مصر تثبت أسعار الوقود حتى آخر العام الجاري

«ستاندرد أند بورز» تبقي التصنيف الائتماني دون تعديل

محطة وقود في العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
محطة وقود في العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
TT

مصر تثبت أسعار الوقود حتى آخر العام الجاري

محطة وقود في العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
محطة وقود في العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

ثبتت مصر أسعار البنزين أمس السبت لمدة 3 أشهر حتى آخر العام الجاري، نتيجة الظروف الاقتصادية العالمية وتداعياتها على أسواق النفط.
يأتي قرار الإبقاء على الأسعار دون تغيير بعد الرفع 3 مرات متتالية، وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، ورغم اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي على قرض يتراوح من 3 إلى 7 مليارات دولار، وسط توقعات من أوساط مالية باحتواء بنوده على رفع الدعم عن السولار، مع تحرير جزئي لرغيف الخبز.
غير أن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية المعنية بمراجعة وتحديد أسعار بيع بعض المنتجات البترولية بشكل ربع سنوي قالت في اجتماعها، إنه «بدراسة الظروف الاقتصادية العالمية وتأثيرها على سوق النفط نتيجة تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية التي أدت إلى تذبذب أسعار خام برنت، وكذلك بعد مراجعة سعر الصرف، قررت اللجنة تثبيت سعر بيع منتجات البنزين بأنواعه الثلاثة في السوق المحلية».
يتداول خام القياس العالمي برنت، عند مستويات فوق 90 دولاراً للبرميل، بعد أن بلغ أقصى مستوى له في عدة سنوات، مارس (آذار) الماضي عند 149 دولاراً للبرميل. واعتمدت مصر سعر برميل النفط عند 80 دولاراً في ميزانية السنة المالية الحالية 2022 - 2023 من 75 دولاراً للبرميل قبل عام.
وبقرار لجنة التسعير في مصر، يستمر بنزين 80 بسعر 8.00 جنيهات للتر، و9.25 جنيه للتر البنزين 92، و10.75 جنيه للتر البنزين 95، و7.25 جنيه للتر السولار، وسعر بيع طن المازوت لغير استخدامات الكهرباء والمخابز عند 5000 جنيه للطن.
وآلية التسعير التلقائي في مصر تستهدف تعديل أسعار بيع المنتجات البترولية في السوق المحلية ارتفاعاً وانخفاضاً كل ربع سنة، وفقاً للتطور الذي يحدث لأهم مؤثرين ومحددين لتكلفة إتاحة وبيع المنتجات البترولية في السوق المحلية وهما: السعر العالمي لبرميل خام برنت، وتغير سعر الدولار أمام الجنيه بخلاف الأعباء والتكاليف الأخرى الثابتة.
وأعلنت السلطات المصرية، الأسبوع الماضي، ممثلة في البنك المركزي المصري، ووزارة المالية مع نهاية زيارة الوفد المصري إلى واشنطن، نجاح الزيارة والاجتماعات الفنية التي تمت بين الجانب المصري ومديري وخبراء صندوق النقد الدولي؛ ما أسفر عن اتفاق كامل حول السياسات والإصلاحات الاقتصادية والهيكلية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري الجديد، الذي سيكون مدعوماً من صندوق النقد الدولي.
وقال بيان صادر عن صندوق النقد الدولي وآخر عن وزارة المالية المصرية، إن الجانبين يستهدفان «الإعلان عن الاتفاق النهائي الخاص بالبرنامج الجديد بالقاهرة في القريب العاجل».
يتضمن البرنامج الإصلاحي للسلطات المصرية، «ثلاثة محاور رئيسية تتمثل في: الإصلاحات والتدابير الخاصة بالسياسة المالية، والسياسة النقدية والإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصري... استهداف استمرار جهود الانضباط المالي بالحفاظ على تحقيق فائض أولي سنوي بالموازنة العامة والعمل على عودة مسار المديونية الحكومية للناتج المحلي في التراجع وصولاً إلى مستويات تقل عن 80 في المائة من الناتج المحلي في المدى المتوسط، إضافة إلى العمل على استمرار إطالة عمر الدين الحكومي وتنويع مصادر التمويل وتحسين كفاءة الإيرادات والإنفاق بالموازنة العامة والعمل على زيادة الإنفاق الخاص بالتنمية البشرية، ومواصلة التوسع في تمويل برامج الحماية الاجتماعية خصوصاً التي تستهدف زيادة دخول العاملين بالدولة وزيادة مخصصات التأمينات والمعاشات التي يستفيد منها أكثر من 10 ملايين مستفيد وأسرة، وتعزيز برنامج تكافل وكرامة، وكذلك استمرار تمويل برنامج حياة كريمة».
وأمس السبت، أكد وزير المالية المصري محمد معيط، أن قرار مؤسسة «ستاندرد أند بورز»، الذي صدر مساء الجمعة، بالإبقاء على التصنيف الائتماني لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية كما هو دون تعديل عند مستوى «B» مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصري للمرة الثانية خلال عام 2022، يعكس استمرار ثقة المؤسسات الدولية خصوصاً مؤسسات التصنيف الائتماني في ثبات وصلابة الاقتصاد المصري وقدرته على التعامل الإيجابي مع التداعيات الخارجية الصعبة.
وأضاف أن مؤسسة «ستاندرد أند بورز» أرجعت قرارها بالإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصري إلى توقعها باستمرار التزام السلطات المصرية بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، التي من شأنها أن تدفع بالنمو الاقتصادي المدعوم بزيادة دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، إضافة إلى توقع المحللين بالمؤسسة تحقيق الاقتصاد المصري لمعدلات نمو قوية على المدى المتوسط بسبب اتخاذ سياسات وإصلاحات تشجيعية لبيئة الاستثمار والأعمال، ما يدعم نمواً اقتصادياً مستداماً.
وأوضح أن تأكيد «ستاندرد أند بورز» على صلابة الاقتصاد المصري في التعامل مع التحديات العالمية المركبة، يعكس توازن السياسات المالية والاقتصادية المتبعة.


