«كوب 27»... قمة الطموحات الكبيرة في الوقت الصعب

خبراء أكدوا لـ«الشرق الوسط» أن العالم لا يملك رفاهية خروجها دون إنجاز

الفيضانات التي شهدتها باكستان تذكر العالم بأهمية اتخاذ مواقف إيجابية في «كوب 27» (غيتي)
الفيضانات التي شهدتها باكستان تذكر العالم بأهمية اتخاذ مواقف إيجابية في «كوب 27» (غيتي)
TT

«كوب 27»... قمة الطموحات الكبيرة في الوقت الصعب

الفيضانات التي شهدتها باكستان تذكر العالم بأهمية اتخاذ مواقف إيجابية في «كوب 27» (غيتي)
الفيضانات التي شهدتها باكستان تذكر العالم بأهمية اتخاذ مواقف إيجابية في «كوب 27» (غيتي)

لم تمر على العالم ظروف مناخية قاسية تجعله في أشد الحاجة للاتفاق بشأن قضايا المناخ، مثل هذه الأيام التي باتت فيها تلك الظواهر تؤثر في حياة العالم بأسره، حيث لا فرق بين دول غنية وفقيرة، ففي الوقت نفسه الذي تشهد فيه منطقة القرن الأفريقي موجة جفاف قاسية، كانت القارة الأوروبية الصيف الماضي على موعد غير متوقع مع موجة جفاف لم تحدث منذ 500 عام. وكما عانت باكستان هذا الصيف من فيضانات غير مسبوقة، فقد فاجأت فيضانات غير مسبوقة منطقة غرب ألمانيا العام الماضي.
وتعطي هذه الظواهر المناخية غير المسبوقة لقمة المناخ «كوب 27» التي تبدأ فعالياتها (الأحد) في مدينة شرم الشيخ المصرية، أهمية كبيرة؛ إذ يُعوَّل عليها لتكون دافعاً للمشاركين بالقمة من أجل الارتقاء بالطموح إلى مستوى هذه الأخطار التي تهدد العالم بـ«الانتحار الجماعي»، على حد وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لها في كلمة له بالحوار التمهيدي للقمة الذي استضافته مدينة برلين الألمانية في يوليو (تموز) الماضي.
وقبل بداية القمة، أعاد غوتيريش التحذير نفسه، مؤكداً حاجة العالم للخروج من شرم الشيخ بـ«اتفاقية تاريخية»، مشيراً في حوار خاص له بصحيفة «الجارديان» البريطانية نُشر الجمعة، إلى أنه دون تحقيق ذلك «سيُقضى علينا جميعاً». وقال إنه «لا توجد طريقة يمكننا من خلالها تجنُّب وضع كارثي، إذا لم يتمكن العالمان المتقدم والنامي من إقامة اتفاق تاريخي».
وفشلت الدول المتقدمة في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالسرعة الكافية، وفشلت أيضاً في توفير الأموال اللازمة للدول الفقيرة للتعامل مع الطقس القاسي الناتج عن ذلك، وستكون العدالة المناخية المفقودة بين العالم الغني المسؤول عن معظم الانبعاثات، والفقراء الذين يتحملون وطأة الآثار، هي أكبر قضية في قمة المناخ، كما أوضح غوتيريش.
وأضاف غوتيريش أن «السياسات الحالية بشأن المناخ كارثية جداً، والحقيقة هي أننا لن نكون قادرين على تغيير هذا الوضع إذا لم يتم وضع اتفاق بين البلدان المتقدمة والبلدان ذات الاقتصادات الناشئة».
والاتفاق الذي يتطلع له غوتيريش سيتطلب من الاقتصادات الكبرى بذل المزيد من الجهد لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتزويد البلدان الفقيرة بشريان الحياة (المال) للتعامل مع آثار التغيرات المناخية التي لا تتحمل تلك البلدان مسؤوليتها، لكنه يدرك، في الوقت ذاته، التحديات التي قد تعرقل الوصول لهذا الاتفاق، وأهمها أن القمة تُعقد في توقيت بالغ الصعوبة.
وتجري أحداث القمة وسط أسوأ توترات جيوسياسية منذ سنوات، بسبب حرب أوكرانيا، والعلاقات الأميركية الصينية المتوترة التي تراجعت إلى مستويات متدنية جديدة هذا العام، إلى جانب أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تسببت في أزمة زيادة تكلفة المعيشة في جميع أنحاء العالم.
وتمثل هذه الظروف السياسية والاقتصادية عقبة كبيرة أمام الوصول للاتفاق التاريخي الذي يتمناه غوتيريش، فالدول المتقدمة التي لم تلتزم في أوقات سابقة بتعهداتها بشأن تقديم ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 لمساعدة البلدان الفقيرة على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف مع آثار أزمة المناخ، ستجد صعوبة أكبر مع الوضع الاقتصادي والسياسي الراهن في الوفاء بهذا الالتزام.
