في هذا العصر الرقمي... مَن يربّي أبناءنا؟

هل تساهم الأجهزة اللوحية في تنشئة الأطفال؟ (أ.ف.ب)
هل تساهم الأجهزة اللوحية في تنشئة الأطفال؟ (أ.ف.ب)
TT

في هذا العصر الرقمي... مَن يربّي أبناءنا؟

هل تساهم الأجهزة اللوحية في تنشئة الأطفال؟ (أ.ف.ب)
هل تساهم الأجهزة اللوحية في تنشئة الأطفال؟ (أ.ف.ب)

يجلب العالم الحديث كثيراً من التحديات إلى مهمة تربية الأطفال في الأسرة، التي تُعد أصعب وظيفة على الإطلاق. من السهل إعطاء الأطفال أجهزة «آيباد» ليلعبوا بعيداً ويبقوا صامتين. وفي هذا العصر، يمكن للأطفال في كل مكان تقريباً الوصول إلى الإنترنت - في أغلب الأحيان عبر الهاتف الجوال. في العديد من الأماكن أيضاً، يشعر الأهل بالتحديات التي تواجه كفاءتهم ودورهم وسلطتهم في التربية.
لقد فتح عصرنا الرقمي الجديد عالماً لا يُصدق من الفرص، خاصة للأجيال القادمة التي تتمتع بأسرع وتيرة للتقدم التكنولوجي في التاريخ، ولكن بالنسبة للأهل، لا تزال هناك بعض التحديات الجادة والحقيقية للغاية. لم تكن الأبوّة والأمومة سهلة في أي وقت من الأوقات، لكن التربية في العالم الرقمي أثبتت أنها من بين أعظم التحديات التي واجهها الأهل على الإطلاق.
في العصر الحديث، أصبح الأطفال يمتلكون الأجهزة الرقمية بشكل واسع. وفقاً لبيانات من مركز «بيو للأبحاث»، يمتلك ما يقرب من 1 من كل 5 أطفال دون سن 12 عاماً في الولايات المتحدة هاتفاً ذكياً خاصاً بهم، وقد حصل أكثر من نصفهم على هواتفهم بين الأعمار 9 و11 سنة. على الرغم من أن هؤلاء الأطفال لا يشكلون الأغلبية، فإن هذا الواقع يمثل تغييراً كبيراً عما كان عليه الأمر حتى منذ عقد مضى فقط، كما أنه يمثل بعض التحديات الجادة للأهل.
باختصار، يتعرض الأطفال للمعلومات أكثر من أي وقت مضى بفضل أجهزتهم، ويتطلعون بشكل متزايد إلى أجهزتهم لتوفير جميع احتياجاتهم الاجتماعية والعاطفية والترفيهية، الأمر الذي يؤدي في حد ذاته إلى عواقب عديدة، منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي.
من بين التحديات التي يواجهها الأهل في العصر الرقمي، هو الوقت الطويل الذي يقضيه الأطفال في استخدام الأجهزة الإلكترونية. وتبين الدراسات أن متوسط «وقت الشاشة» - وهو الوقت الذي يقضيه الأطفال في استخدام الأجهزة الإلكترونية - للمراهقين كان نحو 8 ساعات في اليوم قبل جائحة «كورونا». ويمكننا أن نتخيل ما فعلته الجائحة وحالات الإغلاق بهذا المتوسط! لكن هذا يعني أنه حتى في الظروف العادية، يقضي الأطفال ما يقرب من ثلث يوم كامل وهم ملتصقون بشاشاتهم. عندما نضع في الاعتبار الحاجة المطلوبة إلى النوم 8 ساعات في اليوم، وما لا يقل عن 6 - 7 ساعات في المدرسة، فهذا يعني أنه لم يتبق أي وقت تقريباً لأي شيء آخر؛ لذلك يواجه الأهل تحدياً خطيراً في جعل أطفالهم أكثر نشاطاً لممارسة التمارين في الهواء الطلق، أو العمل على شيء أكثر إبداعاً وإنتاجية.
التحدي الآخر الذي يواجهه الأهل هو الإدمان على استخدام الأجهزة الإلكترونية. كان الأهل في السابق قلقين باستمرار من أن أطفالهم قد يقعون فريسة لبعض الإدمان الرهيب على أمور مثل المخدرات أو الكحول. أما الآن، فإن هناك نوعاً آخر من الإدمان ينتظرهم، وهو إدمان الأجهزة الإلكترونية. في البدايات، كان الأهل يعتقدون أنه من الأفضل لأطفالهم أن يكونوا على الشاشات بدلاً من مواجهة المشكلات في الشوارع. ومع أن هذا قد يكون صحيحاً من ناحية، إلا أن الأطفال يتعرضون لجميع أنواع الأضرار النفسية والتهديدات على الإنترنت.
