حقن البوتوكس لعلاج صرير الأسنان... مزايا ومحاذير

الهيئات الصحية الأميركية لم تُجِزْ استخدامها طبياً

صرير الاسنان ينجم عن مشاكل احتكاك الفكين
صرير الاسنان ينجم عن مشاكل احتكاك الفكين
TT

حقن البوتوكس لعلاج صرير الأسنان... مزايا ومحاذير

صرير الاسنان ينجم عن مشاكل احتكاك الفكين
صرير الاسنان ينجم عن مشاكل احتكاك الفكين

بغرزة إبرة، يستطيع أطباء التجميل مثل ميشيل غرين، إخفاء تجاعيد الجبين وإعادة إحياء منطقة تحت العينين؛ إذ يعمل البوتوكس كالسحر. ورغم أنه يثير القلق بعض الشيء، ولكنّ الطلب عليه كبير، فقد ازدهرت عيادة غرين في نيويورك مع مسارعة الأميركيين لمنح أنفسهم «إشراقة ما بعد الجائحة»، إلّا أنّ الكثير من زبائنها لا يسعون للحصول على الشباب الدائم والجاذبية هذه الأيّام، حيث إن ربع مواعيد الحقن بالبوتوكس تقريباً تعود لأشخاص لديهم دافعٌ مختلف كلياً: مشاكل الاحتكاك الدائم في الفكّين وصرير الأسنان.

مشاكل الأسنان
على امتداد البلاد، يلجأ النّاس الذين يعانون من هذه الحالة المزعجة إلى البوتوكس. وتقول لورين غودمان، ممرّضة تعمل في مجال التجميل في لوس أنجلس «لقد أصبح الأمر شائعاً جداً لدى الأشخاص الذين يعانون من احتكاك الفكين وصرير الأسنان».
تُعرف هذه الحالة علمياً باسم صرير الأسنان Bruxism، وهي عبارة عن فعلٍ لا إرادي يحصل غالباً أثناء النوم ليلاً لأسباب عدّة، أبرزها تناول الكحول، والتدخين، وتوقف النفس أثناء النوم، والتوتر – وهذه الأسباب هي على الأرجح المساهم الأكبر في تنامي هذه الحالة في الولايات المتّحدة خلال الجائحة.
تُمثل الحالة نوعاً من الإزعاج القابل للتحمّل للكثيرين، ولكنّ العوارض قد تصبح جديّة: فمع تنامي مشكلة صرير الأسنان، يشهد أطبّاء الأسنان المزيد من حالات تكسّر وتشقّق الأسنان لدى المرضى، بالإضافة إلى آلام الفكّ والوجه. ويعاني المرضى في الحالات الشديدة من ألم منهك في الرأس وتغيّر في موضع الفكّ. وتساعد العلاجات الشائعة، مثل حماء الفم mouth guards وتغيير العادات اليومية، على التخلّص من العوارض في بعض الحالات فقط. (وحماء الفم جهاز واقٍ للفم، يغطي الأسنان واللثة للوقاية والتقليل من الإصابة للأسنان، الفكين، الشفاه واللثة).


أداة «حماء الفم»

