الكويت و«أولاد فؤادة»

TT

الكويت و«أولاد فؤادة»

في روايته «فئران أمي حصة» يضع الروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي الحائز على جائزة «البوكر» العربية يده على آفة الفتنة الطائفية الكريهة التي أفسدت المجتمع الكويتي. الرواية تدور حول خمسة شباب من الطائفتين يقومون بتأسيس جماعة مناهضة للفتنة الطائفية في الكويت، يطلقون على أنفسهم «جماعة أولاد فؤادة»، تيمنا بفؤادة نزيلة مستشفى المجانين في مسلسل «على الدنيا السلام» الذي تابعوه صغارا، وهي تردد في حلقات المسلسل: الفئران آتية احموا الناس من الطاعون!
«ما بال سدودك اليوم واهية تقرضها الفئران، تكشف عن قومٍ يقتاتون على كل شيءٍ فيك، حتى إذا فرغوا منك صار واحدهم يقتات على الآخر. حالك اليوم تشبه ما قالته لي أمي حصَّة صغيرًا، يخرج من بطنك دودٌ يأكلك، هي قيامتك اليوم أزف أوانها، وها أنا اليوم أكتبك خوفًا منك عليك، لا أجيد بكتابتي إلا فرارًا منك إليك، ولأنني رغم كل الخيبات فيك، لا أنوي إلا أن أموت.. فيك».
بهذه الصورة المأساوية تحدث السنعوسي، في روايته عن الخطر المحدق ببلاده الكويت، والذي كشّر عن أنيابه أخيرًا في صورة مروعة بعد تفجير المصلين الساجدين أثناء الصلاة بالمسجد في ثاني جمعة من شهر رمضان.
في الثمانينات كان المثقفون والأدباء الكويتيون أكثر حضورًا في المشهد العام، ولم يُخلوا مواقعهم إلا بعد أن اجتاحت الدولة موجات التشدد الديني والمذهبي والقبلي التي أعقبت احتلال وتحرير الكويت. ذلك الحضور البهي لأهل الثقافة والفنّ جعل من الممكن مناقشة مشكلات المجتمع مهما كانت دقيقة وحساسة على خشبة المسرح مثلاً، كما في مسرحية «حامي الديار» الجريئة التي عرضت عام 1985. وتمكنت بمهارة أن تجعل الأطياف المتصارعة تواجه بعضها أمام الجمهور.
لا يوجد علاج أسوأ من التكتم على المشكلة. ولا يوجد إجراء أكثر سوءًا من التعمية ونكران المرض وعدم مواجهته بالصراحة والشجاعة والشفافية. فقد ظللنا نردد على مرّ السنين أنه لا مشكلة طائفية، ولا عنصرية، ولا قبلية بيننا، وأننا إخوة كأسنان المشط، حتى إذا ما انكشف المستور وجدنا كل واحد منا ينهش بأسنانه الآخر..
كان الجميع يراقب الانحدار نحو الهاوية، وقليلون انشغلوا بدق ناقوس الخطر منبهين، فأكثر من هذا الجهد لم يكن بوسع النخبة المثقفة أن تفعله! على العكس كان التطرف بكل أصنافه وأشكاله الذي انقضّ على مشروع الدولة في الكويت قادرًا على تقسيم المجتمع وخلق حواضن تتبناه وتدافع عنه. ولا شك أن اللحظة التي تكثفت فيها الصورة المأساوية الصادمة بتفجير المصلين في المسجد لم تولد لحظتها، بل هي حصيلة تعبئة طويلة تقوم على تعميم ثقافة الكراهية والتحريض.
من كان يظن أنه محصّن من آفة الإرهاب فعليه أن يراجع خياراته، ففي نفس اليوم الذي قتل فيه المصلون في المسجد بالكويت، كان هناك إرهابي آخر يمارس طقوس القتل وقطع الرؤوس في فرنسا، وآخر من ذات الفكر يحصد أرواح الأبرياء في تونس. لقد صدقت المجنونة «فؤادة» وهي تطلق صيحتها: الفئران آتية احموا الناس من الطاعون!



بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
TT

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

يَندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هُوبَال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد فقط، وتحوّل سريعاً إلى «تريند» على شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال مقاطع الفيديو والأحاديث التي تتناول تفاصيل العمل الذي يجمع للمرة الثالثة بين المخرج عبد العزيز الشلاحي والكاتب مفرج المجفل.

يتحدث بطل الفيلم مشعل المطيري، لـ«الشرق الأوسط»، عن السر في ذلك قائلاً: «حين يكون الفيلم مصنوعاً بشكل جيد، فمن المتوقع أن يلقى إقبالاً كبيراً لدى الجمهور»، مشيراً إلى أن «هُوبَال» يحكي قصة إنسانية قريبة للناس، تم سردها في بيئة مغرية وسط الصحراء، مما جعل الكثيرين يتحمسون لمشاهدته.