لكن غوتيريش يتمنى أن تكون قمة شرم الشيخ فرصة لإعادة بناء الثقة بين الدول الغنية والفقيرة، معولاً على تضمين «الاتفاق التاريخي» الذي يتمناه، تعهدات جديدة واضحة بشأن التمويل.
وأكد وائل أبو المجد، الدبلوماسي المصري المسؤول عن إدارة المفاوضات في قمة المناخ، أهمية إظهار التقدم في مسألة تمويل المناخ، واصفاً هذا الملف بـ«الأمر الأساسي» خلال القمة. وقال في إحاطة صحافية قبل انطلاق القمة: «الـ100 مليار دولار التي تعهدت بها الدول المتقدمة في السابق، لن تقترب حتى من جزء بسيط من المبالغ المطلوبة، فهذه الأرقام بالتريليونات، لكن الالتزام بها سيكون لفتة مهمة جداً وذات طبيعة رمزية، وذلك لخلق الثقة».
ويقول حسن أبو النجا، المدير التنفيذي للشبكة العربية للتنمية المستدامة لـ«الشرق الأوسط»: «رغم التحديات التي تواجه تلك القمة، فإن العالم لا يملك رفاهية خروجها دون إنجاز واضح ينقذ البشرية من المصير الصعب الذي تسير نحوه بخطى متسارعة». ويضيف: «نحن نقترب بشدة من نقاط التحول التي ستتسبب في انهيار مناخي لا رجعة فيه، وهذا الضرر لن يسمح لنا بالتعافي واحتواء ارتفاع درجات الحرارة».
ونقاط التحول في النظام المناخي هي العتبة التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث تغيرات كبيرة في المناخ عند تجاوزها، وتشمل ذوبان التربة الصقيعية التي تطلق غاز الميثان، وهو غاز دفيء قوي يغذي مزيداً من التسخين، والنقطة التي تتحول فيها غابات الأمازون المطيرة الجافة من كونها ممتصاً إلى مصدر للكربون، وهو ما يخشى العلماء من أنه يقترب بسرعة.
ويقول أبو النجا: «هناك شواهد عايشناها هذا الصيف تغذي هذه المخاوف، وقد حدث كل ذلك، بينما لا تزال الزيادة في درجة حرارة سطح الأرض، مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، في حدود 1.1 درجة مئوية». ويتساءل: «كيف سيكون الحال إذا تجاوزنا عتبة الـ1.5 درجة مئوية التي حددتها اتفاقية باريس 2015 كحد لا ينبغي للعالم تجاوزه؟».
ويشير أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، إلى أن الزيادة في درجة حرارة سطح الأرض تتجه بخطورة متزايدة نحو تجاوز عتبة الـ1.5 درجة مئوية، وهو ما يفرض على العالم تجاوز خلافاته في قمة «شرم الشيخ»، وهو النداء الذي وجهه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع رؤساء الدول والحكومات حول تغير المناخ في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وطالب الرئيس المصري في كلمته بـ«ضرورة عدم السماح للخلافات السياسية أو أي ظرف عالمي، بأن يؤدي إلى التراجع عن الالتزامات والتعهدات الخاصة التي قطعها العالم على نفسه لمواجهة تغير المناخ». وذكّر السيسي الدول المتقدمة بـ«ضرورة الإسراع من وتيرة تنفيذ التزاماتها، تجاه الدول النامية، بتوفير تمويل المناخ لصالح خفض الانبعاثات والتكيف».
كما ذكّر الرئيسي المصري الرؤساء خلال الاجتماع بأن ما شهدته دولة باكستان من فيضانات خلفت دماراً غير مسبوق، وفقداناً في الأرواح وما شهدته القارة الأوروبية والولايات المتحدة، من حرائق غابات غير مسبوقة، نتيجة لارتفاع درجات الحرارة يعد نذيراً مؤلماً لما سيكون عليه مستقبل أبنائنا وأحفادنا ما لم نتحرك سريعاً.
ويعول مجدي علام، الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب، آمالاً على أن تكون هذه الظواهر المناخية المتطرفة التي أشار إليها الرئيس، هي الضمان الوحيد، لإمكانية خروج القمة بإنجاز لا نملك رفاهية عدم تحقيقه. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك مواقف تم الإعلان عنها مؤخراً في الاجتماعات التمهيدية للقمة، تشير إلى استشعار دول العالم المختلفة بالخطر الذي ينتظرنا، ونتمنى ترجمة ذلك في القمة».
فيما تمنى وائل أبو المجد، الدبلوماسي المصري المسؤول عن إدارة المفاوضات في قمة المناخ، أن تكون التصريحات والتعهدات السياسية التي يتم الإدلاء بها أمام الكاميرات، هي ذاتها التي يتم التعبير عنها في غرف التفاوض. وقال إن «هذه المواقف الإيجابية العلنية، لن تكون ذات قيمة حتى تُترجم في غرف التفاوض».


