القاتل المتسلسل يعود إلى الحياة وسط تصفيق الجمهور!

جيفري دامر آكل لحوم ضحاياه

الممثل إيفان بيترز بدور القاتل المتسلسل جيفري دامر (نتفليكس)
الممثل إيفان بيترز بدور القاتل المتسلسل جيفري دامر (نتفليكس)
TT

القاتل المتسلسل يعود إلى الحياة وسط تصفيق الجمهور!

الممثل إيفان بيترز بدور القاتل المتسلسل جيفري دامر (نتفليكس)
الممثل إيفان بيترز بدور القاتل المتسلسل جيفري دامر (نتفليكس)

تُلاحق الكاميرا جيفري دامر منذ إقامته في أحشاء أمه، المتخمة بالمهدئات وأدوية الأعصاب، مروراً بجلسات تشريح الحيوانات مع والده وهو بعدُ طفلاً، وصولاً إلى تحوله وحشاً بشرياً.
وبما أن الوحوش البشرية ما زالت تثير حشرية الجمهور، تَصدّر مسلسل «وحش: حكاية جيفري دامر» المشاهدات على منصة «نتفليكس»، بعد ساعاتٍ على بدء بثه. لم تسوق المنصة العالمية للمسلسل إطلاقاً؛ لا إعلانات ولا مقابلات مع الممثلين، لكنه سرعان ما احتل الشاشة بفَضل أرقام المشاهَدات القياسية في الأسابيع الأولى لإطلاقه. تخطى بذلك مسلسل «بريدجرتون» الشهير وحل ثانياً خلف «ستراينجر ثينغز – الموسم 4».
منذ فيلم «صمت الحملان» من بطولة أنطوني هوبكنز عام 1991، لم يخمد عطش الناس إلى حكايات القتلة المتسلسلين. وجيفري دامر واحدٌ منهم لكنه ليس كأي قاتل متسلسل، فهو يختار ضحاياه بحسب مواصفات محددة، ويتخلص منهم معتمداً خطة محكمة وغريبة، ثم يتصرف بجثثهم تقطيعاً وتخزيناً وحتى أكلاً!

تشريح الأجساد وإغفال النفوس
لا مبالغة في كل ما سبق، فالمسلسل يروي قصة حقيقية هزت الولايات المتحدة في بداية التسعينات. ليس جيفري دامر شخصية متخيلة، بل هو قاتل متسلسل وضع حداً لحياة 17 مراهقاً وشاباً بين عامَي 1978 و1991.
لا يستفيض المسلسل في المشاهد الدموية العنيفة ولا يجعل منها المحور الأساسي، مفسحاً المجال أمام مخيلة المُشاهد للقيام بذلك. إلا أنه يحول القاتل إلى محط الأنظار في كل الأوقات، لا سيما في الحلقات الخمس الأولى. لا يذهب إلى حد الدفاع عنه أو تمجيده، لكنه يقدم التبريرات له مواربة، حتى وإن لم يتعمد فعل ذلك.
لقد انتُقد مؤلف العمل راين مورفي كثيراً على إغفاله روايات الضحايا، على حساب تركيزه على حكاية جيفري. وكأن القصة تُروى من وجهة نظره محاولةً أنسنة الوحش الذي يسكنه؛ فهو الطفل الذي عانى بسبب إدمان أمه الحبوب المهدئة، وهو الولد الذي شهد على الشجارات العنيفة بين والدَيه ثم على طلاقهما، وهو المراهق الذي تُرك وحيداً فلم يجد سلوى سوى تلك التي لقنه إياها والده: تشريح جثث الحيوانات المدهوسة والمُلقاة إلى جانب الطريق.

