توقعات بقرب إعلان حكومة مدنية في السودان

بعد استئناف العملية السياسية بين المدنيين والعسكريين

جانب من احتجاجات الخرطوم أمس المطالبة بالحكم بالمدني (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات الخرطوم أمس المطالبة بالحكم بالمدني (أ.ف.ب)
TT

توقعات بقرب إعلان حكومة مدنية في السودان

جانب من احتجاجات الخرطوم أمس المطالبة بالحكم بالمدني (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات الخرطوم أمس المطالبة بالحكم بالمدني (أ.ف.ب)

استجابةً لضغوط إقليمية ودولية وارتفاع حِدة الاحتجاجات وازدياد وتيرتها، ينتظر أن تصل المشاورات بين المدنيين والعسكريين في السودان إلى تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية، وعودة العسكريين للثكنات، كما ينتظر أن يعلن، في وقت قريب، عن شكل الاتفاق النهائي بين الطرفين.
قالت مصادر متطابقة، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن المشاورات اقتربت من التوصل إلى اتفاق على تكوين حكومة من «تكنوقراط وطنيين» يترأسها رئيس وزراء مدني، بالإضافة إلى رئيس مجلس سيادة مدني، فيما يذهب كل من قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان إلى منصب القائد العام للجيش، وقائد قوات «الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو إلى منصب قائد «الدعم السريع»، وتكوين مجلس أعلى للقوات المسلحة يترأسه رئيس الوزراء المدني.
وأوضحت المصادر أن اكتمال الاتفاق أصبح وشيكاً، وتوقعت أن تنتهي العملية السياسية بين تحالف المعارضة «الحرية والتغيير» والعسكريين في غضون الأيام القليلة المقبلة، وإنهاء حكم الجيش للبلاد؛ الذي استمر لمدة عام منذ أن أطاح الجيش بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المدنية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. ولم تفصح المصادر عن الأسماء المرشّحة لتولّي المناصب القيادية في الحكومة المزمعة، بيْد أنها رجّحت أن تتشكل من تكنوقراط وطنيين.
ويرفض تحالف معارِض آخر، يقوده الحزب الشيوعي، ويطلَق عليه «تحالف قوى التغيير الجذري»، بالإضافة إلى مجموعات مؤثّرة من لجان المقاومة، أية تسوية مع العسكريين، ويتمسكون بشعارات المحتجّين التي أُطلقت منذ تولى الجيش السلطة، والممثلة في «لا تفاوض ولا اعتراف ولا شراكة مع العسكريين».
وتعثرت المفاوضات بين العسكريين وتحالف المعارضة لفترة، قبل أن تُستأنف مجدداً في الأيام الأخيرة، وذكرت المصادر للصحيفة أن نقاطاً قليلة متبقية سيجري الاتفاق عليها قبل توقيع التسوية المرتقبة. وأضافت: «سيجري التوصل إلى اتفاق يستجيب لمطالب الشارع السياسي والمحتجين». في غضون ذلك، لم تتوقف الاحتجاجات المناوئة لقرارات قائد الجيش، التي انطلقت قبيل تلاوة بيانه صبيحة 25 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، وواجهتها السلطات العسكرية بعنف مفرط أدى إلى مقتل العشرات من المحتجّين وإصابة الآلاف بجراح بعضها خطيرة، واعتقال المئات.
ولم يتمكن قائد الجيش الفريق البرهان من الوفاء بتعهداته التي قطعها، في بيانه الأول الذي وصف فيه خطوته بتسلم السلطة بأنها «تصحيح لمسار الثورة»، وتتمثل في تكوين حكومة مدنية، وإكمال مؤسسات الانتقال.
كما لم تفلح تلك الإجراءات في وقف التدهور الاقتصادي المريع الذي تعيشه البلاد، فضلاً عن اتساع دائرة الاضطراب الأمني في أنحاء البلاد كافة، ومنذ ذلك الوقت تعيش البلاد حالة فراغ دستوري كبير استمر لنحو عام، ظل يديرها خلاله وزراء مكلَّفون ودون رئيس وزراء.
وبدأت المفاوضات بين المدنيين والعسكريين بتسهيل من «الآلية الثلاثية» المكونة من الأمم المتحدة «يونتامس»، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا «إيقاد»، بيْد أنها تعثرت إثر إعلان البرهان خروج العسكريين من العملية السياسية في 4 يوليو (تموز) الماضي، والطلب من المدنيين التوافق على حكومة مدنية، وهو ما اعتبرته المعارضة «حيلة» للبقاء في السلطة بالرهان على استحالة اتفاق جميع الفِرق السودانية.
كما تقود كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وساطة دولية وإقليمية أفلحت في جمع العسكريين والمدنيين في منزل السفير السعودي بالخرطوم في يونيو (حزيران) الماضي، ثم انضمت إليهما في وقت لاحق كل من بريطانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة لتشكل ما يُعرَف الآن بـ«الرباعية الدولية». وكان من المقرر تقديم مساعدات اقتصادية دولية كبيرة للسودان، بما في ذلك إعفاء ديونه البالغة نحو 60 مليار دولار، وعودة السودان إلى المجتمع الدولي، لكن تلك القرارات توقفت بسبب تولي الجيش السلطة في أكتوبر الماضي، وهو الإجراء الذي اعتبرته الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي «انقلاباً عسكرياً»، وعليه جمّد الاتحاد الأفريقي عضوية السودان، وجمّدت المؤسسات المالية الدولية مِنحها للسودان.
وتشترط الصناديق المالية؛ مثل البنك الدولي، ومجموعة نادي باريس، على وجه الخصوص، لاستئناف التعامل مع السودان، استعادة المسار الانتقالي وتكوين حكومة مدنية «ذات مصداقية»، وهو ما جرى إبلاغ المسؤولين الحاليين به بوضوح، في الوقت الذي تتوالى فيه الانهيارات الاقتصادية والأمنية في البلاد، وتشكل ضغطاً كبيراً على القيادة العسكرية.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

