واشنطن تقترح نشر قوة متعددة الجنسيات في هايتي

موسكو وبكين تثيران تساؤلات حول استجابة السكان لـ«التدخل الأجنبي»

شرطة هايتي تتصدى لمحتجين يطالبون باستقالة رئيس الوزراء أرييل هنري (رويترز)
شرطة هايتي تتصدى لمحتجين يطالبون باستقالة رئيس الوزراء أرييل هنري (رويترز)
TT

واشنطن تقترح نشر قوة متعددة الجنسيات في هايتي

شرطة هايتي تتصدى لمحتجين يطالبون باستقالة رئيس الوزراء أرييل هنري (رويترز)
شرطة هايتي تتصدى لمحتجين يطالبون باستقالة رئيس الوزراء أرييل هنري (رويترز)

اقترحت الولايات المتحدة والمكسيك على بقية أعضاء مجلس الأمن نشر قوة متعددة الجنسية غير تابعة للأمم المتحدة في هايتي استجابة لـ«نداء الاستغاثة» الذي وجهته حكومة هذا البلد؛ سعياً إلى التخلص من العصابات التي تتحكم بتوزيع الوقود والمياه والسلع الأساسية الأخرى على المواطنين.
وقدمت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد قراراً في جلسة عقدها المجلس الاثنين، داعية إلى ما سمته «مهمة محدودة غير تابعة للأمم المتحدة ومدروسة بعناية بقيادة دولة شريكة تتمتع بالخبرة العميقة والضرورية». وأضافت أن الهدف من القوة سيكون «تحسين الوضع الأمني على الأرض حتى يتسنى إيصال المساعدات التي تمس الحاجة إليها للمحتاجين، ومعالجة أزمة الكوليرا المستمرة». وأكدت أن الولايات المتحدة «ستنظر في أكثر الوسائل فاعلية لدعم (القوة المقترحة) وتمكينها وتوفير الموارد لها بشكل مباشر»، علما بأنها ستعتمد على مساهمات بالأفراد والمعدات والموارد الأخرى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وفقاً لما ينص عليه مشروع القرار صراحة.
وعقدت الجلسة هذه بعدما أرجئت منذ الجمعة في ظل ظروف مزرية تواجهها، إذ تغلق العصابات الميناء الرئيسي ومحطة الوقود، وسط انتشار للمجاعة وتفشي وباء الكوليرا. وشهدت كل أنحاء البلاد مظاهرات تطالب باستقالة رئيس الوزراء أرييل هنري بعد وصول المفاوضات مع جماعات المعارضة إلى طريق مسدود. وأوضحت السفيرة الأميركية أن القرار الذي يجري العمل عليه هو «استجابة مباشرة» لطلب قدم في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من قبل هنري ومجلس وزراء هايتي للمساعدة الدولية للمساعدة في استعادة الأمن وتخفيف الأزمة الإنسانية.
وهو يعكس أحد الخيارات الواردة في رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن دعا فيها إلى نشر قوة عمل سريع من قبل دولة أو عدة دول أعضاء في الأمم المتحدة لمساعدة الشرطة الوطنية في هايتي. وبحثت في جلسة مجلس الأمن الخيارات التي قدمها غوتيريش حول كيفية الرد، والتي تشمل فريق عمل متعدد الجنسية من مستشاري الشرطة، أو قوة خاصة مكونة من وحدات شرطة خاصة لتنفيذ عمليات أمنية لدعم شرطة هايتي. وتشمل الخيارات الأخرى دعم الأمم المتحدة المعزز للشرطة الهايتية، وبرامج تدريب الشرطة ثنائياً، وبذل جهود أكبر لوقف تدفق الأسلحة إلى العصابات.
ولن يكون جنود القوة من ذوي الخوذ الزرقاء، ولكن مشروع القرار الأميركي - المكسيكي يتطلب مصادقة مجلس الأمن. وهو يمنح سلطة استخدام القوة إذا لزم الأمر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. لم يكن من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة نفسها مستعدة لإرسال قوات كجزء من القوة، أم أنها ستوفر التمويل والدعم اللوجيستي فقط كما فعلت واشنطن مع بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام «مينوستا» السابقة التي كانت تنتشر في البلاد قبل سحبها منذ سنوات.
لكن روسيا والصين أثارتا تساؤلات حول إرسال قوة مسلحة أجنبية إلى هايتي. وتساءل نائب المندوب الصيني كانغ شوانغ عما إذا كان سيتم الترحيب بقوة أجنبية من قبل الشعب الهايتي، أو مواجهة مقاومة من جماعات المعارضة. وقال إنه «في الوقت الذي تفتقر فيه الحكومة الهايتية إلى الشرعية وغير قادرة على الحكم، سترسل قوة العمل السريع هذه إلى هايتي لتتلقى التفاهم والدعم والتعاون من الأطراف في هايتي، أو ستواجه مقاومة أو حتى تؤدي إلى مواجهة عنيفة من السكان؟». وكذلك أثار نائب المندوب الروسي ديمتري بوليانسكي مخاوف من أن تواجه قوة أجنبية مقاومة شعبية. وقال: «تدعو العديد من جماعات المعارضة إلى عدم السماح بتدخل أجنبي وهم يشيرون بحق، بعبارة ملطفة، إلى أنها ليست تجربة ناجحة للغاية مع التدخل الخارجي في شؤون البلاد».
وقدمت الولايات المتحدة والمكسيك مشروع قرار مرة ثانية من شأنه أن يفرض عقوبات مستهدفة على قادة العصابات مثل ضابط الشرطة السابق جيمي شيريزير، المعروف بلقب «باربكيو»، الذي يقود تحالف عصابات يُدعى «عائلة جي 9». وقامت العصابات بإغلاق ميناء في بورت أو برنس، بما في ذلك محطة الوقود الرئيسية في البلاد. وحذرت الأمم المتحدة من أن نحو خمسة ملايين هايتي يواجهون جوعاً حاداً مع وجود 19 ألفاً يعيشون ظروف مجاعة كارثية.
وأعرب بعض الدبلوماسيين عن أملهم في إجراء تصويت على قرار العقوبات هذا الأسبوع، لكن بوليانسكي أفاد بأن موسكو لا تستطيع دعم الدفع السريع لقرار عقوبا. وقال إن «التحليل العميق والمفاوضات التفصيلية (مطلوبان) للتأكد من أن الإجراءات تهدف إلى استعادة سيطرة الحكومة وعدم اعتبارها كما هي الحال في كثير من الأحيان وسيلة لمعاقبة البلد بأكمله وشعبه».


