اليمين الإسرائيلي يلجأ إلى المحكمة العليا لإبطال الاتفاق مع لبنان

نتنياهو يعتبره «مصيدة» له إذا فاز في الانتخابات ويتهم بايدن ولبيد

صورة من شهر مايو الماضي لسفينة حفر تابعة لشركة «إنيرجيان» قرب حقل كاريش (رويترز)
صورة من شهر مايو الماضي لسفينة حفر تابعة لشركة «إنيرجيان» قرب حقل كاريش (رويترز)
TT

اليمين الإسرائيلي يلجأ إلى المحكمة العليا لإبطال الاتفاق مع لبنان

صورة من شهر مايو الماضي لسفينة حفر تابعة لشركة «إنيرجيان» قرب حقل كاريش (رويترز)
صورة من شهر مايو الماضي لسفينة حفر تابعة لشركة «إنيرجيان» قرب حقل كاريش (رويترز)

بعد أن تقرر أن تصادق الحكومة في جلسة استثنائية، اليوم (الأربعاء)، على اتفاق ترسيم الحدود الاقتصادية بين إسرائيل ولبنان، وتأجيل التوقيع الرسمي عليه إلى وقت لاحق في الشهر المقبل، أي بعد انتخابات الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، أعلن اليمين المتطرف الحرب على هذا الاتفاق. وقرر حزب الصهيونية الدينية برئاسة إيتمار بن غفير وبتسليل سموترتش التوجه إلى المحكمة الإسرائيلية العليا طالباً إبطاله.
وقال بن غفير إن حكومة يائير لبيد هي حكومة مؤقتة تقتصر مهامها على تسيير الأعمال ولا يحق لها التوقيع على اتفاقيات دولية، ولذلك فإن الاتفاق غير قانوني. وذكرت مصادر في حزب الليكود أن رئيسه بنيامين نتنياهو يدرس إمكانية التوجه هو الآخر إلى القضاء للمطالبة بمنع الحكومة من التوقيع على الاتفاق.
وأوضحت مصادر سياسية أخرى في تل أبيب أنه ما زالت هناك بعض علامات الاستفهام حول «الدلالات السياسية والقانونية» في إسرائيل لهذه التطورات، وذلك على إثر الالتماسات التي قُدمت إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد الاتفاق، وحملة المعارضة الشديدة له والتحريض عليه التي يشنها نتنياهو، ويهاجم فيها أيضاً الإدارة الأميركية، وليس لبيد وحده. ولكن هذه المصادر شككت في إمكانية نجاح الجهود القضائية، ورأت أن المسألة سياسية بالأساس. ولذلك فإن الجهد الحقيقي الذي يبذله نتنياهو هو في المجال السياسي.
وقد نقل على لسان نتنياهو قوله إن الرئيس الأميركي جو بايدن تجند ضده في الانتخابات. واعتبر الاتفاق «مصيدة» ينصبها كل من بايدن ولبيد في طريقه، عندما يفوز وينتخب مجدداً رئيساً للحكومة. ومع أن نتنياهو كان قد صرح مؤخراً بأنه في حال فوزه في الانتخابات وعاد إلى منصب رئيس الحكومة، فإنه لن يحترم الاتفاق مع لبنان، أنه يدرك أن التراجع عن اتفاق كهذا سيشكل أزمة مع الإدارة الأميركية، وسيضر بمصالح إسرائيل ويثير الشكوك حول مصداقيتها كدولة لا تحترم الاتفاقيات.