وهذا ما يجعل البوتوكس خياراً مغرياً للعدد المتزايد من المصابين بصرير الأسنان في الفترة الأخيرة. وتعمل حقن الفكّ على إراحة عضلات المضغ التي تحتك وتصدر الصرير – ما يساهم في تخفيف الألم وتجنّب مشاكل الأسنان. هذا الأمر لا يعني طبعاً أنّ كلّ مصاب بصرير الأسنان في الولايات المتّحدة يجري متوجهاً إلى أقرب عيادة بوتوكس، ولكنّ هذا الإجراء ازدهر حقاً منذ بداية الجائحة. فقد علمنا من خمسة أطباء أسنان وتجميل أنّهم لاحظوا تزايداً في عدد المصابين بصرير الأسنان الذين يلجأون للبوتوكس. واعتبرت سامنثا راودن، طبيبة متخصصة بالتعويضات السنية في مدينة نيويورك، أنّ الأشخاص الذين استنفدوا كلّ الطرق التقليدية «لا يريدون شيئاً أكثر من تخفيف آلامهم. وإذا كان هذا الأمر يعني تلقّي حقنة في الوجه، فليكن».
ولكنّ هذه الجوانب الإيجابية للبوتوكس لا تعني أنّه الحلّ الدائم والأكيد الذي بحث عنه أطباء الأسنان والمرضى لوقتٍ طويل. هذه هي قصّة صرير الأسنان: أسبابه المحتملة كثيرة وعلاجاته قد تصيب وقد تخيب – وحتّى فاعليتها لا تسري على الجميع. وكشف جيلز لافين، أستاذ محاضر في طبّ الأسنان في جامعة مونتريال، عن أنّه «لا يقول لمرضاه إنّه يستطيع علاجهم، بل إنه يستطيع مساعدتهم في السيطرة على الحالة». ولكن لماذا ما زلنا لا نعلم حتّى اليوم كيف نتعامل مع هذا الداء الشائع لهذه الدرجة؟

حقن البوتوكس
اكتشف الباحثون في السنوات الماضية أنّ الحقن، التي تشلّ العضلات الماضغة المسؤولة عن صرير الأسنان مؤقتاً، قادرة أيضاً على تخفيف وتيرة وقوّة الصرير. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاستخدام هو واحدٌ من استخدامات كثيرة غير تجميلية شاعت منذ دخول البوتوكس إلى الأسواق عام 1989؛ إذ تعالج هذه الحقن مشاكل أخرى كالتعرّق المفرط تحت الإبطين، وحبّ الشباب، والصداع النصفي.
لم ينل البوتوكس موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA كعلاج لمشكلة صرير الأسنان، إلّا أنّ أي شخص يحمل ترخيصاً لاستخدام البوتوكس يستطيع حقن أي مريض يعاني من صرير الأسنان وبشكلٍ قانوني.
ويمكن القول، إنّ البوتوكس ينطوي، نظرياً على الأقلّ، على فوائد أكثر من علاجات صرير الأسنان التقليدية. إذ قد يساعد حماء الفم على تجنّب حدوث صرير الأسنان، وتفتيتها أثناء النوم، ولكنّه يمكن أن يكون غير فعّال على الإطلاق، حتّى أنّه قد يزيد الحالة سوءاً – لا سيّما إذا كان المريض يعاني من انقطاع النفس أثناء النوم، حسب ما شرح جايمسون سبنسر، طبيب أسنان وخبير في انقطاع النفس أثناء النوم في بويزي، أيداهو. بدورها، تنتمي الأنظمة ذات التدخليّة الطفيفة كاليوغا، والتأمّل، والعلاج السلوكي الإدراكي، والعلاج الفيزيائي، إلى الحلول التي قد تصيب أو تخيب أيضاً. ومن جهة أخرى تساعد مرخّيات العضلات Muscle relaxers بعض الأشخاص، ولكنّها ليست محبّذة لدى أطبّاء الأسنان الذين تحادثنا معهم.
في أفضل الحالات، يمكن لهذا الإجراء أن يساعد بعض المرضى الذين يعانون من صرير الأسنان، حيث أشارت بعض الدراسات إلى أنّ البوتوكس يمكن أن يخفّف درجة الألم. وتحدّث أحد زائري موقع «ريل سيلف» كيف أنّه جرّب حماء الفم، وتخفيف التوتر، والإقلاع عن استهلاك الكافيين قبل أن يلجأ أخيراً إلى حقنة الفك.
في المقابل، تحيط بالبوتوكس سلبيات حقيقية، فضلاً عن أنّ الكثير من أطباء الأسنان لا يزالون مترددين بالتوصية به. كما يتّسم البوتوكس بسعره الباهظ وتأثيره المؤقت، حيث يكلّف الإجراء المطلوب نحو 1000 دولار ولا يخضع لتغطية التأمين الصحي، بالإضافة إلى أنّه لا يدوم لأكثر من أربعة أشهر. وكما سائر العلاجات المتوفرة، يستهدف البوتوكس عوارض صرير الأسنان وليس أسبابه. ويلفت لافين إلى أنّ «النّاس يحتاجون إلى المضغ دائماً، أي أنّ العضلات الماضغة لن تكون مشلولة بالكامل، وهذا يعني أنّ طحن الأسنان سيستمرّ، ولكن بقوّة أقل».