حتى قبل جائحة «كورونا»، كانت التقنيات الرقمية قد دخلت بعمق في حياة الأطفال، على الرغم من مجموعة متزايدة من الأبحاث التي توضح بالتفصيل أضرار الانغماس المفرط في عالم صناعة «تكنولوجيا الأطفال» غير المنظم، والمغري بقوة، والمدفوع بالربح. في كتاب «مَن يربّي الأطفال؟» («نيو برس»، 2022)، تستكشف الكاتبة سوزان لين، وهي خبيرة في اللعب الإبداعي وتأثير وسائل الإعلام والتسويق التجاري على الأطفال، جذور وعواقب هذا التحول الهائل نحو طفولة رقمية تجارية، مع التركيز على قيم الأطفال وعلاقاتهم وتعلمهم. منذ الولادة، أصبح الأطفال مصدراً مربحاً لمجموعة من شركات التكنولوجيا والإعلام والألعاب. تشير الكاتبة إلى أن كثيراً من نخب «وادي السيليكون» لا يسمحون بتعريض أطفالهم للتقنيات ذاتها التي يطلقونها لأطفال الآخرين.
وتبين الكاتبة كيف تتظاهر شركات التكنولوجيا، مثل «يوتيوب» و«تيك توك» و«سناب شات»، بأنها تقدم الرعاية، وتزرع المودة لدى الأطفال، وتساعدهم على التغلب على نقاط ضعفهم، في حين تنظر هذه الشركات في الواقع إلى الأطفال على أنهم مصادر ربح، وتشجع الأطفال على قضاء أوقاتهم على الشاشة بدلاً من تقوية الروابط الأسرية. وتؤكد الكاتبة أن هذه الشركات لا تهتم بالأطفال خلال أهم أوقات النمو في حياتهم بقدر اهتمامها بأرباح الإعلانات. والكاتبة ليست معادية للتكنولوجيا، بل تمتدح قدرتها على التواصل وتوفير تجارب جديدة. الكاتبة ببساطة تعارض الإعلان للأطفال، وهدفها هو حماية هذه الفئة الضعيفة من الاستغلال من قبل الشركات الإعلانية.
وتظهر دراسة أجرتها شركة «ميتا» («فيسبوك» سابقاً)، أن تطبيق «إنستغرام» قد يتسبب في تدني احترام الذات لدى الفتيات، والأفكار الانتحارية لدى المراهقين في أميركا والمملكة المتحدة. كان الاكتئاب عند الأطفال أمراً غير معتاد، لكنه أصبح الآن شائعاً. وتقول سوزان لين إن على الأهل تقرير ما إذا كانوا سيتخلون عن مسؤولية التربية والتنمية البشرية لمجموعة من التقنيين الأغنياء الذين لا يكترثون كثيراً بالتداعيات الأخلاقية لمنتجاتهم.
وفي نهاية المطاف، علينا أن نعترف بأهمية التكنولوجيا ودورها في نشر المعرفة والتقدم، ومن ثم لا يمكن للمجتمع المعاصر أن يحلم بالاستغناء عنها. عِوضاً عن ذلك، علينا أن نستفيد من الجوانب الإيجابية التي توفرها التكنولوجيا لأطفالنا في حال استخدامها بشكل جيد. وفيما يلي بعض هذه الجوانب الإيجابية:
الفائدة الأولى هي زيادة مستوى ذكاء الطفل. أجرت جامعة كورنيل الأميركية بحثاً علمياً في تسع مدارس لمجموعات من أعراق ومجموعات اجتماعية مختلفة. وفقاً لهذه الدراسة التي أجريت على ما يقرب من 9000 طالب، فإن مستوى الذكاء للجيل الحالي أعلى من الجيل السابق. يربط الخبراء هذا التأثير مباشرة بالتكنولوجيا. إن الزيادة في عدد المنتجات التكنولوجية في حياة الأطفال، ومن ثم زيادة المحفزات، بمثابة تمارين لتمكين الأطفال من حل مشكلات أكثر تعقيداً.