جيفري دامر الحقيقي خلال محاكمته
في محاولة للتخفيف من ثقل التوحش والإجرام والاختلال النفسي التي يغرق فيها جيفري شاباً، غالباً ما يعود المسلسل إلى الماضي في مشاهد استرجاعية لطفولة دامر ومراهقته الانطوائية الغريبة. يحصل ذلك من دون الغوص في المسببات النفسية التي أوصلته إلى هكذا مصير. لكن باستطاعة المشاهد بسهولة أن يستنتج أن جيفري يعاني من عقدة الهَجر، فيحاول استبقاء الناس معه من خلال قتلهم وحفظ بعض من بقاياهم في بيته وثلاجته. نراه يراكم الجرائم والضحايا، من دون أن يخضع دماغه لتحليلٍ معمق. ذاك الدماغ الذي أذهل الأطباء والعلماء فطالبوا بتشريحه في محاولة لفهمه، بعد وفاة دامر في الـ34 من عمره.

وبين حياته القصيرة المصبوغة بالدم والمسيجة بالأشلاء، ومقتلِه في السجن عام 1994، أمضى دامر عمرَه باحثاً عن طرائد بشرية جديدة تجمع بينها صفات مشتركة. فمعظم الذين قضوا على يده هم شبان لم يتخطوا الـ30 ذات ميول جنسية مثلية، ومن أصحاب البشرة السمراء أو الأصول الآسيوية.
13 سنة من الجرائم المتسلسلة أمضاها دامر وهو ينجو بأفعاله، رغم تبليغ جارته عنه مراتٍ عدة جراء تصرفاته المثيرة للشك، وبسبب الأصوات المريبة والرائحة الكريهة المنبعثة من شقته. ينشغل المسلسل في وضع إصبعه على جرح ذلك الإهمال الأمني في القضية، الذي حال دون توقيف القاتل منذ أولى جرائمه. يتطرق، من دون الغوص عميقاً، إلى كواليس الإهمال والفشل المؤسساتي وربما عنصرية شرطة مدينة ميلووكي في ولاية وسكنسن الأميركية، حيث نفذ دامر معظم جرائمه.


أحد مشاهد المسلسل (نتفليكس)

بين أرقام المشاهدات وضحايا ليسوا أرقاماً
لا تترك أرقام المشاهدات مجالاً للشك في أن المسلسل حقق نجاحاً جماهيرياً باهراً، لكن على ضفة النقاد فهو تعرض لحملة رفضٍ وصفته بالسطحي والمزعج والمقرف. كذلك حصل على ضفة أهالي الضحايا الذين اعترضوا على عدم استشارتهم قبل التصوير والعرض، إضافة إلى تجسيد مأساتهم من دون أخذ مشاعرهم في الحسبان. إلى جانب ذلك، هم رأوا في العمل استغلالاً لحكايات أولادهم، من أجل إشباع جمهورٍ جائعٍ إلى قصص القتل والإجرام. وهذا ما يفسر ربما تردد «نتفليكس» في التسويق للمسلسل.
ضحايا دامر هم فعلاً الحلقة الأضعف في العمل الدرامي، الذي لم يفرد مساحة كافية لتكريم ذكراهم من خلال سرد المزيد عنهم. إذ لم يعرف المشاهد عن هؤلاء البشر، سوى ما انتهوا إليه تحت يد القاتل!
وحدَه طوني هيوز، الضحية رقم 12، يتميز من بين الجميع ويتفرد بحلقة تختلف عن كل ما سبقها وما يَليها. فالحلقة 6 من «دامر» في مكان وباقي الحلقات في مكانٍ آخر. على نقيض السردية المروعة المتواصلة منذ بدء المسلسل، تأتي تلك الحلقة لتؤنسن العمل وتمنح فسحة ضوء للمُشاهد ولجيفري دامر بذاته. للمرة الأولى، يشعر المتابعون بأن الخلاص جاء ليهدي القاتل حباً وأماناً وشفاءً من هوَسه. لحظاتٌ عالية الإنسانية تجمع بين دامر المضطرب وهيوز الأصم والأبكم، الذي أدى دورَيهما ببراعة كل من إيفان بيترز ورودني بورفورد. تختلف تلك الحلقة عن سواها كذلك، على مستوى المساحة التي تفردها لشخص هيوز ولطفولته ولأحلامه. غير أن تلك الأحلام سرعان ما تبخرت على يد جيفري التي أدمنت القتل والتشريح.


