بروفايل: روبرت هابيك... أجبرته حرب أوكرانيا على مواجهة آفات شتاء صعب في ألمانيا

وزير الاقتصاد في حكومة أولاف شولتس

بروفايل: روبرت هابيك... أجبرته حرب أوكرانيا على مواجهة آفات شتاء صعب في ألمانيا
TT

بروفايل: روبرت هابيك... أجبرته حرب أوكرانيا على مواجهة آفات شتاء صعب في ألمانيا

بروفايل: روبرت هابيك... أجبرته حرب أوكرانيا على مواجهة آفات شتاء صعب في ألمانيا

عندما تسلم روبرت هابيك، حقيبة وزارة الاقتصاد والمناخ في ألمانيا، نهاية العام الماضي، ظن أنه نجح بالوصول إلى مركز سلطة يخوله تطبيق سياساته المناخية التي يروج لها منذ انضمامه لحزب «الخضر» البيئي قبل قرابة 20 سنة. فوزارة المناخ أضيفت إليها مهمة المناخ، خصيصاً، كي تكون ملائمة للزعيم المشترك السابق لـ«الخضر». وعندما تسلمها هابيك كان يخطط حقاً لإغلاق كل معامل الفحم والطاقة النووية المتبقية في البلاد، والسعي لجلب استثمارات في الطاقة الخضراء والمتجددة. لكن بعد أشهر قليلة من تسلمه منصبه، تغير كل شيء وانقلبت خططه رأساً على عقب. إذ اندلعت الحرب في أوكرانيا، وبات هابيك مسؤولاً عن أزمة الطاقة التي تلف ألمانيا، بعد قطع روسيا إمدادات الغاز إلى ألمانيا التي كانت تعتمد عليها في أكثر من 60 في المائة من وارداتها من الغاز. وهكذا وجد الوزير نفسه مضطراً للتخلي عن الكثير من خططه الأصلية، بل وحتى السير في الاتجاه المعاكس. وحقاً قرر تمديد العمل بمصانع الفحم الحجري الشديدة التلوث، وتمديد حياة معامل الطاقة النووية المتبقية في الخدمة، رغم أن هابيك بنى حياته السياسية على الترويج لفكرة التخلي عن الطاقة النووية التي يعدها حزبه خطرة وباهظة الثمن. وبدأ رحلات ماراثونية حول العالم بحثاً عن مصادر طاقة جديدة تساعد ألمانيا في تخطي أزمتها المستجدة. هكذا تحول هابيك، على الأقل خلال الأشهر الأولى من عمر الأزمة، إلى أكثر السياسيين الألمان شعبية. فقد تخطى شعبية حتى المستشار أولاف شولتز، وغدا الوجه الحكومي الأكثر نشاطاً في المقابلات واللقاءات المخصصة لطمأنة الألمان وتحضيرهم لما هو آت.

دخل روبرت هابيك البالغ اليوم من العمر 53 سنة، عالم السياسة متأخراً. كان في الأربعين من عمره عندما تفرغ كلياً للسياسة، وانتخب للبرلمان المحلي لولاية شليزفيغ هولشتاين (أقصى شمال ألمانيا) عام 2009 عن حزب «الخضر». ومنذ ذلك الوقت بدأ صعوداً سياسياً سريعاً، ذلك أنه عين في عام 2012 وزيراً للطاقة والمناخ في الولاية، وهو منصب هيأه لتسلم الحقيبة نفسها لاحقاً على المستوى الفيدرالي.
قبل الانتخابات الأخيرة التي أوصلت حزب «الخضر» للسلطة في حكومة ائتلافية، كان هابيك نجم حزبه الأبرز، وبالفعل، توقع كثيرون آنذاك أنه سيكون المستشار المقبل. فهو بدا وكأنه يتمتع بكل المؤهلات اللازمة: «الكاريزما» والفصاحة والتعاطف. إلا أن حزبه اختار «غريمته» أنالينا بيربوك (التي هي اليوم وزيرة الخارجية) لقيادة الحملة ورشحها لمنصب المستشارة. وبعد خسارة «الخضر» الانتخابات بسبب هفوات ارتكبتها بيربوك أثناء الحملة، وكثيرون أيضاً قالوا إن هذه الأخطاء ما كانت لتحصل لو كان الحزب قد اختار هابيك لمنصب المستشار.