من جهة ثانية، أكدت مصادر سياسية مطلعة في تل أبيب على أن الوسيط الأميركي، آموس هوخشتاين، يحبذ إجراء التوقيع قبيل الانتخابات الأميركية النصفية. لكن الأمر يتوقف على نتائج الانتخابات للكنيست، وإن كانت ستسفر عن فوز رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، الذي يعارض هذا الاتفاق بشدة.
وحسب الناطق بلسان الحكومة الإسرائيلية، فإن المجلس الوزاري المصغر لشؤون السياسة والأمن في الحكومة (الكابنيت)، سيلتئم الأربعاء للمصادقة على هذا الاتفاق. وبعد ذلك فوراً ستعقد الهيئة الكاملة للحكومة جلسة استثنائية لإقرار الاتفاق. وتبدأ اتصالات لترتيب إجراءات التوقيع عليه بشكل رسمي واحتفالي في وقت لاحق من الشهر المقبل.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون، وكبير المفاوضين اللبنانيين نائب رئيس مجلس النواب، إلياس بو صعب، قد وصفا الاتفاق بالتاريخي. وقال أبو صعب، في وقت متأخر من ليلة الإثنين - الثلاثاء، لوكالة «رويترز»، إن لبنان تسلم المسودة النهائية لاتفاق بوساطة أميركية لترسيم الحدود البحرية مع الاحتلال الإسرائيلي تفي بجميع متطلبات لبنان ويمكن أن تؤدي قريباً إلى «اتفاق تاريخي». وقال الرئيس عون إنه «يأمل إنجاز كل الترتيبات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك بعدما قطعت المفاوضات غير المباشرة التي يتولاها الوسيط الأميركي شوطاً متقدماً، وتقلّصت الفجوات التي تم التفاوض في شأنها خلال الأسبوع الماضي».
وفي إسرائيل، أكد رئيس الوزراء، يائير لبيد، (الثلاثاء)، التوصل إلى اتفاق مع لبنان، ووصفه هو أيضاً بالتاريخي، وقال إن الاتفاق يعزز أمن إسرائيل ويؤدي إلى ضخ مليارات الدولارات إلى خزينتها ويضمن الاستقرار الأمني. وتابع لبيد أن «مسودة الاتفاق تستوفي بشكل كامل المبادئ التي قدمتها إسرائيل، سواء في المجال الأمني أو في المجال الاقتصادي». وأشار إلى أنه بعد تصويت الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق، سوف ينقل إلى الكنيست «ويدخل حيز التنفيذ بعد أسبوعين». ويتوقع ألا يستخدم رئيس الحكومة البديل، نفتالي بنيت، حقه باستخدام فيتو حول طرح الاتفاق للتصويت. وسيقرر بنيت شكل تصويته لاحقاً بعد أن يطلع على الاتفاق النهائي ويستمع إلى ملاحظات جهاز الأمن.
وقال رئيس مجلس الأمن القومي في الحكومة، إيال حولاتا، الذي يتولى إدارة المفاوضات مع لبنان، إنه «تمت تلبية جميع مطالب إسرائيل في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية. وعليه، نحن في طريقنا إلى اتفاق تاريخي مع لبنان». وأضاف: «لقد تم تعديل وتصحيح التغييرات التي طلبناها. حيث حافظنا على مصالح إسرائيل الأمنية».
وتعليقاً على ذلك، نقل الموقع الإلكتروني لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، عن وزيرة الطاقة الإسرائيلية، كارين الهرار، قولها: «أنا على دراية بالاتفاق الذي يتبلور وبصيغته. فتشديد المواقف من جانب إسرائيل أثبت نفسه، وتم تلبية جميع مطالبها». وأضافت وزيرة الطاقة الإسرائيلية أنه «سيكون هناك اعتراف بالخط العائم، وأن الاتفاقية ستصادق عليها الحكومة الإسرائيلية كخطوة أولى».
يذكر أن إسرائيل بدأت الاثنين تجارب على ضخ الغاز من حقل «كاريش» لفحص جاهزية شبكة الأنابيب والإمدادات.
واعتبرت «هآرتس» أنه رغم ارتفاع مستوى التوتر في الأيام الماضية، بعد رفض إسرائيل الملاحظات اللبنانية على مسودة الاتفاق، وتهديد وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، بإيعازه للجيش برفع حالة التأهب مقابل «حزب الله»، فإن «(حزب الله) يحافظ على نبرة ملجومة نسبياً ولا يطلق تهديدات كثيرة ضد إسرائيل». وفي نهاية المطاف تمت تسوية الخلاف في نقطتين. فإسرائيل ستحصل على حصة من أرباح حقل قانا اللبناني، ولكن ليس من الحكومة اللبنانية، بل من الشركة التي تستخرج الغاز (وهي شركة توتال) ويعترف لبنان بحدود العوامات كأمر واقع ومؤقت.
وفي أعقاب إعلان لبنان وإسرائيل عن التوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية، عقد وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، مداولات لتقييم الوضع في مقر قيادة المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي بمشاركة رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي. وقال غانتس، في ختام المداولات، إنه «لم نتنازل ولن نتنازل عن ميليمتر واحد من الأمن، والاتفاق يتقدم رغم تهديدات منظمة (حزب الله) الإرهابية التي حاولت عرقلة الاتفاق». وتابع غانتس أن «الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن تعمل طوال الوقت وفي جميع الجبهات من أجل الدفاع عن مواطني إسرائيل ومواردها، والسماح بمجرد حياة اعتيادية. وأرحب بإعلان الرئيس اللبناني بقبول الاتفاق. وإسرائيل معنية بلبنان كجارة مستقرة ومزدهرة، والاتفاق الذي نجده نزيهاً وجيداً لكلا الجانبين».
وأضاف أن «جهاز الأمن رافق عن كثب المفاوضات حول الحدود البحرية في الشمال. وأصررنا أن يضمن الاتفاق المصالح الأمنية لدولة إسرائيل. وسنواصل ضمان الاحتياجات الأمنية في السيناريوهات كافة ومنح الأمن لمواطني إسرائيل، وسنتيقن من أن الاتفاق يلبي حقوق إسرائيل الاقتصادية، وسنستعرض الاتفاق أمام الجمهور بصورة شفافة وواضحة ووفق القانون».


