تطوير طريق «درب السنة» من «قباء».. لمسجد المصطفى

مشروع يغير ملامح المدينة ويربط الماضي بالحاضر

مسجد قباء حاليا بعد تجديده في الثمانينات من القرن الماضي
مسجد قباء حاليا بعد تجديده في الثمانينات من القرن الماضي
TT

تطوير طريق «درب السنة» من «قباء».. لمسجد المصطفى

مسجد قباء حاليا بعد تجديده في الثمانينات من القرن الماضي
مسجد قباء حاليا بعد تجديده في الثمانينات من القرن الماضي

تزخر المدينة المنورة بكثير من المعالم الإسلامية البارزة، وهي حاضرة الإسلام الأولى التي شهدت فترة الرسالة المحمدية وانطلاق وتوسع الدولة الإسلامية، حيث عاصرت الأحداث المبكرة في صدر الإسلام، فتاريخ تلك الحقبة حاضر بقوة، وخصوصا فيما يتصل بالمساجد.
ويتفق خبراء ومختصون في مجال التراث العمراني على أن المدينة المنورة مقبلة على تنفيذ مجموعة من المشروعات التطويرية المتميزة، منها مشروع «درب السنة»، ومشروع قصر عروة، ومشروع مدينة السيرة في محيط مدينة المعرفة، إضافة إلى عدد من المشروعات التراثية الاستثمارية ذات الصبغة العالمية، تحاكي المضامين التاريخية الزمانية والمكانية وتستثمر في أقدم وأفضل تراث ورثه العالم.
وأوضح الدكتور طلال الردادي، أمين عام هيئة تطوير المدينة المنورة، أن «مشروع مسجد قباء يعد في وقتنا الحالي معلمًا عمرانيًا متميزًا، ويقع في منطقة حيوية وتشهد تطورًا ومشروعات ناهضة وكبيرة؛ منها مشروع درب السنة بين مسجد قباء والحرم (عبر شارع قباء)، وسيكون الربط عبر حي البحر وحي المغاربة.. عرض شارع درب السنة 300 متر»، مبينا أن «المشروع يتناغم مع بقية المشروعات الحيوية الأخرى، وسيغير وجه المدينة المنورة إلى الأجمل لتزداد جمالاً ونقاءً ورواءً وبهاءً».
وعلى طريق قباء المتفرع من طريق الهجرة، وبالقرب من مشروع «درب السنة»، يتربع مسجد قباء، الذي يعد أول مسجد أسس على التقوى، ويقع في الجنوب الغربي من المدينة المنورة، كان على شكل مربع طول ضلعه 40 مترًا، وفيه قبة يقال إنه كان تحتها مبرك ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن آثار المسجد القديم حجر منقوش بالخط الكوفي القديم يبين تاريخ عمارة المسجد، والقسم المسقوف منه على هيئة قباب، وكان به ستة أروقة.
وعن مسجد قباء، يقول المؤرخ والباحث المختص بتاريخ المدينة المنورة الدكتور تنيضب الفايدي: «(قباء) أصله اسم بئر هناك، عرفت القرية بها، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وهي قرية قبلي المدينة، وأصبحت الآن داخل المدينة المنورة، ومسجد قباء هو أول مسجد أسسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة».
ويقع مسجد قباء في جنوب المسجد النبوي الشريف، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وكان مربدًا لكلثوم بن الهدم، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبناه مسجدًا، وهو أول مسجد بناه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصلّى فيه قبل أن يدخل المدينة بعد قدومه من مكة، وقد شارك أصحابه في بنائه، وبناه النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين؛ الأولى عندما كانت القبلة إلى بيت المقدس، والثانية بعد أن حوّلت القبلة إلى المسجد الحرام.
ويتابع الفايدي أن «لمسجد قباء فضائل كثيرة؛ ومنها أن مسجد قباء أعدل قبلة مثل المسجد النبوي الشريف، حيث إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أسسه وبناه بيده»، مضيفا: «كانت قرية قباء متنزهًا لأهل المدينة، حيث يكون هواؤها باردًا صيفًا، وهي متصلة بالعوالي، وتشكل معها واحة واحدة من النخيل».
وزاد الفايدي: «قباء منطقة معروفة منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحتى الآن في جنوبي المدينة، يجري فيها وادي رانوناء، وكانت من قبل قرية مستقلة على طريق القوافل القادمة من مكة، ثم امتد العمران إليها فاتصلت ببقية أنحاء المدينة، ويروى أنها سميت قباء ببئر كانت بها يقال لها (قبار)، فتطيّر الناس منها فسموها (قباء)، وتتميز قباء بكثرة المياه الجوفية، وقربها، وخصوبة تربتها، لذا تكثر فيها مزارع النخيل، والعنب، والبساتين، وكانت إلى عهد قريب مجموعة من المزارع المتصلة، تنتشر بينها البيوت، أو تتجمع على شكل أحياء صغيرة، خصوصا حول مسجدها التاريخي».
ويبعد مسجد قباء عن المسجد النبوي الشريف بمقدار نصف ساعة بالمشي المعتدل، وقد شارك الرسول «صلى الله عليه وسلم» أصحابه في بنائه، ثم جدده الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وزاد فيه، ولما اعتراه الخراب جدده من بعده الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز عندما كان أميرًا على المدينة المنورة، وأقام له المئذنة، كما شهد إعادة التعمير في عهود مختلفة ومتباعدة.
وفي العهد السعودي قامت الحكومة السعودية بإعادة التعمير والتأثيث، وروعي في بنائه الحفاظ على الطراز المعماري الإسلامي الخاص به، حتى كانت توسعته التاريخية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبد العزيز؛ حيث جرت توسعة المسجد لتصل طاقته الاستيعابية لعشرين ألف مصل، وفي عام 1985 وضع الملك الراحل فهد بن عبد العزيز حجر الأساس للبدء في التوسعة التاريخية التي استمرت لمدة سنتين ليعاد افتتاحه مجددًا في عام 1987.
والمسجد مستطيل الشكل طولا، وقد روعي في تصميم المسجد أن يكون به فناء داخلي يتوسط المسجد تفتح عليه جميع المداخل، وخصص الجزء الشمالي منه مصلى للنساء بمداخل منفصلة وبعيدة عن مداخل الرجال، وهو من دورين حتى يتسع لعدد من النساء مرتادات المسجد، والمسجد له 4 مآذن، وبه 56 قبة، وملحق به سكن للأئمة والمؤذنين ومكتبة.
وتبلغ مساحة أرض المسجد 13500 متر مربع، ومساحة مباني المسجد 5860 مترا مربعا، ويوجد له 4 منارات مرتفعة ويمكن رؤيتها من بعيد، وسقف المسجد على شكل سلسلة من القباب عددها 62 قبة؛ القبة الرئيسية بارتفاع 25 مترا، ويحيط بها 5 قباب ارتفاع كل واحدة منها 20 مترا، وباقي القباب 12 مترا، وعدد الأبواب 7 مداخل رئيسية، و12 مدخلاً فرعيًا، ويوجد سكن لمنسوبي المسجد، ويشتمل على قسمين كل واحد منهما 172 مترا، مخصصة للأئمة والمؤذنين، وهو من المناظر العمرانية المتميزة في المدينة المنورة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».