في كل من برغامو وفينيسيا وتاورمينا. وفي عام 2009، استقر في مدينة ليون، حيث عمل مع الطاهي بيير أورسي لمدة عامين في مطعمه الحائز على نجوم ميشلان، قبل الانضمام إلى فريق يانيك ألينو في «لي 1947 شوفال بلان» المطعم المملوك لكورشفيل الحائز على 3 نجوم ميشلان.

كذلك انضم، وهو يضع مسابقة «بوكوس دور» نصب عينيه، إلى فريق ريجيس ماركون، الطاهي الحاصل على 3 نجوم، والفائز بمسابقة «بوكوز دور» عام 1995 في سان بونيه لي فروا بفرنسا، ثم للطاهي بينواه فيدال في بلدة فال دي إيسير ليحصل مطعمه على ثاني نجمة من نجوم ميشلان بعد ذلك بعامين.

بعد تجاربه في فرنسا، انتقل أليساندرو إلى مونتريال في مطعم «ميزو بولود ريتز كارلتون» للعمل مع الطاهي دانييل بولود، وبعد فترة تدريب قصيرة في اليابان، عاد إلى إيطاليا للعمل إلى جانب مارتينو روجيري. وأثناء العمل في مطعم «كراكو» في «غاليريا فيتوريو إيمانويل» بميلانو، قرّر تحقيق حلمه، وبدأ مغامرة جديدة، وهي عالم منافسات الطهي.

أصبح أليساندرو عام 2019 مدرباً مساعداً في أكاديمية «بوكوس دور» بإيطاليا، وفاز بمسابقة «سان بليغرينو يانغ شيف»، التي تغطي إيطاليا وجنوب شرقي أوروبا، ليتمكن بذلك من الوصول إلى نهائيات العالم. وفي عام 2020، أثمر العمل الجاد لأليساندرو، وشغفه، ومساعدة فريق العمل معه، عن الفوز بمسابقة «بوكوس دور» في إيطاليا، ما أهّله إلى النهائيات الأوروبية، ثم إلى نهائيات العالم للمسابقة عام 2021، التي أقيمت في ليون، ما مثّل حدثاً مقدساً حقيقياً له، هو الذي لطالما كان يحلم بهذه التجربة المذهلة.

اليوم، بصفته طاهياً تنفيذياً، ينقل أليساندرو خبرته وشغفه، ويتألق من خلال تفانيه في العمل، ما يجعل فريق العمل في مؤسسة «أولتيما كوليكشن» يشعر بالفخر بوجوده معهم.