مقالات ذات صلة

توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

المشرق العربي توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

دعت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، مساء الجمعة، إلى الهدوء بعد توتر بين حرس الحدود الإسرائيليين وأنصار لـ«حزب الله» كانوا يتظاهرون إحياءً لـ«يوم القدس». ونظّم «حزب الله» تظاهرات في أماكن عدّة في لبنان الجمعة بمناسبة «يوم القدس»، وقد اقترب بعض من أنصاره في جنوب لبنان من الحدود مع إسرائيل. وقالت نائبة المتحدّث باسم يونيفيل كانديس أرديل لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ عناصر القبعات الزرق «شاهدوا جمعاً من 50 أو 60 شخصاً يرمون الحجارة ويضعون علم حزب الله على السياج الحدودي».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تباين بين «أمل» و«حزب الله» بشأن صواريخ الجنوب

تباين بين «أمل» و«حزب الله» بشأن صواريخ الجنوب

ذكرت أوساط سياسية لبنانية أنَّ «الصمت الشيعي» حيال إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه منطقة الجليل في شمال إسرائيل لا يعني أنَّ «حزب الله» على توافق مع حركة «أمل» بهذا الشأن، بمقدار ما ينم عن تباين بينهما، إذ ارتأيا عدم إظهاره للعلن لقطع الطريق على الدخول في سجال يمكن أن ينعكس سلباً على الساحة الجنوبية. وقالت المصادر إنَّ حركة «أمل»، وإن كانت تتناغم بصمتها مع صمت حليفها «حزب الله»، فإنها لا تُبدي ارتياحاً للعب بأمن واستقرار الجنوب، ولا توفّر الغطاء السياسي للتوقيت الخاطئ الذي أملى على الجهة الفلسطينية إطلاق الصواريخ الذي يشكّل خرقاً للقرار 1701. وعلى صعيد الأزمة الرئاسية، ذكرت مصادر فرنسية مط