- هفوات وأخطاء حسابات
لكن أزمة الطاقة الحالية التي سلطت الضوء عليه أكثر من أي سياسي آخر في ألمانيا، أظهرت أنه بدوره معرض لارتكاب هفوات. فقد تسببت مقابلة واحدة أدلى بها للقناة الألمانية الأولى، مطلع الشهر الماضي، في تراجع شعبيته وخسارته لمصداقيته. وعلى عكس مقابلاته ولقاءاته العامة السابقة حين كان هابيك يظهر متعاطفاً مع الناس ومتفهماً لطبيعة الأزمة، بدا في تلك المقابلة بعيداً عن الواقع ومرتبكاً في فهم أو شرح ما يحصل. وكمثال، سُئل عن المخاوف من موجة إفلاسات قد تضرب الأعمال، خصوصاً المخابز، بسبب أزمة الغاز وارتفاع الأسعار، فرد بالقول إن «بعض الأعمال الصغيرة والمتوسطة قد تضطر للتوقف عن العمل لفترة إذا لم تعد قادرة على دفع الفواتير لكنها لن تفلس». فردت الصحافية التي كان تدير الحوار معه بتعجب: «تقول واقعياً إن هنا يعني إفلاساً!». وعلى الأثر دخلا في جدل تحول إلى نكات سوداء في مواقع التواصل الاجتماعي. إذ اتهم كثيرون هابيك بأنه يتكلم بما لا يفهمه، مشككين بقدرته على قيادة وزارته. وحقاً، أثرت تلك المقابلة على نسبة شعبيته التي انخفضت ليتخلف ليس فقط عن المستشار الاشتراكي أولاف شولتس، بل حتى زعيم المعارضة المحافظ فريدريش ميرز زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل.
من ناحية ثانية، لم تكن تلك المقابلة على الأرجح وحدها المسؤولة عن تراجع شعبية هابيك، وحزب «الخضر» أيضاً، بل هناك قرارات اتخذها وصفت بأنها غير مدروسة. ثم إن بعضها أُجبر حتى على التراجع عنها، كالضريبة على الغاز حين سمح للشركات التي تزود بالغاز بتمرير جزء من التكاليف إلى المستهلكين، على الرغم من الأرباح الطائلة التي تجنيها هذه الشركات. وكان من المفترض أن تدخل الضريبة حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إلا أنها ألغيت بعد مشاورات حكومية وانتقادات واسعة لكونها تزيد العبء المالي على المستهلكين في حين تحاول الحكومة تخفيفه عنهم.

