«الشرق الأوسط» في تايبيه... المسرح العالمي المرشح للاضطراب بعد أوكرانيا

مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الأخير أنهى احتمال حل قضية تايوان على طريقة هونغ كونغ

من التدريبات التي أجرتها الجزيرة بعد تصاعد التهديدات الصينية (إ.ب.أ)
من التدريبات التي أجرتها الجزيرة بعد تصاعد التهديدات الصينية (إ.ب.أ)
TT

«الشرق الأوسط» في تايبيه... المسرح العالمي المرشح للاضطراب بعد أوكرانيا

من التدريبات التي أجرتها الجزيرة بعد تصاعد التهديدات الصينية (إ.ب.أ)
من التدريبات التي أجرتها الجزيرة بعد تصاعد التهديدات الصينية (إ.ب.أ)

غالباً ما تترك النزاعات والصراعات السياسية الكبرى إفرازات جغرافية ملتبسة تتحول، إذا توفرت لها الظروف المواتية، إلى مصدر دائم للتوتر، أو إلى فتيل مفجّر لمواجهات لاحقة. تايوان هي من هذه الإفرازات التي تستقطب اليوم قدراً لا يستهان به من الترقب في المشهد الدولي المضطرب بفعل الحرب في أوكرانيا، وتنشدّ إليها الأنظار كبؤرة محتملة لأزمة يراهن البعض عليها لكبح مسار إعادة تشكيل النظام الدولي، فيما يرى إليها البعض الآخر فرصة لرسم خريطة جديدة للتوازنات الإقليمية والدولية.
من هنا كان إدراك الإدارة الأميركية أن نظرية «الغموض الاستراتيجي»، التي اتبعتها واشنطن منذ عقود في سياستها تجاه الجزيرة لم تعد صالحة، لأن الصين اليوم تختلف كثيراً عمّا كانت عليه في سبعينيات القرن الماضي، ولأن احتمالات الغزو العسكري أصبحت حقيقية، وهي مضطرة للتدخل في حال حدوثه.

مشهد من تايبيه (أ.ب)