العالم العربي المطارنة الموارنة يستنكرون تحويل جنوب لبنان إلى «صندوق» في الصراعات الإقليمية

المطارنة الموارنة يستنكرون تحويل جنوب لبنان إلى «صندوق» في الصراعات الإقليمية

استنكر المطارنة الموارنة في لبنان، اليوم (الأربعاء)، بشدة المحاولات الهادفة إلى تحويل جنوب لبنان إلى صندوق لتبادل الرسائل في الصراعات الإقليمية. ووفق وكالة الأنباء الألمانية، طالب المطارنة الموارنة، في بيان أصدروه في ختام اجتماعهم الشهري في الصرح البطريركي في بكركي شمال شرقي لبنان اليوم، الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية بالحزم في تطبيق القرار 1701، بما في ذلك تعزيز أجهزة الرصد والتتبُّع والملاحقة. وناشد المطارنة الموارنة، في اجتماعهم برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، «القوى الإقليمية والمجتمع الدولي مساعدة لبنان على تحمل أعباء لم تجلب عليه ماضياً سوى الخراب والدمار وتشتيت ا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي ميقاتي: عناصر غير لبنانية وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب على إسرائيل

ميقاتي: عناصر غير لبنانية وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب

أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الأحد، أن العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والانتهاك المتمادي للسيادة اللبنانية أمر مرفوض، مؤكدا أن «عناصر غير لبنانية» وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب. وقال ميقاتي إن «الهجوم الإسرائيلي على المصلّين في الأقصى وانتهاك حرمته أمر غير مقبول على الإطلاق، ويشكل تجاوزاً لكل القوانين والأعراف، ويتطلب وقفة عربية ودولية جامعة لوقف هذا العدوان السافر». وعن إطلاق الصواريخ من الجنوب والقصف الإسرائيلي على لبنان، وما يقال عن غياب وعجز الحكومة، قال ميقاتي إن «كل ما يقال في هذا السياق يندرج في إطار الحملات الإعلامية والاستهداف المجاني، إذ منذ اللحظة

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنان لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن رفضاً لاعتداءات إسرائيل

لبنان لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن رفضاً لاعتداءات إسرائيل

قررت الحكومة اللبنانية تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضد إسرائيل، على خلفية الغارات التي نفذتها على مناطق لبنانية بعد إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

TT

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

يتسابق كل من «حزب الله» وإسرائيل لرسم صورة الانتصار أمام جمهوره في الساعات الأخيرة للحرب، فيحاول الطرفان تحقيق المكاسب العسكرية والمعنوية أمام جمهوره قبل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار المتوقع، ليبقى السؤال؛ لمن ستكون الطلقة الأخيرة في هذه الحرب التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى في لبنان ودمّرت آلاف المنازل وهجّرت أكثر من مليون نازح، معظمهم لا يعرف الوجهة التي سيسلكها بعد وقف آلة الحرب؟!

وكانت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، التي أعلنها الأخير تحت عنوان «إسناد غزة» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قد اتخذت منحى تصعيدياً في 23 سبتمبر (أيلول) 2024 بقرار من تل أبيب، لتتوسع وتشمل كل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، أي بشكل أساسي المناطق المحسوبة على «حزب الله» والطائفة الشيعية، واستمرت بالوتيرة نفسها لمدة أكثر من شهرين، قبل أن يبدأ العمل جدياً على وقف إطلاق النار قبل نحو أسبوعين.

تصعيد متدرج وساعات صعبة على اللبنانيين

ومع بدء ملامح التوافق على الحلّ الذي يرتكز بشكل أساسي على قرار مجلس الأمن 1701، رفع الطرفان راية التصعيد في المشهد الأخير للحرب مستفيدين من الساعات الأخيرة «لتحقيق الإنجازات» العسكرية والسياسية.

