ألفرد طرزي يحيي ذاكرة عائلته «أباً عن جد» في «نشيد الحب»

هدفه إنشاء متحف للفنون الحرفية في لبنان

ألفرد طرزي يقف أمام التجهيز الفني على درج المتحف الوطني
ألفرد طرزي يقف أمام التجهيز الفني على درج المتحف الوطني
TT

ألفرد طرزي يحيي ذاكرة عائلته «أباً عن جد» في «نشيد الحب»

ألفرد طرزي يقف أمام التجهيز الفني على درج المتحف الوطني
ألفرد طرزي يقف أمام التجهيز الفني على درج المتحف الوطني

انتصب أمام المتحف الوطني في بيروت، وليوم واحد فقط، تجهيز فني مصنوع من الخشب المزخرف. وهو يمثل مجسماً، سبق أن صممه الجدّ الأكبر لألفرد طرزي في عهد المتصرفية. وهو يعود إلى قصر الصنوبر في حقبة افتتاحه الأولى في عام 1914. وباب مدخله الرئيسي منقوش بدقة وحرفية، ومداخله الثمانية الأخرى التي هي أصغر حجماً، تطبع ناظرها. فقد جرى وضع هذا التصميم كي يكون عبارة عن كازينو في باحة القصر، حيث أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير.
هذا التجهيز شكّل نقطة الانطلاق لمسار قصير يقودك إلى معرض «نشيد الحب». وقد أراد ألفرد طرزي هذا المعرض، ذاكرة لأعمال حرفية اشتهر بها أجداده ووالده.
لماذا سُمي المعرض بـ«نشيد الحب»؟ لأنه يبرز مدى الحب والشغف للعمل الحرفي واليدوي، كما يقول صاحب الفكرة ألفرد طرزي. فهو من خلاله ينقل إرثاً عائلياً وصل إليه من مشغل طرزي الشهير للحرف الشرقية، وكان من رواد هذه الصنعة في لبنان وسوريا.
وفي أحد أزقة منطقة سيّار الدرك في الأشرفية، يطالعك المعرض الذي يقام في هنغار قديم. ويضم متعلّقات نادرة تختلف في موادها ما بين الخشب والنحاس والزجاج، وتتدرج في تواريخها لتعود إلى القرن الثامن عشر. فقد رغب طرزي من خلاله في تسليط الضوء عليها وإبراز قيمتها الحرفية المهددة بالزوال.
المعرض هو جزء من برنامج الفن والأراضي التي تنفّذه السفارة الفرنسية، والفروع الإقليمية للمعهد الفرنسي في لبنان. وقد أُنجز بالشراكة مع مؤسسة «أمم للتوثيق والأبحاث»، والمديرية العامة للآثار.
وعن هدف إقامة هذا المعرض، يحدثنا الفنان التشكيلي ألفرد طرزي: «إننا اليوم نحاول ابتكار متحف للفنون الحرفية. وهذا إرث عائلي أردت مشاركته مع اللبنانيين ضمن هذا المعرض. والتجهيز الفني الذي يقف على درج المتحف الوطني هو كناية عن مبنى جرى تصميمه ليكون بمثابة كازينو. وبعد عهد المتصرفية انتقل إلى الفرنسيين، وجدّي الأكبر هو من قام بتصميم الخشبيات لهذا المبنى. ومن مجسم يبلغ طوله متراً وعرضه متراً، قدّم يومها للزبون الذي طلب هذا التصميم. أعدت بناء وإكمال المبنى مع فريق عمل كبير، آخذين بعين الاعتبار القياسات الهندسية التي حددت له». وعن سبب إقامة التجهيز وعرضه على درج المتحف، يوضح طرزي في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «رغبنا في الإشارة من خلال هذا الموقع إلى ضرورة تخصيص متحف للأعمال الحرفية. فهناك أغراض وتصاميم ورثتها عن أجدادي يعود عمرها إلى 300 سنة، وتتألف من حرفيات مصنوعة من الخشب والنحاس لا وجود لها في أي متحف في لبنان».