- إشكالية المفاعلات النووية
لكن القرار الأكثر جدلية بالنسبة لهابيك، كان قرار الإبقاء على مفاعلين نوويين، كان من المفترض إغلاقهما نهاية العام، في «حالة تأهب» حتى أبريل (نيسان) المقبل. لقد شكل القرار - الذي أراده الوزير البيئي «حلاً وسطاً» - أزمة بالنسبة إليه مع حزبه ومع الحزب الديمقراطي الحر، الذي هو الشريك الليبرالي في الائتلاف الحكومي الراهن بين الاشتراكيين و«الخضر» والليبراليين. فـ«الخضر» الذين يعارضون «آيديولوجياً» الطاقة النووية، ويعدونها غير آمنة، أرادوا إغلاق المفاعلات المتبقية كلياً، بينما أراد الليبراليون الإبقاء عليها عاملة، ليس فقط في «حالة تأهب»، على اعتبار أن إبقاءها عاملة من دون استخدام الطاقة التي تنتجها مسألة غير عملية بسبب التكلفة الكبيرة لتشغيلها من دون استخدامها.
هابيك، من جهته، يتذرع في قراره بأن ألمانيا لا تواجه أزمة كهرباء، بل أزمة تدفئة، كون التدفئة مرتبطة بالغاز، فيما الكهرباء تعتمد على مصادر مختلفة إضافة إلى الغاز مثل الطاقة الشمسية والهوائية وغيرها. مع هذا، لم يلق قراره إبقاء مفاعلين بـ«حالة تأهب» انتقادات من الليبراليين فقط، بل كذلك من مجموعة كبيرة من الخبراء والاقتصاديين، الذين اعتبروا أنه «القرار الأسوأ» الذي يمكن اتخاذه فيما يتعلق بالطاقة النووية، لكونه «الأغلى ثمناً من دون أن يكون هناك مقابل»، أي من دون إنتاج كهرباء.
ما يجدر ذكره هنا، أنه حتى العام الماضي كانت ألمانيا تعتمد على الطاقة النووية لإنتاج قرابة 13 في المائة من حاجتها من الكهرباء، ولقد انخفضت هذه النسبة بعد إغلاق مفاعلين في نهاية العام الماضي والإبقاء على ثلاثة سيغلق مبدئياً واحد منها نهاية هذا العام، ويبقى اثنان بـ«حالة تأهب» لاستخدامهما «في حالة الطوارئ». ثم إن المستشارة السابقة ميركل كانت عام 2011 قد اتخذت قراراً، أيده معظم الألمان آنذاك، يقضي بإغلاق كل المفاعلات النووية في البلاد، وذلك بعد وقوع كارثة فوكوشيما النووية في اليابان، تفادياً لحوادث شبيهة. وللعلم، اتخذت ميركل القرار آنذاك مع أنها، كعالمة فيزيائية، كانت تؤيد الطاقة النووية وتعدها انتقالية. وبالتالي، بدأت ألمانيا منذ ذلك الحين إغلاق مفاعلاتها النووية الـ17 تدريجياً، وتبقى منها الثلاثة التي كان من المفترض إغلاقها نهاية هذا العام.
في سياق متصل، تسبب قرار هابيك بالإبقاء على مفاعلات نووية مفتوحة بأزمة له شخصياً مع مؤيديه من «الخضر»، الذي بدأوا يعدونه «خائناً» لقضيتهم. ونتيجة لذلك لم يعد هابيك يتحرك من دون حماية ومجموعة كبيرة من رجال الأمن، خوفاً من التعرض له، في ظل التهديدات التي يتلقاها. ومن الواضح الآن أن كثرة من مؤيديه باتوا غاضبين ويعدون لرحيله. وفي اليوم الذي أعلن خلال مؤتمر صحافي عن قراره تمديد إقفال المفاعلين النوويين، كان ناشطون من «الخضر» ينتظرون خارج القاعة حاملين يافطات يدعونه فيها لإقفالهما على الفور. وامتد هذا السخط في أوساط واسعة من ساسة حزب «الخضر» الذي بات يواجه انتخابات محلية صعبة في ولايات كانت تؤيده. بل إن منهم من أخذ يتهمه بالتفكير بطموحه السياسي الشخصي، لا مبادئ الحزب، وبأنه يخطط منذ الآن للترشح لمنصب المستشار عام 2025 بالترويج لنفسه على أنه «يضع البلاد قبل حزبه».

- نقاشات... وواقعية
لكن حتى الآن، على الأقل، يحظى هابيك بدعم كتلته النيابية وقيادة الحزب، التي يبدو أنها تتفهم صعوبة موقفه، رغم أن هذا الدعم يبدو ضعيفاً، واستغرق أياماً من النقاشات والإقناع. هذا، وعلى هذا الصعيد، نقلت «دير شبيغل» أن هابيك كان يريد الإبقاء على المفاعلات عاملة لا في «حالة تأهب» فقط، وأن مجموعة من الفاعلين المعارضين بشكل قوي للطاقة النووية داخل الحزب، بينهم وزيرة الخارجية بيربوك، نجحوا في إقناعه بالتخلي مؤقتاً عن فكرة إبقاء المفاعلات عاملة، وهو ما دفعه إلى التفكير في «حل وسط»، واقتراح إبقائها في «حالة تأهب» تخوفاً من أزمة كهرباء كبرى في فصل الشتاء.
في أي حال، هذه «التسويات» التي يجد هابيك نفسه مضطراً لاتخاذها اليوم ليست غريبة كلياً عنه. فهو ينتمي لما يعرف بـ«الجناح الواقعي» داخل حزب «الخضر»... مقابل جناح «الحالمين» أو «المثاليين». ثم إنه منذ تسلمه زعامة الحزب بشكل مشترك مع أنالينا بيربوك، عام 2018، نجح الوزيران «الأخضران» لفضل سياساتهما الوسطية في إعادة «الخضر» إلى موقع التنافس مع الأحزاب التقليدية، وحولته سياساتهما إلى قوة سياسية حقيقية استطاعت تقاسم السلطة. ورغم أن هابيك دخل الحكومة حاملاً بعض الأفكار «المثالية»، فهو سرعان ما وجد نفسه مضطراً للانقلاب على الكثير منها بسبب الحرب في أوكرانيا. وما كانت فقط السياسات البيئية هي التي اضطر هابيك لتعديلها، بل كذلك السياسات المتعلقة بالتسليح والتدخل في الصراعات. فالحزب البيئي الذي لطالما صوت ضد التدخلات العسكرية الخارجية، تحول إلى المحرك الأساسي داخل الحكومة الذي يروج لمساعدات عسكرية متزايدة لأوكرانيا ودعم حكومتها في حربها ضد روسيا.

