ألفريد نوبل: حياتي نصف حياة بائسة لا تصلح للعيش

صنع لنفسه صورة شخص معذب بحلم يسعى لتحقيقه (2 - 2)

ألفريد نوبل
ألفريد نوبل
TT

ألفريد نوبل: حياتي نصف حياة بائسة لا تصلح للعيش

ألفريد نوبل
ألفريد نوبل

ظهور العناصر الروسية في رسائل الإخوة، غالباً، بقدر تعلق الأمر بالكلمات والمفاهيم المفقودة في السويدية أو التي يبدو من الطبيعي التعبير عنها باللغة الروسية، وأحياناً لإعادة إنتاج مثَل أو قول مأثور، وفي بعض الأحيان لنقل معلومات حساسة. بالنسبة إلى هذه الأخيرة تتمثل في رسالة من ألفريد إلى روبرت، والتي جرى حفظها بين أوراقه. كان ألفريد قد انتقل إلى استوكهولم في صيف عام 1863، بينما كان شقيقه يعيش في هلسنكي مع عائلته. الرسالة مؤرخة في 19 ديسمبر (كانون الأول) 1864. بعد عبارات التحية المعتادة، يتابع ألفريد:
«عليّ أن أوجز؛ لأني أعاني من التهاب في العين إثر ورم فيها، أهملته بسبب العمل. الأسوأ من ذلك كله*، أكد لنا الطبيب أن الزهرة العجوز قفزت إلى الأمام ورأى من الضروري أن تتعرف على عطارد. كل هذا كان مضجراً جداً». التعبير يبدو هنا غامضاً، غير أنه مفهوم لمعاصريه. وبعد إعادة صياغة العبارة بالإنجليزية، تكون كالتالي:
“A night with Venus and a life with Mercury.”
«ليلة الزهرة وحياة مع عطارد».


