موسكو تحذر تل أبيب من «تدمير» العلاقات

تسليح أوكرانيا يفاقم الخلافات... وانعكاسات التوتر تظهر في سوريا

ديمتري مدفيديف خلال زيارته مركزاً للتكنولوجيا في بطرسبورغ قبل أيام (رويترز)
ديمتري مدفيديف خلال زيارته مركزاً للتكنولوجيا في بطرسبورغ قبل أيام (رويترز)
TT

موسكو تحذر تل أبيب من «تدمير» العلاقات

ديمتري مدفيديف خلال زيارته مركزاً للتكنولوجيا في بطرسبورغ قبل أيام (رويترز)
ديمتري مدفيديف خلال زيارته مركزاً للتكنولوجيا في بطرسبورغ قبل أيام (رويترز)

حملت عبارات الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي أقوى رسالة تحذير إلى الإسرائيليين منذ اندلاع الحرب الأوكرانية. وبدا أن الملفات الخلافية التي تراكمت خلال الأشهر الماضية بين موسكو وتل أبيب قد وصلت إلى لحظة حرجة في علاقات الطرفين، مع بروز دعوات في إسرائيل إلى تعزيز تسليح أوكرانيا في مواجهة انخراط السلاح الإيراني في الحرب بعد اتساع استخدام طائرات هجومية إيرانية الصنع، وتقارير عن استعداد طهران لتزويد موسكو بقدرات صاروخية متعددة الأغراض.
وقال مدفيديف الذي حولته الحرب مع أوكرانيا إلى واحد من أبرز «الصقور» في النخب السياسية الروسية، إن احتمال تصدير أسلحة إسرائيلية لأوكرانيا، سوف يشكل تحولاً حاسماً في العلاقات، مشيراً إلى أنها «إذا فعلت ذلك فسوف تدمر جميع العلاقات مع روسيا».
وكرر مدفيديف اتهام القادة الأوكرانيين بـ«النازية» وهي التهمة التي استخدمتها روسيا كثيراً منذ اندلاع الحرب، لكنه في هذه المرة تعمد إثارتها لعقد مقارنات بين مواقف اليهود خلال الحرب العالمية ومواقفهم حالياً، مشيراً إلى أن «الحديث لا يدور فقط عن بانديرا، وأنصاره كما كانوا نازيين لا يزالون كذلك. يكفي فقط النظر إلى رموز أتباعهم المعاصرين. وإذا تم تزويدهم بالسلاح، فقد حان الوقت لأن تعلن إسرائيل، أن بانديرا وشوخيفيتش بطلان من أبطالها».
يشار إلى أن ستيبان بانديرا ورومان شوخيفيتش كانا من الناشطين ضد النفوذ السوفياتي في أوكرانيا، وتعاونا مع ألمانيا النازية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية.
حملت عبارات مدفيديف وتذكيره بـ«الماضي النازي» لمعارضي روسيا في أوكرانيا، تذكيراً بعبارات أطلقها في مايو (أيار) الماضي وزير الخارجية سيرغي لافروف حول أن «أدولف هتلر كان يهودياً» وأثارت في حينها غضباً واسعاً في تل أبيب.
جاء تعليق لافروف رداً على سؤال صحافي استنكاري حول اتهام روسيا للقيادة الأوكرانية بأنها «نازية» علماً بأن هذه القيادة تضم كثيرين من أصول يهودية بينهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي. وقال الوزير الروسي: «عندما يقولون إنهم لا يمكن أن يكونوا نازيين بسبب الأصول اليهودية فعلينا أن نتذكر أن كثيرين من المؤرخين اليهود أنفسهم كانوا يرون أن هتلر أيضاً له أصول يهودية لذلك فهذا لا يعني شيئاً».
على الفور اتهمت تل أبيب الوزير الروسي بـ«نشر معاداة السامية والتهوين من شأن المحرقة». وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، في حينها: «مثل هذه الأكاذيب تهدف إلى اتهام اليهود أنفسهم بأبشع الجرائم في التاريخ التي ارتكبت ضدهم... إن استغلال محارق النازي ضد الشعب اليهودي لأغراض سياسية يجب أن يتوقف على الفور».
