التشابك الكمي... العلم «المخيف» الذي حصل على نوبل الفيزياء

أنطون زيلينغر الحائز جائزة نوبل أمام  صورة شهيرة لألبرت آينشتاين وهو يخرج لسانه
أنطون زيلينغر الحائز جائزة نوبل أمام صورة شهيرة لألبرت آينشتاين وهو يخرج لسانه
TT

التشابك الكمي... العلم «المخيف» الذي حصل على نوبل الفيزياء

أنطون زيلينغر الحائز جائزة نوبل أمام  صورة شهيرة لألبرت آينشتاين وهو يخرج لسانه
أنطون زيلينغر الحائز جائزة نوبل أمام صورة شهيرة لألبرت آينشتاين وهو يخرج لسانه

تخيل أن صديقك ذهب في مهمة فضائية إلى كوكب زحل، وعلمت وأنت على كوكب الأرض، أن هناك هجوماً سيتعرض له زحل بعد ساعة، وتريد أن ترسل رسالة تحذيرية، كي يتحرك من الكوكب في أسرع وقت.
يخبرك عالم الفيزياء الراحل ألبرت آينشتاين، أنه لا توجد وسيلة أسرع من سرعة الضوء يمكنك استخدامها لتحمل رسالتك التحذيرية، وإذا علمنا أن سرعة الضوء تبلغ 300 ألف كيلومتر في الثانية تقريبا، بينما يبعد كوكب زحل عن الأرض مسافة «مليار و170 مليون كيلومتر»، فهذا يعني أن رسالتك التحذيرية ستصل بعد 77 دقيقة، بعد أن يكون صديقك واجه الخطر.
لكن العلماء الحاصلين على جائزة نوبل في الفيزياء هذا العام، يحملون الأمل في وصول رسالتك في نفس وقت إصدارها، إذ أثبتوا أن هناك وسيلة أسرع من الضوء يمكن استخدامها، وهي «التشابك الكمي» أو ما يطلق عليه البعض «العلم المخيف» أو «العلم الشبح»، حيث وجدوا أن هناك إمكانية لحدوث تواصل بين جسيمين، يتصرفان كوحدة واحدة، حتى عندما يكونان متباعدين.
ولتفسير هذه الظاهرة، يستخدم الدكتور طارق إبراهيم، أستاذ الفيزياء بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، والمدير الأكاديمي للمدينة، مثال الفوتون، وهو «وحدة واحدة من الضوء». يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إذا تم إنتاج فوتونين من مصدر واحد يسيران في اتجاهين متضادين، فإذا قمت بإجراء قياس على واحد منهما، فإنه يؤثر على الفور على الآخر، بغض النظر عن المسافة التي تفصل بينهما، وهذا ليس من المفترض أن يحدث وفق النظرية النسبية لآينشتاين، لأنه لا شيء يمكن أن يسافر أسرع من سرعة الضوء».
ويوضح «هذه الفوتونات المنفصلة تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببعضها البعض، وتكون نظاماً واحداً، فعندما ترصد الفوتون الأول لتقيس اتجاه استقطابه، فهناك احتمالان إما أن يكون (لأعلى أو لأسفل)، فإذا كان في الأعلى، فسيكون قياس استقطاب الآخر للأسفل فوراً، ولو لم نقم بقياس الأول فإن نتيجة الثاني تكون باحتمالين متساويين للأعلى وللأسفل، إذن نتيجة قياس الثاني تعتمد إذا كنا قسنا الأول أم لا».
ويضيف إبراهيم «في حالات أكثر تعقيدا، إذا كان القياس لاستقطاب الفوتون الثاني، استقطاباً دائرياً مع عقارب الساعة أو ضدها، فلو قاس الراصد الأول الاستقطاب الدائري مع عقارب الساعة، فإن الراصد الآخر سيجد أن نتيجة قياسه ضد عقارب الساعة، أما إذا قرر الراصد الأول قياس استقطاب للأعلى فإن الراصد الثاني سيجد أن نتيجة القياس تكون خمسين في المائة مع عقارب الساعة وخمسين في المائة عكسها، وهنا تكون نتيجة القياس معتمدة على قرار الراصد الآخر ماذا يقيس».
وكانت حقيقة أن هذا التواصل يحدث على الفور، هو ما أزعج آينشتاين، الذي قال في عام 1935 عن التشابك الكمي إنه «عمل مخيف عن بعد»، وكان يعتقد أن هناك «متغيرات خفية» يجب أن تكون بطريقة ما وراء ما كان يحدث.
يقول إبراهيم: «ظل السؤال المطروح لفترة طويلة عن احتواء الجسيمات على متغيرات خفية، إلى أن طّور الفيزيائي جون ستيوارت بيل عام 1964 نظرية سميت باسمه، تنص على أنه في حالة وجود متغيرات خفية، فإن الارتباط بين نتائج عدد كبير من القياسات لن يتجاوز أبدا قيمة معينة، وهو ما يتضارب مع ما تتنبأ به ميكانيكا الكم». وبعد عقدين من الزمان، كان الفيزيائي الفرنسي آلان أسبكت، أحد الحائزين على جائزة نوبل، وفريقه من بين الأوائل الذين تمكنوا من اختبار نظرية بيل في المختبر، وهدموا تلك النظرية ورسخوا أقدام ميكانيكا الكم علمياً، ليقوم الفائزان الآخران بجائزة نوبل في الفيزياء، النمساوي أنطون زيلينغر والأميركي جون كلاوزر، باختبار نظرية بيل، واستبعدا كل الثغرات وساعدا في تمهيد الطريق لما أطلق عليه «الثورة الكمومية الثانية».
وأظهرت الاكتشافات التي قام بها زيلينغر، الملقب بـ«البابا الكمومي»، إمكانية استخدام التشابك الكمي في التشفير والنقل الآني الكمي وغير ذلك.
يقول بدوي أنيس، الأستاذ المساعد في قسم الطيف بمعهد البحوث الفيزيقية بالمركز القومي للبحوث بمصر لـ«الشرق الأوسط»: «سيفتح التشابك الكمي بهذه الكيفية الباب أمام إنتاج كومبيوترات فائقة السرعة، من خلال تقليل الوقت اللازم لمعالجة المعلومات، كما يسمح النقل الآني لأجهزة الكومبيوتر الكومية بخفض استهلاك الطاقة».
ويمكن للتشابك الكمي أن يوفر مفتاح تشفير غير قابل للكسر بين المرسل والمستقبل بتوفير نظامين متشابكين مرتبطين ببعضهما بعضاً، وهو ما قد يكون له تطبيقات عسكرية. ويبقى اللغز الذي حيّر آينشتاين منذ ما يقرب من قرن: لماذا يحدث هذا التشابك الكمي؟
يقول أنيس: «لأن آينشتاين كان مؤمنا بـ(الواقعية)، فكان تفسيره لما يحدث هو أن هناك (إعدادات مسبقة) مسؤولة عن هذا التواصل الشبحي، بمعنى أنه لو لدينا صندوقان، أحدهما به القفاز الأيمن، فالأقرب هو أن يكون الصندوق الآخر به (قفاز أيسر)».
لكن نظرية (الإعدادات المسبقة) هدمتها أبحاث علماء نوبل، ليصبح هناك في النهاية إيمان راسخ بالتشابك الكمي، ومعادلات رياضية تؤكده، دون أن يكون لدينا صورة متخيلة لما يحدث ويؤدي إلى هذا الاتصال بين الجسيمات، الذي سماه آينشاتين متهمكاً بـ«الاتصال الشبحي». يقول إبراهيم «الجملة التي يمكن أن نلخص بها التشابك الكمي أن العالم الصغير بقوانينه الكمية لا يوجد له نظير في عالمنا الكبير، فعالم الكم ليس كمثله شيء».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان
TT

