«أبو غابي»... صوتٌ يحتضن بلاد الشام وتراثها

ابن مخيّم اليرموك يدفئ تغريبته الباريسية بأنغام الشجن والحنين

الفنان الفلسطيني «أبو غابي»
الفنان الفلسطيني «أبو غابي»
TT

«أبو غابي»... صوتٌ يحتضن بلاد الشام وتراثها

الفنان الفلسطيني «أبو غابي»
الفنان الفلسطيني «أبو غابي»

«لا ما شي بيّن عالمدى لا بيت لا طرقات... ريحة سفر بالجوّ عبّق أغاني وشوق ونزل الدرب زخات». يصدح أبو غابي بصوته الضارب عميقاً في التراث الموسيقي لبلاد الشام. يكمل بحنجرته المتأرجحة بين القوّة والشجن: «بحب السفر وبخاف من الطرقات، يا ريت فينا نروح متل الشوق. يا ريت ما بدنا طريق... يا ريتنا كلمات».

مهما بحث أبو غابي عن البيت وطريق البيت، فهو لن يعثر عليها. من تغريبته الباريسية المستمرة منذ عام 2015، يغمض عينَيه كي يلمح المنزل الصغير؛ حيث نشأ داخل مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق. هناك وُلد تحت اسم نور، وهناك كانت كرة القدَم فرحتَه الوحيدة قبل أن يبدأ في الركض خلف كتب سارتر وفوكو وروايات غابرييل غارسيا ماركيز. ومن غابرييل أخذ كنيته «أبو غابي»، فالتصق به الاسم الجديد شخصياً وفنياً.
حتى عام 2013، دارت الحياة داخل سوريا. فلسطين كانت صورةً في البال وقضيةً في القلب، أما الشام فكانت المدينة والمسكن والمساحة الوحيدة. «رغم أنني لم أحصل على الجنسية السورية، فإن ولادتي في دمشق وعيشي هناك جعلاني أشعر بأنني مواطن سوري»، يخبر أبو غابي «الشرق الأوسط».
العابر بين أزقّة المخيّم الضيّقة، لا بد من أن الموسيقى الطالعة من البيت الذي نشأ فيه أبو غابي قد استوقفته. كانت الألحان بين جدرانه الأربعة كما الخبز اليوميّ. يصف الفنان الفلسطيني صوت والده بالجميل: «كان يعزف العود ويسمع عبد الوهاب ووديع الصافي، إضافة إلى المنشدين والمبتهلين الدينيين. هذا النوع من الأداء تَراكَم في ذاكرتي. وجدتُ نفسي منذ سنواتي الأولى أسمع سيّد درويش، والمشايخ والمنشدين أمثال طه الفشني، وحسن أديب، وعلي محمود، ومحمد عمران، وعمر البطش».
على الرغم من تلك الزوّادة الموسيقية التي تَحصّن بها أبو غابي، فإنه اختار التخصص في الإعلام والإضاءة السينمائية. لم يضع صوته تحت الضوء؛ بل أبقاه لنفسه وللمقرّبين. إلى أن حان موعد التخرّج في الجامعة عام 2006، يومها كان اللقاء مع شيخ من أذربيجان سمع صوته بالصدفة، فدعاه لمرافقته إلى حلب، ومن ثم إلى أورفة التركية. هناك أمضى أبو غابي 6 أشهر اختلى فيها بموهبته، وعاد بعدها إلى سوريا عاجزاً عن تجاوز الغناء. «أريد أن أغني كل الوقت»، هذا كان لسان حالِه. وهكذا حصل.
بعد اندلاع الحرب في سوريا، انتقل عام 2013 قسراً إلى بيروت؛ حيث أمضى سنتَين وسجّل أول ألبوماته «حجاز حرب». وتزامنَ ذلك مع تصويره فيلمه القصير «أنا أزرق» الذي فاز بجائزة سمير قصير عام 2015. يقول إنه لم يكمل في مجال السينما لأن الأمر يتطلّب صبراً للإنجاز ومالاً للإنتاج، أما هو فكان متلهفاً إلى صناعة موسيقاه ومشاركتها مع الناس بسرعة.