وليس مستغرباً أن جميع المراقبين الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» خلال اليومين الماضيين في العاصمة التايوانية، كانوا يتوقفون في قراءاتهم عند التشكيلة الجديدة للجنة العسكرية المركزية في الصين بعد المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الذي توّج شي جينبينغ إمبراطوراً لخمس سنوات أخرى، بلا منازع أو أي حضور للتيارات الأخرى في مواقع القيادة. وتضمّ اللجنة العسكرية الجديدة في الصين مجموعة مقرّبة جداً من جينبينغ، تربطها علاقات وثيقة بالصناعات العسكرية والتكنولوجيا الأمنية المتطورة، مما يعكس تزايد اهتمام بكين بالتطورات الأمنية المحتملة في المنطقة، بقدر ما يعكس تنامي المخاوف التايوانية من عمل حربي وشيك يستهدف الجزيرة.
ويذكّر وانغ ليتاو، الكاتب في صحيفة «يونايتد ديلي نيوز»، بما ورد في تقرير المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي من «أن جيش التحرير الشعبي يجب أن يكون، في هذه المرحلة من التغييرات والتطورات، مجهزاً بأحدث الوسائل التكنولوجية، وقادراً على تحقيق النصر في الحروب الإقليمية». وكان الرئيس الصيني قد شدّد في خطابه أمام المؤتمر على أن «تايوان هي للصين»، مكرراً مواصلة السعي بكل الوسائل للتوحيد السلمي، لكن مؤكداً أنه لن يتخلّى عن خيار «استخدام القوة الحربية لوقف التدخلات الخارجية أو أي استفزازات خطيرة في شؤون تايوان، واحتواء حفنة الانفصاليين في الجزيرة».
وقال شي، إن التوتر مع الغرب سيواصل الارتفاع في السنوات الخمس المقبلة، مضيفاً: «إن اللجنة المركزية تضمّ أفراداً جاهزين للنضال، لأن الذين يفتقرون إلى روح النضال لا مكان لهم في الحزب الشيوعي».
وتجدر الإشارة إلى أن المؤتمر قرر إدخال تعديل على النظام الأساسي للحزب، يشير للمرة الأولى إلى النضال ضد استقلال تايوان. وكان وزير الدفاع التايواني شيو كوشنغ، أعرب عن قلقه من الإشارات التي ترد مؤخراً من الصين، والتي تعكس استراتيجية جديدة أكثر تشدداً، ورهاناً واضحاً على الحرب التكنولوجية.
وكانت واشنطن قد حذّرت مؤخراً في الاستراتيجية الجديدة للأمن الوطني، من أن «الصين هي الدولة الوحيدة التي تنوي إعادة تشكيل النظام الدولي، وأنها تستخدم قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحقيق هذا الهدف».
والواضح، أن التوتر الذي يرتفع منسوبه على جبهات عدة بين واشنطن وبكين، بلغ ذروته بعد الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان مطالع أغسطس (آب) الماضي، وردّت الصين بمناورات عسكرية واسعة في مضيق تايوان، وأوقفت التعاون مع الولايات المتحدة في عدد من المجالات الحيوية، منها تغيّر المناخ.
وبرغم إدراك التايوانيين بأنهم يعتمدون بشكل تام على الدعم العسكري والسياسي من الولايات المتحدة، فإنهم يخشون من تداعيات استخدام واشنطن لوضع الجزيرة في المواجهة مع بكين، ولا يخفون استياءهم من التصعيد في المواقف الأميركية، التي كانت آخرها التصريحات التي أدلى بها الرئيس جو بايدن خلال المؤتمر الصحافي مع رئيس الوزراء اليابان، عندما أكد أن الولايات المتحدة سوف تتدخّل عسكرياً في حال تعرّضت تايوان لهجوم من الصين.
وأثارت تلك التصريحات سخط السلطات الصينية، وأحرجت العديد من كبار المسؤولين عن السياسة الخارجية الأميركية، بينهم مؤيدون لبايدن داخل الإدارة وخارجها، مما دفع بوزارة الخارجية إلى «التوضيح» السريع بأن السياسة الأميركية تجاه تايوان لم تتغيّر.
لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن هذه السياسة، التي تعود إلى عام 1979 عندما قررت واشنطن الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية كممثل شرعي وحيد للصين وتخلّت عن اعترافها بتايوان، تقوم على معادلة تحمل بذرة التناقض في طيّاتها. فمن ناحية، قبلت الولايات المتحدة وما زالت تقبل بموقف بكين الذي يؤكد أن تايوان ليست كياناً منفصلاً ذا سيادة، لكن من ناحية أخرى، لم تقبل أبداً بإعلانها أن تايوان جزء من الصين. ويتبدّى هذا التناقض بوضوح في البيان الصيني الأميركي المشترك في ديسمبر (كانون الأول) 1978. حيث يشير النص الصيني، إلى أن الولايات المتحدة «تعترف» بأن تايوان جزء من الصين، بينما يشير النص الإنجليزي إلى أن الولايات المتحدة «تعترف بالإعلان الصيني» بأن تايوان جزء من الصين.