إلى سجنه حيث كان من المفترض أن ينفذ 15 حكماً مؤبداً، وصلت إلى دامر مطلع التسعينات رسائل من مئات المعجبين وحتى عروض للزواج. وها هي شعبيته تتجدد اليوم، ويتسابق المراهقون لشراء زيه من أجل التنكر به في عيد هالويين.
من الواضح إذن أن المشاهدين في عطشٍ أبدي إلى حكايات القتَلة المتسلسلين. لكن لماذا لا تُقدَّم لهم تلك القصص في إطار أقل وحشية؟ إطار يأخذ في الاعتبار مشاعر أهالي الضحايا، ويتعمق أكثر في الغياهب النفسية للقاتل، ويسرد المعاناة من وجهة نظر الضحايا؟ فهؤلاء ليسوا مجرد هياكل عظمية تنضم إلى مجموعة القاتل المتسلسل، ولا أرقاماً ترتفع بفضلها أرقام المشاهدات.


مقالات ذات صلة

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

يوميات الشرق وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

يعرفه الجميع بوصفه الرئيس الأميركي الأسبق، لكنّ قلةً تعلم أن باراك أوباما دخل مجال الإنتاج التلفزيوني وبات يسجّل الوثائقيات بصوته، أحدث أعماله على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق فيلم جديد على «نتفليكس» يروي جزءاً من سيرة مريم العذراء (نتفليكس)

«مريم» على نتفليكس... فرصة ضائعة لرواية سيرة والدة المسيح

من الاستعانة بممثلين إسرائيليين، إلى الغرق في مغالطاتٍ تاريخية ودينية، مروراً بنصٍ يعاني السطحية، أثار فيلم «Mary» السخط أكثر مما أثار الإعجاب.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق من وجهة نظر العلاج بالفنّ (غيتي)

علاج القلق والكآبة... بالمسلسلات الكورية الجنوبية

رأى خبراء أنّ المسلسلات الكورية الجنوبية الزاخرة بالمشاعر والتجارب الحياتية، قد تكون «مفيدة» للصحة النفسية؛ إذ يمكنها أن تقدّم «حلولاً للمشاهدين».

«الشرق الأوسط» (سيول)
رياضة عالمية أيرتون سينا أسطورة سباقات فورمولا-1 (الشرق الأوسط)

مسلسل وثائقي يجسد حياة أسطورة الفورمولا سينا

تحولت حياة البرازيلي أيرتون سينا أسطورة سباقات السيارات فورمولا1- إلى مسلسل عالمي سيعرض للجمهور، وذلك بعد ثلاثين عاما من وفاته في حادث تصادم.

«الشرق الأوسط» (ساوباولو)

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
TT

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

في حالة استثنائية تجسد عمق الالتزام والإرث الدبلوماسي، حملت أسرة بن زقر التجارية العريقة في مدينة جدة (غرب السعودية) شرف التمثيل القنصلي الفخري لجمهورية فنلندا عبر 3 أجيال متعاقبة، في مسيرة دبلوماسية وتجارية متواصلة امتدت لأكثر من 7 عقود.

بدأت القصة كما يرويها الحفيد سعيد بن زقر، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما علم الجد سعيد بن زقر، بوجود جالية مسلمة في فنلندا تعاني من غياب مسجد يجمعهم، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بالسفر إلى هناك لبناء مسجد يخدم احتياجاتهم الدينية.

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

لكن الشيخ سعيد واجه بعض التحديات كما يقول الحفيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، تتمثل في منع القانون الفنلندي تنفيذ المشروع في ذلك الوقت، وأضاف: «بعد تعثر بناء المسجد، تقدمت الجالية المسلمة هناك بطلب رسمي إلى الحكومة الفنلندية لتعيين الجد سعيد قنصلاً فخرياً يمثلهم، وهو ما تحقق لاحقاً بعد موافقة الحكومة السعودية على ذلك».

وفي وثيقة مؤرخة في السابع من شهر سبتمبر (أيلول) 1950، اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تظهر موافقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، على تعيين الشيخ سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة.