مخاطر العلاج
علاوة على ذلك، تنطبق المخاطر التي تصاحب البوتوكس التجميلي عادة في هذه الحالة أيضاً، وأبرزها ظهور كدمة في موقع الحقنة، وآلام الرأس، والتحسّس، وتغييرات غير مرغوبة في تعابير الوجه نتيجة حقن البوتوكس في موضع خاطئ. تحدّث أحد زوار موقع «ريل سلف» مثلاً عن عدم حصول أي تحسّن في تقليل آلام الفكّ لديه، وعن ظهور تعبير مخيف أشبه بالتكشير على وجهه بعد الحقنة، بينما كشف آخر عن أن آلام الرأس اختفت بعد الحقنة... والمدهش، أن وجنتيه اختفتا كذلك، شارحاً «أنّه لم يستطع التعرّف على نفسه في المرآة وبدا وكأنّه تقدّم عشر سنوات في العمر خلال بضعة أشهر».
إن صرير الأسنان لا يشابه حوادث كسر الذراع، حيث يكون السبب والنتيجة معروفين وقابلين للعلاج. واعتبر الخبراء أنّ «تعدّد أسباب ألم الفكّ يفرض استهدافه من أكثر من مكان. هذا يعني أنّ كلّ الأشياء التي تساهم في ظهور هذا الألم يجب أن تُعالج»؛ ما قد يفرض الاستعانة بمجالات أخرى غير طبّ الأسنان. من جهته، رأى سبنسر، الباحث المتخصص في انقطاع النفس أثناء النوم، أنّ أطباء الأسنان أنفسهم لا يملكون كلّ المعلومات. نحن لا نتلقّى تعليماً مرتبطاً بحالات صرير الأسنان».
إذن، في الوقت الراهن، فإن أدوات حماء الفم والتأمّل والبوتوكس هي الحلول المتوفرة في جعبتنا ولا أفق بتطوّر العلاجات في المستقبل القريب. ويقول عدد من الخبراء، إنه مع معرفة النّاس لآخرين استجابوا لنتائج جيدة لحقنة البوتوكس لعلاج الصرير، فإنهم يتوقعون حدوث توسّع في استخدام هذا العلاج. ومن هنا، سيستمر مرضى الصرير إما بوضع حماء الفم، أو دفع آلاف الدولارات سنوياً على الحقن المؤقتة في محاولة منهم للتخلّص من آلامهم... فقط لو أنّ البوتوكس يستطيع مسح صرير الأسنان كما يفعل مع التجاعيد العنيدة!

* «ذي أتلانتك» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية
TT

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«تخيل أنك بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في غضون بضع دقائق لأنك قد لا تنجو... لا يوجد جراحون في الجوار ولكن يوجد روبوت جراحي مستقل متاح يمكنه إجراء هذا الإجراء باحتمالية عالية جداً للنجاح، هل ستغتنم الفرصة؟» هذا ما أجابني به طالب ما بعد الدكتوراه بجامعة جونز هوبكنز عبر البريد الإلكتروني، لدى سؤالي عن التطوير الجديد.

تعليم الروبوت بمقاطع فيديو للجراحة

لأول مرة في التاريخ، تمكن كيم وزملاؤه من تعليم الذكاء الاصطناعي استخدام آلة جراحة آلية لأداء مهام جراحية دقيقة، من خلال جعلها تشاهد آلاف الساعات من الإجراءات الفعلية التي تحدث في ردهات جراحية حقيقية. ويقول فريق البحث إنه تطور رائد يتجاوز حدوداً طبية محددة ويفتح الطريق لعصر جديد في الرعاية الصحية.

وفقاً لورقتهم البحثية المنشورة حديثاً، يقول الباحثون إن الذكاء الاصطناعي تمكن من تحقيق مستوى أداء مماثل لجراحي البشر دون برمجة مسبقة.