- خلفية هابيك
قد تكون خلفية روبرت هابيك، قد ساعدته في التحول إلى الرجل القادر على التواصل مع الناخبين بسهولة أكثر من السياسيين الآخرين، رغم النكسات الأخيرة، الناجمة ربما عن تزايد الضغوط عليه والإرهاق الذي يتعرض له منذ تسلمه منصبه. فقبل دخوله السياسة، كان هابيك المولود في مدينة لوبيك بشمال البلاد على مقربة من الحدود الدنماركية، منخرطاً في الفلسفة والأعمال الأدبية، في كل من ألمانيا والدنمارك التي يتكلم لغتها. وعن دراسته الجامعية في الفلسفة والآداب والترجمة، فهو درس في جامعة فرايبورغ (ألبرت لودفيغس) العريقة بجنوب ألمانيا، ثم جامعة روسكيلده في الدنمارك، قبل أن يحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة هامبورغ.
بعد ذلك بدأ مع زوجته أندريا بالوش، التي أنجب منها 4 أطفال، رحلة عائلية وعملية شملت كتابة مؤلفات وترجمة قصائد من الإنجليزية إلى الألمانية. إلا أن اهتماماته بدأت تتغير عندما بلغ الثلاثين من عمره، وقرر الانضمام إلى حزب «الخضر» في ولايته شليزفيغ - هولشتاين عام 2002، وبعد سنتين من انضمامه انتخب زعيماً لتنظيم الحزب في الولاية. وبعدها انطلق صعوداً ليصل إلى تسلم زعامة الحزب بشكل مشترك مع آنالينا بيربوك عام 2018، ودخولهما معاً إلى الحكومة الحالية بعد إسهام أداء الحزب في تشكيل الغالبية الجديدة في الانتخابات الأخيرة من تحالف الاشتراكيين والليبراليين والبيئيين.
وهنا لا بد من القول، إنه رغم كل تراجع شعبية هابيك في الأسابيع الماضية، فهو ما زال من أكثر الوزراء استقطاباً للأضواء. فهو الرجل الذي يحمل على كاهله عبء التأكيد من أن فصل الشتاء سيمر على الألمان بمأمن من نقص الغاز أو انقطاع للكهرباء أو التدفئة، وكذلك من دون أن تزيد الأعباء الاقتصادية على المواطنين. وهي مهمة ليست بالسهلة. وقد دفعت هذه الضغوط هابيك قبل أيام إلى توجيه انتقادات لاذعة للولايات المتحدة، أكبر حلفاء ألمانيا، لما قال إنه «استغلال للأزمة بين الأصدقاء»، وبيع الغاز المُسال لألمانيا بأسعار خيالية. وبالفعل، يبدو أن هابيك يعمل على مدار الساعة منذ أشهر، لتأمين موارد جديدة من الغاز بأسعار معقولة، تعوض عن الغاز الروسي الذي كان يصل لألمانيا بأسعار منخفضة، بينما تجد الحكومة نفسها مضطرة الآن إلى استيراد الغاز المُسال من أماكن بعيدة بأسعار خيالية.