ومنذ بدء الحديث عن تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار، شهدت المواجهات تصعيداً غير مسبوق، بحيث ارتكبت إسرائيل مجزرة في منطقة البسطة القريبة من وسط بيروت، صباح السبت، أدت إلى مقتل 29 شخصاً، وكانت المواجهات أكثر حدّة يوم الأحد بإطلاق «حزب الله» أكثر من 300 صاروخ باتجاه مستوطنات الشمال حيث سُجل سقوط جرحى، ووصل منها إلى تل أبيب، معيداً بذلك تفعيل معادلة «تل أبيب مقابل بيروت»، في موازاة الغارات والقصف المتنقل بين الجنوب والبقاع والضاحية التي تعرضت ليلاً لزنار نار عبر استهدافها بأكثر من 11 غارة، ما أدى إلى دمار هائل في المباني.

كذلك، شهدت بلدة الخيام ليلة عنيفة، في استمرارٍ لمحاولة التوغل الإسرائيلية وتفخيخ الجيش للمنازل والأحياء.

وفيما استمر التصعيد يوم الاثنين بارتكاب إسرائيل عدداً من المجازر في البقاع والجنوب، عاش اللبنانيون ساعات صعبة على وقع المعلومات التي تشير إلى تحديد موعد وقف إطلاق النار، وشنّت سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية بعد إصدار أوامر إخلاء هي الأكبر من نوعها منذ بداية الحرب ، بحيث طال زنار نار 20 مبنى في الحدث وحارة حريك والغبيري وبرج البراجنة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفّذ 20 هدفاً إرهابياً خلال 120 ثانية.

 

الدخان يغطي سماء الضاحية الجنوبية لبيروت التي استهدفت الثلاثاء بأكثر من 20 غارة (رويترز)

وفي الجنوب، حيث تدور مواجهات شرسة في محاولة الجيش الإسرائيلي التوغل إلى بلدة الخيام، نشر المتحدث باسمه صوراً لجنود قال إنها عند «نهر الليطاني»، وأشارت المعلومات إلى أن الجنود وصلوا إلى مجرى النهر من دير ميماس، التي دخلوا إليها قبل أيام .

وعلى وقع هذا التصعيد، بدأ الطرفان بترويج فكرة «الانتصار» أمام جمهورهما، فـ«حزب الله» ربط «التقدم في اتصالات وقف إطلاق النار بالصواريخ التي أطلقها السبت على تل أبيب ومستوطنات الشمال»، فيما يقول المسؤولون الإسرائيليون، في «رسالة طمأنة» لسكان الشمال الذين يتخوفون من وجود «حزب الله» على الحدود، إن الدولة العبرية ستتصرف بحزم عند أي خرق، مثل إعادة تسلح الحزب.

 

تحقيق آخر الأهداف لـ«إعلان النصر»

ويربط أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، الدكتور عماد سلامة، التصعيد العسكري من قبل إسرائيل بالإسراع بتحقيق الأهداف المؤجلة قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، فيما يحاول «حزب الله» عبر إطلاق الصواريخ أن يثبت أن قدراته العسكرية لا تزال قوية وأنه لم يهزم.

ويقول سلامة لـ«الشرق الأوسط»: «في اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، يسعى كل طرف إلى إعلان النصر كوسيلة أساسية لتسويق التسوية كمكسب، وليس كتنازل أو هزيمة، وهو يهدف إلى تعزيز شرعية الاتفاق أمام القواعد الشعبية والبيئة السياسية لكل طرف، ومحاولة جس النبض المحلي لقياس ردود الفعل وحجم المعارضة المحتملة»، مضيفاً: «هذه الديناميكية تجعل من إعلان النصر أداة تكتيكية لتهيئة الساحة الداخلية والتعامل مع أي تطورات في اللحظات الأخيرة قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن وقف الحرب».

