بهاء طاهر... رحيل عصر من الإبداع الإنساني العابر للثقافات

أعماله تنتمي إلى «الأدب الهامس» والرسالة غير المباشرة

بهاء طاهر... رحيل عصر من الإبداع الإنساني العابر للثقافات
TT

بهاء طاهر... رحيل عصر من الإبداع الإنساني العابر للثقافات

بهاء طاهر... رحيل عصر من الإبداع الإنساني العابر للثقافات

غيّب الموت مساء (الخميس)، الأديب المصري بهاء طاهر، عن عمر يناهز 87 عاماً، لتطوى صفحة مضيئة في الرواية العربية ساهم فيها الراحل ببصمات قوية عبر عدد كبير من روائع الأعمال، مثل «واحة الغروب» و«خالتي صفية والدير» و«الحب في المنفى» و«قالت ضحى». وبحسب نقاد، فإن السمة الأساسية في قصص وروايات بهاء طاهر، هي طابعها الإنساني، وتعبيرها عن مأزق إنسان العصر الحديث روحياً، حيث لا يجد ما يشبعه بعيداً عن الماديات. وجاءت تلك الرؤية متأثرة بحياة الكاتب في الغرب، حيث عمل في الفترة من 1981 حتى 1995 مترجماً بالأمم المتحدة في جنيف.
وبسبب تلك الرؤية الإنسانية، تم ترجمة أعمال الراحل طاهر إلى العديد من اللغات، مثل روايته «خالتي صفية والدير» التي تُرجمت إلى عشر لغات، كما تم تحويلها إلى مسلسل درامي بالاسم نفسه، وكذلك رواية «واحة الغروب» التي تم تحويلها إلى مسلسل يحمل أيضاً الاسم نفسه. ويؤكد النقاد أن أعمال بهاء طاهر تنتمي إلى ما يسمى بـ«الأدب الهامس»، حيث البعد عن الكتابة المباشرة الصارخة وتمرير الرسائل بنعومة وبشكل غير مباشر.
وقال الكاتب المصري إبراهيم عبد المجيد، إن بهاء طاهر «من المغامرين الكبار في تجديد شكل القصة، وليس مجرد شخص يحكي، فالقصة عنده ليست التقليدية بدايةً ووسطاً ونهاية، بل يمكن أن تبدأ من أي نقطة وتنتهي نهاية مفتوحة، وتكون لحظة الذروة خفية تدركها بعد أن تنتهي القصة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أنه «أسعده الحظ أن عرف طريق إذاعة (البرنامج الثاني)، حيث كان طاهر يخصص برنامجاً للشباب، فأرسل إليه قصة ثم مقالاً، فأذاعهما طاهر وعلّق عليهما».
وأضاف عبد المجيد: «التقينا في زياراتي للقاهرة قبل أن أستقر بها، فوجدته إنساناً بسيطاً يستمع إليك ولا يذكر أحداً بسوء، وأحياناً كنا نطلب زيارته لنا في (قصر ثقافة الحرية) في الإسكندرية، فيأتي يناقش قصصنا ونسهر سهرة جميلة في المقهى، وهكذا». وتابع: «عندما سافر بهاء طاهر إلى أوروبا، كنت أتابع ما ينشر، حتى التقينا عام 1994 في باريس في معرض الكتاب بدعوة من معهد العالم العربي، وكنا فيها نحو عشرة من الكتّاب، كان سعيداً بما أكتب، وبعد أن عاد كانت لي زيارة تقريباً كل أسبوع إلى حي الزمالك حيث يقطن».
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي آراء ومواقف للكاتب الراحل حول الموت، وردت على لسان شخصياته الروائية، منها تلك الأمنية الحالمة التي جاءت على لسان إحدى الشخصيات في روايته «شرق النخيل»، حيث تقول: «ماذا لو أنَّا نموت معاً، لو أن الناس كالزرع ينبتون معاً ويحصدون معاً، فلا يحزن أحد على أحد، ولا يبكي أحد على من يحب». واستدعى آخرون المشهد الختامي في روايته «نقطة النور» التي ورد فيها حوار يتضمن إشارة إلى الأرواح في العالم الآخر، وكيف أنها «جميلة وطيبة بسبب شيء واحد لا غير، هو الحب».
ويشير الناقد والباحث إيهاب الملاح، الذي أعد رسالته للماجستير حول أعمال بهاء طاهر، كما اقترب منه على المستوى الإنساني، إلى أن «الراحل يأتي على قمة الجيل الأشهر في الأدب العربي، وهو جيل الستينات»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن الرجل «اتسم بالتأني والتمهل وعدم غزارة الإنتاج، أو التسرع في النشر، فلم يزد إجمالي إنتاجه على ست روايات وعدد محدود من المجموعات القصصية رغم عمره المديد، لكن العذوبة والجمال والدهشة في هذه الأعمال جعلتها في الصدارة دائماً».
ويضيف الملاح: «عاش بهاء طاهر نموذجاً للمثقف المحتمي بنعمة الاستغناء والنبل الإنساني والتصالح مع الذات والعالم، ورغم طبيعته المسالمة ونفوره التام من العراك والصخب والضجيج، فإنه كان قوياً وصلباً وحاسماً ولا يقبل أنصاف الحلول في هموم وطنه ومصالحه والدفاع عنه، فضلاً عن قناعاته الإنسانية والفكرية».
وحظي طاهر بثناء مشاهير الأدباء، مثل يوسف إدريس الذي وصفه بأنه «كاتب لا يستعير أصابع غيره»، في إشارة إلى تميز أسلوبه وتفرده بحيث لا يتشابه مع أساليب أدباء آخرين.