مقالات ذات صلة

رجم أفراد يشتبه بانتمائهم إلى عصابات في هايتي وحرقهم أحياء

أميركا اللاتينية رجم أفراد يشتبه بانتمائهم إلى عصابات في هايتي وحرقهم أحياء

رجم أفراد يشتبه بانتمائهم إلى عصابات في هايتي وحرقهم أحياء

قالت الشرطة وشهود عيان إن أكثر من 12 شخصاً يشتبه بانتمائهم لعصابات رجموا وأحرقوا أحياء (الاثنين)، بأيدي سكان في بورت أو برنس، بعدما حذرت الأمم المتحدة من أن انعدام الأمن في العاصمة الهايتية بلغ مستويات مماثلة لدول تشهد حروباً. وقالت الشرطة، في بيان، إنها «أثناء تفتيشها حافلة صغيرة كانت تقل مسلحين، صادرت أسلحة ومعدات أخرى».

«الشرق الأوسط» (بورت أو برنس)
أميركا اللاتينية قدّم «دعماً مادّياً وموارد»... رجل يعترف بدوره في اغتيال رئيس هايتي

قدّم «دعماً مادّياً وموارد»... رجل يعترف بدوره في اغتيال رئيس هايتي

أقرّ رودولف جار، وهو مواطن هايتي - تشيلي، أمس (الجمعة)، في ميامي، بتقديم «دعم مادّي» للكوماندوس الذي اغتال الرئيس الهايتي جوفينيل مويس في مقرّ إقامته عام 2021، على ما أظهرت وثائق قضائية. واعترف جار (50 عاماً) بأنّه قدّم «دعماً مادّياً وموارد»، مع عِلمه بأنّها ستُستخدم لقتل زعيم هذه الدولة الكاريبيّة الفقيرة، بحسب مناشدته. وهو أوّل من أقرّ بالذنب من أصل 11 شخصاً مُعتقلين في الولايات المتحدة اتُّهموا بأنّهم خطّطوا من ميامي بفلوريدا لعمليّة الاغتيال. قُتِل مويس في يوليو (تمّوز) 2021 على يد كوماندوس من المرتزقة الكولومبيّين في مسكنه الخاصّ في بور أو برنس.