مقالات ذات صلة

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

العالم ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

عشية بدء المستشار الألماني أولاف شولتس زيارة رسمية إلى أفريقيا، هي الثانية له منذ تسلمه مهامه، أعلنت الحكومة الألمانية رسمياً إنهاء مهمة الجيش الألماني في مالي بعد 11 عاماً من انتشاره في الدولة الأفريقية ضمن قوات حفظ السلام الأممية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة الألمانية شددت على أنها ستبقى «فاعلة» في أفريقيا، وملتزمة بدعم الأمن في القارة، وهي الرسالة التي يحملها شولتس معه إلى إثيوبيا وكينيا.

راغدة بهنام (برلين)
العالم ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

منذ إعلانها استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، العام الماضي، كثفت برلين نشاطها في القارة غرباً وجنوباً، فيما تتجه البوصلة الآن شرقاً، عبر جولة على المستوى الأعلى رسمياً، حين يبدأ المستشار الألماني أولاف شولتس، الخميس، جولة إلى منطقة القرن الأفريقي تضم دولتي إثيوبيا وكينيا. وتعد جولة المستشار الألماني الثانية له في القارة الأفريقية، منذ توليه منصبه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021. وقال مسؤولون بالحكومة الألمانية في إفادة صحافية، إن شولتس سيلتقي في إثيوبيا رئيس الوزراء آبي أحمد والزعيم المؤقت لإقليم تيغراي غيتاتشو رضا؛ لمناقشة التقدم المحرز في ضمان السلام بعد حرب استمرت عامين، وأسفرت عن مقتل عشرات

العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الرياضة مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

لا يرغب هانز يواخيم فاتسكه، المدير الإداري لنادي بوروسيا دورتموند، في تأجيج النقاش حول عدم حصول فريقه على ركلة جزاء محتملة خلال تعادله 1 - 1 مع مضيفه بوخوم أول من أمس الجمعة في بطولة الدوري الألماني لكرة القدم. وصرح فاتسكه لوكالة الأنباء الألمانية اليوم الأحد: «نتقبل الأمر.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

«صراع الأضداد» في فرنسا يحمى وطيسه

ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)
ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)
TT

«صراع الأضداد» في فرنسا يحمى وطيسه

ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)
ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)

مرحلتا «التعايش» أو «المساكنة» الأولى والثانية في فرنسا كانتا في عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران الاشتراكي مع رئيسيْ حكومة من اليمين الديغولي هما جاك شيراك (بين عاميْ 1986 و1988) وإدوار بالادور (بين 1993 و1995)، ثم في زمن الرئيس شيراك، حين شغل الاشتراكي ليونيل جوسبان منصب رئاسة الحكومة طيلة خمس سنوات (1997 و2002). وانتهت المرحلة الأخيرة بإعادة انتخاب شيراك لولاية ثانية من خمس سنوات.

الحكم العامودي

رغم تعاقب العهود والتغيّرات في الآيديولوجيا والأولويات وبرامج الحكم، لم تعرف حقاً أزمات خطيرة؛ بفضل صلابة المؤسسات التي أرساها الجنرال شارل ديغول التي وفرت التعاقب السلمي والسلس على السلطة.

أما اليوم، فإن قراري الرئيس إيمانويل ماكرون، مساء 9 يونيو (حزيران) الماضي، حل البرلمان بعد الهزيمة التي ضربت تحالف الأحزاب الثلاثة المؤيدة له في الانتخابات الأوروبية، والدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، أدخلا فرنسا في أزمة عميقة لا أحد يعرف كيف الخروج منها ولا الحدود التي ستقف عندها.

لوبن ومعها بارديلا (آ ب)

ويوماً بعد يوم، تتكشف الظروف، التي أحاطت بقرار ماكرون الفجائي، الذي اتخذه بمعزل عن الحكومة ومن دون القيام بالمشاورات التي يُلزمه بها الدستور، وتحديداً مع رئيسيْ مجلسي الشيوخ والنواب ورئيس الحكومة. ولم يعد سراً أن الأخير، غابرييل أتال (35 سنة)، كان معارضاً بقوة لقرار ماكرون الذي يدين له بكل شيء، ولكونه أصغر رئيس حكومة في تاريخ البلاد منذ عام 1802، حين وصل الجنرال نابوليون بونابرت - ولاحقاً الإمبراطور - إلى منصب «القنصل الأول» ما يساوي منصب رئيس الحكومة.

