«هالوين مناخي» في أوروبا بسبب «الخريف الدافئ»

درجات الحرارة سجلت ارتفاعاً غير معتاد في أكتوبر

طقس أكتوبر الدافئ ساعد على تدفق المواطنين على شواطئ جنوب غرب فرنسا (أ.ف.ب)
طقس أكتوبر الدافئ ساعد على تدفق المواطنين على شواطئ جنوب غرب فرنسا (أ.ف.ب)
TT

«هالوين مناخي» في أوروبا بسبب «الخريف الدافئ»

طقس أكتوبر الدافئ ساعد على تدفق المواطنين على شواطئ جنوب غرب فرنسا (أ.ف.ب)
طقس أكتوبر الدافئ ساعد على تدفق المواطنين على شواطئ جنوب غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تسببت موجة دفء غير معتادة تشهدها أجزاء واسعة من أوروبا هذه الأيام بسعادة بين أوساط الناس، وهم يحتفلون بعيد الرعب «الهالوين» اليوم، لكن خبراء يرون في الوقت ذاته أن هذه الأجواء لا تبعث على الفرحة، لكنها تعد مصدر قلق، إذ إنها تنذر بـ«هالوين مناخي» ينتظر القارة.
وبدا لهؤلاء المواطنين، أن الاحترار العالمي، خفف أزمة الطاقة التي تعيشها أوروبا، فبينما كانت التوقعات أن تخلق الأزمة وما يترتب عليها من ارتفاع في أسعار الكهرباء، نوعاً جديداً من السياحة، وهو «سياحة الطاقة»؛ حيث يتجهون إلى الوجهات الدافئة في العالم، فوجئوا بأن الدفء سائد في بلدانهم مع أن الشتاء يدق الأبواب.
وتجاوزت درجات الحرارة في مساحات شاسعة من أوروبا خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 30 درجة مئوية، وهو معدل معتاد لدرجات الحرارة في الصيف بأوروبا، ولكن الغريب هذا العام، هو استمرار هذا المعدل حتى الآن.
ورغم السعادة الشعبية، لم يستطع الخبراء إخفاء قلقهم من هذا المعدل، الذي يعد علامة أخرى على تغير المناخ المتسارع، بعد العلامة التي شهدتها القارة خلال الصيف.
وشهدت أوروبا هذا الصيف علامة واضحة تمثلت في موجات الحر المتكررة في معظم أنحاء القارة، وتعد درجات الحرارة الاستثنائية حالياً، تأكيداً على التأثير الواضح لتغير المناخ.
ويقول روبن ديل كامبو، من خدمة الأرصاد الجوية الإسبانية «إيميت»، في تقرير نشرته اليوم (الاثنين) وكالة الصحافة الفرنسية: «سيكون شهر أكتوبر الأكثر سخونة (في إسبانيا) منذ قرن كامل، فيوم واحد فوق 30 درجة أمر طبيعي، لكن أيام كثيرة هذا أمر غير طبيعي، وهذه هي درجات الحرارة المعتادة في الصيف».
وشهد منتجع سان سيباستيان الشمالي في إسبانيا، صباح الجمعة، حرارة بلغت 30.3 درجة مئوية في الساعة 8:30 صباحاً (0630 بتوقيت غرينتش)، وهو أعلى بكثير من المتوسط الموسمي.
ومع إعلان حرائق الغابات في الأيام الأخيرة في منطقة الباسك، التي تعد سان سيباستيان جزءاً منها، حظرت السلطات حفلات الشواء والألعاب النارية لتقليل المخاطر إلى الحد الأدنى.
وجلبت هذه الأجواء الدافئة غير الموسمية كلمة جديدة إلى المعجم الإسباني، وهي «فيرونو» - مزيج من verano (الصيف) وotono (الخريف).
ويقول ديل كامبو إن هذا «التسارع الملحوظ» في تغير المناخ، يعرض إسبانيا لزيادة التصحر الزاحف.
ووفقاً لمركز أبحاث المناخ المركزي، فإن المدن الإسبانية مثل مدريد وبرشلونة وفالنسيا وسرقسطة تقع جميعها في أكبر 10 مدن أوروبية الأكثر تضرراً من ظاهرة الاحتباس الحراري على أساس الاثني عشر شهراً الماضية.
وشهدت فرنسا المجاورة، مثل إسبانيا، درجة حرارة استثنائية خلال شهر أكتوبر أكثر من المعتاد، ففي جنوب غرب فرنسا، التي عانت أيضاً من أضرار حرائق الغابات على نطاق واسع في الصيف أثناء موجات الحر المتكررة، قالت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية، يوم الجمعة، إن درجات الحرارة اقتربت من 30 درجة.
وسجلت السويد هي الأخرى، مستوى قياسياً قدره 19.5 درجة في مدينة كريستيانستاد الجنوبية يوم الجمعة.
وقال إريك هوغارد أولسن، خبير الأرصاد الجوية في المعهد السويدي للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا (SMHI)، لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذه أعلى درجة حرارة سجلت على الإطلاق في السويد في أواخر هذا العام».
وفي بلجيكا، شهدت العاصمة بروكسل توقعات بحد أقصى 24 درجة مئوية - أعلى بـ10 درجات تماماً من المعتاد في أواخر أكتوبر.
وأشار مكتب الأرصاد الجوية في بريطانيا، يوم الأربعاء، إلى أن سكان لندن يتمتعون بدرجة حرارة معتدلة تبلغ 20.5 درجة مئوية، «أقرب إلى ما نراه عادة في نهاية أغسطس (آب) وليس نهاية أكتوبر».
وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية على «تويتر»، يوم الجمعة: «من الصعب تصديق أن أواخر أكتوبر تشهد حرارة غير عادية في أجزاء كبيرة من أوروبا (وشمال أفريقيا)».
وإذا كان البعض قد يرى في هذه الأجواء جانباً إيجابياً من حيث قدرتهم على إبقاء التدفئة المركزية مطفأة في الوقت الحالي، أو حتى القيام برحلة خارج الموسم إلى الشاطئ، فإن خبراء الطقس من ناحية أخرى يرون في ذلك علامة على «هالوين» مناخي ينتظر القارة.
ويقول كريستوفر أورايلي، وهو زميل باحث في قسم الأرصاد الجوية في جامعة ريدينغ، في تقرير نشرته «الغارديان» في 27 أكتوبر: «هذا الدفء يرجع إلى التيار النفاث، وهي رياح قوية تهب من الغرب إلى الشرق، ولكن من الواضح جدا أنها محملة بحرارة أكبر من المعتاد، بسبب ارتفاع درجة حرارة المناخ».
وتأتي درجات الحرارة المعتدلة وسط مخاوف شديدة من وكالة البيئة التابعة للأمم المتحدة، التي تقول إن تعهدات الدول بخفض انبعاثات الكربون كانت «غير كافية على الإطلاق».
ووجد تحليل أجرته منظمة الطاقة الرائدة في العالم أن انبعاثات الكربون العالمية من الطاقة ستبلغ ذروتها في عام 2025، بسبب زيادة الإنفاق الحكومي على الوقود غير النظيف رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقالت دام جيني هاريز، الرئيسة التنفيذية لوكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة، إن هناك اعتقاداً خاطئاً شائعاً بأن المناخ الأكثر دفئاً سيحقق فوائد صحية صافية بسبب الشتاء المعتدل.
وأضافت، في تصريحات نقلتها «الغارديان» في 23 أكتوبر: «دفء الشتاء هو فائدة مؤقتة، لأن هناك عوامل أخرى يمكن أن تعكس هذا الاتجاه قريباً، فمع ارتفاع درجات الحرارة، ستصبح أوروبا عرضة للأمراض المعدية التي شوهدت تاريخياً في المناطق الاستوائية».


