الذاكرة المحرجة

TT

الذاكرة المحرجة

تقيم بعض البلدان أنصابًا لـ«الجندي المجهول»، لكي تتذكر مرة في العام جنودها الذين سقطوا في الحروب. جندي واحد، بلا اسم، لأن الذاكرة البشرية أضيق بكثير من أن تتسع لأسماء الآلاف والملايين، عندما يكبر عدد الضحايا في ثنايا الذاكرة، ويصبح الأمر محرجًا حقًا. فلنختصر الجميع في نصب واحد ونقم قبرًا هائلاً للبطل، وقوس نصر، ومقامات من الذهب.
أصر تولستوي على أن يعطي جميع أبطاله أسماء علم في «الحرب والسلم». نحو 500 منهم. يجب أن نربط الاسم بالذاكرة. لقد حفظنا اسم عنترة واسم حصانه واسم هائمته، وظل المئات من أعوانه أو أعدائه بلا أسماء، وبلا ذكرى. عنترة وشركاه. نابليون ورجاله. هوشي منه ومقاتلوه. الصفحات لا تتسع للأسماء الفردية. فقط المعارك تُعرف بأسمائها: أوسترليتز. واترلو. ستالينغراد. النورماندي. دنكرك.
مأساة العالم العربي اليوم أن لا وقت للأسماء، ولا حتى للجنازات. تبلغنا الأخبار كل يوم عدد القتلى، لكن لا كلمة ولا صورة عن جنازة أو وداع. القتل مشرَّع والمآتم ممنوعة. والحزن لا يليق بالرجال. وما من يخبرنا كم إنسانًا قتل في ربع أو ثلث قرن مضى. مليون؟ مليونان؟ وكم مصابًا أعيق؟ وكم أرملة، وكم أمًّا، وكم شريدًا في متاهات هذا الظلم المتنقل من يد إلى أخرى، من بلد إلى آخر، ومن ادعاء إلى ادعاء؟ ملايين البشر لا وقت لديها للبحث عن مدافن لفقدائها، بل عن ملاجئ لأحيائها وأسمال لأطفالها. والذاكرة تفيض ولا تتسع. أقل بلدة فيها من الأسماء أكثر مما في «الحرب والسلم». لقد وعد فولتير في القرن الثامن عشر بأنه في يوم قريب لن يموت الإنسان من التعذيب. أكثر الناس سخرية من الواقع والبشر أخفق في قراءة طبائع التوحش وسعار الجريمة. عندما تسمع الخطاب السياسي السائد في العالم العربي الآن، تتساءل: في أي قرن سوف يغيب التعذيب والتنكيل والموت الجماعي في هذه البقعة الملوثة بدماء التاريخ؟
يذكرنا مفخِّخو جمالات تدمر بجنكيزخان. لم يترك خلفه إلا ما تأكله الذئاب. لا شاهد على ما مضى وما كان. حتى بلاده بقيت بلا حجر، أو عمود، أو بركة، أو متحف. لا شيء. رماد وخضاب. بول بوت هو أيضًا لم يكتفِ بإبادة الكمبوديين. محا أيضًا ما استطاع من معالم تاريخهم الجميل الذي كانت الناس تأتي من أنحاء العالم للتمتع به. إلى هناك، جاءت جاكلين كيندي قبل زمن بول بوت، لكي «تمتِّع النفس بأجمل متحف في الهواء الطلق».
لاحظ أن في هذا الحقل الواسع من المدافن الجماعية المجهولة، لا مكان لجمعية خيرية. للجنة إسعاف. لهيئة إنقاذ. لجار يتذكر أحوال جاره. لا وقت لشيء. سباق مفتوح مع قتل مفتوح.



الاتحاد الأوروبي: الإعادة القسرية للسوريين غير ممكنة حالياً

مركب يحمل مهاجرين من مصر والبنغال وسوريا وإثيوبيا والسودان انطلق من تونس ووصل إلى ميناء لامبيدوسا الإيطالي في 19 سبتمبر الماضي (أرشيفية - إ.ب.أ)
مركب يحمل مهاجرين من مصر والبنغال وسوريا وإثيوبيا والسودان انطلق من تونس ووصل إلى ميناء لامبيدوسا الإيطالي في 19 سبتمبر الماضي (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

الاتحاد الأوروبي: الإعادة القسرية للسوريين غير ممكنة حالياً

مركب يحمل مهاجرين من مصر والبنغال وسوريا وإثيوبيا والسودان انطلق من تونس ووصل إلى ميناء لامبيدوسا الإيطالي في 19 سبتمبر الماضي (أرشيفية - إ.ب.أ)
مركب يحمل مهاجرين من مصر والبنغال وسوريا وإثيوبيا والسودان انطلق من تونس ووصل إلى ميناء لامبيدوسا الإيطالي في 19 سبتمبر الماضي (أرشيفية - إ.ب.أ)

قال المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة، الخميس، إن الإعادة القسرية للسوريين إلى وطنهم «غير ممكنة» في الوقت الحالي، بعد إعلان النمسا أنها تخطط للقيام بذلك.

وأشارت فيينا، هذا الأسبوع، إلى أنها تنوي ترحيل اللاجئين السوريين بعد إطاحة فصائل المعارضة بالرئيس بشار الأسد.

لكن المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة واللجوء ماغنوس برونر، وهو نمساوي، أوضح بعد محادثات مع وزراء الداخلية في بروكسل أن خطوة كهذه ستكون سابقة لأوانها.

وقامت فصائل المعارضة السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام» بتعيين رئيس وزراء لفترة موقتة تنتهي في مارس (آذار)، وتعهدت بتحقيق دولة القانون والمؤسسات في سوريا.

لقطة جوية تُظهر رجلاً سورياً يلوّح بعَلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)

ولكن ارتباط الهيئة السابق بـ«القاعدة» في سوريا جعل فرح الإطاحة بالأسد مصحوباً بحالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الدولة المتعددة الأعراق والمذاهب.

وقال برونر في مؤتمر صحافي: «في الوقت الراهن، أود أن أقول إن العودة القسرية غير ممكنة»، مشيراً إلى أن العودة الطوعية قد تكون أكثر جاذبية للسوريين الذين يحتفلون بنهاية حكم الأسد القاسي.

أضاف برونر: «بما أن الوضع لا يزال متقلباً، علينا التركيز على العودة الطوعية»، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى تقديم الدعم المادي للراغبين بالعودة.

وأشار برونر إلى أنه «عندما يتعلق الأمر بمسألة المال، نعم، أعتقد أنه علينا أن نفعل شيئاً».

سوريون يرفعون علامة النصر ويلوّحون بأعلام سوريا احتفالاً بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد في ساحة الأمويين بدمشق 11 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

وتسببت الحرب في سوريا التي أشعل فتيلها الأسد بقمعه الدموي للاحتجاجات عام 2011، بأزمة المهاجرين، وخصوصاً في أوروبا التي شهدت وصول أكثر من مليون شخص عام 2015.

وفي أعقاب الإطاحة بالأسد، جمدت دول عدة في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا، درس طلبات اللجوء الجديدة التي قدمها مواطنون سوريون، مع وجود أكثر من 100 ألف حالة معلقة في جميع أنحاء دول التكتل حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.