مقالات ذات صلة

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

شمال افريقيا مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

تنعكس أي زيادة في سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري بصورة مباشرة على زيادة أسعار السلع والخدمات، في ظل اعتماد مصر على مواد مستورَدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد عمليات تطوير وإنشاء مبانٍ حديثة بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

القطاع الخاص المصري يواصل الانكماش رغم ارتفاعه في أكتوبر

واصل أداء القطاع الخاص غير النفطي في مصر تراجعه في أكتوبر، وذلك في وقت تسببت ضغوط التكلفة المرتفعة في كبح أحجام الطلبيات الجديدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا والوفد المرافق (رئاسة الجمهورية)

مصر: المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد تبدأ الثلاثاء

قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، اليوم (الأحد)، إن المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد الدولي مع البلاد ستبدأ يوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد (أرشيفية - رويترز)

السيسي يدعو مديرة صندوق النقد إلى «مراعاة التحديات»

أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تطلع بلاده لاستكمال التعاون مع صندوق النقد الدولي، والبناء على ما تَحقَّق «بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

«فيتش» ترفع تصنيف مصر إلى «بي» لأول مرة منذ 5 سنوات

رفعت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، للمرة الأولى منذ مارس (آذار) عام 2019، تصنيف الديون طويلة الأجل لمصر بدرجة واحدة من «B -» إلى«B»، مشيدة بعدد من التحسينات.


هل يكرر ترمب سياسات الإنفاق المفرط ويزيد ديون أميركا؟

دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)
دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

هل يكرر ترمب سياسات الإنفاق المفرط ويزيد ديون أميركا؟

دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)
دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)

على مدى العقود الماضية، شهد الاقتصاد الأميركي تسارعاً ملحوظاً في وتيرة تراكم الدَّين العام ليصبح سمة «تاريخية» وجزءاً لا يتجزأ من الهوية الاقتصادية الأميركية، بدءاً من الرئيس فرنكلين روزفلت الذي أسهم بأكبر نسبة زيادة في الدين الوطني حتى الآن، مروراً بالرئيس باراك أوباما، وصولاً إلى الرئيس جو بايدن.

وقد استمر هذا الاتجاه، خلال الفترة الأولى من رئاسة دونالد ترمب (2017-2021)، حيث تميزت بزيادة قياسية في الدين العام، إذ أضافت إدارته أكثر من 7 تريليونات دولار إلى خزينة الدولة، ليصل حجم الدين إلى نحو 28 تريليون دولار مع نهاية ولايته.

وجاء هذا التوسع مدفوعاً بحزمة مساعدات ضخمة لمواجهة تداعيات جائحة «كورونا»، بلغت قيمتها 900 مليار دولار. وبذلك يواصل الدين الوطني الأميركي ارتفاعه ليبلغ في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي 35.8 تريليون دولار، ما يمثل نحو 99 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويقارب المستوى الذي سُجل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

وبعودة ترمب إلى الرئاسة في 2024، يثار عدد من التساؤلات حول احتمالات تكرار هذا السيناريو. وتشير توقعات لجنة الموازنة الفيدرالية إلى أن خططه قد تضيف نحو 7.75 تريليون دولار جديدة إلى الدين العام، إذ يتعهد ترمب بتخفيضات ضريبية جديدة، وزيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية، ما قد يُنذر بزيادة الدين مرة أخرى.