يضاف إلى هذا التناقض، أنه بعد إغلاق الولايات المتحدة سفارتها في تايوان وتبادلت السفراء مع الصين، أقر الكونغرس الأميركي قانون العلاقات مع تايوان الذي ينصّ على أن روابط الولايات المتحدة مع جمهورية الصين الشعبية تقوم على أساس «تقرير مستقبل تايوان بالطرق السلمية»، الأمر الذي لم تلتزم به بكين يومها، ولم تغيّر موقفها إلى الآن. كما تعهدت واشنطن بتزويد تايوان بأسلحة دفاعية «والحفاظ على قدرة الولايات المتحدة لمواجهة أي استخدام للقوة أو العنف الذي يهدد أمن شعب تايوان أو نظامه الاقتصادي والاجتماعي».
هذا الموقف يطلق عليه الأميركيون «الغموض الاستراتيجي»، وهو مأخوذ عن موقف إسرائيل من السلاح النووي الذي ترفض الاعتراف بحيازتها له بحجة استخدامه في حال تعرّض وجودها للخطر. لكن هذه التسمية لا تستقيم في حالة تايوان، إذ إن الولايات المتحدة لا تعترف بتايوان في الوقت الذي تقول إنها مستعدة للدفاع عنها، من غير تحديد الوسائل، وتزودها بالوسائل العسكرية، لكن فقط لأغراض دفاعية، الأمر الذي يكتنفه غموض كامل، ولا يستثني استخدام السلاح النووي من منظور الدمار المتبادل الذي يشكّل إحدى ركائز العقيدة الحربية للدول النووية.
ويعتبر محللون في تايوان أن سياسة الغموض الاستراتيجي الأميركية، أثمرت النتائج المنشودة منها طالما أن الصين لم تكن مستعدة، أو قادرة، على استخدام القوة لاستعادة المقاطعة المتمردة. ومع انفتاح الصين على النظام الرأسمالي في عهد دنغ تشياو بينغ، وصعودها إلى مرتبة القوة الاقتصادية الثانية في العالم، ساد الاعتقاد بأنها لن تفرّط بهذا الإنجاز بلجوئها إلى الحرب لاستعادة تايوان. لكن بعد فشل الرهان على أن بكين ستفي بوعودها عقب استعادة هونغ كونغ وتسمح للمستعمرة البريطانية السابقة بالاستمرار كمركز مالي عالمي تحكمه قواعد مختلفة عن تلك السائدة في الجمهورية الشعبية، وبعد أن تأكدت نوايا بكين بأنها عندما تتحدث عن «صين واحدة»، إنما تعني خضوعها لنظام واحد، تبخرّت الآمال بحل مشكلة تايوان على طريقة هونغ كونغ، وباتت الشكوك والتساؤلات تنحصر في توقيت الإقدام على خطوة التوحيد والوسائل التي ستلجأ إليها بكين لتحقيقها.
لا شك في أن الغزو الروسي لأوكرانيا كان الدافع وراء تصريحات بايدن التي تعهد فيها بمساعدة تايوان إذا تعرّضت لهجوم عسكري من الصين، والتي أثارت الارتباك والقلق في أوساط الخارجية الأميركية. وقد بدا ذلك واضحاً من قوله إن مسؤولية الولايات المتحدة تجاه تايوان ازدادت بعد الحرب الدائرة في أوكرانيا، لاعتباره أن الغزو الروسي قد يفتح شهيّة بكين للإقدام على خطوة مماثلة. لكن هذا التقدير لا يأخذ في الاعتبار أن المقاومة الأوكرانية في مواجهة الغزو الروسي تحمل تحذيراً مباشراً لبكين، فضلاً عن ثمّة إجماع بين المحللين العسكريين بأن تكلفة الغزو الصيني لتايوان ستكون باهظة جداً بالنسبة للقوات المسلحة الصينية، التي تملك خبرة حربية ضئيلة بالمقارنة مع الجيش الروسي، وأن آخر حرب شاركت فيها كانت عام 1979 في فيتنام حيث منيت بهزيمة مدوية.
المشكلة الأساسية بالنسبة لواشنطن تكمن في أن سياسة الغموض الاستراتيجي لم تعد صالحة في الظروف الحالية، برغم الدهشة التي أثارتها تصريحات بايدن وزلّاته المتكررة. فالصين اليوم أكثر ثقة بنفسها، وأكثر تشدداً في مواقفها، وأقدر عسكرياً بكثير مما كانت أواخر سبعينيات القرن الماضي، وبالتالي لم يعد من الممكن استبعاد إقدامها على عمل عسكري لاستعادة تايوان. وتدرك بكين جيداً أن الولايات المتحدة، برغم الغزو الروسي لأوكرانيا، ما زالت تدفع بمركز ثقلها العسكري من الشرق الأوسط وأوروبا باتجاه المحيط الهادي، وأنها تجهد لتوطيد علاقاتها العسكرية مع أستراليا وكوريا الجنوبية، وبخاصة مع اليابان التي تبدو حكومتها مستعدة لتعديل دستورها بما يتيح لها زيادة إنفاقها الحربي، سيما وأنها أعلنت مؤخراً زيادة ميزانيتها الدفاعية هذا العام إلى 2 في المائة من إجمالي الناتج القومي.
كل ذلك يضع واشنطن أمام السؤال الحقيقي: هل الصين هي التهديد العسكري الرئيسي للولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين؟ وإذا كان الأمر كذلك، لا بد من التساؤلات التالية: ما هي سبل مواجهة هذا التهديد، وإلى أي مدى يمكن لواشنطن أن تذهب في هذه المواجهة؟ هل هي مستعدة لخوض حرب ضد الصين دفاعاً عن تايوان؟ أو أنها ستسعى بكل الوسائل الدبلوماسية للإبقاء على الوضع القائم، وأنها، في حال إقدام بكين على غزو الجزيرة، ستعترف بأنها عاجزة عن ردها؟
لكن يبدو من الصعب جداً أن تكون هذه الفرضية الأخيرة هي الخيار الذي سيستقرّ عليه رأي المخططين العسكريين الأميركيين، لا بل إن كل المؤشرات تذهب في الاتجاه المعاكس، لأن قرار التخلّي عن تايوان سيوجه رسالة أخرى مفادها أن الضمانات العسكرية الأميركية لا قيمة لها، فضلاً عن أنه سيشكّل ضربة قاضية لشرعية هيمنة الولايات المتحدة القائمة على القوة العسكرية.

