في وقت سابق من الشهر الحالي، أثناء العرض الأول على خشبة مسرح «سوهو بليس» (sohoplace)، الذي يُعدّ أحدث مسارح منطقة «ويست إند» اللندنية الشهيرة، هتف الجمهور مراراً للممثلين الذين قدّموا عرضاً لمسرحية «مارفيلوس»، الكوميدية التي تناولت حياة رجل بريطاني غريب الأطوار. كان الجمهور الذي قُدّر عدده بعدة مئات مبتهجاً إلى درجة جعلته يشيد بعامل فني كان ينظّف الأرضية.
لكن، في هذه الأمسية، كان هناك شخص مهم لم يهتف له أحد، ولم يصفّق له أحد. وهو أندرو سيمبسون، مصمِّم مقاعد المسرح. ورغم ذلك، كان أكثر سعادة من غيره، حين قال: «إذا كان المقعد جيداً، فلن تلاحظه. أنت تلاحظه فقط عندما يكون سيئاً»، مضيفاً: «في صناعة مقاعد المسرح، لا توجد أخبار سارة».
سيمبسون (62 عاماً)، في وضع يسمح له بمعرفة الكثير؛ لأنه يُعدّ كبير مصممي شركة «كيروين أند سيمبسون»؛ وهي شركة عائلية أسّسها جدُّه الذي بدأ نشاطه بصناعة المفروشات في دار محلية لإنتاج الأفلام، خلال الحرب العالمية الثانية، وهي الآن توفر المقاعد لغالبية مسارح «ويست إند».
تُعدّ «ويست إند» منطقة مليئة بالتحديات لصانعي مقاعد المسرح. فالكثير من مسارح لندن التي يعمل بها سيمبسون عبارة عن قاعات مزركشة قريبة الشبه بصناديق المجوهرات التي تعود للعصر الفيكتوري؛ نظراً لمساحاتها الضيقة المزخرفة التي تُولي اهتماماً أكبر بتدرُّج الطبقات الاجتماعية أكثر من اهتمامها بالراحة.
في الأصل، وفقاً لديفيد ويلمور، المسؤول في شركة «ثييتر سيرش» المختصة بترميم المسارح التاريخية في بريطانيا، كان لتلك المسارح عدد محدود من الصفوف الأمامية التي تضم الكراسي الفاخرة ذات الذراعين المخصصتين للأثرياء، فيما كان يجلس غيرهم على مقاعد خشبية. وحسب ويلمور، عندما مُنح زائرو الطبقة المتوسطة مقاعد لاحقاً، حافظت المسارح على خطوط رؤيتها القديمة بإجبار الجالسين على الجلوس في وضع مستقيم يفرضه تصميم المقعد، في وضعية جلوس صارمة توحي بنمط الحياة في العصر الفيكتوري.
لكن هذا النمط من الجلوس المُرهِق لن يقبله جمهور اليوم، الذي يدفع مئات الدولارات لشغل مقعد واحد، لذلك كان الغرض من الجولة الأخيرة لنشاط شركة «كيروين وسيمبسون» في منطقة «غرايز» التي تقطنها الطبقة العاملة في شرق لندن، مختلفاً. فقد كانت هناك غرفة مليئة بلفائف من القماش متعدد الألوان، وخمسة رجال مشغولين بتدبيس ولصق مقاعد كستنائية أنيقة لخدمة جمهور «مركز رونالد أو بيرلمان للفنون المسرحية» في نيويورك. وكان هناك مستودع مليء بالبدائل للاستخدام الطارئ، في حال تمزَّق مقعد في مسرح «فيكتوريا بالاس»، على سبيل المثال، فيمكن تركيب مقعد بديل جديد مطابق تماماً له في غضون ساعات.
يحتاج كل مسرح إلى أنواع عديدة من المقاعد، فمسرح «سوهو بليس» الجديد، وتبلغ سَعته 602 مقعد، يحتوي على 12 نوعاً، جميعها قابلة للإزالة للسماح بأنماط مختلفة من التدرج، لكن بعض مساحات المسارح القديمة الصعبة تتطلب المزيد من الجهد. فهناك كراسي عالية بمساند مدمجة للقدمين؛ لمنح رؤية واضحة من الجزء الخلفي من الشُّرفات الفيكتورية، حيث كان رواد الصف الأمامي يجلسون على درج منخفض. وهناك كراسي ذات ظهر عريض، لكن مقاعدها أصغر، وهي مصممة لتناسب المنحنيات الضيقة، وأخرى بمساند وأذرع مفصلية تُرفع بحيث يمكن لمستخدمي الكراسي المتحركة الانزلاق إليها. يحتوي مسرح «دروري لين الملكي» على أكثر من 160 تصميماً مختلفاً من المقاعد القابلة لتعديل الاتجاهات والزوايا؛ لضمان أفضل رؤية.
أصبحت المقاعد نفسها أقل ازدحاماً بمرور الوقت، ولم يعد هناك الكثير من الملحقات والكماليات مثل منافض السجائر والصناديق المخصصة لوضع قبعات الرجال. لكن في المناطق الضيقة لا يزال سيمبسون يستخدم علم النفس في بعض الأحيان، حيث أشار إلى أن مساند الذراعين القصيرة تجعل الممر الضيق يبدو أكثر اتساعاً؛ لأن الزائرين لا يضطرون للانحناء للوصول إلى أماكنهم، ومن ثم يصبحون أقل ميلاً للتفكير في مدى ضآلة مساحة السير أمامهم، مضيفاً «هذا علم نفس».
واستطرد سمبسون قائلاً إن هناك عوامل أخرى مساعِدة: «إذا كان العرض ناجحاً، والعرض جيداً، فعندئذ لا يهتم الناس كثيراً بما يجلسون عليه، أما إذا كان العرض متواضعاً، سيتجه التركيز إلى المناطق المحيطة».
حتى مع افتراض أن العرض جيد، قد يكون من الصعب استيعاب رواد المسرح من مختلف الأشكال والأحجام والأذواق. ووفقاً لنيكا برنز، المديرة التنفيذية لشركة «نيماكس ثيرترز»، التي تتعاون مع «سوهو بليس»: «أريد أن تكون المقاعد في جميع الأماكن مريحة للأشخاص قصيري القامة مثلي (يبلغ طولها 5 أقدام وبوصتين) الذين لا يريدون أن تتدلى أقدامهم في الجو، وللأشخاص طوال القامة مثل زوجي الذي يبلغ طوله 6 أقدام و3 بوصات». وخلال فترة إعادة تصميم مقاعد المسرح كانت نيكا تحتفظ بمقعدين من إنتاج شركة «كيروين وسيمبسون» في مكتبها، وطلبت من الزائرين تجربتهما، لكنها قالت: «لن تجد أبداً مقعداً يناسب الجميع».
* خدمة: «نيويورك تايمز»