لوحات وسام بيضون في «إعادة تخيل بيروت»

طالب أهل المدينة بتزويدها بالحب والاهتمام

وسام بيضون أمام لوحة تحكي عن  طبيعة جبال لبنان (من المعرض)
وسام بيضون أمام لوحة تحكي عن طبيعة جبال لبنان (من المعرض)
TT

لوحات وسام بيضون في «إعادة تخيل بيروت»

وسام بيضون أمام لوحة تحكي عن  طبيعة جبال لبنان (من المعرض)
وسام بيضون أمام لوحة تحكي عن طبيعة جبال لبنان (من المعرض)

رغب الفنان التشكيلي وسام بيضون في معرضه «إعادة تخيل بيروت»، في رسم ولادة جديدة لها على طريقته، فحدد لها مساراً مختلفاً مع حفاظه على خطوطها الرئيسية، وترجمه بريشة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجذور حيناً والشباب حيناً آخر.
وأنت تتجول في المعرض الذي يستضيفه غاليري «آرت أون 56» في منطقة مار مخايل، تلمس التغييرات التي أحدثها على المدينة؛ متراصة ومتحدة يسكنها أشخاص يفكرون فيها في العمق، بعيداً عن السطحية. للوهلة الأولى يخيل لزائر المعرض أنه يشاهد لوحات فنية ترتكز على مقاييس هندسية، ويستوعب بعدها بأنها مجرد وسيلة يبرز معها خريطة طريق مستقبلية. فالخطوط الأفقية والعمودية المتشابكة ليست سوى رسالة فكرية للإشارة إلى ضرورة إعادة تنظيم هذه المدينة واتحاد أهلها.
يركز بيضون في لوحاته على الفكر، فنرى غالبية أعماله تدور في هذا الإطار.
شخصياته في حالة تفكير مستمرة، ويحاول بيضون بريشته الدقيقة التقاط ذبذباتها، ويتولى مهمة تعريفنا بها من قرب، بعد أن وزعها بتأنٍ على أجزاء الرأس ولغة الجسد.
«انفجار 4 أغسطس (آب)» ألهمه إعادة تخيل بيروت من خلال انفجار آخر تمثل بالألوان التي استخدمها، وأوصل رسالة مباشرة إلى أهل المدينة كي يبنوها ويعيدوا تركيب أحجيتها، ولكن هذه المرة مزودين بحب عميق لها.


يحلم بيضون بإعادة تنظيم بيروت مع الحفاظ على محتواها الأساسي (من المعرض)

يمر بيضون بريشته على خريطة بيروت الجغرافية التي حفظناها منذ أيام الدراسة. فهو لم يقترب من أحشائها، واكتفى بتحديد معالمها التي تزنرها فقط. مر على تضاريسها الطبيعية وبحرها وسمائها متوقفاً عند مرفئها ووسطها، وأكمل طريقه بين مناطق رأس بيروت وعين المريسة وصخرة الروشة، ليكتشف ناظرها جمالها الساحر.
«رغبت من خلال لوحاتي هذه في الإشارة إلى خصوصية المدينة. لذلك حددت المسار المطلوب لإعادة تنظيمها. بيروت يكمن جمالها وسحرها بتركيبتها كما هي اليوم.
ولا ينقصها سوى إعادة تفصيلها بحياكة أنامل أهلها الخائفين عليها وعلى مستقبلها. ومن خلال لوحاتي أوجه رسالة مباشرة إلى أهل المدينة وإلى شبابها بالأخص ومفادها: (انتبهوا إلى مدينتكم)».
هكذا يتخيل وسام بيضون بيروت الجديدة تربط كل الناس بعضهم ببعض من دون أي هواجس أو أفكار سلبية مسبقة. ولذلك قدم شخصيات لوحاته تغطس في بحر الفكر باحثة عن الأفضل لمدينتها من باب التأني والانتباه.
يتضمن معرض «إعادة تخيل بيروت» قسمين أساسين؛ أحدهما يعرض أعمالاً فنية لبيضون تعود إلى عام 2016 ويحكي فيها عن طبيعة لبنان وجباله. والثاني معاصر يتناول بيروت اليوم... «أنا ابن بيروت، ولكنني مغرم بطبيعة لبنان وجباله، التي رسمتها بشغف في أيام سابقة. اليوم تمثل لوحاتي نقلة نوعية محفوفة بخصائص مدينة أعشقها».
ويأتي هذا المعرض؛ الذي اختارته منسقته وصاحبة غاليري «آرت أون 56» نهى محرم، احتفاء بمرور 10 سنوات على انطلاقته.
وتعلق لـ«الشرق الأوسط»: «لم نشأ أن نسترجع في هذه المناسبة مآسي بيروت بعيد الانفجار الذي تعرضت له. ولذلك فكرنا في مستقبل مشرق يغمرها، ومن خلال لوحات وسام بيضون نستطيع أن نستشعر هذه الفكرة».