كما تساعد التكنولوجيا على تنمية المهارات العقلية بالمحتويات التعليمية. يمكن أن تكون الآثار الإيجابية للإنترنت على التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة مفيدة للغاية. تُعد الممارسات التعليمية، مثل الألعاب والتطبيقات التي تعمل على تحسين المهارات المعرفية، من بين هذه الفوائد. ألعاب الذاكرة للأطفال الذين يرغبون في تحسين ذاكرتهم، وألعاب الانتباه للأطفال الذين يرغبون في تحسين انتباههم، وألعاب الرياضيات للأطفال الذين يرغبون في تحسين مهاراتهم الرياضية، وأكثر من ذلك بكثير، في متناول الأطفال اليوم؛ لذلك يمكن أن يكون استخدام الإنترنت الآمن للأطفال مفيداً مع التطبيقات المناسبة، مما يسمح لهم بلعب ألعاب العقل بدلاً من ألعاب سباقات السيارات.
كما يمكن أن تساعد التكنولوجيا على تطوير مهارات حل المشكلات. ينجح الأطفال المبدعون في التكيف مع العالم المتغير. وبالمثل، فهم ينجحون عادة في إيجاد حلول جديدة لمشكلات جديدة. سيسمح تعزيز مهارات حل المشكلات في مرحلة الطفولة بالتغلب على العقبات بشكل أسهل في المستقبل.
كما يمكن أن تلعب التكنولوجيا في بعض الأحيان دور المنقذ للطفل ومن يحيطون به. يجب أن يتمكن أطفالك من الوصول إليك في حالة الطوارئ، حتى لو لم يكونوا كباراً بما يكفي لاستخدام الهاتف الجوال. يتم إنتاج أجهزة محمولة بسيطة، مثل الساعات الذكية، لتلبية هذه الحاجة بطريقة صحية. في المدارس، يتم تعليم الأطفال الأرقام التي يجب عليهم الاتصال بها في حالات الطوارئ. يمكنك إضافة أرقام سيارات الإسعاف وخدمات الإطفاء إلى قائمة جهات الاتصال الخاصة بهم.
كذلك توفر التكنولوجيا للطفل إمكانية الوصول السهل إلى المعلومات. يشعر جميع الأطفال بالفضول في سن مبكرة، ويريدون دائماً التعرف على العالم الخارجي، ويمكن لشبكة «الويب» العالمية أن تساعدهم على فهم ما يريدون تعلمه.
وحيث إن تعلم لغة أجنبية أصبح من متطلبات التعلم الأساسية في هذا العصر، فإن الإنترنت توفر مساعدة قيمة في هذا المجال. يمكن للأطفال تعلم لغة أجنبية في وقت قصير باستخدام أدوات الإنترنت، والألعاب الممتعة والتدريبات، دون الشعور بالملل. يمكن للأهل تزويد أطفالهم بالمصادر الصحيحة وتطوير مهاراتهم اللغوية.
من ناحية ثانية، تساعد التكنولوجيا الرقمية الأطفال على تطوير التفكير النقدي. بفضل الألعاب التفاعلية والتمارين الذهنية عبر الإنترنت، يبدأ الأطفال في تطوير مهارات التفكير النقدي في وقت مبكر. تساعد هذه الألعاب والتمارين التعليمية الأطفال على النمو فكرياً، من خلال تعزيز مهارات التفكير الاستراتيجي لديهم.
وفوق هذا كله، توفر التكنولوجيا عالماً ترفيهياً رائعاً للأطفال والكبار على حد سواء. يمكن للأطفال الاستفادة من ألعاب الفيديو الممتعة، والألغاز والأحاجي، وغيرها من الأشياء، لقضاء أوقات فراغهم، ولكن بشرط أن تكون هناك رقابة وثيقة من الأهل في هذا المجال.
وهكذا يمكن القول إن التكنولوجيا، رغم آثارها السلبية المحتملة التي لا يمكن إنكارها، والتي لم يتم ذكرها بشكل مفصل في هذا المقال؛ يمكن أن تكون عاملاً مساعداً ممتازاً في تربية الأطفال وتطوير قدراتهم إذا استخدموها بشكل جيد، تحت رقابة الأهل في البيت، والمختصين في المؤسسات التعليمية.
* باحث ومترجم سوري



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.