جراحة بتوظيف الروبوت

تدريب على العروض بدلاً من البرمجة

وبدلاً من محاولة برمجة الروبوت بشق الأنفس للعمل -وهو ما تقول ورقة البحث إنه فشل دائماً في الماضي- قاموا بتدريب هذا الذكاء الاصطناعي من خلال شيء يسمى التعلم بالتقليد، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي حيث تراقب الآلة وتكرر الأفعال البشرية. سمح هذا للذكاء الاصطناعي بتعلم التسلسلات المعقدة للأفعال المطلوبة لإكمال المهام الجراحية عن طريق تقسيمها إلى مكونات حركية. وتترجم هذه المكونات إلى أفعال أبسط -مثل زوايا المفاصل ومواضعها ومساراتها- والتي يسهل فهمها وتكرارها وتكييفها أثناء الجراحة.

توظيف روبوت «دافنشي» للتدريب

استخدم كيم وزملاؤه نظام دافنشي الجراحي كأيدٍ وعيون لهذا الذكاء الاصطناعي. ولكن قبل استخدام المنصة الروبوتية الراسخة (التي يستخدمها الجراحون حالياً لإجراء عمليات دقيقة محلياً وعن بُعد) لإثبات نجاح الذكاء الاصطناعي الجديد، قاموا أيضاً بتشغيل محاكاة افتراضية. وقد سمح هذا بتكرار أسرع وتحقق من السلامة قبل تطبيق الإجراءات التي تم تعلمها على الأجهزة الفعلية.

«كل ما نحتاجه هو إدخال الصورة، ثم يجد نظام الذكاء الاصطناعي هذا الإجراء الصحيح»، كما يقول كيم. كانت روبوتات دافنشي أيضاً مصدر مقاطع الفيديو التي حللها الذكاء الاصطناعي، باستخدام أكثر من 10000 تسجيل تم التقاطها بواسطة كاميرات المعصم أثناء العمليات الجراحية التي يقودها الإنسان.

تعلّم 3 مهام جراحية

وكان الهدف تعلم ثلاث مهام جراحية: التعامل مع إبرة جراحية وتحديد موضعها، ورفع الأنسجة والتلاعب بها بعناية، والخياطة -كلها مهام معقدة تتطلب تحكماً دقيقاً وحساساً للغاية.

مكنت مجموعة البيانات واسعة النطاق هذه الذكاء الاصطناعي من تعلم الاختلافات الدقيقة بين الإجراءات الجراحية المتشابهة، مثل شدة التوتر المناسب اللازم للتعامل مع الأنسجة دون التسبب في ضرر.

تعد مقاطع الفيديو التدريبية هذه جزءاً صغيراً جداً من مستودع واسع النطاق للبيانات الجراحية. مع ما يقرب من 7000 روبوت دافنشي قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم، هناك مكتبة ضخمة من العروض الجراحية للمراقبة والتعلم منها، والتي يستخدمها فريق البحث الآن لتوسيع ذخيرة الذكاء الاصطناعي الجراحية لدراسة جديدة لم تُنشر بعد.

«في عملنا المتابع، والذي سنصدره قريباً، ندرس ما إذا كانت هذه النماذج يمكن أن تعمل في الإجراءات الجراحية طويلة المدى التي تنطوي على هياكل تشريحية غير مرئية»، يكتب كيم، في إشارة إلى الإجراءات الجراحية المعقدة التي تتطلب التكيف مع حالة المريض في أي وقت معين، مثل إجراء عملية جراحية على جرح داخلي خطير.

التحقق من صحة النموذج المطور

أثناء التطوير، عمل الفريق عن كثب مع الجراحين الممارسين لتقييم أداء النموذج وتقديم ملاحظات حاسمة (خاصة فيما يتعلق بالتعامل الدقيق مع الأنسجة)، والتي قام الروبوت بدمجها في عملية التعلم الخاصة به.