ورغم أن ترمب يرى في هذه السياسات دافعاً لنمو الاقتصاد وتعزيز التنافسية، فإن هذا الإنفاق المعتمد على العجز قد يؤدي إلى تدهور الوضع المالي العام، ولا سيما مع التوقعات بارتفاع أسعار الفائدة. وبذلك، سيواجه ترمب تحديات مالية جسيمة قد تهدد مكانة الولايات المتحدة في أسواق الديون العالمية، مما يؤثر على إقبال المستثمرين على شراء سندات الدين الأميركية، ويرفع تكاليف الاقتراض الحكومي.

تحذيرات من مخاطر تراكم الديون

يشير الواقع إلى أن الدين العام بات يشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل الاقتصاد الأميركي. ووفق بيانات مكتب الموازنة في الكونغرس، من المتوقع أن ترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة إلى 155 في المائة بحلول 2050. وفي الآونة الأخيرة، تزداد التحذيرات من ضرورة ضبط العجز، إذ إن استمرار الاعتماد على الدين قد يُعرّض الاقتصاد لمخاطر أعمق، خصوصاً في حال حدوث تباطؤ اقتصادي مفاجئ. ووفقاً لرئيسة مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية السابقة، شيلا باير، فإن أزمة الديون الفيدرالية تُعد من أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة حالياً. فالحكومة الأميركية اعتمدت مراراً على الإنفاق المموّل بالعجز وتخفيض الضرائب، لمواجهة أزمات كبرى، مثل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، والأزمة المالية العالمية 2007-2008، وجائحة «كورونا». إلا أن استمرار هذه السياسات بعد انحسار الأزمات أسهم في تراكم ديون هائلة.

سيارة تمر أمام لافتة تعرض رقم الدين الوطني الأميركي بعد أن وصل إلى حد الاقتراض البالغ 31.4 تريليون دولار (رويترز)

ارتفاع العوائد على السندات الأميركية

ومع إعلان فوز ترمب في الانتخابات، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى 4.479 في المائة، مع ازدياد التوقعات بأن سياسات ترمب التجارية والضريبية قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم وتفاقم الوضع المالي للبلاد. وقال الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط «تولو كابيتال مانجمنت»، سبنسر حكيمي: «نتوقع أن تؤدي ولاية ترمب إلى تأثيرات سلبية على العوائد؛ نظراً لزيادة العجز ورفع الرسوم الجمركية».

وأظهر استطلاع لمعهد المحللين الماليين المعتمدين أن 77 في المائة من المحللين يرون أن المالية الأميركية تسير في اتجاه غير مستدام، بينما يرى 61 في المائة أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الإرادة السياسية لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. ويعتقد 63 في المائة أن الولايات المتحدة قد تفقد مكانتها بوصفها عملة احتياطية خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة. هذه التوقعات قد تعني أن المستثمرين في سندات الخزانة الأميركية قد يواجهون خسائر كبيرة، ما سيؤدي إلى تراجع قيمة الأصول المالية المملوكة للبنوك والصناديق والمديرين الماليين، وازدياد موجات التخارج في الأسواق المالية، مما يهدد بتفاقم الأزمة الاقتصادية.

تحديات إعادة تفعيل سقف الدين

من بين التحديات الكبرى التي ستواجه إدارة ترمب إعادة تفعيل سقف الدين الفيدرالي (حد الدين) في 2 يناير (كانون الثاني) 2025، بعد أن جرى تعليقه في 2023 على أثر مفاوضات مطوّلة مع الكونغرس. وتقوم واشنطن بتحديد حد أقصى للاقتراض الفيدرالي، ويجب أن توافق غالبية أعضاء الكونغرس على هذا الحد.

وبين عامي 1992 و2012، جرى تعديل سقف الدين 15 مرة. ومع بداية عام 2013، بدأ صنّاع السياسات تعليق السقف، بدلاً من رفعه بشكل مباشر، بحيث تجري إعادة ضبطه في نهاية كل فترة تعليق. ومنذ ذلك الحين، عُلّق السقف، وأُعيد فرضه سبع مرات إضافية، مما أدى إلى زيادة السقف من 16.7 تريليون دولار في 2013، إلى 31.4 تريليون دولار في 2023. وفي حال عدم التوصل إلى حل سريع، سوف تضطر وزارة الخزانة إلى استخدام احتياطياتها النقدية والإجراءات الاستثنائية، وهي مجموعة من المناورات المحاسبية، لتمويل الحكومة حتى تاريخ «X»؛ وهو التاريخ الذي لن تتمكن فيه الحكومة من دفع جميع فواتيرها. ويقدِّر بعض التحليلات أن هذا التاريخ قد يكون في النصف الثاني من العام المقبل.