كذلك اعتبر إدوار فيليب، رئيس الحكومة الأسبق، والرئيس الحالي لحزب «هورايزون» المتحالف مع ماكرون، أن الأخير «قتل الأكثرية الرئاسية»، لذا «يتوجب الذهاب إلى أكثرية مختلفة لن تكون كسابقتها». أما فرنسوا بايرو، الحليف الرئيس لماكرون ورئيس حزب «الحركة الديمقراطية» المنضوية تحت لواء التحالف الداعم له، فرأى أن المعركة الانتخابية التي تلي حل البرلمان «ليست معركة سياسية بل صراع من أجل البقاء».

ماكرون ومجموعته الضيقة

بناءً عليه، صار واضحاً، اليوم، أن ماكرون اتخذ قراره مع مجموعة ضيقة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. وفي اجتماع دُعيت إليه في قصر الإليزيه يائيل بيفيه ـ براون، رئيسة مجلس النواب، ليس للتشاور، بل لإبلاغها قراره، طلبت منه الأخيرة اجتماعاً على انفراد لتبلغه رفضها حل البرلمان الذي ترأسه منذ سنتين، مذكّرة إياه بالمادة الدستورية التي تُلزم رئيس الجمهورية بالتشاور معها. ولقد وافق ماكرون على طلبها، إلا أن الاجتماع، في غرفة جانبية، لم يدُم سوى دقيقتين.

ما حصل مع بيفيه ـ براون، جرى أيضاً مع جيرار لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ، المنتمي إلى اليمين التقليدي - حزب «الجمهوريون» - والرجل الثاني في الدولة الذي يشغل هذا المنصب، من غير انقطاع، منذ عام 2014.

إذ نقلت صحيفة «لوموند» أن لارشيه، الذي لم يكن حاضراً الاجتماع الطارئ في الإليزيه، تلقى اتصالاً هاتفياً من ماكرون، في الثامنة والربع من مساء التاسع من يونيو (حزيران) الماضي، وأن الاتصال دام دقيقة ونصف الدقيقة.

وتابعت الصحيفة أن لارشيه، الطبيب البيطري السابق، انتقد ماكرون؛ لعدم احترامه المادة 12 من الدستور، الأمر الذي عدَّه «انتقاصاً من دور المؤسسة التي يرأسها»، وبالتالي من منصبه ومنه شخصياً. وسأل لارشيه، ماكرون: «هل فكّرت ملياً بما قرّرت فعله؟»، وجاء ردّ رئيس الجمهورية: «نعم، أنا أتحمل كامل المسؤولية ومستعد للتعايش» مع حكومة من غير معسكره السياسي.

التعايش مع اليمين المتطرف!

بالنظر لنتائج الانتخابات الأوروبية، التي شهدت احتلال حزب «التجمع الوطني»، اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن، وترؤس الشاب جوردان بارديلا لائحتها، المرتبة الأولى وحصوله على 34 في المائة من الأصوات، كان ماكرون يعني التعايش مع حكومة من اليمين المتطرف. وهذا ما كان سيُدخل فرنسا نادي الدول التي سيطر عليها هذا اليمين؛ أكان بالكامل كما في إيطاليا وهولندا، أم جزئياً كما في المجر والدنمارك والسويد.

إلا أن لارشيه، المعروف باعتداله ووسطيته، انتقد نهج الحكم الماكروني قائلاً له أن «عمودية حكمه - أي إمساكه بالقرار السياسي وحرمان حكومته من هامش من التصرف - قادته إلى العزلة التي يعاني منها راهناً». وخلاصة القول إن قلة اكتراث ماكرون بالمؤسسات وبدور رئيس الحكومة والنقابات، وما يسمى الهيئات الوسيطة، كالنقابات مثلاً، أدت إلى «القطيعة مع الرئيس»، بمن في ذلك المرشحون للانتخابات التي أُجريت دورتاها يوميْ 30 يونيو، و7 يوليو (تموز) الحالي. وكان من أبرز معالم هذه القطيعة أن أحداً من المرشحين لم يطلب دعم ماكرون في حملته الانتخابية؛ لأنه اعتبر أن حضوره سيؤدي إلى نتائج عكسية. كذلك كان اللافت أن أياً من المرشحين لم يضع صورته إلى جانب صورة ماكرون على ملصقاته الانتخابية.

