كيف تأكد العلماء أن البشر تسببوا بالاحترار المناخي؟

خبراء يجيبون على أحد أهم أسئلة المناخ

البشر يتحملون المسؤولية الأكبر للاحترار العالمي (أرشيفية)
البشر يتحملون المسؤولية الأكبر للاحترار العالمي (أرشيفية)
TT

كيف تأكد العلماء أن البشر تسببوا بالاحترار المناخي؟

البشر يتحملون المسؤولية الأكبر للاحترار العالمي (أرشيفية)
البشر يتحملون المسؤولية الأكبر للاحترار العالمي (أرشيفية)

وسط الزخم الذي تحظى به قضية التغيرات المناخية، إذ يرى كثيرون أنه لم يعد مجال للشك بأن الأنشطة البشرية تتحمّل مسؤوليّتها، لا يزال هناك من يحاول تبرئة البشر من المسؤولية، تارة بادعاء أنها ناتجة عن التغير في النشاط الشمسي، وتارة أخرى بقول إن الانبعاثات الكربونية تأتي من مصادر أخرى غير النشاط البشري؛ مثل البراكين. فكيف أثبت العلماء مسؤولية النشاط البشري؟
لأكثر من 30 عاماً، عمل علماء الهيئة الحكومية الدولية، المعنية بتغير المناخ، التي تأسست عام ‎1988‏، لصياغة تقرير عن تغير المناخ وأسبابه، ومع كل تقرير والزيادات في درجات الحرارة العالمية، أصبح العلماء الذين يمثلون عدة أنحاء مختلفة من العالم، أكثر يقيناً من أن تغير المناخ سببُه الأنشطة البشرية. وقالوا، في أحدث نسخة من تقريرهم صدرت، الشهر الماضي: «من الواضح أن التأثير البشري أدى إلى تدفئة الغلاف الجوي والمحيطات والأرض».
وقال هؤلاء العلماء، بمن فيهم الراحل رالف سيسيرون، الرئيس السابق للأكاديمية الوطنية للعلماء بأميركا، إن ثقتهم في أن تغير المناخ مشكلة بشرية هي ما يعادل يقينهم في فهم أن السجائر مميتة. وجاء هذا اليقين للعلماء بعد أن قاموا باستبعاد أي شيء آخر يشتبه في أن يكون سبباً في تغيّر المناخ، كما أوضح تقريرٌ نشرته في 24 أكتوبر (تشرين الأول) وكالة «أسوشيتد برس».
والمشتبه الطبيعي الأول والأكثر شيوعاً بتغيّر المناخ هو الشمس. فهي ما يسخن الأرض بشكل عام، حيث توفر حوالي 1.361 واط لكل متر مربع من الحرارة، عاماً بعد الآخر، وهذا هو الأساس في التوازن الدقيق الذي يجعل الأرض صالحة للعيش. وكانت التغييرات في الطاقة القادمة من الشمس ضئيلة، حوالي عُشر واط لكل متر مربع، حسب حسابات الهيئة الحكومية الدولية، المعنية بتغير المناخ. لكن ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الوقود الأحفوري يحبس الآن الحرارة إلى مستوى 2.07 واط لكل متر مربع؛ أي أكثر من 20 مرة من التغيرات في الشمس، وفقاً لوكالة حماية البيئة الأميركية، وغاز الميثان؛ وهو غاز آخر قوي للاحتباس الحراري، يبلغ 0.5 واط لكل متر مربع.
وبينما تمر دورة الشمس التي تبلغ 11 عاماً بتقلبات منتظمة، ولكنها صغيرة، فلا يبدو أن هذا يغيّر درجة حرارة الأرض. وإذا كان هناك أي شيء فإن التغييرات الطفيفة جداً في متوسط الإشعاع الشمسي لمدة 11 عاماً كانت تتجه نحو الأسفل، وفقاً لحسابات وكالة «ناسا».
ومع استنتاج وكالة الفضاء فإنه «من غير المحتمل للغاية أن تكون الشمس قد تسببت في الاتجاه الملحوظ لارتفاع درجة الحرارة العالمية خلال القرن الماضي».
وخلص العلماء إلى أن المشتبه بهما الطبيعيين الآخرين، وهما البراكين والأشعة الكونية، كان لهما تأثير أقل على الاحترار المناخي خلال الـ150 عاماً الأخيرة. وتُظهر سجلات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي التي جرى قياسها على بركان هاواي بأميركا، ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، لكن السؤال المهم: ما هو نوع ثاني أكسيد الكربون؟
هناك 3 أنواع من المواد المحتوية على الكربون، يحتوي بعضها على كربون خفيف، أو «كربون 12»، وهو الكربون الطبيعي الموجود بالغلاف الجوي منذ زمن بعيد، ويحتوي بعضها على الكربون الثقيل أو «الكربون 13»، والبعض الآخر يحتوي على «الكربون 14». وعلى مدى القرن الماضي أو نحو ذلك، كان هناك قدر أكبر من «الكربون 12» في الغلاف الجوي، مقارنة بـ«الكربون 13»، وأقل من «الكربون 14» في العقود الأخيرة، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. و«الكربون 12» هو في الأساس كربون أحفوري منذ زمن بعيد، لذا فإن التغيير في نسبة «الكربون 12» إلى «الكربون 13» يخبر العلماء أن الكربون الموجود في الهواء ناتج عن حرق الوقود الأحفوري أكثر من الكربون الطبيعي، وفق غابي فيكي، عالِم المناخ في جامعة برينستون. ويضيف: «بناء على ذلك، كانت النتيجة التي خلص إليها العلماء أن ما يحدث ليست له علاقة لا بالشمس ولا بالبراكين، لكنه البصمة الواضحة للأنشطة البشرية متمثلة في حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي».