وقد أدت النزاعات حول سقف الدين في الماضي إلى دفع البلاد إلى حافة التعثر، مما أثر على تصنيفها الائتماني. وقد يتكرر هذا السيناريو في حال وجود حكومة منقسمة، حيث فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلس الشيوخ، لكن لا يبدو أن أياً من الحزبين يملك الأفضلية في السيطرة على مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون حالياً بأغلبية ضئيلة. كما أن هذا الأمر يؤثر سلباً على سندات الخزانة الأميركية التي تُعد استثماراً آمناً ومستقراً.

وفي حال اعتبار الديون الأميركية أكثر خطورة، قد يتجه المستثمرون إلى أسواق أخرى، مما يرفع معدلات الفائدة ويزيد أعباء الفائدة على الحكومة. وتشير تقديرات مؤسسة «بروكينغز» إلى أن التخلف عن السداد أو المساس بسلامة سوق الخزانة، قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الفائدة بنحو 750 مليار دولار خلال عشر سنوات. علاوة على ذلك، فإن تكاليف الفائدة على الديون الأميركية في طريقها إلى تجاوز مستوياتها القياسية السابقة، نسبة إلى حجم الاقتصاد في عام 2025، ويرجع هذا جزئياً إلى الزيادات المطردة بأسعار الفائدة في السنوات الأخيرة.

تمثال للسيناتور السابق ألبرت غالاتين يقف أمام وزارة الخزانة بواشنطن (رويترز)

مناورات تهدد بخفض التصنيف الائتماني

لم تقم الولايات المتحدة قط بالتخلف عن سداد ديونها، لكن المشرّعين غالباً ما ينتظرون حتى اللحظة الأخيرة لرفع أو تعليق سقف الدين. وهذه المناورات المالية لها عواقب سلبية، مثل احتمال خفض تصنيف الولايات المتحدة الائتماني من قِبل وكالات التصنيف، وهي مصدر للقلق بالنسبة للأسواق المالية.

وفي العام الماضي، خفّضت وكالة «فيتش» تصنيف الولايات المتحدة الائتماني بمقدار درجة واحدة من «إيه إيه إيه» إلى «إيه إيه +»، ونظرتها إلى «سلبية» من «مستقرة»؛ بسبب المناورات السياسية حول حد الدين. كما أبدت «موديز» و«ستاندرد آند بورز» مخاوف مشابهة.

الدولار واستدامة الديون

أتاحت المكانة المتميزة للدولار بوصفه عملة احتياطية للولايات المتحدة تجاهل العواقب المباشرة لازدياد الديون الفيدرالية، لكن هذا الوضع يشهد تراجعاً ملحوظاً؛ فقد انخفضت حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية من أكثر من 70 في المائة خلال عام 2000، إلى 58 في المائة حالياً، كما انخفضت ملكية الأجانب للسندات الأميركية من 34 في المائة خلال 2012، إلى 28 في المائة خلال 2024، ما يعكس تآكل الثقة بقدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها المالية.

وإذا استمر هذا التوجه، فقد تواجه الولايات المتحدة أزمة في تمويل ديونها، ما سيدفع الحكومة لدفع تكاليف فائدة مرتفعة. فقد بلغت تكلفة خدمة الدين الفيدرالي 892 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن ترتفع بشكل كبير إذا استمر الدين في الارتفاع، مما يضيف ضغوطاً مالية إضافية على الموازنة الفيدرالية، وقد يضطر الاقتصاد الأميركي إلى التعامل مع زيادات ضريبية أو تخفيضات في الإنفاق؛ في محاولة للتعامل مع هذه الضغوط.

بين السياسات التوسعية والعجز المالي

على الرغم من أن الولايات المتحدة تمكنت تدريجياً في الماضي من تقليص الدين العام إلى نحو 31 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول عام 1981، فقد أسهمت السياسة المالية الحالية، سواء من الجمهوريين أم الديمقراطيين، في تعميق العجز، عبر تسهيل تمويل المبادرات الشعبية بالاقتراض المتزايد. ويبدو أن كلا الحزبين اتفق ضمنياً على أن العجز يمثل الوسيلة الأسهل لتحقيق أهدافهما السياسية، ما أضعفَ الاهتمام بمعالجة المشكلات المالية.

وبالنسبة لترمب، سيكون التحدي الأكبر في ولايته الثانية هو موازنة سياساته التوسعية في تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق، مع الحاجة إلى السيطرة على الدين المتزايد. وإذا قرر مواجهة الدين، فقد يتعين عليه تقليص بعض أوجه الإنفاق، أو تعديل التخفيضات الضريبية، وهي خطوات غير شعبية، كما يمكنه الاستفادة من دعم الأغلبية الجمهورية لتحقيق «اكتساح أحمر» يساعده في تمرير إصلاحات هيكلية تعزز استدامة النمو المالي، دون التأثير على الاقتصاد.