تبعات المبادرة الماكرونية..

لقد أفادت نتائج الدورة الانتخابية الأولى الرسمية والنهائية، التي صدرت عن وزارة الداخلية، أن حزب «التجمع الوطني»، ومعه حليفه أريك سيوتي، رئيس حزب «الجمهوريون» المنشقّ والملتحق بـ«التجمع الوطني»، حصل على 33.15 في المائة من أصوات الناخبين، وعلى 10.7 مليون صوت، في تحوّل لم يعرفه سابقاً، كما تمكّن 37 من مرشحيه من الفوز منذ الجولة الأولى.

ثم حلّت «الجبهة الشعبية الجديدة»، التي تشكلت في وقت قياسي، والتي تضم ثلاثة أحزاب يسارية وحزب «الخضر»، في المرتبة الثانية بحصولها على 28 في المائة من الأصوات.

أما «ائتلاف الوسط»، الداعم لماكرون وعهده، فقد حلّ في المرتبة الثالثة، إذ رسا على ما دون عتَبة الـ21 في المائة. وللعلم، تمكّن اليسار من إيصال 32 نائباً منذ الدورة الأولى، مقابل نائبين فقط للائتلاف الأخير. وأصاب الانهيار أحزاب العهد الثلاثة في الصميم، وكذلك حزب «الجمهوريون» الذي تقلّص ناخبوه إلى 6.75 في المائة، بعدما هيمن، طيلة عقود، على الحياة السياسية في فرنسا.

نعم، جاءت نتائج الجولة الأولى صادمة وبمثابة قرع لجرس الإنذار محذِّرة من وصول اليمين المتطرف إلى السلطة عبر الانتخابات البرلمانية. وطيلة الأسبوع الفاصل بين الجولتين الأولى والثانية، كان السؤال المحوَري يدور حول ما إذا كان اليمين المتطرف سيحصل على الأكثرية المطلقة في البرلمان أم لا.

وأخذ جوردان بارديلا، الذي رشحه «التجمع الوطني» لرئاسة الحكومة، بينما تتحضر مارين لوبن للعبور إلى قصر الإليزيه في الانتخابات الرئاسية لعام 2027، يتكلّم إلى الإعلام وكأنه واصل غداً إلى رئاسة الحكومة.

بيد أن هذه النتائج دفعت «الجبهة الشعبية الجديدة» و«ائتلاف الوسط»، رغم التباعد الآيديولوجي والسياسي بينهما والحملات السياسية والشخصية العنيفة المتبادلة طيلة ثلاثة أسابيع، إلى الاتفاق على سحب مرشحيهما من الدوائر التي حلّوا فيها في المرتبة الثالثة لكي تصب الأصوات كافة لصالح المرشح المناهض لليمين المتطرف، مهما كان لونه السياسي. والحقيقة أن «معجزة» تحقّقت، واتفق الطرفان على سحب 220 مرشحاً أكثريتهم من جبهة اليسار، الأمر الذي قلَب النتائج المرتقبة سلفاً رأساً على عقب.

ظواهر فرضت نفسها

في أي حال، ثمة أربع ظواهر فرضت نفسها:

الأولى أن «الجبهة الجمهورية» التي شكلت لوقف زحف اليمين المتطرف إلى السلطة نجحت في مهمتها. فبدل أن تثبت جولة الإعادة نتائج الجولة الأولى، ها هو اليمين المتطرف يحل في المرتبة الثالثة، ما وأد أحلامه السلطوية مع أنه نجح في إيصال 125 نائباً إلى البرلمان الجديد، مقابل 89 نائباً في البرلمان السابق.