واستنكر أيضاً زعم لافروف بأن عناصر موالية للنازية تسيطر على الحكومة والجيش في أوكرانيا.
وقال لبيد: «الأوكرانيون ليسوا نازيون. النازيون فقط كانوا نازيين، وكانوا وحدهم وراء التدمير الممنهج للشعب اليهودي».
كانت تلك الحادثة مؤشراً إلى المنعطف الخطر الذي دخلته العلاقات بين موسكو وتل أبيب بعد الحرب الأوكرانية، وقد أظهرت مدى اتساع الهوة بعدما اتهمت الحكومة الإسرائيلية موسكو بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، ووافقت إسرائيل على تقديم خوذات وسترات واقية لأجهزة الإنقاذ الأوكرانية، وذلك في إشارة إلى تحول في موقفها فيما يتصل بتقديم مثل هذه المعدات.
بعد ذلك، وبرغم تبدل لهجة الحكومة الإسرائيلية جزئياً في وقت لاحق، وسعي عدد من المسؤولين فيها إلى إبقاء الباب مفتوحاً أمام الحوار مع موسكو لكن المواقف الأساسية للطرفين حافظت على نفس المستوى من التباعد. وأدانت إسرائيل لاحقاً أكثر من مرة خطوات روسيا في ضم المناطق الأوكرانية وفي التصعيد العسكري ضد المدن. في المقابل سارت موسكو من جانبها خطوات ضد إسرائيل، كان أبرزها ملاحقة نشاط الوكالة اليهودية «سخنوت» قضائياً والتضييق على نشاطها في موسكو، وهي الوكالة التي تشرف عملياً على نقل آلاف اليهود من روسيا وبلدان الرابطة المستقلة إلى إسرائيل. وبررت مصادر روسية الملاحقة بأنها رداً على نشاط الوكالة الدعائي المعادي لروسيا الذي تمثل في الدعاية التي تحث اليهود على مغادرة البلاد.
ووفقاً لصحيفة «جيروزاليم بوست»، فإن وزارة العدل في الاتحاد الروسي هددت أيضاً عدة منظمات يهودية أخرى بإدراجها في سجل «العملاء الأجانب». لكن السلطات الروسية تؤكد أن ما حدث «لا علاقة له بالسياسة وأن مطلب وزارة العدل مرتبط بانتهاك القانون الروسي».
ووفقاً لمعطيات مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط» فقد فشل الطرفان في تقريب وجهات النظر وتجاوز الملفات الخلافية رغم عقد عدة جولات للحوار على مستويات دبلوماسية وأمنية وعسكرية في موسكو وتل أبيب.
لكن العنصر الحاسم الذي أوصل الأمور إلى التلويح بـ«تقويض» العلاقة بشكل كامل، كان دخول العنصر الإيراني بشكل متزايد على خط المواجهة في أوكرانيا، واقترح وزير شؤون الشتات الإسرائيلي نحمان شاي أن تبدأ الحكومة الإسرائيلية في تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، على غرار الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى. رداً على توسيع الاستخدام الروسي لطائرات هجومية انتحارية إيرانية الصنع في إيران، وورود تقارير عن نية طهران تزويد موسكو بقدرات صاروخية.
وكانت صحيفة «واشنطن بوست» قد نقلت عن مصادر أن روسيا اتفقت مع إيران على إمدادات أسلحة جديدة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية أرض - أرض ومجموعة من الطائرات بدون طيار.
وكتب شاي: «حان الوقت لتلقي أوكرانيا أيضاً مساعدة عسكرية من إسرائيل(...) لم يعد هناك أي شك» حول الجانب الذي يجب أن تتخذه إسرائيل في الصراع».