يتضمن معرض وسام بيضون لوحات تحكي عن بيروت الغد (من المعرض)

تتنوع موضوعات بيضون التي يتناولها في لوحاته متحدثاً عن رؤيته لبيروت الغد؛ فبينها ما يحكي عن عمق جذور اللبناني بمدينته وتعلقه بها، وأخرى يطل فيها على الوقت وطول الانتظار وإشراقة شمس المستقبل، المترجمة بألوان تتدرج بين الأحمر والبرتقالي أفقاً لها. بعض لوحات وسام بيضون تعزز الثنائيات والشراكة، فنراها تجمع بين الرجل والمرأة ليس من باب الصورة المبسطة والعادية، بل ليدخل منها إلى التكاتف والمساندة. وفي لوحات أخرى يتوسع في هذا الترابط ليشمل مجموعات من الناس.
«أنا وأنت» و«المتاهة» و«زهرة إليك» و«وحيد في غرفة» و«النعم الثلاث»، هي بعض العناوين التي تحملها لوحات وسام بيضون المرسومة بتقنية الأكواريل. ويبوح الرسام اللبناني لابنته ضمن كتيب صغير صممته خصيصاً لمعرضه تحت عنوان «بيروت ولدت من جديد» عن أسرار تسكن فن الرسم عنده. ومما يرد فيه عن إطار الألوان والتقنية التي يستخدمها، هو أن الألوان المائية أكثر سحرية. «إنها الكيمياء بين الماء والمادة الملونة النقية وتعطي كثيراً من الاحتمالات لناظرها».
في إحدى لوحاته التي سماها «أنا لبناني» يبرز بيضون الخلطة التي تؤلف هذه العقدة عند اللبناني عامة. وبتقاسيم منمنمة تجمع أشكالاً مختلفة يعبر من خلالها بيضون عن ميزة هذه الخلطة، يدقق مشاهدها بأجزائها كي يكتشف أنها غنية.
«هذا هو اللبناني بنظري صاحب خلطة تخرج عن المألوف وتظهر جلية في بنيته الداخلية. ولو أنهم يتركوننا ننفذ هذه الخلطة على الأرض بكل تفاصيلها، لكنّا حققنا أضعاف الإبداعات التي نقوم بها اليوم».
لا ينسى بيضون التركيز على الجذور والمشاعر عند اللبناني أينما كان... هائماً في بلاد المهجر أو عالقاً في مدينة يحلم بتعافيها. فنرى الازدهار لبيروت الغد تترجمه المشاريع والأفكار بألوان زاهية. وفي المقابل تظهر لوحات أخرى مدى عمق الجذور وأهميتها للحفاظ على هوية لبنان.
ولكن كيف يتخيل وسام بيضون بيروت المستقبل بعد المسار الذي وضعه لها؟ يرد: «أتخيلها منظمة، فيها مساحات خضراء، وأهلها متراصين ومتحدين يبذلون جهداً للحفاظ على ميزاتها. هي رسالة موجهة للشباب أولاً، الذين سيرسمون مسار مستقبلها».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.