ويتابع المطيري: «ارتباط الفيلم بالبيئة البدوية جعله جاذباً، ورغم أننا شاهدنا أعمالاً درامية وسينمائية لها علاقة بمجتمعات معينة، فإن البيئة البدوية لم يسبق أن جرى تقديمها بهذا التركيز من قبل، وهذه ميزة زادت من رغبة الناس في مشاهدة العمل». مؤكداً في الوقت نفسه أن الفيلم يناسب جميع أفراد العائلة، وهو ما لاحظه في صالات السينما، التي ضمَّت صغار وكبار السن على حد سواء.

يدور الفيلم حول العزلة في الصحراء والتحديات التي تواجه العائلة بسبب ذلك (الشرق الأوسط)

قصة الفيلم

تدور أحداث فيلم «هُوبَال» في السعودية خلال الفترة التي تلت أحداث حرب الخليج الثانية، ويتناول قصة عائلة بدوية تقرر العيش في عزلة تامة وسط الصحراء جرّاء اعتقاد «الجد ليام»، (إبراهيم الحساوي)، بقرب قيام الساعة بعد ظهور علامات تؤكد مزاعمه.

هذه العزلة تُعرضه لامتحان صعب عندما تصاب حفيدته بمرض مُعدٍ يحتِّم على الجميع عدم الاقتراب منها، الأمر الذي يدفع والدتها سرّاً (ميلا الزهراني) إلى التفكير في تحدي قوانين الجد لإنقاذ ابنتها، وهو ما يصطدم بمعارضة شديدة من زوجها «شنار»، (مشعل المطيري).

سينما الصحراء

ورغم أن العائلة انزوت في الصحراء هرباً من المدينة، فإن مشعل المطيري لا يرى أن «هُوبَال» يأتي ضمن تصنيف سينما الصحراء بالمفهوم الدارج، بل يشير إلى أن له تصنيفاً مختلفاً، خصوصاً أن العمل يتناول فترة التسعينات من القرن الماضي، عن ذلك يقول: «هي فكرة ذكية في توظيف الصحراء في فترة زمنية قريبة نسبياً، كما أن شخصيات الفيلم لم تنقطع تماماً عن المدينة، بل كان بعضهم يرتادها للبيع والشراء، فحياتهم كانت مرتبطة بالمدينة بشكل أو بآخر».

ويشير المطيري هنا إلى أن الصحراء كانت اختياراً في القصة وليست واقعاً محل التسليم التام، مضيفاً أن «المخرج تعامل مع البيئة الصحراوية بدقة كبيرة، من حيث تفاصيل الحياة التي رآها المُشاهد في الفيلم». ويؤمن المطيري بأنه ما زال هناك كثير من الحكايات المستلهَمة من عمق الصحراء وتنتظر المعالجة السينمائية.

مشعل المطيري في دور «شنار» بالفيلم (الشرق الأوسط)

«شنّار بن ليام»

يصف المطيري شخصية «شنار بن ليام» التي لعب دورها بأنه «شخص سلبي، ومخيف أحياناً، كما أنه جبان، وبراغماتي، وواقعي إلى حد كبير مقارنةً ببقية أهله، حيث لم يستطع معارضة والده، وكانت لديه فرصة لعيش الحياة التي يريدها بشكل آخر، كما أنه حاول الاستفادة من الظروف التي حوله». ويرى المطيري أنها من أكثر الشخصيات وضوحاً في النص، ولم تكن شريرة بالمعنى التقليدي لمفهوم الشر في السينما.

ويمثل «هُوبَال» بدايةً قوية للسينما السعودية في مطلع 2025، وهنا يصف المطيري المشهد السينمائي المحلي بالقول: «هناك تطور رائع نعيشه عاماً تلوم آخر، وكل تجربة تأتي أقوى وأفضل مما سبقها، كما أننا موعودون بأعمال قادمة، وننتظر عرض أفلام جرى الانتهاء من تصويرها مؤخراً». ويختم حديثه بالقول: «كل فيلم جيد يسهم في رفع ثقة الجمهور بالسينما المحليّة، وتباين مستوى الأفلام أمر طبيعي، لكن الأهم ألا يفقد الجمهور ثقته بالأفلام السعودية».

تجدر الإشارة إلى أن فيلم «هُوبَال» حقَّق أداءً مميزاً في شِبّاك التذاكر في أول 3 أيام من عرضه، وتجاوزت مبيعات التذاكر 30 ألف تذكرة بإيرادات تُقدّر بأكثر 1.5 مليون ريال سعودي.