الأزمة تتعمق في السودان بعد عام من سيطرة العسكريين على السلطة

البرهان بين حميدتي وحمدوك (أ.ب)
البرهان بين حميدتي وحمدوك (أ.ب)
TT

الأزمة تتعمق في السودان بعد عام من سيطرة العسكريين على السلطة

البرهان بين حميدتي وحمدوك (أ.ب)
البرهان بين حميدتي وحمدوك (أ.ب)

يواجه السودان أزمة سياسية واقتصادية تزداد عمقاً، بعد عام من إطاحة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الشركاء المدنيين في الحكومة التي تولت السلطة عقب إسقاط عمر البشير، والتي كان يفترض أن تقود البلاد نحو الديمقراطية بعد 30 عاماً من حكم استبدادي انتهى في 2019.
ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينزل سودانيون إلى الشوارع كل أسبوع تقريباً، للاحتجاج ضد سيطرة العسكريين على السلطة، على رغم قمع قوات الأمن الذي أسفر عن سقوط قرابة 120 قتيلاً، حسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها.
ويقول الخبير بالشؤون السودانية في «معهد ريفت فالي» مجدي الجزولي، إن «كل النقاش السياسي يتمحور حول من سيحكم البلاد». ويضيف: «لكن أحداً لا يقول ماذا سيفعل في الحكومة، أو كيف سيعمل على حل الأزمة الاقتصادية».
ويعاني اقتصاد السودان، إحدى أكبر الدول العربية من حيث المساحة والتعداد السكاني، من تبعات عقود من العقوبات الأميركية في عهد البشير، أضيف إليها اعتباراً من عام 2011، انفصال الجنوب، حيث كل حقول النفط. كما أدى الفساد دوراً كبيراً في التدهور الاقتصادي للبلاد.
وأحيت الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة بعد إسقاط البشير، آمال السودانيين في تحسن أحوالهم، إذ رفعت واشنطن بلادهم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعادت المساعدات الأجنبية التي ناهزت ملياري دولار سنوياً. إلا أن الدول المانحة، قررت تعليق مساعداتها بعد الانقلاب، مؤكدة أنها لن تستأنف دعمها للخرطوم «ما لم تعد السلطة إلى أيدي المدنيين».
وفي مطلع أكتوبر الحالي، ناشد وزير المالية جبريل إبراهيم، البنك الدولي، استئناف مساعداته، معللاً ذلك بأن «الأفقر» في البلاد هم من يعانون من تعليق المعونة. وما بين تضخم تخطى المائة في المائة، ونقص في المواد الغذائية، يعاني ثلث السكان البالغ عددهم 45 مليوناً من الجوع. وبسبب نقص الإمكانات، خرج سبعة ملايين طفل من التعليم، بينما يقيم الموظفون والتجار إضرابات بشكل منتظم احتجاجاً على غلاء المعيشة.
ويخشى العديد من السودانيين أن يعود النظام القديم على المستويين السياسي والاقتصادي، خصوصاً بعدما استعاد العديد من أنصار البشير مناصبهم. وكان تجميد «لجنة تفكيك نظام البشير» من أول القرارات التي اتخذها العسكريون. ويقول الرئيس المقال لهذه اللجنة محمد الفكي، «كل التقدم الذي أحرزناه ذهب أدراج الرياح».
مكتسب ثانٍ كبير تحقق خلال الفترة الانتقالية، هو اتفاق السلام المبرم عام 2020 مع المتمردين، الذي كان يقضي بدمج عناصر الميليشيات المسلحة في الجيش، لكن ذلك لم يتحقق. وتسببت سيطرة العسكريين على السلطة بفراغ أمني، أدى إلى عودة النزاعات القبلية التي راح ضحيتها منذ بداية العام الحالي نحو 550 قتيلاً و210 آلاف جريح.
وكان الفريق أول البرهان تعهد بإجراء انتخابات في منتصف 2023، لكن الجزولي يرى أن هذا الاحتمال «ضعيف للغاية»، موضحاً أن «السياسيين لا ينظمون انتخابات إلا بعد الاتفاق على طبيعة النظام المستقبلي»، وعلى تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين.
والواضح، أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي انقلب عليه الفريق أول البرهان، اعتقد أن في إمكانه حل هذه الإشكالية، إذ وافق بداية على العودة إلى منصبه، ومحاولة التعاون مع العسكريين، لكنه فقد الأمل سريعاً وانسحب تماماً من المشهد.
وتتعمق يومياً الخلافات بين المدنيين الموافقين على التفاوض مع الجيش، والرافضين تماماً لأي تعاون معه. ويعتقد الفكي أن هذه «الخلافات أتاحت للانقلابيين أن يبقوا» في السلطة. غير أن أعضاء الكتلة المدنية توحدوا في يوليو (تموز) الماضي، عندما أعلن البرهان «استعداده لترك الحكم لحكومة مدنية»، إذ اتخذوا موقفاً موحداً تمثل في إدانة «الانسحاب التكتيكي»، معتبرين أنه يهدف عملياً إلى إبقاء هيمنة العسكريين على السلطة، وهو ما حصل بشكل شبه متواصل منذ الاستقلال.
ولم تسفر المبادرات السياسية التي اتخذت خلال الأشهر الماضية، عن أي نتيجة... تمثلت إحداها، في مسودة مشروع دستور اقترحته «نقابة المحامين» الموالية للتيار الديمقراطي. ولاقت الخطوة ترحيب قياديين مدنيين، وأيضاً الرجل الثاني في النظام العسكري الفريق محمد حمدان دوقلو، المعروف بحميدتي. وفي منتصف أكتوبر، قال الوزير المدني السابق في حكومة حمدوك، خالد عمر يوسف، إن العسكريين «وافقوا على الوثيقة كقاعدة لنقل السلطة إلى المدنيين». وأضاف: «هذا مؤشر إيجابي ولكن المشكلة لم تحل».
ويقول حسام علي، وهو من «لجان المقاومة» في الأحياء التي تنظم المظاهرات ضد العسكريين، إن «السودانيين يرون كل يوم، أنه ليس لدى الانقلابيين أي نية للتفاوض أو التشارك». وتابع: «نحن نتحلى بالصبر اللازم لإسقاطهم».
ويؤكد الجزولي، أنه «أياً كان مصير هذه المبادرة، يبقى المؤكد أن الجيش يريد الحفاظ على الهدف الأول للانقلاب، أي الاحتفاظ بـحق فيتو (نقض) دائم في الأمور السياسية».