مقالات ذات صلة

مقتل شخصين جراء عاصفة مميتة ضربت غرب أميركا

الولايات المتحدة​ طواقم تعمل على إزالة شجرة أسقطتها عاصفة قوية ضربت منطقة شمال غربي المحيط الهادئ بالولايات المتحدة (رويترز)

مقتل شخصين جراء عاصفة مميتة ضربت غرب أميركا

ضربت عاصفة قوية ولاية واشنطن الأميركية، اليوم (الأربعاء)، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مئات الآلاف وتعطل حركة السير على الطرق ومقتل شخصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا فتاة تركب دراجة هوائية تحت المطر في فالنسيا بإسبانيا (إ.ب.أ)

إغلاق مدارس وإلغاء رحلات... موجة عواصف جديدة تضرب إسبانيا (صور)

تسببت موجة جديدة من العواصف في إسبانيا في إغلاق مدارس وإلغاء رحلات قطارات، بعد أسبوعين من مقتل أكثر من 220 شخصاً وتدمير آلاف المنازل جراء فيضانات مفاجئة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
يوميات الشرق أحداث الطقس المتطرفة كلّفت العالم تريليوني دولار خلال عقد (أ.ب)

تقرير: الطقس المتطرف كلّف العالم تريليوني دولار خلال العقد الماضي

كشف تقرير جديد عن أن الطقس المتطرف كلّف العالم تريليوني دولار على مدى العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

كشفت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي اليوم (الخميس) عن أن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا قاعة طعام غارقة بالمياه في أحد الفنادق وسط طقس عاصف في النرويج (رويترز)

فيضانات وانهيارات أرضية في أعقاب هبوب عواصف في النرويج

ذكرت وسائل إعلام محلية، الجمعة، أن عواصف ليلية تسببت في فيضانات وانهيارات أرضية في جنوب غربي النرويج.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».