من هنا، يرى سلامة أن «هذا الأمر يعكس حاجة كل طرف لتعزيز مواقعه داخلياً ولجم الانتقادات والحفاظ على التأييد السياسي»، موضحاً: «بالنسبة لإسرائيل، يمكنها اعتبار إنجازاتها سبباً لإعلان النصر، حيث حققت أهدافاً عسكرية استراتيجية. منها تدمير البنية التحتية العسكرية لـ(حزب الله)، واغتيال قياداته البارزة، ومنعه من الوجود الفاعل على الحدود مع إسرائيل. كما تمكنت من فصل المسار اللبناني عن القضية الفلسطينية، وإعادة المستوطنين إلى مناطقهم الشمالية بأمان، ما يشير إلى تحقيق كامل أهداف حملتها العسكرية بنجاح. هذا الإعلان يعزز موقف الحكومة الإسرائيلية أمام المعارضة الداخلية ويظهر قوة الردع الإسرائيلية».

أما بالنسبة لـ«حزب الله»، فيقول سلامة: «سيصرّ على أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، حيث لم تتمكن من تدمير قوته العسكرية بالكامل أو وقف الهجمات الصاروخية والمسيرات. كما سيؤكد الحزب أنه نجح في التصدي لأي توغل إسرائيلي في الجنوب، وأجبر إسرائيل على التراجع دون تحقيق أهدافها السياسية أو العسكرية»، مضيفاً: «بالنسبة لـ(حزب الله)، هذا الإعلان ضروري لترسيخ شرعيته أمام بيئته الحاضنة ومؤيديه، وللردّ على الانتقادات التي قد تطوله نتيجة الخسائر التي تكبدها خلال المواجهة»، ويؤكد: «في النهاية، إعلان النصر لكلا الطرفين يعكس أهمية تأطير الأحداث بما يخدم مواقفهما الداخلية والدولية».

الساعات والأيام الأخيرة لحرب «تموز 2006»

يبدو من الواضح أن سيناريو حرب «تموز 2006» يتكرر اليوم، حيث إنه قبيل أيام وساعات من اتفاق وقف إطلاق النار، صعّدت تل أبيب من عملياتها العسكرية، وأطلقت قبل يومين عملية برية حملت عنوان «تغيير اتجاه 11»، وتوغّل الجيش الإسرائيلي عبر إنزال جوي في بلدة الغندورية بقضاء بنت جبيل مقتحماً وادي الحجير، ومنها إلى منطقة جويا (شرق صور)، ما أدى إلى مواجهة شرسة من قبل «حزب الله». وأشارت المعلومات إلى تدمير الحزب 25 دبابة إسرائيلية، إضافة إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوف العسكريين.

كذلك، عمدت إسرائيل إلى رمي القنابل العنقودية قبل انتهاء الحرب بيومين فقط بشكل عشوائي، على أهداف غير محددة، ما حال دون القدرة على الحصول على خرائط دقيقة لإزالتها.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية رمت أكثر من 5 ملايين قنبلة، أدت حتى عام 2020 إلى مقتل نحو 58 مواطناً، وجرح نحو 400 آخرين، أصيب كثير منهم بإعاقات وعمليات بتر لأقدامهم، وغالبيتهم فقدوا عيونهم وهم من المزارعين والرعاة.

وفي الساعات الأخيرة لإعلان وقف إطلاق النار، تكثّف القصف الجوي ليشمل بلدات عدة في الجنوب، مستهدفاً مباني وأحياء سكنية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، فيما أمطرت المقاتلات الحربية الضاحية الجنوبية بوابل من الغارات حيث استهدفت ما يعرف بمجمع الإمام حسن السكني، المؤلف من 8 مبانٍ، بأكثر من 20 غارة خلال أقل من دقيقتين، ما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها.

في المقابل، أطلق «حزب الله» صواريخه باتجاه شمال إسرائيل، مستهدفاً عدداً من المستوطنات، منها حيفا وكريات شمونة ومسكاف عام.