«الشرق الأوسط» (ميامي)
أميركا اللاتينية رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (رويترز)

كندا تنشر خلال أسابيع سفينتين عسكريتين قبالة هايتي

أعلن رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، أمس (الخميس)، أنّ بلاده ستنشر «خلال الأسابيع القليلة المقبلة» سفينتين عسكريتين قبالة سواحل هايتي، لتعزيز أمن البلد الكاريبي الغارق في أزمة أمنية عميقة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وخلال زيارة إلى ناساو، عاصمة جزر الباهاماس، حيث شارك في قمّة لرؤساء دول وحكومات رابطة الدول الكاريبية (كاريكوم)، قال ترودو إنّ الهدف من إرسال هاتين السفينتين «إجراء عمليات مراقبة وجمع معلومات استخباراتية والحفاظ على وجود بحري». وقال ترودو للصحافيين في مؤتمر صحافي أعقب القمّة إنّ مهمّة هاتين السفينتين «دعم الشرطة الوطنية الهايتية في إجراءاتها الرامية لمواجهة نشاط العصابات».

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
أميركا اللاتينية الأمم المتحدة تدعو إلى تدخل دولي في هايتي

الأمم المتحدة تدعو إلى تدخل دولي في هايتي

طلب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الجمعة، من المجتمع الدولي، النظر في «نشر قوة دعم متخصصة على وجه السرعة» في هايتي، حيث تسبب العصابات «كابوساً» للسكان. وقال فولكر تورك بمؤتمر صحافي في بور أو برنس، «الشرطة الوطنية في هايتي بحاجة إلى دعم دولي فوري»، طالباً من «المجتمع الدولي أن ينظر على وجه السرعة في نشر قوة دعم متخصصة في مواعيد محددة». وفي ختام زيارته الرسمية للبلاد التي استمرت يومين، أعرب المسؤول الأممي عن أسفه للعنف الشديد الذي تمارسه العصابات والانتهاكات الصارخة لحقوق الهايتيين الناجمة عنها.

«الشرق الأوسط» (بورت أو برنس)
أميركا اللاتينية أطفال يتلقون العلاج في عيادة تديرها منظمة «أطباء بلا حدود» في سيتي سولاي (أ.ف.ب)

ارتفاع كبير في حالات الإصابة بالكوليرا في هايتي

أعلنت وزارة الصحة في هايتي، أمس الثلاثاء، أن تفشي الكوليرا في هذا البلد يتزايد بسرعة، إذ تضاعف عدد الحالات إلى نحو 2000 في غضون أيام، مع 41 حالة وفاة على الأقل. يأتي التفشي الجديد للمرض، الذي بدأ مطلع أكتوبر، بعد 3 سنوات تقريباً على تمكن هذه الدولة الكاريبية الفقيرة، التي ترزح أيضاً تحت تفاقم انعدام الأمن، من القضاء على تفشٍّ بدأ في 2010 وأودى بأكثر من 10 آلاف شخص. وكتبت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في هايتي، أولريكا ريتشاردسون، في مدونة نُشرت الثلاثاء: «حتى أيام قليلة مضت، كانت الزيادة في حالات الكوليرا تدريجية، لكننا حالياً نشهد زيادة حادّة بشكل مقلق، لذا أصبح الوضع أكثر صعوبة». وتاب

«الشرق الأوسط» (بورت أو برنس)

أسرار المواقع السوداء وأمراض الشيخوخة للمعتقلين تتصدر محاكمات غوانتانامو

معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)
معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)
TT

أسرار المواقع السوداء وأمراض الشيخوخة للمعتقلين تتصدر محاكمات غوانتانامو

معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)
معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)

تجمعت الكثير من التساؤلات التي تواجه مستقبل عمليات السجون في خليج غوانتانامو في قضية إصدار الحكم على أحد قادة تنظيم «القاعدة» المقرّين بالذنب، من شيخوخة المحتجزين إلى صفقات الإقرار بالذنب السرية.

وفي جلسة استماع عُقدت الشهر الماضي جلس السجين على كرسي مستشفى مبطن ومعه مشاية ذات أربع عجلات وعصا في متناول يده، وهو بالكاد يشبه القائد الموقر للمتمردين الذي كان في أفغانستان. وقد أدى مرض العمود الفقري إلى إصابته بالشلل. ويقول محاموه إنه يعاني آلاماً مستمرة. في مقصورة المحلفين المقابلة للسجين، عبد الهادي العراقي، بدا 11 ضابطاً عسكرياً أميركياً لائقين ومهذبين في زي الخدمة الخاص بهم. وحكمت عليه اللجنة بأقصى عقوبة ممكنة، بالسجن لمدة 30 عاماً أخرى، من دون أن تدرك أن مصيره قد تحدد بالفعل في صفقة سرية قبل عامين.

عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» السابق في صورة قدّمها محاموه... حيث قال أمام هيئة محلفين عسكرية أميركية إنه عُصبت عيناه وجُرّد من ملابسه وحُلقت لحيته قسراً وصُوّر عارياً في مناسبتين بعد القبض عليه عام 2006 (نيويورك تايمز)

العراقي واحد من 4 سجناء مدانين

عبد الهادي، الذي قُبض عليه عام 2006، هو الآن واحد من 4 سجناء مدانين فقط في خليج غوانتانامو. ولكن حاله مثل معظم المعتقلين الثلاثين هناك، تمت الموافقة نظرياً على نقله إلى بلد حليف لأميركا ومستقر وموثوق به. وهو في الثالثة والستين من عمره أيضاً يعدّ أقدم سجين، وهو من بين الأكثر مرضاً بين كبار السن والمرضى في المعتقل البحري. في عام 2022، وافق مسؤول في البنتاغون، مسؤول عن المحكمة، على تحديد مدة العقوبة بعشر سنوات بالنظر إلى اعترافه وتعاونه مع حكومة الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، يمكن أن يطلق سراح السجين في عام 2032.

وبموجب الاتفاق، يمكنه المغادرة في وقت مبكر، إذا تم العثور على بلد ما لاحتجازه وتقديم الرعاية الصحية له. كما تمت الموافقة على نقل 18 سجيناً آخر كانوا محتجزين لفترة أطول من مدة احتجاز عبد الهادي؛ وذلك بموجب ترتيبات أمنية. لا يمكن إعادة معظم المحتجزين الذين تم إخلاء سبيلهم إلى بلدانهم الأصلية؛ لأن الولايات المتحدة ترى بلدانهم غير مستقرة، أو أن حكوماتهم معادية للغاية بحيث لا تتمكن من تعقبهم وإعادة تأهيلهم.

وتشمل هذه المجموعة 11 يمنياً وصومالياً وليبياً لم توجه إليهم أي تهم أو إدانتهم أبداً. وبالنسبة لعبد الهادي، فإن ذلك يعني أنه لا يستطيع الانضمام إلى زوجته وأطفاله الأربعة البالغين، وجميعهم من مواطني أفغانستان، وطنه المتبنى.

وقد ناقش الدبلوماسيون الأميركيون قضيته مع دول أخرى. لم يوافق أي منهم على التعامل مع محنة مجرم حرب معترف يحتاج إلى رعاية طبية مستمرة بعد 6 عمليات جراحية أجريت له في عموده الفقري في غوانتانامو. كما كانت محاكمة إصدار الأحكام بمثابة نموذج لحل قضايا جرائم الحرب طويلة الأمد في غوانتانامو من خلال اتفاقات الاعتراف بالذنب.

وفي إطار العملية الغامضة للجان العسكرية، لا يمكن للقاضي أن يصدر حكماً ببساطة على عبد الهادي.

معسكر العدالة في خليج غوانتانامو بكوبا العام الماضي (نيويورك تايمز)

جزء من تنظيم «القاعدة»

وبدلاً من ذلك، نقلت وزارة الدفاع الأميركية هيئة الضباط العسكريين جواً إلى غوانتانامو من القواعد الأميركية في جميع أنحاء العالم، وحُددت جلسة للنطق بالأحكام خلال أسبوعين، وهي محاكمة مصغرة.

وتلقى الفريق وثيقة مفصلة من 18 صفحة، في 124 فقرة، وهي بالأساس اعتراف تحت القسم تم التوصل إليه مع المدعين العامين، ووقتاً لدراسته. وفيها سرد عبد الهادي قصة حياته. وأوضح أنه فرّ إلى أفغانستان لتجنب العودة إلى الجيش العراقي والخدمة في حرب الخليج عام 1991، وأصبح لاحقاً جزءاً من الدائرة الداخلية لتنظيم «القاعدة».

وأقرّ بأن قوات المتمردين التي كان يقودها استخدمت بشكل غير قانوني غطاء المدنيين في الهجمات التي قتلت 17 من القوات الأميركية وقوات التحالف في أفغانستان بين عامي 2003 و2004. ثم جاء دور الضحايا. وقال ثلاثة من قدامى المحاربين في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على أفغانستان، ووالد وشقيقة أحد أفراد القوات الخاصة الذي قُتل في القتال، عن استمرار شعورهم بالصدمة حتى الآن، بعد سنوات من نهاية أطول حرب أميركية. ووصفوا المنازل المحطمة، والجثث المَتلُوفة، والشعور بذنب الناجين، والعجز التام لديهم. ووصف الرقيب الأول المتقاعد روبرت ستاوت، النجاة من تفجير انتحاري فاشل ثم تفكيك العبوة - وهي سيارة أجرة محملة بالمتفجرات، في تجربة جعلته يعاني ضغوطاً شديدة.

