جيمن إسماعيل تجمع الرمزية والتعبيرية في طابعها التشكيلي الخاص

الألوان تلعب دورًا مهمًا في حياة الفنانة التشكيلية الكردية

الفنانة جيمن إسماعيل إلى جانب إحدى لوحاتها في معرضها  في متحف الامن الاحمر في مدينة السليمانية (الشرق الأوسط)
الفنانة جيمن إسماعيل إلى جانب إحدى لوحاتها في معرضها في متحف الامن الاحمر في مدينة السليمانية (الشرق الأوسط)
TT

جيمن إسماعيل تجمع الرمزية والتعبيرية في طابعها التشكيلي الخاص

الفنانة جيمن إسماعيل إلى جانب إحدى لوحاتها في معرضها  في متحف الامن الاحمر في مدينة السليمانية (الشرق الأوسط)
الفنانة جيمن إسماعيل إلى جانب إحدى لوحاتها في معرضها في متحف الامن الاحمر في مدينة السليمانية (الشرق الأوسط)

ألوان برتقالية وصفراء وأخرى زرقاء، وجوه متعددة، وتشابك بين الرمزية والتعبيرية، هكذا كانت اللوحات التي عرضتها الرسامة الكردية جيمن إسماعيل رشان، في معرضها الأخير الذي نظمته في متحف الأمن الأحمر في مدينة السليمانية في إقليم كردستان.
منذ أكثر من 40 عامًا والرسامة جيمن إسماعيل تواصل حبها للفن، هذا الحب الذي بدأ منذ طفولتها، وبالتحديد منذ مرحلة الدراسة الابتدائية، حيث كانت تولي الفن خصوصًا الرسم اهتمامًا كبيرًا، وتهتم في الوقت ذاته بجمع أقلام التلوين والفراشات متهيئة لتكون فنانة في المستقبل، وكان لأهلها الدور الأكبر في مساندتها وتشجيعها وتوفير ما تحتاجه من مستلزمات نشوء فنان جديد في المجتمع.
ولدت الرسامة جيمن إسماعيل عام 1966 في مدينة السليمانية في إقليم كردستان، وواصلت مراحل دراستها فيها، ومن ثم انتقلت للدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، وتخرجت منها عام 1988. وبدأت بعد التخرج من الأكاديمية عملها كأستاذة في معهد الفنون الجميلة في السليمانية، وهي لا تزال تمارس وظيفتها في المعهد.
«الشرق الأوسط» التقت الرسامة جيمن إسماعيل في معرضها الذي كان تحت عنوان «أرواحهم أبيض من البياض وأسود من...»، وتجولت معها في أروقة المعرض، فكان لها حديث شيق عن مضامين عملها الفني خلال أكثر من أربعين عامًا من عشق الرسم.
بدأت حديثها بالقول: «أتذكر ذلك اليوم الذي اشترى لي أبي لأول مرة ألوانًا زيتية، وكان عمري آنذاك 11 عامًا. وشجعني هذا إلى الاهتمام بالرسم بشكل أكبر، ومنذ ذلك الوقت بدأت مشواري الطويل في مجال الفن التشكيلي وما زلت مستمرًا في ذلك، فالفن رسالة إنسانية وروحية قيمة».
من يشاهد أعمال جيمن إسماعيل يتبلور لديه الشعور بأن ما رسمته عبارة عن دمج بين المدرستين التعبيرية والرمزية في الفن. فلا تخلو لوحة من لوحاتها من رمز أو تعبير عن حوادث وقصص مرتبطة بالأحداث المتعلقة بالأكراد التي عاصرتها الرسامة خلال القرن الماضي والقرن الحالي. لكنها تؤكد أن لوحاتها مرسومة بنهج خاص بها بدأته من السنوات الأولى لدراستها الفن في الأكاديمية.
وأوضحت: «كنت دائمًا أشعر أن نظرتي وشعوري الفني مختلفان عن الآخرين، وبالفعل منذ العام الثاني للدراسة في الأكاديمية قررت أن أبدأ الرسم عن طريق دمج وتركيز كافة حواسي في اللوحة وخرجت بلوحة كانت تحمل طابعًا خاصًا بي، وحينها علق أستاذنا اللوحة في مرسم الكلية، رغم أنه يظهر من خلال استخدام الخطوط والألوان أنها تعبيرية لكنها ليست كذلك في الحقيقة، فهذا طابعي الخاص لأنها غير ملتزمة بالأسس التعبيرية الموجودة، وتضم مفردات كثيرة بومضات رمزية».
وعن الدور الذي تلعبه الألوان في أعمالها، خصوصًا أن اللون البرتقالي هو الطاغي على غالبيتها، أوضحت جيمن بالقول: «ما عدا معرضي الأول الذي نظمته عندما كنت في السادسة عشر من عمري استخدمت فيها أقلام الحبر السوداء، بعدها بدأت بالاختلاط بدنيا الألوان، واستخدامها بكثافة في اللوحات بحيث بدأوا يقولون إن أعمال الرسامة جيمن يعني الألوان. وهذا يعود إلى أن اللون يشكل قسمًا مهمًا من حياة الفنان التشكيلي. واللونان البرتقالي والأصفر يعنيان الولادة من جديد، بالإضافة إلى أنني أحب كل الألوان. والحياة جميلة بتنوع ألوانها وأشكالها كباقة ورد متنوعة الألوان والأنواع».
وعن كثرة الوجوه والنساء في لوحاتها، ودلالاتها الرمزية، بينت جيمن: «كل الإيحاءات والحالات التعبيرية تظهر على وجوه الأشخاص وأجسامهم، ومن خلال حركة أيديهم وأرجلهم. كذلك أنا أحاول وباستمرار وضع معاناة المرأة وما تتعرض له من عنف، وبطولاتها على اللوحة، لأن النظر في أكثر الأحيان له دور بارز في توصيل رسالة إلى الناس الذين يزورون المعرض»، مشيرة إلى أن المواد التي تستخدمها في الرسم هي الألوان الزيت على الكانفاس، عن طريق الفرشاة».
وتابعت جيمن: «الموسيقى هي الحاضرة دائمًا معي عند ولادة اللوحة، وهي التي تحرك ما في داخلي من مشاعر وأحاسيس، فأنا عاشقة لصوت فرقة كامكاران الموسيقية الكردية، وفنانين آخرين أكراد، فأنا أشعر أثناء رسم اللوحة على أنغام الأغاني أن روحي تذوب معها، وتخرج دموعي الداخلية معها». وعن مشاريعها الفنية المستقبلية، أكدت الرسامة جيمن: «لدي مشروع فني كبير يجمع كل الأقسام الفنية من الموسيقى والفن التشكيلي، والمسرح، بالإضافة إلى الشعر، وكان خاصًا بمدينة حلبجة، لكن هذا المشروع بحاجة إلى ميزانية كبيرة، لذا هو حاضر الآن وسأنفذه عندما تكون الأمور ملائمة».
وتعد الفنانة التشكيلة جيمن إسماعيل واحدة من أبرز الرسامات الكرديات، فقد استطاعت خلال السنوات الماضية تنظيم أكثر من (50) معرضًا في مدن إقليم كردستان، وخارج الإقليم في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وهولندا وكوريا الجنوبية وفي الولايات المتحدة الأميركية ومدينة البندقية في إيطاليا، أما معرضها الأخير الذي نظمته في مدينة السليمانية، فضم أحد عشر لوحة زيتية كانت نتاج عمل الشهور السبعة الماضية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».