انطلاقة معرض «نشيد الحب» جاءت من هذا التجهيز، حيث تمركزت داخله فرقة موسيقية تتألف من شربل الهبر وساري موسى وفادي طبال وسيرج يارد. وضمن حفل موسيقي أقيم بالمناسبة، جرى عزف قطعة موسيقية بعنوان «الملك ميداس». ويوضح طرزي: «هذا الملك الأسطورة كان أي شيء يلمسه يتحول إلى مادة الذهب، ولكننا أردناه هنا نموذجاً مغايراً عن الحاكم المعاصر الذي يحول كل ما يلمسه إلى إسمنت».
وتعد المقطوعة بمثابة موسيقى جنائزية لمدينة بيروت، واكبت المسار الذي شارك فيه حشد من الناس المهتمين باكتشاف الفنون الحرفية لآل طرزي. وعلى طول الطريق المؤدي إلى مركز معرض «نشيد الحب» بقي صداها مرافقاً لهم.
وعلى باب هنغار قديم يفتح كما دكاكين وحوانيت بيروت القديمة، دخل زوار المعرض يستكشفون محتوياته الموزعة في غرفه المهجورة. فالإرث الشخصي تلاقى مع الإرث العام، ليؤلفا ذاكرة للعمل اليدوي والحرفي. ويجمع المعرض في حناياه هذه العلاقة القائمة بين المادة والزمن في حوار صامت. فالهنغار المهجور المهدد بالزوال، بدوره، اختاره ألفرد طرزي في إشارة إلى كمية الإهمال التي تواجه هذه الفنون الحرفية.
تبدأ رحلتك في غرف المعرض لتستهلها بواحدة صغيرة تقع على مدخله من ناحية اليسار، وفيها خشبيات ولوحات مزخرفة يدوياً، وبينها ما يحمل عبارات من أبيات شعر عربية كـ«دعِ الأمور تجري في أعنّتها»، أو أخرى تقول «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».
وتكمل طريقك في المعرض الذي تتدلى من أسقفه ديكورات تتنوع بين شلحات من النايلون وقطع من الحديد المشغول، وغيرها، لتكتشف لوحات مزخرفة هي كناية عن واجهات لأبواب خشبية. وصممت لتكون بمثابة فسيفساء من الألوان والرسوم العربية المنقوشة يدوياً بدقة. وضمن إضاءة خافتة تسود المعرض، تتفرج على خزانة زجاجية تتداخل فيها مواد الخشب والزجاج والنحاس. وقد تم إلصاق صور فوتوغرافية قديمة بالأبيض والأسود على واجهاتها الأربع، للإشارة إلى ذكريات عائلية.
منحوتات صغيرة حديدية وشمعدانات نحاسية معتقة، إضافة إلى واجهات أبواب خشبية مزخرفة عالية الارتفاع، تطالعك في هذا المعرض، فتمر تحتها كأقواس نصر موزعة هنا وهناك، مأخوذة من تاريخ عريق في فن الزخرفة. وتكمل طريقك وأنت تتفرج على طاولات خشبية قديمة تعرض أواني نحاسية من أباريق وأكواب. وتصل إلى غرفة واسعة تنتصب فيها مجموعة واجهات صغيرة وكبيرة الحجم، تظهر جمال وإبداع فنون الحفر على الخشب مطعمة بالألوان. قطع فنية تذكرك بمداخل وأسقف وجدران القصور الضخمة القديمة. وتطالعك بعد ذلك مجموعة ثريات معلقة في فضاء المعرض مصممة على شكل فوانيس، أو معلقات إنارة مشغولة حرفياً بالزجاج والنحاس المزخرف. وتتوزع على أركان وزوايا المعرض أكوام من قطع النحاس المنقوشة. ومن بعض أسقفه تتدلى مشغولات حرفية تم صنعها من الحديد المزخرف بنقوش منمنمة.
رحلة عابرة للزمن تمضيها في معرض «نشيد الحب» الذي يحاول غرف كل الشغف الذي سكن آل طرزي أباً عن جد. والمعرض الذي يستمر فاتحاً أبوابه حتى نهاية السنة، يوجّه رسالة واضحة إلى المعنيين، تحثهم على المباشرة بإقامة متحف يحفظ هذا النوع من الفنون اليدوية الماثلة للاندثار.


مقالات ذات صلة

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

يوميات الشرق بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

تقدمت كريستين باومغارتنر، الزوجة الثانية للممثل الأميركي كيفين كوستنر، بطلب للطلاق، بعد زواجٍ دامَ 18 عاماً وأثمر عن ثلاثة أطفال. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن الانفصال جاء بسبب «خلافات لا يمكن حلُّها»، حيث تسعى باومغارتنر للحضانة المشتركة على أطفالهما كايدين (15 عاماً)، وهايس (14 عاماً)، وغريس (12 عاماً). وكانت العلاقة بين كوستنر (68 عاماً)، وباومغارتنر (49 عاماً)، قد بدأت عام 2000، وتزوجا عام 2004.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

افتتح متحف المركبات الملكية بمصر معرضاً أثرياً مؤقتاً، اليوم (الأحد)، بعنوان «صاحب اللقبين فؤاد الأول»، وذلك لإحياء الذكرى 87 لوفاة الملك فؤاد الأول التي توافق 28 أبريل (نيسان). يضم المعرض نحو 30 قطعة أثرية، منها 3 وثائق أرشيفية، ونحو 20 صورة فوتوغرافية للملك، فضلاً عن فيلم وثائقي يتضمن لقطات «مهمة» من حياته. ويشير عنوان المعرض إلى حمل فؤاد الأول للقبين، هما «سلطان» و«ملك»؛ ففي عهده تحولت مصر من سلطنة إلى مملكة. ويقول أمين الكحكي، مدير عام متحف المركبات الملكية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض «يسلط الضوء على صفحات مهمة من التاريخ المصري، من خلال تناول مراحل مختلفة من حياة الملك فؤاد».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

قام فريق بحثي، بقيادة باحثين من المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية بكينيا، بوضع تسلسل كامل لجينوم حبة «فول اللبلاب» أو ما يعرف بـ«الفول المصري» أو «الفول الحيراتي»، المقاوم لتغيرات المناخ، بما يمكن أن يعزز الأمن الغذائي في المناطق المعرضة للجفاف، حسب العدد الأخير من دورية «نيتشر كومينيكيشن». ويمهد تسلسل «حبوب اللبلاب»، الطريق لزراعة المحاصيل على نطاق أوسع، ما «يجلب فوائد غذائية واقتصادية، فضلاً على التنوع الذي تشتد الحاجة إليه في نظام الغذاء العالمي».

حازم بدر (القاهرة)
يوميات الشرق «الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

«الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

في رد فعل على فيلم «الملكة كليوباترا»، الذي أنتجته منصة «نتفليكس» وأثار جدلاً كبيراً في مصر، أعلنت القناة «الوثائقية»، التابعة لـ«الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر»، اليوم (الأحد)، «بدء التحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن كليوباترا السابعة، آخر ملوك الأسرة البطلمية التي حكمت مصر في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر». وأفاد بيان صادر عن القناة بوجود «جلسات عمل منعقدة حالياً مع عدد من المتخصصين في التاريخ والآثار والأنثروبولوجيا، من أجل إخضاع البحوث المتعلقة بموضوع الفيلم وصورته، لأقصى درجات البحث والتدقيق». واعتبر متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذه الخطوة بمثابة «الرد الصحيح على محاولات تزييف التار

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

أكد خالد وشيرين دياب مؤلفا مسلسل «تحت الوصاية»، أن واقع معاناة الأرامل مع «المجلس الحسبي» في مصر: «أصعب» مما جاء بالمسلسل، وأن بطلة العمل الفنانة منى زكي كانت معهما منذ بداية الفكرة، و«قدمت أداء عبقرياً زاد من تأثير العمل». وأثار المسلسل الذي تعرض لأزمة «قانون الوصاية» في مصر، جدلاً واسعاً وصل إلى ساحة البرلمان، وسط مطالبات بتغيير بعض مواد القانون. وأعلنت شركة «ميديا هب» المنتجة للعمل، عبر حسابها على «إنستغرام»، أن «العمل تخطى 61.6 مليون مشاهدة عبر قناة (DMC) خلال شهر رمضان، كما حاز إشادات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وكانت شيرين دياب صاحبة الفكرة، وتحمس لها شقيقها الكاتب والمخرج خالد د

انتصار دردير (القاهرة)

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
TT

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)

أثبتت دراسة بريطانية حديثة أن الضوضاء البشرية الناتجة عن حركة المرور يمكن أن تخفي التأثير الإيجابي لأصوات الطبيعة في تخفيف التوتر والقلق.

وأوضح الباحثون من جامعة غرب إنجلترا أن النتائج تؤكد أهمية أصوات الطبيعة، مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة الطبيعية، في تحسين الصحة النفسية؛ ما يوفر وسيلة فعّالة لتخفيف الضغط النفسي في البيئات الحضرية، وفق النتائج المنشورة، الخميس، في دورية «بلوس وان».

وتسهم أصوات الطبيعة في خفض ضغط الدم ومعدلات ضربات القلب والتنفس، فضلاً عن تقليل التوتر والقلق الذي يتم الإبلاغ عنه ذاتياً، وفق نتائج أبحاث سابقة.

وعلى النقيض، تؤثر الأصوات البشرية، مثل ضوضاء المرور والطائرات، سلباً على الصحة النفسية والجسدية، حيث ترتبط بزيادة مستويات التوتر والقلق، وقد تؤدي إلى تراجع جودة النوم والشعور العام بالراحة.

وخلال الدراسة الجديدة، طلب الباحثون من 68 شخصاً الاستماع إلى مشاهد صوتية لمدة 3 دقائق لكل منها. تضمنت مشهداً طبيعياً مسجلاً عند شروق الشمس في منطقة ويست ساسكس بالمملكة المتحدة، احتوى على أصوات طبيعية تماماً مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة المحيطة، دون تدخل أي أصوات بشرية أو صناعية، فيما تضمن المشهد الآخر أصواتاً طبيعية مصحوبة بضوضاء مرور.

وتم تقييم الحالة المزاجية ومستويات التوتر والقلق لدى المشاركين قبل الاستماع وبعده باستخدام مقاييس ذاتية.

وأظهرت النتائج أن الاستماع إلى الأصوات الطبيعية فقط أدى إلى انخفاض ملحوظ في مستويات التوتر والقلق، بالإضافة إلى تحسين المزاج.

بالمقابل، أدى إدخال ضوضاء المرور إلى تقليل الفوائد الإيجابية المرتبطة بالمشاهد الطبيعية، حيث ارتبط ذلك بارتفاع مستويات التوتر والقلق.

وبناءً على النتائج، أكد الباحثون أن تقليل حدود السرعة المرورية في المناطق الحضرية يمكن أن يعزز الصحة النفسية للإنسان من خلال تقليل الضوضاء؛ ما يسمح بتجربة أصوات الطبيعة بشكل أفضل.

كما أشارت الدراسة إلى أهمية تصميم المدن بشكل يقلل من الضوضاء البشرية، ما يوفر للسكان فرصاً أكبر للتفاعل مع الطبيعة.

ونوه الفريق بأن هذه النتائج تفتح المجال لإعادة التفكير في كيفية تخطيط المدن بما يعزز التوازن بين التطور الحضري والحفاظ على البيئة الطبيعية، لتحقيق فوائد صحية ونفسية ملموسة للسكان.