أخيراً، للتحقق من صحة النموذج، استخدموا مجموعة بيانات منفصلة غير مدرجة في التدريب الأولي لإنشاء محاكاة افتراضية، ما يضمن قدرة الذكاء الاصطناعي على التكيف مع السيناريوهات الجراحية الجديدة وغير المرئية قبل الشروع في اختبارها في الإجراءات المادية. أكد هذا التحقق المتبادل قدرة الروبوت على التعميم بدلاً من مجرد حفظ الإجراءات، وهو أمر بالغ الأهمية بالطبع نظراً للعدد المجهول المحتمل الذي قد ينشأ في غرفة العمليات.

جراح آلي «ذو خبرة»

كل شيء سار بشكل جميل إذ تعلم نموذج الروبوت هذه المهام إلى مستوى الجراحين ذوي الخبرة. يقول أكسل كريغر، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إنه لأمر سحري حقاً أن يكون لدينا هذا النموذج حيث كل ما نقوم به هو تلقيمه مدخلات الكاميرا، ويمكنه التنبؤ بالحركات الروبوتية اللازمة للجراحة». «نعتقد أن هذا يمثل خطوة مهمة إلى الأمام نحو أفق جديد في مجال الروبوتات الطبية».

تطوير رائد

إن أحد مفاتيح هذا النجاح هو استخدام الحركات النسبية بدلاً من التعليمات المطلقة. ففي نظام دافنشي قد لا تنتهي الأذرع الآلية إلى حيث هي مقصودة تماماً بسبب التناقضات الطفيفة في حركة المفصل التي تتراكم على مدار عدة حركات ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى أخطاء كبيرة -خاصة في بيئة حساسة مثل الجراحة. كان على الفريق إيجاد حل، لذا بدلاً من الاعتماد على هذه القياسات، قام بتدريب النموذج على التحرك بناءً على ما يلاحظه في الوقت الفعلي أثناء إجراء العملية.

لكن الابتكار الرئيسي هنا هو أن التعلم بالتقليد يزيل الحاجة إلى البرمجة اليدوية للحركات الفردية. قبل هذا الاختراق، كانت برمجة الروبوت للخياطة تتطلب ترميزاً يدوياً لكل حركة بالتفصيل. يقول كيم إن هذه الطريقة كانت أيضاً عرضة للخطأ وتشكل قيداً رئيسياً في تقدم الجراحة الروبوتية. إذ إنها حدت مما يمكن للروبوت فعله بسبب جهود التطوير، والافتقار إلى المرونة التي جعلت من الصعب للغاية على الروبوتات القيام بمهام جديدة.

ومع ذلك، يسمح التعلم بالتقليد للروبوت بالتكيف بسرعة مع أي شيء يمكن مشاهدته، والتعلم على غرار طالب الجراحة. «(نحن) نحتاج فقط إلى جمع بيانات التعلم التقليدي لإجراءات مختلفة، ويمكننا تدريب الروبوت على تعلمها في غضون يومين»، كما يقول كريغر. «هذا يسمح لنا بالتعجيل نحو هدف الاستقلالية مع تقليل الأخطاء الطبية وتحقيق جراحة أكثر دقة».

تقييم مدى النجاح

لقياس مدى نجاح الذكاء الاصطناعي، حدد الباحثون مقاييس الأداء الرئيسية، مثل الدقة في وضع الإبرة والاتساق في التلاعب بالأنسجة باستخدام مجموعة من البيئات الجراحية الوهمية المادية، والتي تضمنت محاكيات الأنسجة الاصطناعية والدمى الجراحية. وكانت النتائج مذهلة. يقول كريغر: «النموذج جيد جداً في تعلم الأشياء التي لم نعلمه إياها. على سبيل المثال، إذا أسقط الإبرة، فسوف يلتقطها تلقائياً ويستمر».

لا تعد هذه القدرة على التكيف مهمة فقط لمواصلة تعلم مهارات جديدة ولكنها أيضاً ضرورية للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة في الجراحات الحية، مثل تمزق الشريان أو تغير العلامات الحيوية للمريض فجأة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر النموذج كفاءة زمنية محسنة، ما أدى إلى تقليل وقت الانتهاء للمهام الجراحية القياسية مثل الخياطة بنحو 30 في المائة، وهو أمر واعد بشكل خاص للعمليات الحرجة من حيث الوقت.