في أواخر أغسطس (آب)، أفيد بأن إيران أرسلت طائرات بدون طيار، من طرازي «مهاجر» و«شاهد». وأفادت تقارير بأن موسكو بدأت بنشاط باستخدام هذه الطائرات في هجمات واسعة ومركزة على منشآت حيوية للطاقة والتحكم في عدة مدن أوكرانية.
وقبل أيام نقلت وسائل إعلام، أن بوريس روزين، الخبير في مركز الصحافة العسكرية السياسية، قال إن روسيا طلبت من إيران طائرات بدون طيار جديدة من طراز «أراش» وأشار نقلاً عن مصادر إيرانية، إلى أن إيران ستزود روسيا بصواريخ باليستية.
وفقاً للمعطيات فقد أرسلت طهران وفداً عسكرياً إلى موسكو في 18 سبتمبر (أيلول) للتوافق على شروط إمدادات الأسلحة الإضافية. وتشير تقارير إلى أن الصواريخ الإيرانية سوف تشمل طرازين من الصواريخ الباليستية الإيرانية قصيرة المدى «فاتح 110 «و«ذو القهار» وقالت المصادر إنهما قادران على إصابة أهداف على مسافة 300 و700 كيلومتر.
يذكر أن الرئيس الأوكراني قال في وقت سابق إنه وفقاً للمخابرات الأوكرانية، فقد طلبت روسيا 2400 طائرة انتحارية بدون طيار من إيران. وقال وزير الدفاع أليكسي ريزنيكوف إن الجيش الروسي يمتلك حالياً نحو 300 طائرة بدون طيار من هذا الطراز.
على خلفية السجال حول الانخراط الميداني للتقنيات العسكرية الإيرانية في الحرب، برز انعكاس آخر للأزمة المتفاقمة بين موسكو وتل أبيب، تمثل في الهجرة الجماعية لليهود من روسيا. ووفقاً لتقرير نشرته وسائل إعلام غربية وروسية، فمنذ اندلاع الحرب الأوكرانية قرر أكثر من 60 ألف يهودي يعيشون في روسيا المغادرة إلى إسرائيل بموجب برنامج «الإعادة إلى الوطن» ووفقاً للتقرير تم بالفعل إعادة أكثر من 26 ألف يهودي خلال الشهور الماضية، وينتظر 35 ألفاً آخرون استكمال أوراقهم.
للمقارنة، في عام 2021 بأكمله، غادر نحو 21 ألف يهودي روسيا. وهاجر 13 ألف مواطن من أصول يهودية من أوكرانيا. هذا الفارق الكبير بين مستويات العام الماضي والعام الحالي دفع الديموغرافي أليكسي راكشا إلى إعلان أن «وتائر رحيل اليهود من روسيا يمكن مقارنتها حالياً بفترة انهيار الاتحاد السوفياتي».
وفقاً للإحصاءات المنشورة فقد تضاعف عدد الروس الذين يغادرون إلى إسرائيل أربع مرات منذ مارس (آذار) الماضي ما يعكس أن هذا المسار مرتبط مباشرة بالحرب في أوكرانيا.
ولم يكن من الممكن ألا ينعكس تدهور العلاقة بين موسكو وتل أبيب على الوضع في سوريا، وخلال الشهور الماضية تصاعدت بقوة نبرة موسكو في انتقاد الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع إيرانية وحكومية في مناطق عدة من الأراضي السورية. وكانت موسكو قد تجاهلت توجيه انتقادات ضد الغارات الإسرائيلية في أوقات سابقة، لكن تدهور العلاقة إلى هذا المستوى غير المعادلة ودفع موسكو إلى طرح الملف في مجلس الأمن عبر مندوبها الدائم هناك.
أيضاً بدا أن إسرائيل تجاوزت «الخطوط الحمراء» التي كانت موسكو قد وضعتها وهي تشمل عدم توجيه ضربات إلى مواقع الجيش السوري أو المنشآت التي تقع بشكل أو بآخر تحت حماية الوجود الروسي مثل المطارات السورية. أو عبر توجيه ضربات إلى مواقع قريبة جداً من القواعد العسكرية الروسية في سوريا. وعكس ذلك انهيار التفاهمات الروسية الإسرائيلية التي ميزت العلاقة منذ التدخل الروسي المباشر في سوريا في 2015.