وجاء في الوثيقة: «فلما كان حضرة صاحب الفخامة رئيس جمهورية فنلندا، قد عيّن بتفويض منه السيد سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة، ولما كنا قد وافقنا على تعيينه بموجب ذلك التفويض، فأننا نبلغكم بإرادتنا هذه أن تتلقوا السيد سعيد بن زقر بالقبول والكرامة وتمكنوه من القيام بأعماله وتخوّلوه الحقوق المعتادة وتمنحوه المميزات المتعلقة بوظيفته».

وثيقة تعيين الجد سعيد بن زقر صادرة في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه (الشرق الأوسط)

وأضاف الحفيد سعيد، القنصل الفخري الحالي لفنلندا: «أعتقد أن جدي كان من أوائل القناصل الفخريين في جدة، حيث استمر في أداء مهامه حتى عام 1984، لينتقل المنصب بعد ذلك إلى والدي، الذي شغله حتى عام 2014، قبل أن يتم تعييني خلفاً له قنصلاً فخرياً».

وفي إجابته عن سؤال حول آلية تعيين القنصل الفخري، وما إذا كانت العملية تُعد إرثاً عائلياً، أوضح بن زقر قائلاً: «عملية التعيين تخضع لإجراءات دقيقة ومتعددة، وغالباً ما تكون معقدة، يبدأ الأمر بمقابلة سفير الدولة المعنية، يعقبها زيارة للدولة نفسها وإجراء عدد من المقابلات، قبل أن تقرر وزارة الخارجية في ذلك البلد منح الموافقة النهائية».

الأب محمد بن زقر عُين قنصلاً فخرياً على مستوى مناطق المملكة باستثناء الرياض مقر السفارة (الشرق الأوسط)

وتابع قائلاً: «منصب القنصل الفخري هو تكليف قبل أن يكون تشريفاً، حيث تلجأ بعض الدول إلى تعيين قناصل فخريين بدلاً من افتتاح قنصلية رسمية، لتجنب الأعباء المالية، وعادةً ما يتحمل القنصل الفخري كل التكاليف المترتبة على أداء مهامه».

ووفقاً للأعراف الدبلوماسية فإن لقب القنصل الفخري، هو شخص من مواطني الدولة الموفد إليها، بحيث تكلفه الدولة الموفِدة التي لا توجد لديها تمثيل دبلوماسي بوظائف قنصلية إضافة إلى عمله الاعتيادي الذي عادة ما يكون متصلاً بالتجارة والاقتصاد.

يسعى الحفيد سعيد بن زقر إلى مواصلة إرث عائلته العريق في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية وفنلندا، والارتقاء بها إلى مستويات متقدمة في شتى المجالات. يقول بن زقر: «منذ تعييني في عام 2014، حرصت على تأسيس شركات وإيجاد فرص استثمارية في فنلندا، خصوصاً في مجالات تكنولوجيا الغذاء والوصفات الصناعية، إذ تتميز فنلندا بعقول هندسية من الطراز الأول، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة للتعاون والابتكار».

الحفيد سعيد بن زقر القنصل الفخري الحالي لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

ويرى القنصل الفخري لجمهورية فنلندا أن هناك انفتاحاً سعودياً ملحوظاً على دول شمال أوروبا، ومن بينها فنلندا، وأوضح قائلاً: «تتركز الجهود بشكل كبير على شركات التعدين الفنلندية التي تُعد من بين الأكثر تقدماً في العالم، إلى جانب وجود فرص واعدة لم تُستغل بعدُ في مجالات صناعة السيارات، والطائرات، والصناعات الدفاعية».

وفي ختام حديثه، أشار سعيد بن زقر إلى أن القنصل الفخري لا يتمتع بجواز دبلوماسي أو حصانة دبلوماسية، وإنما تُمنح له بطاقة تحمل مسمى «قنصل فخري» صادرة عن وزارة الخارجية، وبيّن أن هذه البطاقة تهدف إلى تسهيل أداء مهامه بما يتوافق مع لوائح وزارة الخارجية والأنظمة المعتمدة للقناصل الفخريين بشكل رسمي.