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

السيسي يراهن على «وعي المصريين» لتجاوز الأزمات والتهديدات الإقليمية

السيسي خلال اجتماع مع قادة القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية (الرئاسة المصرية)
السيسي خلال اجتماع مع قادة القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي يراهن على «وعي المصريين» لتجاوز الأزمات والتهديدات الإقليمية

السيسي خلال اجتماع مع قادة القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية (الرئاسة المصرية)
السيسي خلال اجتماع مع قادة القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية (الرئاسة المصرية)

راهن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على وعي المصريين وتكاتفهم باعتبار ذلك «الضمانة الأساسية لتجاوز الأزمات الإقليمية والتهديدات». وشدد، خلال لقائه، مساء الأحد، قادة القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية، على أن امتلاك بلاده «القدرة والقوة يضمن لها الحفاظ على أمن وسلامة مقدرات الشعب».

وقال السيسي، بحسب إفادة رسمية للمتحدث باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، إن «الدولة تتابع عن كثب الأوضاع الإقليمية والدولية استناداً لثوابت السياسة المصرية القائمة على التوازن والاعتدال اللازمين في التعامل مع الأحداث والمتغيرات المتلاحقة، والعمل على إنهاء الأزمات وتجنيب المنطقة المخاطر المتصاعدة بالانزلاق إلى بؤر جديدة للصراع تهدد استقرار دولها».