مضى 16 عاماً على ذلك اليوم الذي قرر فيه أبو غابي أن يجعل من صوته الطريق والبيت. سنواتٌ طويلة لم تخرج فيها من ذاكرته أصوات المشايخ التي سمعها في دار أهله في اليرموك. يقول إن «هؤلاء المشايخ صنعوا جزءاً كبيراً من التراث الغنائي العربي، وأنا متأثر كثيراً بهم وبهويتي العربية. أما وجودي في أوروبا فعزز تلك العلاقة ولم يلغِها. لا يهمني أن أعكس قدراتي الصوتية من خلال أغانيّ، بقدر ما أرغب في أن يكون صوتي مرآة لهويتي».
يصنّف الموسيقى التي يقدّمها في خانة الطرب المعاصر الذي يمزج بين التراث والحداثة والتجريب. يوضح في هذا الإطار: «أحب التجريب وأثور على الأغنية بتركيبتها التقليدية. لكن الآن في فرنسا صارت الموسيقى مهنتي، وأنا أبحث عن تشكيل هوية موسيقية خاصة، بعيداً عن التجريب».
وبانتظار صدور ألبومه الثاني «سجى بلدي» قبل نهاية العام، ينشغل أبو غابي بتثبيت هويته الفنية المنبثقة من التراث الغنائي في سوريا وفلسطين ولبنان، والمتطلّعة إلى الحداثة. عن تلك الهوية يقول: «بين أول ألبوم وما ألحّن وأكتب حالياً، تطوّرتُ باتجاه البحث أكثر في الهوية الموسيقية والثقافية لمنطقة بلاد الشام. شاهدت فيديوهات قديمة لأعراس تقليدية وتعمّقت في أغانيها وزغاريدها... لدينا تراث غني جداً لكنه ظُلم تاريخياً، وهو يستحق أن يضاء عليه أكثر». جعل أبو غابي من هذا الفولكلور قضيته، وقد ساعدته خامة صوته الفريدة، وسِعة صدره، والموروث الفني الذي نهلَ منه صغيراً، في تكريم التراث وإحيائه بشكلٍ لائق.
يُفرحه أن جمهوره متعدّد الأعمار، فحفلاته يحضرها الشباب من الجيل الصاعد الذين يحبون موسيقاه التجريبية الحديثة، ويقصدها كذلك الأشخاص الأكبر سناً؛ إذ يجدون فيها الطرب الذي يشتاقون. أما آخر تلك الحفلات فتنقلت بين برلين، وإيطاليا.


لكثرة تعلّقه بهويته العربية، وشمَ أبو غابي حرف الضاد على عنقه. أما الملابس التي يرتديها في الحفلات، فمطرّزة بخيوط سورية وفلسطينية. لا يريد الفنان الشاب أن ينقطع الحبل بينه وبين جذوره. تُتعبه تغريبته الباريسية لكنه يحاول التأقلم معها؛ لأنه يبحث عن مكان جديد ينتمي إليه. عندما تحدّثه عن الغربة، يردّ ببيتٍ لدرويش: «أنا من هناك أنا من هنا، ولست هناك ولست هنا». ثم يتابع: «علاقتي بالمكان معقّدة، ولا أعرف أين أنا أحياناً».
مع أنه لا يهجس بالانتشار والشهرة؛ لكن يحزّ في نفسه أن حفلاته كلها محصورة في أوروبا، وأنه غير قادر على الوقوف على مسرح عربي فوق أرضٍ عربية. يقول: «الحفلات محصورة بأوروبا لصعوبة دخولي إلى الدول العربية، على الرغم من الدعوات التي توجّه إليّ، وذلك بسبب عدم تمكّني من الحصول على تأشيرة لأني أحمل وثيقة سفر للّاجئين».
كلما أضاع البوصلة لجأ أبو غابي إلى الموسيقى التي تربطه كالحبل السري بالموطن البعيد. يحمل في صوته البلادَ بكل تناقضاتها، فتمتدّ حنجرته واسعةً بين صرخة الألم وهمسة الطمأنينة، وبين قسوة التغريبة ورقّة الحنين.