مقالات ذات صلة

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

بيئة الأمواج تتكسر على ساحل بلدة سانشا مع اقتراب الإعصار جايمي في نينغدي بمقاطعة فوجيان - الصين - 25 يوليو 2024 (رويترز)

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

قال علماء في بحث نُشر اليوم الجمعة إن تغير المناخ يُحدث تغييرات في أنماط هطول الأمطار حول العالم، وهو ما قد ينجم عنه أيضاً اشتداد قوة الأعاصير والعواصف المدارية

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
بيئة الميكروبات الموجودة داخل لحاء الأشجار أو في الخشب نفسه تزيل غاز الميثان وكذلك ثاني أكسيد الكربون (أ.ف.ب)

دراسة: لحاء الشجر يمكنه إزالة غاز الميثان من الغلاف الجوي

وجدت دراسة حديثة أن لحاء الأشجار يمكن أن يزيل غاز الميثان من الغلاف الجوي، مما يوفر فائدة إضافية في معالجة تغيُّر المناخ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا ملك بريطانيا تشارلز خلال لقاء مع حاكمة ولاية كوينزلاند جانيت يونغ وزوجها غرايم نيمو في ساندرينغهام إستيت في نورفولك - بريطانيا - 23 يوليو 2024 (رويترز)

العائلة المالكة البريطانية تتعهد بالحدّ من بصمتها الكربونية

أكّدت العائلة المالكة البريطانية أنها ستعتمد تقنيات تسهم في الحدّ من بصمتها الكربونية، وفق ما أعلن قصر باكنغهام، الأربعاء، في بيان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة العلماء نظروا إلى الدلفين بوصفه نموذجاً لبناء مركبات مائية سريعة وقادرة على المناورة (رويترز)

مروحة تحاكي «جلد الدلفين» تعمل على خفض انبعاثات سفن الشحن

تحمل مروحة جديدة ابتكرها معهد نينغبو لتكنولوجيا وهندسة المواد (NIMTE) مطلية بمادة تحاكي جلد الدلفين، وعداً بالحد بشكل كبير من استهلاك الوقود والانبعاثات.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق المُنقِذون أجمل البشر (مواقع التواصل)

تطبيق لتتبُّع تلوّث أنهر بريطانيا بعد «إحباط» حراسها

إذا لم يبدُ الماء مثل مياه طبيعية وفاحت منه رائحة كريهة، فهناك إذن مشكلة تستحق تسجيلها على التطبيق.

