أعلنت السلطات التركية، أمس، توقيف أكثر من 500 شخص يُشتبه في أنهم على صلة بالداعية فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات التركية بمحاولة انقلاب يوليو (تموز) 2016. وقال وزير الداخلية التركية سليمان صويلو، «تم إصدار 704 مذكرات توقيف وتم توقيف 543 شخصاً». وكانت عمليات التوقيف التي تم تنفيذها في 59 من 81 محافظة تركية، تستهدف الهيكل المالي لحركة الداعية فتح الله غولن.
ويُتهم من تم اعتقالهم أمس بتلقي أو إعادة توزيع أموال أرسلها من الخارج أنصار الداعية غولن (81 عاماً) المقيم في الولايات المتحدة بعيداً عن متناول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وظل الداعية غولن حليفاً لإردوغان لفترة طويلة حتى عام 2013 مع نشر تسجيلات صوتية تتهم أوساط الرئيس التركي بالفساد. ومنذ محاولة الانقلاب في 2016، قامت السلطات التركية باعتقال أكثر من 300 ألف شخص منهم في صفوف الشرطة والقضاء والجيش والمثقفين. وتطالب تركيا من السويد وفنلندا تسليمها عناصر حركة غولن الذين يعيشون على أراضيهما، كشرط لمصادقة البرلمان التركي على انضمام البلدين إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
أحزاب المعارضة
من جهة أخرى، أعلنت المعارضة التركية أنها ستتوجه إلى المحكمة الدستورية العليا للطعن على قانون مكافحة التضليل الإعلامي الذي أقره البرلمان الخميس الماضي، وإلغاء مادة ضمن القانون تتضمن عقوبة الحبس لمدة تتراوح بين سنة و3 سنوات على الصحافيين والمواطنين حال نشر أخبار كاذبة عبر وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي. وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، كمال كليتشدار أوغلو، أمام اجتماع المجموعة البرلمانية لحزبه بالبرلمان الثلاثاء، «سنذهب إلى المحكمة الدستورية العليا، وسنطلب إلغاء المادة 29 من القانون الجديد».
ودخل القانون حيز التنفيذ بعد أن وقع عليه الرئيس رجب طيب إردوغان ونشرته الجريدة الرسمية. وتنص المادة 29 منه على أن أولئك الذين ينشرون معلومات كاذبة عن أمن تركيا، تتسبب في إثارة الخوف وتعكير صفو النظام العام سيواجهون عقوبة الحبس من سنة إلى 3 سنوات.
بدوره، دعا المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري، فائق أوزتراك، المحكمة الدستورية، إلى الإسراع بالبت في طلب حزبه إلغاء المادة 29 من القانون، الذي وصفه بأنه وسيلة جديدة تسعى الحكومة لاستخدامها لتقييد حرية التعبير، قائلاً: «نسمع أن قرار المحكمة الدستورية بشأن القانون سيتأخر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 18 يونيو (حزيران) 2023، لذلك نطلب من المحكمة البت فيه على الفور أو وقف تنفيذ المادة 29». وأضاف أوزتراك: «نأمل في أن تتحمل المحكمة الدستورية مسؤوليتها، وأن تتخذ قراراً سريعاً بخصوص الطلب، وألا تؤجله لما بعد الانتخابات المقبلة لأسباب سياسية».
إقرار القانون
وأقر البرلمان التركي، في ساعة متأخرة من ليل الخميس الماضي، مشروع القانون، الذي تضمن تعديل قانون الصحافة وبعض القوانين المعروف باسم «لائحة مكافحة التضليل الإعلامي»، اعتماداً على الأغلبية التي يتمتع بها حزبا «العدالة والتنمية» الحاكم وحزب «الحركة القومية» الحليف له، بينما رفضت أحزاب المعارضة المشروع الذي عدته استكمالاً للسيطرة على جميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من جانب حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان. وتضمن القانون عقوبة الحبس للصحافيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لمدة تتراوح بين سنة و3 سنوات بتهمة نشر معلومات كاذبة أو مضللة، كما جاء في المادة 29، واشترط إبلاغ الشبكات الاجتماعية ومواقع الإنترنت عن المعلومات الشخصية للمشتبه بهم.
ورأى قانونيون وخبراء أن تلك المادة التي تنص على أن أولئك الذين ينشرون معلومات كاذبة عن أمن تركيا تتسبب في إثارة الخوف وتعكير صفو النظام العام سيواجهون عقوبة الحبس من سنة إلى 3 سنوات، تفتح الباب أمام انتهاك حقوق المتهمين، حيث لا يوجد تعريف واضح ومحدد لمصطلح «المعلومات الكاذبة» أو «المضللة» الواردة في القانون. ووفقاً للقانون المثير للجدل، الذي قوبل برفض من المعارضة واتحاد الصحافيين الأتراك والمؤسسات الدولية المعنية بحرية الصحافة والتعبير، سيتم تضمين المواقع الإخبارية على الإنترنت والقضايا المتعلقة بالبطاقات الصحافية في نطاق قانون الصحافة، وسيتم اعتبار الموظفين العموميين العاملين في خدمات المعلومات في الإذاعة والتلفزيون والمؤسسات والمنظمات العامة مثل موظفي الدوريات من حيث إصدار البطاقات الصحافية.
اشتباكات لفظية
وشهدت جلسة مناقشة مشروع القانون، التي امتدت حتى ساعة متأخرة من ليل الخميس إلى الجمعة، اعتراضات شديدة واشتباكات لفظية بين نواب أحزاب المعارضة ونواب حزبي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية». ويقول حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، إن التشريع ضروري لمعالجة المعلومات المضللة والاتهامات الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يهدف لإسكات المعارضة. وهاجمت المعارضة التركية القانون، مؤكدة أنه يهدف إلى إسكات منتقدي الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في منتصف العام المقبل. كما طالبت دول أوروبية وناشطون في مجال حقوق الإعلام بإلغاء القانون كونه يؤدي إلى «زيادة الرقابة». وسبق أن عبر مجلس أوروبا عن قلقه حيال مشروع القانون، وحذر من تداعياته المحتملة، حال إقراره، على حرية الصحافة والتعبير التي تكفلها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وعبرت لجنة البندقية (اللجنة الأوروبية للديمقراطية) مع المديرية العامة لحقوق الإنسان ودولة القانون، في رأي مشترك، عن القلق حيال التداعيات المحتملة للقانون، لا سيما لجهة ازدياد خطر تشديد الرقابة الذاتية قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في تركيا. وأوضحت اللجنة أن المنظومة القانونية التركية تتضمن بالأساس نصوصاً تعاقب على الجوانب الأكثر خطورة للمعلومات الكاذبة أو المضللة، ومن ثم لا حاجة اجتماعية ماسة إلى إقرار قانون جديد قد ينطوي على «قيود تعسفية على حرية التعبير». وتحتل تركيا المرتبة 149 من بين 180 دولة، على مؤشر حرية الصحافة لعام 2022، الذي أصدرته منظمة «مراسلون بلا حدود».