مقالات ذات صلة

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

يوميات الشرق بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

تقدمت كريستين باومغارتنر، الزوجة الثانية للممثل الأميركي كيفين كوستنر، بطلب للطلاق، بعد زواجٍ دامَ 18 عاماً وأثمر عن ثلاثة أطفال. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن الانفصال جاء بسبب «خلافات لا يمكن حلُّها»، حيث تسعى باومغارتنر للحضانة المشتركة على أطفالهما كايدين (15 عاماً)، وهايس (14 عاماً)، وغريس (12 عاماً). وكانت العلاقة بين كوستنر (68 عاماً)، وباومغارتنر (49 عاماً)، قد بدأت عام 2000، وتزوجا عام 2004.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

افتتح متحف المركبات الملكية بمصر معرضاً أثرياً مؤقتاً، اليوم (الأحد)، بعنوان «صاحب اللقبين فؤاد الأول»، وذلك لإحياء الذكرى 87 لوفاة الملك فؤاد الأول التي توافق 28 أبريل (نيسان). يضم المعرض نحو 30 قطعة أثرية، منها 3 وثائق أرشيفية، ونحو 20 صورة فوتوغرافية للملك، فضلاً عن فيلم وثائقي يتضمن لقطات «مهمة» من حياته. ويشير عنوان المعرض إلى حمل فؤاد الأول للقبين، هما «سلطان» و«ملك»؛ ففي عهده تحولت مصر من سلطنة إلى مملكة. ويقول أمين الكحكي، مدير عام متحف المركبات الملكية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض «يسلط الضوء على صفحات مهمة من التاريخ المصري، من خلال تناول مراحل مختلفة من حياة الملك فؤاد».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

قام فريق بحثي، بقيادة باحثين من المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية بكينيا، بوضع تسلسل كامل لجينوم حبة «فول اللبلاب» أو ما يعرف بـ«الفول المصري» أو «الفول الحيراتي»، المقاوم لتغيرات المناخ، بما يمكن أن يعزز الأمن الغذائي في المناطق المعرضة للجفاف، حسب العدد الأخير من دورية «نيتشر كومينيكيشن». ويمهد تسلسل «حبوب اللبلاب»، الطريق لزراعة المحاصيل على نطاق أوسع، ما «يجلب فوائد غذائية واقتصادية، فضلاً على التنوع الذي تشتد الحاجة إليه في نظام الغذاء العالمي».

حازم بدر (القاهرة)
يوميات الشرق «الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

«الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

في رد فعل على فيلم «الملكة كليوباترا»، الذي أنتجته منصة «نتفليكس» وأثار جدلاً كبيراً في مصر، أعلنت القناة «الوثائقية»، التابعة لـ«الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر»، اليوم (الأحد)، «بدء التحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن كليوباترا السابعة، آخر ملوك الأسرة البطلمية التي حكمت مصر في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر». وأفاد بيان صادر عن القناة بوجود «جلسات عمل منعقدة حالياً مع عدد من المتخصصين في التاريخ والآثار والأنثروبولوجيا، من أجل إخضاع البحوث المتعلقة بموضوع الفيلم وصورته، لأقصى درجات البحث والتدقيق». واعتبر متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذه الخطوة بمثابة «الرد الصحيح على محاولات تزييف التار

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

أكد خالد وشيرين دياب مؤلفا مسلسل «تحت الوصاية»، أن واقع معاناة الأرامل مع «المجلس الحسبي» في مصر: «أصعب» مما جاء بالمسلسل، وأن بطلة العمل الفنانة منى زكي كانت معهما منذ بداية الفكرة، و«قدمت أداء عبقرياً زاد من تأثير العمل». وأثار المسلسل الذي تعرض لأزمة «قانون الوصاية» في مصر، جدلاً واسعاً وصل إلى ساحة البرلمان، وسط مطالبات بتغيير بعض مواد القانون. وأعلنت شركة «ميديا هب» المنتجة للعمل، عبر حسابها على «إنستغرام»، أن «العمل تخطى 61.6 مليون مشاهدة عبر قناة (DMC) خلال شهر رمضان، كما حاز إشادات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وكانت شيرين دياب صاحبة الفكرة، وتحمس لها شقيقها الكاتب والمخرج خالد د