«الشرق الأوسط» (لندن)

جمهوريون يتساءلون عمّا إذا كان اختيار ترمب لفانس ملائماً

جيمس دي فانس نائب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في تجمع انتخابي بجامعة رادفورد في فرجينيا (أرشيفية - أ.ف.ب)
جيمس دي فانس نائب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في تجمع انتخابي بجامعة رادفورد في فرجينيا (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

جمهوريون يتساءلون عمّا إذا كان اختيار ترمب لفانس ملائماً

جيمس دي فانس نائب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في تجمع انتخابي بجامعة رادفورد في فرجينيا (أرشيفية - أ.ف.ب)
جيمس دي فانس نائب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في تجمع انتخابي بجامعة رادفورد في فرجينيا (أرشيفية - أ.ف.ب)

لم تمض سوى أيام، على اختيار السيناتور عن ولاية أوهايو، جيمس دي فانس، نائباً للمرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترمب، على بطاقة السباق الرئاسي، حتى بدأت الاعتراضات تتصاعد عن احتمال أن يكون هذا الاختيار خاطئاً؛ فقد أعرب العديد من أعضاء الحزب الجمهوري عن استيائهم منه، بعد انتشار مقاطع فيديو قديمة وثقت انتقاده من وصفهن بـ«نساء القطط»، في إشارة إلى نساء الحزب الديمقراطي. ونشرت العديد من الصحف الأميركية، بينها مجلة «بوليتيكو» وصحيفة «نيويورك تايمز»، تصريحات مسؤولين جمهوريين، ورسائل بريد إلكتروني ونصية، تشير إلى تحولاته السياسية من خصم قوي لترمب إلى نائب له، وتحولاته «الثقافية» بعد تأييده الحظر الذي فرضته ولاية أركنساس عام 2021 على الرعاية الصحية للمتحولين جنسياً.

نساء القطط

تقول مجلة «بوليتيكو»، إن فانس واجه أسبوعاً صعباً بعد انتشار تصريحات قديمة، يصف فيها نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، وديمقراطيات أخريات بأنهن «نساء قطط بلا أطفال»، ويقترح أن الآباء يجب أن «يتمتعوا بسلطة سياسية أكبر» ممن لا أطفال لهم.

دونالد ترمب خلال تجمع انتخابي في كارولاينا الشمالية (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأضافت المجلة أن جمهوريين أعلنوا عن إحباطهم وقلقهم من تلك التصريحات (الحديثة نسبياً)، من بينهم المعلق المحافظ بن شابيرو الذي تساءل عما إذا كان يجب على ترمب اختيار فانس، قائلاً: «إذا كانت هناك آلة زمن، وإذا عاد الوقت أسبوعين إلى الوراء، فهل كان ترمب سيختار جي دي فانس مرة أخرى؟ أشك في ذلك».

وتساءل جمهوريون آخرون عما إذا كانت حملة ترمب قد توقعت حقاً الموجة العارمة من التعليقات القديمة للسيناتور فانس، وعمّا إذا كان انسحاب الرئيس الديمقراطي جو بايدن من السباق، وحلول كامالا هاريس شبه المؤكد على بطاقة السباق، من شأنه أن يغير اختيار ترمب له؟

وقال الاستراتيجي الجمهوري من ولاية ويسكونسن، بيل مكوشين: «من بين الأشخاص الذين تم ذكرهم بوصفهم مرشحين محتملين لتولي منصب نائب ترمب، كان فانس أكبر مخاطرة، لأنه لم يتم اختباره على المستوى الوطني من قبل». وأضاف: «سنرى خلال الأيام الـ100 المقبلة كيف سيصمد تحت الأضواء الساطعة في الحملة الانتخابية».

