شارع العينية.. أقدم شوارع المدينة المنورة يعود للحياة بعد 50 عامًا

تجول فيه خادم الحرمين الشريفين وشاهد مقتنياته القديمة

شارع العينيه الجديد بعد إطلاقه يحاكي شارع العينيه القديم بجميع حذافيره
شارع العينيه الجديد بعد إطلاقه يحاكي شارع العينيه القديم بجميع حذافيره
TT

شارع العينية.. أقدم شوارع المدينة المنورة يعود للحياة بعد 50 عامًا

شارع العينيه الجديد بعد إطلاقه يحاكي شارع العينيه القديم بجميع حذافيره
شارع العينيه الجديد بعد إطلاقه يحاكي شارع العينيه القديم بجميع حذافيره

بعد حفل أهالي المدينة المنورة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمناسبة زيارة لمدينة المصطفى الطيبة، حرص خادم الحرمين الشريفين على أن يتجول في شارع وسوق العينية التراثي برفقة ضيوف المدينة، وهو الواقع بجانب حديقة الملك فهد ليشاهد ما تضمه السوق من محلات للمقتنيات القديمة والأكلات الشعبية.
شارع العينية القديم الذي اختفى بسبب الحريق الذي شب في سوقه قبل نحو نصف قرن، وما تلاه من مشاريع التوسعة التي شهدها المسجد النبوي الشريف، عاده مرة أخرى للواجهة وفق طراز شارع العيينة القديم بكامل حذافيره، ليكون متوافقًا مع رؤية الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة بإنشاء الحي التراثي المديني ليكون أحد مصادر الموروث العمراني وجمالياته وروعته، والذي حظي بدعمه، ليكون ضمن العمل على ترسيخ الهوية الثقافية للمدينة المنورة وتفردها بطابع الأصالة الفريد والمتميز، وتصدر تقاليد البناء والعمارة المشهد بالمدينة المنورة من خلال معالمها الآسرة التي انتشرت قديمًا بين جوانبها في كل الاتجاهات، لتكون فكرة شارع وسوق العينية ضمن منظومة مشروع الحي التراثي.
كان شارع العينية أهم شوارع المدينة القديمة في جانبه الغربي الذي ينتهي إلى مجموعة من الأسواق، منها سوق البرسيم، وزقاق القفاصة الذي كان على جانبه الشرقي بيت عبد الله بن عبد المطلب، والد النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن نهاية الشارع كان يمكن الوصول إلى أسواق الأكل والمطابخ ومدخل سويقة من باب المصري، وكان باب المصري آخر بوابات المدينة، وكان شارع العينية داخل السور الداخلي للمدينة المنورة في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد النبوي الشريف ويمتد من ميدان باب السلام شرقًا إلى شارع المناخة غربًا بين سوقي الشروق جنوبًا وسوق القفاصة شمالاً، وهو كان من شوارع المدينة الرئيسية ومن أعظمها وأحدثها آنذاك، ويمتاز بأن جميع متاجره وأروقته مبنية بالحجارة، كما أن أرضيته مرصوفة بالحجارة أيضا، وكان يستعمل للمشاة، وفي بعض الأحيان تدخله عربات الكارو ويبلغ طوله نحو 300م وعرضه نحو 20م. وسمي الشارع بهذا الاسم نسبة للشيخ العيني صاحب بلاد العينية المجاورة، وقد تم إنشاؤه في عهد الوالي العثماني فخري باشا ما بين عامي 1911 و1918، لينافس شارع الشانزليزيه الباريسي.
وبرع المهندس عبد الحق بن بشير العقبي؛ مهندس المشروع المعماري في تجسيد واقع «العينية» شارع المدينة وسوقها خلال حقبة مضت تمتد إلى لسنوات طويلة، حيث نقل وفريق العمل المشارك له روح المكان وأصالته وتفاصيله إلى الحي التراثي بحديقة الملك فهد المركزية بالمدينة، والذي افتتح المرحلة الأولى منه الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة في أول أيام عيد الفطر المبارك العام الماضي.
وقال المهندس العقبي لـ«الشرق الأوسط»، إن اختيار شارع العينية جاء لكونه يجسد القصبة الرئيسية في النسيج العمراني لأقدم الأسواق وأشهرها التي تقع على مقربة من المسجد النبوي في الماضي. وأضاف: «إن فريقًا ضم الكثير من المختصين في مجال العمارة وفنونها شاركوا في تجسيده لواقع بعد تهيئة كل متطلبات البناء من الحجر وطوب الآجر الأحمر وجذوع وسعف وجريد النخل والرواشين، وغيرها».
ويمثل شارع العينية الجزء الأول من المرحلة الأولى لمشروع الحي التراثي، ويستقر على مساحة 120 ألف متر مربع، كما سيجري تواليًا استكمال جميع مراحل المشروع الذي يقع على مساحة 200 ألف متر مربع ليحاكي تفاصيل موسعة للنسيج العمراني للمدينة قديمًا.
ويعد شارع العينية الذي تتهادى وسطه خطوات المارة في الماضي وتطوف في سماء محيطه الحمائم لتزف إلى كل ناظر مع إطلالة كل صباح أحد أجمل مشاهد الروعة والجمال، لشارع العينية الذي كان يقع في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد النبوي الشريف، ويمتد من ميدان باب السلام شرقًا وحتى شارع المناخة غربًا بين سوقي الشروق جنوبًا وسوق القفاصة شمالاً، باعتباره أحد أهم شوارع المدينة الرئيسة ومن أعظمها منذ عقود مضت.
وكانت تقف على جنبات هذا الشارع متاجر وأروقة بنيت بالحجارة، وكذلك الحال بالنسبة لأرضيته المرصوفة بالحجارة السوداء على جانبي الشارع ويستعمل للمشاة. وسمي الشارع بالعينية نسبة لمزرعة كان يملكها الشيخ العيني، وارتبطت شهرة الشارع بكثرة مرتادي المتاجر والدكاكين على جانبي الشارع التي تنوعت أنشطتهم التجارية ما بين باعة الأقمشة وبعض الصاغة وباعة الملابس الجاهزة والعطور والأدوات المنزلية والمقاهي وممتهني صنعة الخرازة وبائعي الأحذية والبقالات ودكاكين الحلويات، لينضم لهم فيما بعد المطاعم المتخصصة.
وكان الشارع في ماضي الأيام السوق المركزية لأهالي المدينة والحجاج من زوار المسجد النبوي الشريف، يقصدونه لشراء كل مستلزماتهم المختلفة ويجدون فيه كل حاجاتهم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».