وأضاف أن «الظروف الحالية برهنت على أن وعي الشعب المصري وتكاتفه هو الضمانة الأساسية لتجاوز الأزمات الإقليمية والتهديدات المحيطة»، مشيراً إلى «استمرار جهود التنمية الشاملة في كافة ربوع مصر سعياً نحو تحقيق مستقبل يلبي تطلعات وطموحات أبناء الشعب».

جانب من اجتماع السيسي مع قادة القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية (الرئاسة المصرية)

اجتماع الرئيس المصري مع قادة القوات المسلحة والشرطة المدنية والأجهزة الأمنية المختلفة بمقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، الأحد، حضره رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الدفاع والإنتاج الحربي عبد المجيد صقر، ووزير الداخلية محمود توفيق، ورئيس أركان القوات المسلحة أحمد خليفة، ورئيس المخابرات العامة حسن رشاد.

وقال متحدث الرئاسة المصرية، إن «اللقاء تناول تطورات الأوضاع الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأمن القومي المصري»، فضلاً عن «استعراض الجهود التي تبذلها القوات المسلحة والشرطة المدنية والأجهزة الأمنية في حماية حدود الدولة المصرية وجبهتها الداخلية ضد مختلف التهديدات على كافة الاتجاهات الاستراتيجية في ظل ما تموج به المنطقة من أحداث».

وشدد الرئيس المصري على «ضرورة تعظيم قدرات كافة مؤسسات الدولة وأجهزتها»، مؤكداً «أهمية الدور الذي تضطلع به القوات المسلحة والشرطة المدنية في الحفاظ على الوطن، إيماناً منهما بالمهام المقدسة الموكلة إليهما لحماية مصر وشعبها العظيم مهما كلفهما ذلك من تضحيات»، بحسب الشناوي.

وفي سياق متصل، عقد الرئيس المصري اجتماعاً، الأحد، بمقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، مع عدد من الإعلاميين والصحافيين، تناول «تطورات الأوضاع الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الحرب في غزة والجهود المصرية ذات الصلة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتبادل الرهائن والمحتجزين، وإنفاذ المساعدات الإنسانية دون عراقيل»، بحسب متحدث الرئاسة المصرية.

الرئيس المصري خلال لقاء مع عدد من الإعلاميين والصحافيين (الرئاسة المصرية)

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في سوريا ولبنان وليبيا والسودان والصومال واليمن، والجهود المصرية لتسوية تلك الأزمات، كما تطرق اللقاء إلى «الأمن المائي باعتباره أولوية قصوى لمصر ومسألة وجود»، وفق المتحدث الرئاسي.

وأكد السيسي خلال اللقاء «قوة وجاهزية أجهزة الدولة، وبشكل خاص القوات المسلحة والشرطة المدنية، لمواجهة أي تحديات داخلية أو خارجية»، مشدداً على أن «تماسك المصريين ووحدتهم العامل الأول والأهم في الحفاظ على الدولة».

وأشار الرئيس المصري إلى أن بلاده «مرت في الفترة الماضية بالأصعب فيما يتعلق بتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي وتحقيق التنمية». وقال: «نسير في الطريق الصحيح، الأمر الذي انعكس في ثقة مؤسسات التمويل الدولية في الاقتصاد المصري»، مشيراً إلى «حرص الدولة على توطين الصناعة لتقليل الاعتماد على الاستيراد قدر الإمكان، وبالتالي تخفيض الطلب على العملة الصعبة».

وأكد السيسي أن «الدولة قد قطعت شوطاً كبيراً على طريق الإصلاح في مختلف المجالات»، مشيراً إلى أن «هناك بعض السلبيات التي نعمل بكل إخلاص على إصلاحها لبناء دولة قوية تكون عصيّة أمام أي معتدٍ».