تخفيف سجن معارضة تونسية بعد تردي صحتها

عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)
عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)
TT

تخفيف سجن معارضة تونسية بعد تردي صحتها

عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)
عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)

قضت محكمة تونسية، مساء أمس (الجمعة)، بتخفيف حكم قضائي استئنافي في حق المعارضة عبير موسي، رئيسة «الحزب الدستوري الحر»، من السجن سنتين إلى سنة و4 أشهر في قضية تتعلق بانتقادها لهيئة الانتخابات، بحسب ما أكد محاميها نافع العريبي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». ومطلع أغسطس (آب) الماضي، أصدرت محكمة ابتدائية حكماً بالسجن لمدّة عامين بحقّ موسي لانتقادها أداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مطلع عام 2023.

وأصدرت المحكمة حُكمها بموجب «المرسوم 54»، الذي أصدره الرئيس قيس سعيّد عام 2022 لمكافحة «الأخبار الكاذبة»، والذي يواجه انتقادات شديدة من المعارضة ونقابة الصحافيين. وأوقفت موسي، النائبة السابقة البالغة 49 عاماً، في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أمام القصر الرئاسي في قرطاج. وأعلنت بعد ذلك ترشحها للانتخابات الرئاسية، لكن هيئة الانتخابات رفضت ملفها لعدم استكمال الوثائق وجمع تواقيع التزكيات اللازمة. وتواجه موسي تهماً خطيرة في قضايا أخرى، من بينها «الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة».

وجاء هذا القرار، بعد أن قال علي البجاوي، المحامي ورئيس هيئة الدفاع عن رئيسة «الحزب الدستوري الحر»، لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن وضعها الصحي في السجن «متدهور ولا يبشر بخير»، وذلك بعد أن قام بزيارتها في السجن الخميس، مشيراً إلى أنها «تعاني من ضعف وحالة إنهاك شديد».

مظاهرة نظمها مؤيدون لعبير موسي ضد المرسوم 54 الذي أصدره الرئيس سعيد (أ.ف.ب)

وتابع البجاوي موضحاً: «وزنها يتراجع بسبب النقص في التغذية، كما تعاني من أوجاع في الكتف والرقبة»، مبرزاً أن رئيسة «الحزب الدستوري الحر» أجرت تحاليل وخضعت لكشوفات طبية لم يتم الاطلاع على نتائجها بعد. وتواجه موسي، وهي من بين المعارضين الرئيسيين للرئيس الحالي قيس سعيد، تهمة «الاعتداء القصد منه تبديل هيئة الدولة»، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.

وتعود هذه التهمة إلى قضية «مكتب الضبط» للقصر الرئاسي، حين توجهت موسى إليه لإيداع تظلم ضد مراسيم أصدرها الرئيس قيس سعيد، وأصرت على إيداعه لدى المكتب، قبل أن يتم إيقافها من قبل الأمن وإيداعها لاحقاً السجن.

وعلى أثر ذلك، تقدمت هيئة الدفاع بطعن ضد قرار قضاة التحقيق. وقال المحامي البجاوي إنه «لا توجد جريمة، ورئيسة الحزب قدمت تظلمها وفق الإجراءات القانونية». وعلاوة على ذلك، تلاحق موسي أيضاً في قضايا أخرى، من بينها قضية قامت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتحريكها ضدها بتهمة نشر «معلومات مضللة» عن الانتخابات التشريعية لعام 2022، بعد إطاحة الرئيس سعيد بالنظام السياسي السابق في 2021، وصدر حكم ضدها بالسجن لسنتين في هذه القضية، لكن هيئة الدفاع تقدمت بطعن ضده.

راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة (إ.ب.أ)

وخلف القضبان تقبع شخصيات معارضة أخرى، مثل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وعصام الشابي وغازي الشواشي، المتهمين بالتآمر على أمن الدولة، واللذين سبقا أن أعلنا نيتهما الترشح للرئاسة قبل أن يتراجعا عن ذلك. وتنتقد المعارضة ومدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات دولية وتونسية الرئيس التونسي، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في أكتوبر الماضي بأكثر من 90 في المائة من الأصوات، وتتهمه بـ«التضييق على الحريات».