انتصار دردير (القاهرة)

«ملتقى طويق للنحت» يحتفي بتجارب الفنانين

الملتقى يتيح فرصة مشاهدة عملية النحت الحي والتمتُّع بتفاصيل الصناعة (واس)
الملتقى يتيح فرصة مشاهدة عملية النحت الحي والتمتُّع بتفاصيل الصناعة (واس)
TT

«ملتقى طويق للنحت» يحتفي بتجارب الفنانين

الملتقى يتيح فرصة مشاهدة عملية النحت الحي والتمتُّع بتفاصيل الصناعة (واس)
الملتقى يتيح فرصة مشاهدة عملية النحت الحي والتمتُّع بتفاصيل الصناعة (واس)

يحتفي «ملتقى طويق الدولي للنحت 2025» بتجارب الفنانين خلال نسخته السادسة التي تستضيفها الرياض في الفترة بين 15 يناير (كانون الثاني) الحالي و8 فبراير (شباط) المقبل، تحت شعار «من حينٍ لآخر... متعة الرحلة في صِعابها»، وذلك بمشاركة 30 فناناً من 23 دولة حول العالم.

ويُقدّم الملتقى فرصة مشاهدة عملية النحت الحي، حيث ينشئ الفنانون أعمالاً فنية عامة، ويُمكِن للزوار التواصل والتفاعل المباشر معهم، وتبادل الثقافات، واكتشاف الأساليب والأدوات المستخدمة في عملهم.

وسيصاحب فترة النحت الحي برنامج الشراكة المجتمعية، الذي يضم 11 جلسة حوارية، و10 ورش عمل مُثرية، و6 برامج تدريبية، إلى جانب الزيارات المدرسية، وجولات إرشادية ستُمكِّن المشاركين والزوار من استكشاف مجالات فن النحت، وتعزيز التبادل الفني والثقافي، واكتساب خبرة إبداعية من مختلف الثقافات من أنحاء العالم.

وتركز الجلسات على الدور المحوري للفن العام في تحسين المساحات الحضرية، بينما ستستعرض ورش العمل الممارسات الفنية المستدامة، مثل الأصباغ الطبيعية. في حين تتناول البرامج التدريبية تقنيات النحت المتقدمة، مثل تصميم المنحوتات المتحركة.

من جانبها، قالت سارة الرويتع، مديرة الملتقى، إن نسخة هذا العام شهدت إقبالاً كبيراً، حيث تلقّت ما يزيد على 750 طلب مشاركة من 80 دولة حول العالم، مبيّنة أن ذلك يعكس مكانة الحدث بوصفه منصة حيوية للإبداع النحتي والتبادل الثقافي.

وأعربت الرويتع عن طموحها لتعزيز تجربة الزوار عبر البرامج التفاعلية التي تشمل ورش العمل والجلسات الحوارية والجولات الفنية، مشيرة إلى أن الزوار سيتمكنون من مشاهدة المنحوتات النهائية في المعرض المصاحب خلال الفترة بين 12 و24 فبراير.

تعود نسخة هذا العام بمشاركة نخبة من أبرز النحاتين السعوديين، وتحت إشراف القيمين سيباستيان بيتانكور مونتويا، والدكتورة منال الحربي، حيث يحتفي الملتقى بتجربة الفنان من خلال تسليط الضوء على تفاصيل رحلته الإبداعية، بدءاً من لحظة ابتكاره للفكرة، ووصولاً إلى مرحلة تجسيدها في منحوتة.

وفي سياق ذلك، قال مونتويا: «نسعى في نسخة هذا العام من المُلتقى إلى دعوة الزوار للمشاركة في هذه الرحلة الإبداعية، والتمتُّع بتفاصيل صناعة المنحوتات الفنية».

ويعدّ الملتقى أحد مشاريع برنامج «الرياض آرت» التي تهدف إلى تحويل مدينة الرياض لمعرض فني مفتوح عبر دمج الفن العام ضمن المشهد الحضري للعاصمة، وإتاحة المجال للتعبير الفني، وتعزيز المشاركات الإبداعية، بما يتماشى مع مستهدفات «رؤية السعودية 2030».