ويتصور العلماء سيناريو حيث تساعد هذه الروبوتات الجراحين في المواقف عالية الضغط، وتعزيز قدراتهم وتقليل الخطأ البشري. سيؤثر جراحو الذكاء الاصطناعي المستقبليون بشكل كبير على توفر الرعاية الجراحية، مما يجعل التدخلات الطبية عالية الجودة متاحة لعدد أكبر.

اللوائح التنظيمية وأخلاقيات الطب

هناك أيضاً تحديات أخلاقية وتنظيمية يجب معالجتها قبل نشر مثل هذا الذكاء الاصطناعي في بيئات جراحية حقيقية دون إشراف بشري. فالقفزة نحو الروبوتات الجراحية المستقلة تثير مخاوف أخلاقية جديدة.

هناك قضية المساءلة: من سيكون مسؤولاً إذا حدثت مشكلة؟ الشركة التي صنعت الجراح الذكي؟ المهنيون الطبيون الذين يشرفون عليه (إذا كان هناك أي إشراف)؟ هناك أيضاً مسألة موافقة المريض، والتي ستتطلب تثقيف كل من الشخص الذي يخضع للجراحة والأشخاص المحيطين به حول ماهية هذا الذكاء الاصطناعي، وما الذي يمكنهم فعله بالضبط، وما هي المخاطر التي تشكلها الروبوتات مقارنة بالجراحين البشر.

يعترف كيم بأن المستقبل الآن في منطقة رمادية حيث يمكن للجميع مجرد التكهن بما يجب أن يحدث أو سيحدث. ستكون أيدي السلطات التنظيمية مشغولة، من معالجة المساءلة والمخاوف الأخلاقية عند السماح لجراحي الذكاء الاصطناعي بالعمل بشكل مستقل، إلى وضع معايير للحصول على موافقة مستنيرة من المرضى.

ولكن عند الاختيار بين إجراء عملية جراحية طارئة منقذة للحياة بواسطة جراح مستقل أو عدم تلقي العلاج لأن الجراح البشري غير متاح (مثلاً في مكان بعيد أو منطقة متخلفة)، يزعم كيم أن الخيار الأفضل واضح. يمكنني بسهولة أن أتخيل مستقبلاً قريباً حيث يبدأ الناس في اختيار روبوتات الذكاء الاصطناعي على نظرائهم من البشر - في ظل وجود دليل إحصائي على أن جراحي الذكاء الاصطناعي يعملون بأمان.

وبعيداً عن التحديات الأخلاقية والقانونية، هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتمكين التنفيذ العملي. ستحتاج المستشفيات إلى الاستثمار في البنية الأساسية التي تدعم جراحة الروبوتات بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأجهزة المادية والخبرة الفنية للتشغيل والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون تدريب الفرق الطبية على إدارة العملية أمراً بالغ الأهمية. فالأطباء سيحتاجون إلى فهم الآلة ومتى يكون التدخل ضرورياً، وفي النهاية تحويل الجراحين البشريين من المهام الجراحية المباشرة إلى أدوار تركز على الإشراف والسلامة.

جراحات بسيطة أولاً

على المستوى العملي، يتصور الباحثون تقدماً تدريجياً، بدءاً بجراحات أبسط وأقل خطورة مثل إصلاح الفتق والتقدم تدريجياً إلى عمليات أكثر تعقيداً. سيساعد النهج التدريجي في التحقق من موثوقية الروبوت مع معالجة المخاوف التنظيمية والأخلاقية بمرور الوقت، فضلاً عن مساعدة السكان على الثقة في الذكاء الاصطناعي لإجراء العمليات الحرجة للحياة.

يقول كريغر: «ما زلنا في المراحل الأولى من فهم ما يمكن أن تحققه هذه الآلات حقاً. الهدف النهائي هو الحصول على أنظمة جراحية مستقلة تماماً وموثوقة وقابلة للتكيف وقادرة على إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب حالياً اختصاصياً مدرباً تدريباً عالياً».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً