الفنان الهندوسي شوهان يخط الأحرف العربية بحرفية عالية

يذهب إليه المسلمون لطلاء مساجد المدينة بالآيات القرآنية

في مرسمه الخاص والذي خُصص إليه من قبل إدارة المسجد في حيدر آباد  -  من أعمال الفنان ({الشرق الأوسط})
في مرسمه الخاص والذي خُصص إليه من قبل إدارة المسجد في حيدر آباد - من أعمال الفنان ({الشرق الأوسط})
TT

الفنان الهندوسي شوهان يخط الأحرف العربية بحرفية عالية

في مرسمه الخاص والذي خُصص إليه من قبل إدارة المسجد في حيدر آباد  -  من أعمال الفنان ({الشرق الأوسط})
في مرسمه الخاص والذي خُصص إليه من قبل إدارة المسجد في حيدر آباد - من أعمال الفنان ({الشرق الأوسط})

الفن لا دين له والدين لا يمكنه تقييد الفن، يقول إنيل كومار شوهان، الهندوسي الديانة، الذي يمتع بمكانة عالية في أوساط المسلمين في حيدر آباد والمدن المجاورة لقاء فنون الخط الإسلامي المثالية التي ينفذها. شوهان رجل مشغول للغاية خلال شهر رمضان الفضيل حيث يذهب إليه الجميع لطلاء مساجد المدينة من جديد بالآيات القرآنية.
وفي مرسمه، ينشغل الفنان بقفزات قلمه الخفيفة السريعة الرائعة، حيث يكتب الآية 36 من سورة يس على نسيج من الورق، وقلبه غارق تماما في فنه وإبداعه. وتقول الآية الكريمة (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ»، كما كتبها باللغة العربية، مفسرا معناها بغزارة إلى مراسل «الشرق الأوسط».
وفي وسط كل ذلك، يتردد عليه الزوار بطلباتهم لكتابة الآيات القرآنية لمنازلهم ومؤسساتهم التجارية، كما أنه يتلقى طلبات العمل أحيانا عبر الهاتف، تلك التي يتابعها شقيقه الأصغر، والذي يعمل مساعدا له.
الفنان شوهان في أواخر الأربعينات من عمره، وقد نفذ الرسومات القرآنية لما لا يقل عن 150 مسجدا خلال الـ20 عاما الماضية.
والفن، كما يقول، موهبة ذاتية التدريس. «لقد نشأت في حيدر آباد القديمة، حيث غالبية السكان من المسلمين، واعتدت على المشي في شوارعها والتحديق في اللافتات خارج المتاجر. كما كنت أتابع بنظري الكتابات على جدران المساجد. لقد كانت تبدو رائعة للغاية بالنسبة لي! كانت تحدوني الرغبة في تعلم ذلك الفن الرائع».
ويتابع شوهان قائلا «ولكن لم يكن من السهل تعلم فن الخطوط، والذي يعتبره الجميع كأحد الفنون الخاصة بالمسلمين فقط. ولم تكن هناك مدرسة حكومية لتدريس ذلك الفن أيضا». غير أن بحثه الحثيث عن أحد المعلمين جاء في النهاية بنتيجة ما. ذات يوم، سمعت عن أحد الخطاطين الكبار الذي يعرفه الجميع باسم «الخاجة الخطاط». فذهبت إليه وطلبت منه أن يعلمني فن الكتابة والخطوط، ولقد وافق. ولقد التقطت الفن ومهاراته بالكثير من التدريب والممارسة. والآن، صار شهوان ضليعا في الكتابات القرآنية باللغتين الأوردية والعربية، كما أنه تطور لديه أسلوبه الخاص بفن الكتابة والخطوط. وعلى الرغم من معرفته بالخط الكوفي لفن الكتابة، والمستخدم على نطاق واسع في المملكة العربية السعودية، فإنه يقول إن في ذلك الجانب من العالم ينتشر أسلوب الكتابة بخط النسخ والثلث أكثر من الخط الكوفي.
ومن خلال حديثه مع مراسل «الشرق الأوسط»، يقول الخطاط شوهان، الذي ينال قدرا كبيرا من الاحترام والتقدير لدى الأئمة والعلماء المسلمين في حيدر آباد، على الرغم من بعض الشكوك الأولى التي دارت حوله حيال كتابة الآيات القرآنية في المساجد «يعتبرني الناس رمزا كبيرا للانسجام الطائفي ما بين الهندوس والمسلمين. ورغم ذلك، فإنني هندوسي ملتزم، وعبر السنوات، تعلمت الكثير عن مختلف جوانب الدين الإسلامي ووجدت أنه دين المساواة والسلام».
تضم ولاية حيدر آباد الهندية الجنوبية 7 ملايين نسمة، وتبلغ نسبة المسلمين منهم نحو 40 في المائة. ولقد ظلت الولاية منذ القرن السادس عشر تحت حكم المسلمين، والذين استخدموا عددا كبيرا من الجنود العرب في جيوشهم، ولقد صار الكثير منهم الآن مواطنين هنودا. وعقب تقسيم الهند الموحدة فيما سبق، برزت فكرة الاتحاد الهندي.
إن قصة تبني الخطاط شوهان لفنون الخط الإسلامي تعد قصة مثالية. الجامعة النظامية، وهي واحدة من أقدم المعاهد الدينية الإسلامية في شبه القارة الهندية وتاريخها البالغ 143 سنة، قد أصدرت ولأول مرة مرسوما يسمح للسيد إنيل، وهو من غير المسلمين، بكتابة ورسم آيات من القرآن في المساجد وغيرها من المزارات الإسلامية الأخرى.
ويوضح سيد أحمد علي، سكرتير الجامعة النظامية ذلك المرسوم فيقول «حينما احتفلت الجامعة النظامية بمرور 125 سنة على إنشائها، خرج شوهان بلوحة فنية تضم كامل آيات سورة يس. ولقد أصيب الجميع بالدهشة بتلك التحفة الفنية المذهلة، ولقد أدركنا أن إنيل شوهان، لم يكن خطاطا جيدا فحسب، ولكنه يحمل أيضا عظيم الاحترام والتبجيل لدين الإسلام وللثقافة الإسلامية».
ولقد أعلن شوهان بمنتهى الفخر أن واحدا من أفضل أعماله كان «سورة يس»، إحدى سور القرآن الكريم، والتي تزين حاليا صدر القاعة الرئيسية للجامعة النظامية في ولاية حيدر آباد.
ويقول شوهان عن ذلك «منحتني الجامعة النظامية خطاب شكر وتقدير ذلك الذي يسمح لي بدخول المساجد وكتابة الآيات. لقد أفخر وأعظم لحظات حياتي قاطبة».
وفي مرسمه الخاص، والذي خُصص إليه من قبل إدارة المسجد المحلية – وهو عبارة عن غرفة صغيرة متواضعة تقع في الجزء العلوي من المسجد، توجد هناك مجموعة من شهادات الشكر والتقدير، والتي يعرضها شوهان وكأنها كئوس نصر غالية وثمينة وكأنها لاعب أوليمبي فائز وفخور. ولا يعد شوهان بارعا في فنون كتابة الآيات القرآنية فحسب، بل إنه يردد الكلمات أيضا. حيث يزور ضريح بغدال مرة كل شهر ليشدو بشعر في مدح الله. ويقول عن ذلك إنه «لشعور رائع أن أردد تلك الأبيات، ويا له من إحساس روحاني عجيب».
ولقد عمل على تسجيل تلاواته لمشاهير الشعراء من حيدر آباد ومن بينهم رئيس وزراء الولاية السابق السيد ناظم كيشن بيرشاد. والأسطوانة المدمجة التي تحمل صوته تحظى بشعبية كبيرة وسط المسلمين هناك كما أنها تُباع مثل الكعك الساخن في أيام شهر رمضان. ولا يرسم شوهان باللغتين الأوردية والعربية فقط، بل إنه يرسم آيات القرآن باللغة الهندية كذلك، حتى إن رسالة الإسلام كدين سلام وأمان يمكن أن تصل إلى غير المسلمين أيضا.
وفي مسجد شيلابورا الموجود في نفس المنطقة، والذي يغشاه الكثير من غير المسلمين الذين لا يستطيعون قراءة الآيات والأحاديث باللغة العربية، فإن إدارة المسجد قررت كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة باللغة الهندية، حتى يتسنى وصول رسالة الإسلام إلى غير المسلمين، ولقد ساعد إنيل في تلك المهمة بمنتهى البراعة والامتياز. ولقد عرض إنيل أعماله الفنية في الكثير من معارض الفن والخط الإسلامي المختلفة، كما أنه فاز بجوائز كثيرة لقاء تصميمات لا تعد ولا تحصى تلك التي تنقل رسالة كلمات «القرآن» في نماذج وتصاميم سهلة وجميلة وآسرة.
ولما سئل، هل شعر بالغربة أو العزلة داخل مجتمع مهنته، أجاب شوهان، كلا، بل إنهم يعتبرونني جسرا يصل ما بين مجتمعين وثقافتين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».