رسالة من ألفريد نوبل  إلى شقيقه روبرت مؤرخة في 19 ديسمبر 1864

«عطارد» باللغة الإنجليزية لا تعني فقط اسم كوكب؛ بل تعني، أيضاً، الزئبق. وما تحدث عنه ألفريد باللغة الروسية يخص أمراً لم يرد لأحد معرفته عدا أشقائه، ومفاده هو أنه مصاب بمرض الزهري، وقد وصِف له العلاج المعتاد في وقته، وهو العلاج بالزئبق. تشير عبارتا «الزهرة القديمة» و«قفزت إلى الأمام»، وكذلك وصف الأعراض، إلى أنه في إحدى مراحل المرض المتأخرة، بعبارة أخرى؛ قد مرت على إصابته مدة. ربما هذا هو ما كانت تشير إليه مارتا نوبل ـ أولينيكوف عندما كتبت أن عمها «كان يحمل بعض الذكريات المحرجة» من سانت بطرسبورغ منذ ستينات القرن التاسع عشر، وهنا من الصعب تصوّر أن روبرت كان هو الوحيد في العائلة الذي تم إبلاغه. لكن كما قالت، كان سراً مصوناً جيداً. يسلط المرض الضوء، أيضاً، على علاقة ألفريد بوالدته أندرييتا، فمن بين الأشقاء الثلاثة، كان هو الابن الأحب إليها، وهو شيء لم تخفه. كانت على الدوام تخاطبه في الرسائل، حتى سن الخمسين، بعبارات مثل: «صغيري ألفريد»، و«ولدي الحبيب اللطيف»... وما شابه. وكتبت مرة في إحدى رسائلها، بكل وضوح، أنه «أكثر من تحب» من بين أبنائها. وفي ضوء معرفتنا بمرض ألفريد، فمن الصعب ألا ننظر إلى هذا الحب الأمومي المتدفق على أنه تعبير عن التعاطف مع الابن الذي حُرم مما ينعم به إخوته، ألا وهو العائلة والأطفال. هذه المشاعر لقيت صداها عنده، فعندما ماتت أندرييتا، كتب ألفريد: «إنها أحبتني كما لم يحب أحد، بعد، في أيامنا هذه». ربما كانت أمه هي المرأة الوحيدة التي تعني له شيئاً؛ بحق.
حينما كتب ألفريد الرسالة إلى روبرت كان يبلغ من العمر 31 عاماً. قد يكون مصدر العدوى إحدى البغايا، فقد تردد العديد من شباب ذلك الوقت عليهن. يكتب ليف تولستوي، الكاتب المعاصر لألفريد، في مذكراته بصراحة عن زياراته التي قام بها إلى بيوت الدعارة، قبل الزواج. وقد جرى تقنين هذه البيوت في روسيا عام 1843، ولا يُعرف على وجه التحديد عدد البيوت المسجلة رسمياً في ستينات القرن التاسع عشر، ولكن في عام 1901، عملت 15000 امرأة في 2400 بيت دعارة. وبما أنه كانت هناك أيضاً بيوت غير قانونية، إضافة إلى بيوت الدعارة المسجلة، وأنّ العديد من الفتيات نزلن إلى الشوارع، فقد كان العدد الإجمالي للبغايا في روسيا أعلى بكثير من ذلك. من المستحيل بالطبع معرفة كيف التقط ألفريد العدوى، فلطالما كان مرض الزهري مشكلة رئيسية في روسيا، وعند تحرّر الفلاحين الأقنان، عام 1861 وما أعقب ذلك من نشاط سياسي واجتماعي وجغرافي، ساهم كل ذلك في الانتشار الوبائي للمرض. في صيف عام 1859، كان ألفريد مريضاً بما تصفه مارتا نوبل ـ أولينيكوف بشكل قاطع بأنه «مرض يهدد الحياة». أما بخصوص التعامل مع المرض، فتتم معالجة المريض بإبقائه في غرفة دافئة حيث يُفرك الجسم بمرهم من الزئبق مرات عدة في اليوم، ومن ثمّ يوضع بالقرب من مدفأة للتعرق. تستمر العملية من أسبوع إلى شهر، لا يُسمح خلالها للمريض بمغادرة الغرفة، وتُكرّر عند الحاجة. من هنا جاءت عبارة «حياة مع عطارد». ولطالما كان العلاج بهذه الطريقة موضع جدال؛ إذ يحدث أن يموت المريض من التسمم بالزئبق بدلاً من الشفاء. في حالة ألفريد، ليس معروفاً ما إذا كان قد اتبع توصيات الطبيب وخضع لهذا العلاج، أم لا.
كان ألفريد، مثل روبرت ولودفيغ، معتل الصحة منذ الصغر، وبالكاد توجد رسالة لا يعلّق فيها الإخوة على وضعهم الصحي ويشكون مما يشعرون به من سوء حالتهم، أكثر الأحيان. وبما أنهم يعانون من مشاكل صحية حقيقية، فقد أصبح هاجس المرض على مر السنين جزءاً من هويتهم. توفي الثلاثة في سن مبكرة نسبياً: لودفيغ في السابعة والخمسين، ألفريد في الثالثة والستين، روبرت في السابعة والستين. لقد عانى ألفريد، حقيقةً، من العديد من المشاكل الصحية ذات الطبيعة العامة التي يمكن أن تكون مرتبطة بمرض الزهري، لكن ليس بالضرورة هي كذلك: وجع الرأس (الصداع النصفي)، آلام المعدة، مشاكل القلب، تقرحات الفم، الطفح الجلدي، كما عانى من مشاكل في اللثة والعين والأعصاب. إن تأكيد أن أيّ من أمراضه هو نتيجة الزهري، أمر صعب وأقل إثارة للاهتمام، في هذا السياق. الشيء المهم وبكل الحسابات أن ألفريد نوبل كان حاملاً لمرض يصمه بوصمته ويميزه عن الآخرين، وإن لم يؤثر على قدراته الفكرية، لكن كان له أثره على فهمه لذاته ورؤيته للحياة، ليس أقلّه، علاقته بالجنس الآخر. مرض الزهري لم يكن غريباً في وقته، لكنه كان معيباً. حتى لو شفي كيف يمكنه الزواج، بشرف، أو أن يشرع بعلاقة حميمة دون أن يتحدث عن مرضه؟ كيف أتته العدوى وممن؟ ربما كان يخشى أن يكون عقيماً، أو بالفعل كان هو كذلك، وإن كان ذلك أقل شيوعاً، لكن يمكن حدوثه نتيجة الإصابة بالمرض. بالطبع لا يمكن استبعاد أنّ ألفريد نوبل قد أقام، أيضاً، علاقات حميمة بعد تشخيص إصابته، لكن على أي حال فعلاقات كهذه لا تتم من بعد، عن طريق المراسلة! خلال طوال حياته صنع ألفريد نوبل صورة له على أنه شخص مثقل بالحزن ومعذب بحلم يسعى لتحقيقه، غير أنه لم يشعر، مطلقاً، بالحب والمشاركة الإنسانية العادية المفترضة. كتب إلى زوجة أخيه إيدلا: «لا شيء يُرجى؛ حياة محطمة وخراب مقدّر»، على العكس منها؛ فثمة ما يحول بينه و«بين الحب والفرح والصخب والحياة النابضة والرعاية والحنو والملاطفة». وبناءً على مناشدة لودفيغ للتركيز على حياته من أجل تاريخ العائلة، ردّ ألفريد بعبارة موجزة؛ إنها «نصف حياة بائسة، غير جديرة بالعيش». نصف حياة تعني خلوها من الحب، كما يبدو من خلال واحدة من قصائده، حيث يلجأ ألفريد إلى امرأة «وجدتها في خاطري... فقط»: «هي حلم، فحسب، لكن لا يمكن حلمه
مجرد نصف حياة بلا لون، بلا بهجة».
في قصيدة ثانية متأخرة، يُصاغ فيها التصادم بين الحلم والواقع، على هذا النحو:

إذا كنتَ قد أحببتَ؟ آه، سؤالكِ يثير
في ذاكرتي العديد من الصور الرائعة
حلمت بالنعيم الذي لم تسمح به الحياة
يتغذى من الحب الذي يذبل في بذرته
أنت لا تعرفين كيف يخذل الواقع
عالمَ قلب الشباب القائم على اللاربح (...).
* ثبّت الكاتب نص العبارة بالروسية، كما وردت في الرسالة، ومن ثم ترجمَها، بطبيعة الحال، إلى السويدية، مثلما وضع ما يقابلها بالإنجليزية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.