مقالات ذات صلة

خبراء: تجربة كوريا الشمالية الباليستية تشير إلى احتمال القدرة على استهداف البر الأميركي

العالم جانب من إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات من طراز «هواسونغ 18» في 18 ديسمبر 2023 (رويترز)

خبراء: تجربة كوريا الشمالية الباليستية تشير إلى احتمال القدرة على استهداف البر الأميركي

يدل إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، اليوم (الخميس)، على تقدم محتمل في قدرتها على إطلاق هجمات نووية يمكن أن تصل إلى البر الأميركي.

«الشرق الأوسط» (سيول)
أوروبا عمال البناء يحفرون مدرسة تحت الأرض في زابوريجيا بأوكرانيا في 30 أغسطس 2024 وهي واحدة من 12 مدرسة مخططاً لها في المدينة ومصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل (أ.ب)

أوكرانيا تبني مدارس تحت الأرض لحماية التلاميذ من القنابل والإشعاعات

مع استمرار القصف اليومي الروسي بالصواريخ والقنابل، تواصل زابوريجيا بأوكرانيا بناء شبكة مدارس تحت الأرض مصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل وتستوعب 12 ألف طالب.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ من بين الشركات التي فرضت عليها وزارة الخزانة الأميركية عقوبات، 274 شركة متهمة بتزويد روسيا بتكنولوجيا متقدمة، فضلاً عن شركات الدفاع والتصنيع الروسية (رويترز)

واشنطن تفرض عقوبات على 398 شركة أجنبية بتهمة مساعدة المجهود الحربي الروسي

فرضت الولايات المتحدة، اليوم (الأربعاء)، عقوبات على 398 شركة في روسيا والهند والصين وأكثر من اثنتي عشرة دولة أخرى، بتهمة دعم المجهود الحربي الروسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا سفينة شحن في البحر الأسود تنتظر المرور عبر مضيق البوسفور في إسطنبول بتركيا 31 أكتوبر 2022 (رويترز)

اتهامات روسية لبريطانيا بتزويد أوكرانيا بالأسلحة عبر ممر الحبوب

اتهمت روسيا بريطانيا، الأربعاء، باستخدام ممرّ الحبوب في البحر الأسود لتزويد أوكرانيا بالأسلحة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ جمود روس في منطقة كورسك الروسية عند الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

البنتاغون: انتشار «عدد صغير» من الجنود الكوريين الشماليين في منطقة كورسك الروسية

قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الثلاثاء، إن «عدداً صغيراً» من الجنود الكوريين الشماليين ينتشرون في منطقة كورسك الروسية عند الحدود مع أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رئيس الأرجنتين يقيل وزيرة خارجيته لتصويتها ضد العقوبات الأميركية على كوبا

وزيرة خارجية الأرجنتين المقالة ديانا موندينو (أرشيفية - رويترز)
وزيرة خارجية الأرجنتين المقالة ديانا موندينو (أرشيفية - رويترز)
TT

رئيس الأرجنتين يقيل وزيرة خارجيته لتصويتها ضد العقوبات الأميركية على كوبا

وزيرة خارجية الأرجنتين المقالة ديانا موندينو (أرشيفية - رويترز)
وزيرة خارجية الأرجنتين المقالة ديانا موندينو (أرشيفية - رويترز)

أقال الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي وزيرة خارجيته ديانا موندينو بعد تصويتها الأربعاء في الأمم المتحدة ضد الحظر الأميركي المفروض على كوبا، وفق المتحدث باسم الرئاسة.

وجاء في منشور للمتحدث باسم الرئاسة الأرجنتينية مانويل أدروني على منصة إكس أن "وزير الخارجية الجديد لجمهورية الأرجنتين هو خيراردو فيرثين، السفير السابق لدى الولايات المتحدة"، وذلك بعيد تبني الأمم المتحدة قرارا ضد الحظر الأميركي المفروض على كوبا بغالبية ساحقة بلغت 187 صوتا مقابل صوتين (الولايات المتحدة وإسرائيل) وامتناع مولدافيا عن التصويت. ولطالما صوّتت الأرجنتين ضد الحظر.

وبعد إعلان الإقالة، عمد ميلي الذي انتخب رئيسا في ديسمبر (كانون الأول)، إلى إعادة نشر تعليق لعضو في البرلمان أعربت فيه عن "افتخارها بحكومة لا تدعم الطغاة أو لا تتواطأ معهم. تعيش كوبا الحرة". وخيراردو فيرثين، هو رجل أعمال أرجنتيني ونائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية وترأس اللجنة الأولمبية الأرجنتينية بين عامي 2009 و2021، قبل أن يعيّنه ميلي سفيرا للأرجنتين لدى الولايات المتحدة.