تعريف وتأريخ...
> عندما نزل البحارة البرتغاليون عام 1542 في الجزيرة التي تعرف اليوم باسم تايوان، أبهرتهم طبيعتها الساحرة وقرروا تسميتها فورموزا، أي الجميلة، وهو الاسم الذي ظلّت تعرف به حتى مطالع القرن العشرين.
في عام 1895 تنازلت الصين لليابان عن هذه الجزيرة التي تحيط بها 168 جزيرة صغيرة، لتستعيدها بكين، بالنيابة عن القوات الحليفة، عام 1945 بعد استسلام اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1949 فرّت إليها الحكومة المركزية الصينية بعد انهزامها أمام الثوار الشيوعيين في الحرب الأهلية، وأعلنت قيام جمهورية الصين الذي ما زال الاسم الرسمي لتايوان إلى اليوم.
مطالع سبعينيات القرن الماضي بدأ العالم يتحدث عن «المعجزة الاقتصادية» في تايوان التي انتقلت أواخر الثمانينيات من نظام عسكري يحكمه حزب واحد إلى ديمقراطية متعددة الأحزاب.
وتعتبر تايوان اليوم القوة الاقتصادية التاسعة عشرة في العالم، علماً بأن مساحتها لا تزيد عن مساحة لبنان ويبلغ تعداد سكانها 23 مليوناً.
ويقوم اقتصادها على صناعات الصلب، والمواد الكيميائية، والأجهزة الإلكترونية المتطورة، وبخاصة أشباه الموصلات. وتحتل تايوان المرتبة العشرين عالمياً من حيث دخل الفرد، والمركز العاشر من حيث الحريات المدنية والرعاية الصحية والتنمية البشرية.
حتى عام 1971 كانت تايوان هي التي تمثّل الصين في الأمم المتحدة، إلى أن قررت الجمعية العامة الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية بدلاً عنها، لكنها ما زالت تصرّ على مطلبها بأن تكون الممثل الشرعي الوحيد للصين في المنظمة الدولية.
وترفض بكين إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول التي تعترف بتايوان التي لها علاقات دبلوماسية فقط مع 14 دولة، لكن لها روابط دبلوماسية مع دول عديدة عبر مكاتب تمثيلية ومؤسسات تقوم مقام السفارات والقنصليات. أما المنظمات والمؤسسات الدولية التي تنتمي بكين إلى عضويتها، فهي عادة ترفض عضوية تايوان، أو تسمح لها بالمشاركة فقط بصفات وتسميات مختلفة.
ويدور الصراع الأساسي بين الأحزاب السياسية التايوانية بين تلك التي تؤيد الوحدة مع بكين والاندماج التدريجي في الجمهورية الشعبية، وتلك التي تسعى للاعتراف الدولي على أساس الهوية القومية التايوانية.