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في اكتشاف وتوقع جوانب مختلفة في علاج جذور الأسنان المسماة من قِبل عامة الجمهور بـ«حشوات العصب» Endodontics.

الذكاء الاصطناعي يرصد جذر الأسنان

في مجال الاكتشاف، تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الآفات والخراجات حول قمة جذور الأسنان، وكسر التاج والجذر، وتحديد طول الجذر، وكشف تشريح الجذور والقنوات. تشمل مهام التنبؤ تقدير الحاجة إلى إعادة العلاج. تُعد الخراجات حول قمة جذور الأسنان، شائعة وتُشكّل تحديات في التشخيص وتخطيط العلاج للأطباء. ويمكن أن يُحسّن التعرف المبكر على هذه الآفات من نتائج العلاج من خلال منع انتشار المرض إلى الأنسجة المحيطة.

إن علاج جذور الأسنان أو حشوات العصب، المعروف أيضاً باسم «علاج العصب»، فرع من فروع طب الأسنان يركز على تشخيص، ومعالجة أمراض لب الأسنان (العصب) والجذور.

يتضمن هذا العلاج إزالة اللب التالف أو المصاب داخل السن (لب السن المحتوي على العصب والشريان والوريد والأوعية اللمفاوية وكثير من الخلايا لكن الكل يسمي اللب بالعصب!)، وتنظيف وتعقيم القنوات الجذرية، ثم حشوها بمواد طبية خاصة لمنع العدوى المستقبلية، وحماية الأسنان من مزيد من التلف.