مقالات ذات صلة

تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

يوميات الشرق تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

أضافت وزارة الثقافة السعودية خدمات جديدة إلى «منصة الابتعاث الثقافي» بميزات متعددة تهدف من خلالها إلى تعزيز العدالة في ترشيح المبتعثين. وتحتوي المنصة على التفاصيل والمعلومات التي يحتاجها المهتمون بالابتعاث الثقافي، ومحتوى توعوي عنه، فضلاً عن تمكينهم من التقديم على برامجه، ومتابعة طلباتهم، وإنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بذلك. وتعد المنصة بمثابة رحلة متكاملة تبدأ من خلال الدخول على صفحة برامج الابتعاث ليظهر مساران للتقدم، وهما: الدارسون على حسابهم الخاص، والحاصلون على قبول مسبق، ومن ثم الانطلاق في التقديم بإنشاء الملف الشخصي الموثق بالتكامل مع أنظمة وخدمات مختلف الجهات الحكومية، ومن ثم تعبئة الب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مسنّون «يروّجون» لشيخوخة سعيدة

مسنّون «يروّجون» لشيخوخة سعيدة

ينشر مسنّون على إحدى المنصات الاجتماعية فيديوهات مضحكة لأنفسهم مزيلين الأفكار السابقة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وفي سن التاسعة والثمانين، تعيش دولوريس التي تستخدم اسم «دولي برودواي» على «تيك توك» «أفضل أيام حياتها»، وتشارك مقاطع فيديو طريفة لمتابعيها البالغ عددهم 2.4 مليون متابع. لا شيء يوقف هذه «السيدة الكبيرة» اللبقة التي تظهر تارة وهي ترقص على أغاني فرقة «أبا». وقال سيرج غيران عالم الاجتماع والمتخصص في الشيخوخة: «لم تعد للسن اليوم علاقة بما كانت عليه في السابق»، ومع سقوط الصور النمطية «لم يعد المسنون أشخاصاً يحتاجون حصراً إلى الأدوية والهدوء، بل يمكنهم أيضاً أن يكونوا في أفضل أحوالهم!»،

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تنامي «المعتقدات الشاذة» يثير المخاوف في كينيا

تنامي «المعتقدات الشاذة» يثير المخاوف في كينيا

حالة من الذعر تعيشها كينيا مع توالي العثور على رفات في مقابر جماعية لضحايا على صلة بجماعة دينية تدعو إلى «الصوم من أجل لقاء المسيح»، الأمر الذي جدد تحذيرات من تنامي الجماعات السرية، التي تتبع «أفكاراً دينية شاذة»، خلال السنوات الأخيرة في البلاد. وتُجري الشرطة الكينية منذ أيام عمليات تمشيط في غابة «شاكاهولا» القريبة من بلدة «ماليندي» الساحلية، بعد تلقيها معلومات عن جماعة دينية تدعى «غود نيوز إنترناشونال»، يرأسها بول ماكينزي نثينغي، الذي قال إن «الموت جوعاً يرسل الأتباع إلى الله».

يوميات الشرق كم يُنفق اليابانيون لتزيين سياراتهم بالرسوم المتحركة؟

كم يُنفق اليابانيون لتزيين سياراتهم بالرسوم المتحركة؟

ينفق مجموعة من اليابانيين آلاف الدولارات على تزيين مركباتهم بشخصيات الرسوم المتحركة والشرائط المصوّرة وألعاب الفيديو المفضلة لديهم، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتُطلَق على هذه السيارات أو الدراجات النارية أو المقطورات تسمية «إيتاشا»، وهي كلمة مركبة تُترجم إلى «السيارة المُحرِجة» وتعكس السمعة السيئة التي كانت تحظى بها هذه الموضة لدى ولادتها في الأرخبيل الياباني في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إلا أنّ العقليات تغيرت مذّاك، وباتت شخصيات الرسوم المتحركة والشرائط المصوّرة وألعاب الفيديو تُعد «ثقافة ثانوية» تحظى باعتراف أكبر في المجتمع الياباني. ولتزيين سيارته الفاخرة من نوع «جاغوار إكس جاي

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
يوميات الشرق في اليوم العالمي للتراث... 6 معالم لبنانية بمتناول الجميع مجاناً

في اليوم العالمي للتراث... 6 معالم لبنانية بمتناول الجميع مجاناً

في 18 أبريل (نيسان) من كل عام، يحتفل العالم بـ«اليوم العالمي للتراث»، وهو يوم حدده المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية (ICOMOS) للاحتفاء به. ويتم برعاية منظمة «اليونيسكو» ومنظمة «التراث العالمي لحماية التراث الإنساني». ويأتي لبنان من ضمن الدول التي تحتفل به. ويعوّل سنوياً وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى على هذه المناسبة، فيفتح أبواب بعض المعالم مجاناً أمام الزائرين لمدة أسبوع كامل. في رأيه أن مهمته تكمن في توعية اللبناني بموروثه الثقافي، فيشجعه على الخروج من حالة الإحباط التي يعيشها من ناحية، وللتعرف على هذه المواقع عن قرب، من ناحية ثانية.


تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».