مقالات ذات صلة

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم لندن تحذّر من عواقب مدمّرة لحرب في مضيق تايوان

لندن تحذّر من عواقب مدمّرة لحرب في مضيق تايوان

دافع وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي عن الوضع القائم في تايوان، محذرا من عواقب اقتصادية مدمرة لحرب، في خطاب تبنى فيه أيضًا نبرة أكثر تصالحا حيال بكين. وقال كليفرلي في خطاب ألقاه مساء الثلاثاء «لن تكون حرب عبر المضيق مأساة إنسانية فحسب بل ستدمر 2,6 تريليون دولار في التجارة العالمية حسب مؤشر نيكاي آسيا». وأضاف «لن تنجو أي دولة من التداعيات»، مشيرا إلى أن موقعها البعيد لا يؤمن أي حماية مما سيشكل ضربة «كارثية» للاقتصاد العالمي والصين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم الصين تحقق مع ناشر تايواني في جرائم متعلقة بالأمن القومي

الصين تحقق مع ناشر تايواني في جرائم متعلقة بالأمن القومي

أعلنت السلطات الصينية، الأربعاء، أن ناشراً تايوانياً، أُبلغ عن اختفائه، خلال زيارة قام بها إلى شنغهاي، يخضع لتحقيق في جرائم متعلقة بالأمن القومي. وقالت تشو فنغ ليان، المتحدثة باسم «المكتب الصيني للشؤون التايوانية»، إن لي يانهي، الذي يدير دار النشر «غوسا»، «يخضع للتحقيق من قِبل وكالات الأمن القومي، لشبهات الانخراط بأنشطة تعرِّض الأمن القومي للخطر». وأضافت: «الأطراف المعنية ستقوم بحماية حقوقه المشروعة ومصالحه، وفقاً للقانون». وكان ناشطون وصحافيون في تايوان قد أبلغوا عن اختفاء لي، الذي ذهب لزيارة عائلته في شنغهاي، الشهر الماضي. وكتب الشاعر الصيني المعارض باي لينغ، الأسبوع الماضي، عبر صفحته على «ف

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم رئيس غواتيمالا يبدأ زيارة لتايوان

رئيس غواتيمالا يبدأ زيارة لتايوان

وصل رئيس غواتيمالا أليخاندرو جاماتي الاثنين إلى تايوان في زيارة رسمية تهدف إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع هذه الجزيرة التي تعتبر بلاده من الدول القليلة التي تعترف بها دبلوماسياً. وسيلقي جاماتي كلمة أمام البرلمان التايواني خلال الزيارة التي تستمر أربعة أيام.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
العالم بكين تحتج لدى سيول إثر «تصريحات خاطئة» حول تايوان

بكين تحتج لدى سيول إثر «تصريحات خاطئة» حول تايوان

أعلنت الصين أمس (الأحد)، أنها قدمت شكوى لدى سيول على خلفية تصريحات «خاطئة» للرئيس يون سوك يول، حول تايوان، في وقت يشتدّ فيه الخلاف الدبلوماسي بين الجارين الآسيويين. وتبادلت بكين وسيول انتقادات في أعقاب مقابلة أجرتها وكالة «رويترز» مع يون في وقت سابق الشهر الحالي، اعتبر فيها التوتر بين الصين وتايوان «مسألة دولية» على غرار كوريا الشمالية، ملقياً مسؤولية التوتر المتصاعد على «محاولات تغيير الوضع القائم بالقوة».

«الشرق الأوسط» (بكين)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