دونالد ترمب خلال تجمع انتخابي في كارولاينا الشمالية (أرشيفية - أ.ب)

لا يوجد جمهوري يدعمه

قال أحد أعضاء مجلس النواب الجمهوريين إن هذه المخاوف لم تأت فقط من المنتقدين، متسائلاً: «اعثر لي على مسؤول منتخب علناً في مجلس الشيوخ يدعم جي دي فانس، غير السيناتور مايك لي».

وتأتي هذه التعليقات، فيما حملة هاريس تحطم أرقاماً قياسية في جمع التبرعات، وتقدمها في استطلاعات الرأي، مزيلة تفوق ترمب السابق. وفي ردها على تعليقات فانس، أصدرت حملة هاريس بياناً بعنوان «يوم سعيد للتلقيح الاصطناعي للجميع باستثناء جيه دي فانس».

ومنذ أن بدأت هاريس حملتها الانتخابية، بدأ الديمقراطيون في شن هجمات على فانس، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن هذه الهجمات بدأت تؤثر عليه. وقال محلل شبكة «سي إن إن»، هاري إنتن، إن فانس «حصل على نسبة تأييد (سالب 5 في المائة) في استطلاعات الرأي، وهو أقل من أي مرشح لمنصب نائب الرئيس في التاريخ».

وكانت شعبية فانس أقل بنحو 3 نقاط مئوية في استطلاعين للرأي أصدرتهما هذا الأسبوع صحيفة «نيويورك تايمز/كلية سيينا»، والإذاعة الوطنية «إن بي آر» مع «بي بي إس نيوز/ كلية ماريست»، حيث وجد الأخير أن 28 في المائة من الناخبين المسجلين لديهم وجهة نظر إيجابية لفانس، بينما نظر إليه 31 في المائة بشكل سلبي، و41 في المائة غير متأكدين أو لم يسمعوا عنه.

جيمس دي فانس نائب المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في تجمع انتخابي بجامعة رادفورد في فرجينيا (أرشيفية - أ.ف.ب)

المعركة تغيرت

يقول خبراء إن اختيار فانس جاء خلال مرحلة مختلفة تماماً من السباق الرئاسي، حين كانت المنافسة بين بايدن وترمب قبل أسبوع واحد فقط، كوسيلة لتنشيط قاعدة كانت بالفعل موحدة بقوة خلف ترمب بدلاً من استقطاب أي دوائر انتخابية جديدة.

وقال جوشوا نوفوتني، وهو استراتيجي جمهوري: «لم يكن فانس اختياراً سياسياً. لم يتم اختياره للحصول على أفضلية في بعض المجالات، بل تم اختياره كشخص يثق به ترمب، ويريد أن يخدم معه».

ورغم ذلك، يصر ترمب على أنه «لا يشعر بأي ندم» على اختياره لفانس. وقال لشبكة «فوكس نيوز»، الخميس، إنه لم يكن ليختار بشكل مختلف، حتى لو كان يعلم أن هاريس ستكون هي مرشحة الديمقراطيين.

ويخشى الجمهوريون من أن يؤدي التركيز على سجل فانس وتعليقاته اليمينية المتشددة، تجاه قضايا الإجهاض والمرأة والجندر والمتحولين جنسياً، إلى حرمانهم، ليس فقط من الفوز في انتخابات الرئاسة، بل خسارة سباقات مهمة في مجلسي الشيوخ والنواب أيضاً. وغني عن الذِّكْر أن المعارك الانتخابية تدور على الفوز فيما يسمى بالولايات المتأرجحة، وغالبيتها تضم ناخبين لا يحملون توجهات اجتماعية متشددة، وقد لا يكفي تحريضهم على قضايا الاقتصاد وأمن الحدود، للفوز بأصواتهم.