مقالات ذات صلة

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد مقر انعقاد مؤتمر «أطراف الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر (كوب 16)» في الرياض (الشرق الأوسط)

السعودية... قمة «الكوكب الواحد» تحدد مسارات تعزز قرارات الاستثمار المناخي

حددت القمة السنوية السابعة لرؤساء «مجموعة العمل الدولية لصناديق الثروة السيادية (الكوكب الواحد)»، المقامة في الرياض اليوم الثلاثاء، مسارات عمل رئيسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد انطلق اليوم الأول من «كوب 16» بالرياض بحضور لافت ومميز من صناع السياسات ورواد الأعمال (كوب)

الاتحاد الأوروبي: التصحر وتدهور الأراضي والجفاف تحديات عالمية تتطلب تحركاً عاجلاً

أوضح الاتحاد الأوروبي أن التصحر وتدهور الأراضي والجفاف تُمثل تحديات عالمية تتطلب تحركاً عاجلاً ورفع مستوى الحلول العملية، لمواجهة تلك الظواهر التي تؤدي إلى…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المهندس عبد الرحمن الفضلي خلال كلمته الافتتاحية في «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط) play-circle 00:41

السعودية تطلق «شراكة الرياض العالمية» بـ150 مليون دولار للتصدي للجفاف

أعلنت السعودية إطلاق «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف» بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة لدعم هذه الجهود.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك ينصح الخبراء بأن حتى المشي السريع يعمل على تعزيز الدورة الدموية ودعم الطاقة بشكل أفضل خلال الشتاء (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نصائح لتجنب الشعور بالتعب والإرهاق وسط برودة الطقس

ينصح خبراء التغذية بنصائح عدة لزيادة النشاط وتجنب التعب في الشتاء.

«الشرق الأوسط» (لندن)

روته: يجب تعزيز دفاعات حلف «الناتو» لمنع الحرب على أراضيه

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب تعزيز دفاعات حلف «الناتو» لمنع الحرب على أراضيه

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، اليوم (الخميس)، تحذيرا قويا بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».