أهمية علاج جذور الأسنان

- تخفيف الألم: يساعد علاج الجذور في تخفيف الألم الشديد الناتج عن التهابات العصب، إذ قالت العرب: «لا ألم إلا ألم الضرس».

- إنقاذ الأسنان: يمكن أن يمنع العلاج الفقدان الكامل للسن المتضررة، مما يحافظ على الأسنان الطبيعية بدلاً من اللجوء إلى التعويضات الصناعية.

- منع العدوى: العلاج الفوري والعناية الجيدة تمنعان انتشار العدوى إلى الأنسجة المحيطة والعظام، وقد تم تسجيل بعض حالات الوفاة من انتقال الصديد من خراجات الأسنان إلى الدورة الدموية.

وحسب المكتب العربي في منظمة الصحة العالمية فإن هناك أكثر من 130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان، ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب.

الذكاء الاصطناعي يسابق جراحي الأسنان

* رصد الخراجات: أجرى العالم البريطاني أندرياس وزملاؤه دراسة مقارنة ما بين أداء خوارزمية الذكاء الاصطناعي و24 جراح فم ووجه في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان على الأشعة البانورامية. وخلصت الدراسة إلى أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على التعلم العميق تفوقت على بعض الجراحين. وبالمثل، أظهرت دراسة أخرى أن نماذج الشبكات العصبية التلافيفية CNN، (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي المستلهمة من العصب البصري لتحديد الأشكال)، أدت أداءً أفضل من ثلاثة أطباء استشاريي أشعة فم ووجه، في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان أثناء المحاكاة على الأشعة داخل الفم.

وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة «طب الأسنان» البريطانية أخيراً، استخدم العالم أورهان وزملاؤه أكثر من 100 أشعة مقطعية للأسنان لاختبار نظام الذكاء الاصطناعي، وذكروا دقة اكتشاف عالية مقارنة باختصاصي الأشعة.

تشخيص كسور الجذور وأطوالها

* تشخيص كسور الجذور الأفقية والعمودية: وهو مهمة تتطلب الخبرة، ويفشل تقريباً 75 في المائة من الأطباء في تحديدها على الأشعة. تم تطوير نماذج من الذكاء الاصطناعي لاكتشاف كسور الجذور تلقائياً على الصور الشعاعية للأسنان ثنائية وثلاثية الأبعاد.

أظهرت دراسة لفوكودا وزملائه أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة واعدة لتشخيص الكسور الجذرية العمودية على الأشعة البانورامية. وأظهرت دراسة أخرى للدكتور جوهاري من «هارفارد» وزملائه أداءً ممتازاً باستخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي للكشف عن الكسور الجذرية العمودية بدقة 96.6 في المائة.

* تحديد طول الجذر بدقة: خطوة حاسمة لنجاح علاج قناة الجذر أو حشوات العصب، حيث إن 60 في المائة من فشل علاج حشوات العصب بسبب عدم الحساب الدقيق لطول قناة العصب، ما يؤدي إلى قصر أو زيادة الحشوة، ويؤدي بدوره إلى فشل العلاج، وتفاقم الخراج مع خطورة ذلك.

أظهرت الدراسات أن الشبكات العصبية الاصطناعية (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي) يمكن استخدامها لتحديد طول الجذر بدقة. أبلغ الدكتور ساغيري وزملاؤه في بحث منشور أخيراً في مجلة «طب الأسنان» الأميركية أن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه أداة إضافية لتحديد موقع خروج العصب من قمة جذر الأسنان، وقد أثبت ذلك عدم وجود فروق في قياسات طول الجذر عند مقارنة الذكاء الاصطناعي مع القياسات الفعلية بعد إجراء القياسات الفعلية.

معدلات نجاح عالية

وهكذا فقد أظهرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على CNN معدلات نجاح عالية في الكشف التلقائي عن الأسنان وتجزئتها على الأشعة ثنائية وثلاثية الأبعاد.

ويتمتع الذكاء الاصطناعي بمستوى عالٍ، مقارنة بالمراقبين البشريين، ولكن مع أوقات معالجة أسرع بكثير. وبما أن تحديد تشريح الجذور والقنوات هو أمر ضروري لنجاح علاج قناة الجذر، فإن لدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي القدرة على المساهمة في هذه المهام.

*رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي بطب الأسنان في الشرق الأوسط.

حقائق

130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب