موسكو تعزز دفاعاتها... وكييف تجهز لـ«حرب شوارع»

خيرسون «مدينة أشباح» تنتظر الحسم قبل قدوم «الجنرال ثلج»

أوكراني فوق حطام منزله في قرية قرب خيرسون استعادتها القوات الأوكرانية (إ.ب.أ)
أوكراني فوق حطام منزله في قرية قرب خيرسون استعادتها القوات الأوكرانية (إ.ب.أ)
TT

موسكو تعزز دفاعاتها... وكييف تجهز لـ«حرب شوارع»

أوكراني فوق حطام منزله في قرية قرب خيرسون استعادتها القوات الأوكرانية (إ.ب.أ)
أوكراني فوق حطام منزله في قرية قرب خيرسون استعادتها القوات الأوكرانية (إ.ب.أ)

دخلت استعدادات الطرفين الروسي والأوكراني، لمعركة حاسمة في مدينة خيرسون الاستراتيجية بجنوب أوكرانيا، المراحل الأخيرة، مع تصاعد المخاوف لدى الطرفين من تزايد الصعوبات الميدانية في هذه المنطقة لدى دخول فصل الشتاء.
وتستعيد المنطقة وهي تتأهب لجولة الصراع الحاسمة مجريات معارك تاريخية كبرى وقعت في مناطق شرق أوكرانيا وجنوبها مع «غزاة» أجانب، بدءاً من معارك القيصر بطرس الأكبر في بداية القرن الثامن عشر ضد جيوش الملك السويدي شارل الثاني عشر، في منطقة بولتافا (جنوب شرقي أوكرانيا حالياً) التي انتهت بنصر روسي مهّد لاتساع نفوذ الإمبراطورية، ومروراً بهجوم جيوش نابليون على الإمبراطورية الروسية، وانتهاءً باجتياح ألمانيا النازية هذه المنطقة لإحكام الحصار على موسكو والمدن الروسية الكبرى.
في كل الحالات كان لفصل الشتاء دور مهم وأساسي في رد الغزاة عن روسيا وتعقيد المهام العسكرية أمام الجيوش حتى غدت عبارة «الجنرال ثلج... أقوى أسلحة الجيش الروسي» رائجة. لكن خلافاً لدروس التاريخ، يبدو «الجنرال ثلج» في هذه المرة قادماً بأسلحته الثقيلة يعقّد المهام القتالية ليس أمام الأوكرانيين وحدهم، بل أمام الروس أيضاً. لذلك يسعى الطرفان الروسي والأوكراني لحسم المعركة قبل دخول فصل الشتاء. وهو ما عكسه حجم التحضيرات العسكرية الكبرى على جانبي خطوط التماس.
* خيرسون «مدينة أشباح»
بدت خيرسون، وفقاً لتقارير وسائل إعلام غربية، بعد بدء الإخلاء الجماعي الذي قامت به موسكو خلال الأيام الأخيرة، أشبه بـ«مدينة الأشباح». والوضع في المدينة الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا ثم ضمَّتها رسمياً إلى أراضيها قبل أسابيع، بالغ التوتر ويسيطر القلق على من تبقى فيها من سكان.
وتقول التقارير إنه خلال النهار تكون الشوارع فارغة، وفي الليل تظهر ألسنة اللهب بسبب القصف المتواصل من نوافذ المباني الشاهقة. وقد غادر المدينة بالفعل أكثر من عشرين ألف شخص، وفقاً لتقديرات، بينما وصل الرقم حسب تقديرات أخرى إلى أكثر من 60 ألفاً. وكانت السلطات الروسية قد دعت إلى مغادرة كل السكان «لتسهيل عمليات الدفاع عن المدينة».
وزادت موسكو في مقابل مغادرة المدنيين حجم الحضور العسكري، ولاحظ بعض السكان الذين تحدثوا مع وسائل إعلام أجنبية زيادة عدد القوات الشيشانية في المدينة بشكل ملحوظ. كما أن بعض الشهادات أشارت إلى أن الكثير من العسكريين يرتدون ملابس مدنية.
يدرك الروس جيداً أن المعركة ستكون قاسية، وفي 18 أكتوبر (تشرين الأول)، قال القائد الجديد للقوات الروسية في أوكرانيا، الجنرال سيرغي سوروفيكين، إن «وضعاً صعباً» قد تطور في اتجاه خيرسون. وتزامن ذلك، مع تحذير السلطات الروسية من احتمال استخدام كييف لأساليب الحرب المحظورة في منطقة خيرسون، فضلاً عن إطلاق هجوم صاروخي على سد محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية. ووفقاً للقائد العسكري الروسي، فإن خطط روسيا المستقبلية بشأن خيرسون ستعتمد على الوضع العسكري التكتيكي الناشئ و«لا يتم استبعاد اتخاذ قرارات صعبة».
* الأحكام العرفية
في اليوم التالي، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين الأحكام العرفية في أربع مناطق ضمّتها موسكو، بينها خيرسون، ما أصبح يعني الانتقال إلى وضع الحرب الشاملة والمفتوحة في هذه المناطق بدلاً من مواصلة الحديث عن عملية عسكرية محدودة كما درجت الدعاية الرسمية الروسية منذ بدء الحرب قبل ثمانية أشهر.
وفي إطار تعزيز الدفاعات، أعلنت السلطات الروسية في خيرسون، يوم الاثنين، تشكيل ما يسمى الدفاع الإقليمي في المدينة. وقالت إنه «يمكن لجميع الرجال المتبقين في المدينة الاشتراك في خطوط الدفاع المقامة». وأفادت الإدارة العسكرية في المدنية التي شكّلتها موسكو في منطقة خيرسون بإطلاق عمل لجان للدفاع الإقليمي «من الرجال المتبقين في المدينة»، قائلة: «بالنسبة لجميع الرجال الذين يرغبون في البقاء في خيرسون، على الرغم من التهديد الأمني المتزايد من القوميين الأوكرانيين المتطرفين، فقد أُتيحت لهؤلاء فرصة الانضمام إلى وحدات الدفاع الإقليمي في المدينة».
وأضافت الإدارة العسكرية المدنية أن القوات الأمنية تواصل ضمان الأمن في المدينة، ويمكن للمقيمين الانتقال إلى الضفة اليسرى لنهر دنيبر في أي وقت، حيث تغادر القوارب من محطة النهر يومياً إلى مدينتي أليشكي وغولايا بريستان.
وكان القائم بأعمال حاكم المنطقة، فلاديمير سالدو، قد صرح في وقت سابق باتخاذ قرار بشأن الحركة المنظمة للسكان المدنيين من الضفة اليمنى إلى اليسرى في المدينة لإنشاء تحصينات دفاعية، حيث تحشد كييف قوات هجومية، بينما شكّلت روسيا مجموعة عسكرية لصده.
وفي إطار الاستعدادات أيضاً، قال نائب رئيس إدارة المنطقة، كيريل ستريموسوف، إن القوات المسلحة الأوكرانية جمعت الكثير من القوات إلى خط المواجهة في منطقة خيرسون. وقال: «نحن نتحدث عن عملية دفاعية ضخمة لخيرسون، والمدينة تتحول إلى حصن». وأضاف أن الجيش الأوكراني سيشن هجوماً «في المستقبل القريب»، مما قد يعرّض خيرسون والجزء الواقع على الضفة اليمنى من المنطقة للنيران.
وكتب ستريموسوف في «تلغرام» موضحاً أن الوضع على خط التماس في خيرسون لا يزال مستقراً، وليس أمام القوات الأوكرانية فرصة لاختراق الدفاع. وأشار إلى أن «الانتصارات» السريعة للقوات المسلحة الأوكرانية في المنطقة الرمادية قد انتهت، والجبهة «مستقرة الآن وتتقوى باستمرار».
* حرب الشوارع
في المقابل، تتحدث التقارير الأوكرانية عن عمليات تحضيرية مضادة، بينها قيام وحدات الهندسة والأسلحة بإنشاء تحصينات على ساحل نهر الدنيبر، تاركةً فقط ممرات صغيرة للانسحاب المحتمل للقوات من الضفة اليمنى.
وتقول التقارير الأوكرانية إن روسيا سحبت خلال عمليات الإجلاء الأخيرة، معدات وموظفي جميع البنوك والإدارات الخدمية الموالية لموسكو ومعدات مزودي خدمة الإنترنت. وأوضحت أن عمليات الإجلاء شملت ممثلي الخدمات التشغيلية والطواقم الطبية. كما انقطع تمويل المدارس وتوفير الغذاء للأطفال في المدارس.
وعلى هذه الخلفية، ازداد في خيرسون عدد عمليات السطو على السكان المحليين وحالات النهب، وفقاً لمعطيات كييف. وفي هذه الظروف، تقول بيانات أوكرانية إنه لا بد من الاستعداد لقتال عنيف في الشوارع. لكن الاستعداد لذلك يعني عدم انتظار دخول فصل الشتاء، وفقاً لتعليق مسؤول عسكري أوكراني تحدث إلى وسائل إعلام غربية. وأضاف أن «الصعوبات الرئيسية ستكون متعلقة بالتمويه. فلن نكون قادرين على القتال بنفس الكفاءة التي ظهرت في الربيع والصيف... وسيكون الاختباء أصعب بكثير».
كما أشار إلى أنه في فصل الشتاء سيكون من الأسهل على الطائرات الروسية من دون طيار تتبع مدفعية القوات المسلحة الأوكرانية وطرق تحركات القوات، من أجل قصفها بعد ذلك. كما ستزداد صعوبة إدارة حياة الجندي.
على صعيد آخر، بدا أن صبر المقربين من بوتين بدأ ينفد، وهو ما برز من تعليقات غاضبة للرئيس الشيشاني رمضان قديروف الذي انتقد ما وصفه بأنه «رد ضعيف» من الجيش الروسي على القصف الأوكراني لمناطق روسية، لافتاً إلى أن «الأعمال القتالية بدأت تجري في أراضينا». وأعرب قديروف في تسجيل صوتي نشره عبر «تلغرام» عن «عدم ارتياحه» لهذا الوضع قائلاً: «في رأيي... ردنا ضعيف».
ودعا رئيس الشيشان إلى اتخاذ إجراءات أكثر شدة، «حتى يفهموا أنه لا يمكن حتى التفكير في إطلاق النار في اتجاهنا». يُظهر هذا الموقف جانباً من آراء «الصقور» في المؤسسة العسكرية الروسية الذين يرون أنه لا بد من حسم المعركة سريعاً قبل دخول فصل الشتاء وتفاقم التعقيدات، حتى لو كلف ذلك روسيا استخدام أسلحة أقوى وأشد فتكاً.


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

روته: يجب تعزيز دفاعات حلف «الناتو» لمنع الحرب على أراضيه

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب تعزيز دفاعات حلف «الناتو» لمنع الحرب على أراضيه

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، اليوم (الخميس)، تحذيرا قويا بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».