وداخل المواقع السوداء أمضى ثلثا المحتجزين الآن في معتقل غوانتانامو بعض الوقت في برنامج الاستجواب السري التابع للاستخبارات المركزية الأميركية، وفقاً لدراسة سرية أجراها مجلس الشيوخ عام 2014 حول البرنامج، والذي أصبح محظوراً الآن. وقدمت جلسة النطق بالحكم على عبد الهادي لمحة نادرة من الداخل. باستخدام تصوير الطب الشرعي بزاوية 360 درجة الذي أنتجته الحكومة، أطلع عبد الهادي وأحد محامي الدفاع المحلفين على «الموقع الأسود» الذي احتجز فيه عبد الهادي بمعزل عن العالم الخارجي في أفغانستان قبل نقله إلى خليج غوانتانامو عام 2007.

واطلعوا على «غرفة صامتة» بيضاء فارغة مساحتها 6 أقدام، حيث احتُجز عبد الهادي لمدة 3 أشهر تقريباً - من دون لطخة دم على جدار، ودلو للمرحاض، وسجادة بسيطة على الأرض، قال السجين بأنه استعملها كوسادة. تمكن الفريق القانوني لعبد الهادي من رفع السرية عن المادة، وعلى رغم اعتراضات دوغلاس جيه شورت، المدعي العام الرئيسي، تم عرض صور الزنزانة الخالية من النوافذ على الجمهور، والتي كانت في ذلك اليوم في المحكمة تتكون من الضحايا، واثنين من طلاب القانون، ومراسل واحد. الشيخوخة واشتداد المرض، حيث كانت إعاقة عبد الهادي ظاهرة أيضاً طوال جلسة الاستماع، بدءاً بالجنود الذين جلبوه على كرسي متحرك إلى قاعة المحكمة، حيث كان سرير المستشفى متواجداً في زاوية بعيدة. عقد القاضي جلسات صباحية قصيرة قبل أن تجعل مسكنات الألم الموصوفة لعبد الهادي يشعر بالنعاس لدرجة تمنعه من متابعة الإجراءات.

وفي حالات أخرى، يعدّ محامو الدفاع حالته طليعة المشكلات الصحية الناشئة لدى مجموعة من السجناء الذين يعانون إصابات دماغية مؤلمة، وأمراضاً عقلية، واضطرابات في الجهاز الهضمي، وإصابات في الظهر والرقبة.

مدخل معسكر غوانتانامو شديد الحراسة (الشرق الأوسط)

اللائمة على «المواقع السوداء»

وقد ألقى المحامون باللائمة في المشاكل الصحية التي يعانيها السجناء على السنوات التي كانوا يحتجزون فيها في «المواقع السوداء». وقال القاضي العسكري، العقيد تشارلز بريتشارد جونيور، إنه تم تقديم بعض التسهيلات «لضمان عدم التأثير سلباً على حق المتهم في حضور هذه الإجراءات القانونية».

وحذر هيئة المحلفين من اتخاذ هذا الإجراء ضد السجين. قال الرائد لوكاس هويسنغا، وهو محام من قوات المارينز في فريق الدفاع، إن عبد الهادي تلقى رعاية طبية دون المستوى المطلوب في «منشأة دون المستوى المطلوب» في غوانتانامو؛ ونتيجة لذلك «أصبح مُعَوَّقاً بشكل دائم ويعاني ألماً مزمناً وشديداً».

وكان سيتم إجلاء أي جندي أميركي طبياً، في ظروف مماثلة، إلى مرافق طبية عسكرية أفضل تجهيزاً في الولايات المتحدة. هذا، ويحظر الكونغرس نقل المحتجزين إلى الولايات المتحدة لتلقي الرعاية الصحية أو لأي سبب آخر. وبدلاً من ذلك، عندما وُجد عبد الهادي مشلولاً جزئياً ومصاباً بالسَّلَس البولي في زنزانته في سبتمبر (أيلول) 2017، أرسلت البحرية جراحاً صغيراً يفتقر إلى الخبرة إلى غوانتانامو، ولم يكن لديه الموارد الكافية لإجراء عملية جراحية له، كما قال الرائد هويسنغا. في حين دافع السيد شورت، المدعي العام، عن رعاية عبد الهادي وعدّها «بالتأكيد غير كافية» ورفض تشخيصه باضطرابات ما بعد الصدمة الذي لم يتم علاجه، على اعتبار أنه ربما جاء نتيجة لشعوره بالذنب.

* «نيويورك تايمز»