والثانية أن جبهة اليسار، ومَن انضم إليها، حلّوا في المرتبة الأولى مع 195 نائباً، يتبعهم في ذلك ائتلاف الوسط الرئاسي (166 نائباً) الذي خسر 84 نائباً.

والثالثة أن أية مجموعة من المجموعات الرئيسة الثلاث لم تحصل على الأكثرية المطلقة (289 نائباً) أو لامستها، الأمر الذي أوجد وضعاً سياسياً بالغ التعقيد، وجعل تشكيل حكومة جديدة صعب المنال.

والرابعة قوامها أن القرار السياسي انتقل من قصر الإليزيه، حيث خرج ماكرون ضعيفاً في المنافسة الانتخابية بسبب ضعف مجموعته السياسية وفقدان سيطرته على المجموعات الأخرى، إلى البرلمان. وهو ما أعاد فرنسا - بمعنى ما - إلى عهود «الجمهورية الرابعة» عندما كان القرار بيد المشرّعين وليس بيد رئيس الجمهورية.

انتخابات بلا فائز

يعطي الدستور الفرنسي تسمية رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية، كما أنه لا يُلزمه بمهلة محددة لاختياره. بيد أن العُرف يقول إنه يتوجب عليه أن يُوكل المهمة إلى شخصية من «التجمع»، أو الحزب الفائز بالانتخابات، أو الذي يحل في المرتبة الأولى؛ أي في حالة الانتخابات الأخيرة، إلى «الجبهة الشعبية الجديدة».

بيد أن ماكرون يتمهل وتجمعه (ائتلاف الوسط)، ومعهما اليمين التقليدي (حزب «الجمهوريون»)، الذي حصل على 65 نائباً. وهؤلاء يراوغون ويستمهلون ويسوّقون الأعذار لمنع اليسار من الوصول إلى السلطة بحجة هيمنة حزب «فرنسا الأبية»، والمرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون، عليه. ومنذ الأحد الماضي، يوجه هؤلاء سهامهم على ميلونشون؛ لأنهم يرون فيه نقطة الضعف الرئيسة، ويواظبون على نعته بـ«معاداة السامية»، وبالسعي لهدم النظام الديمقراطي، وإثارة الفوضى والطوائفية.

وتضاف إلى ما سبق حجتان: الأولى أن اليسار عاجز عن توفير أكثرية في مجلس النواب باعتبار أنه ليست ثمة مجموعة من المجموعتين الكبريين تقبل بالتحالف معه للوصول إلى العدد السحري (289 نائباً). والثانية أن «لا أحد فاز في الانتخابات الأخيرة»، كما أكد وزير الداخلية جيرالد درامانان... باعتبار أن المجموعات الثلاث نالت أعداداً متقاربة من النواب.

وبالفعل، سارع ماكرون إلى استخدام الحجة الأخيرة في «الرسالة» التي وجّهها إلى الفرنسيين، الأربعاء، عبر الصحافة الإقليمية - وهي الثانية من نوعها منذ حل البرلمان. وعمد الرئيس إلى استخلاص النتائج وطرح تصوّره للأيام المقبلة، فيما تجهد جبهة اليسار، بشِق النفس وبمفاوضات شاقة، إلى التوافق حول اسم مرشح تطرحه لرئاسة الحكومة وسط كمٍّ من الأسماء.

وهنا، لم يتردد أوليفيه فور، أمين عام الحزب الاشتراكي، في طرح نفسه للمنصب، علماً بأن هناك صراعاً داخلياً قائماً بين الحزب الاشتراكي وحزب «فرنسا الأبية» على تزعّم تجمع اليسار و«الخضر». وحلم ماكرون ومجموعته إحداث شرخ داخل «جبهة اليسار» بحيث يبتعد الاشتراكيون و«الخضر» - وأيضاً الشيوعيون - عن ميلونشون و«فرنسا الأبية»، بحيث يتاح المجال لتشكيل حكومة «قوس قزح» من اليمين وائتلاف الوسط واليسار غير الميلونشوني؛ بمعنى إقصاء أقصى الطرفين خارجها، أي من جهة، اليمين المتطرف ممثلاً بـ«التجمع الوطني»، ومن جهة ثانية، اليسار المتشدد ممثلاً بـ«فرنسا الأبية».

وللتذكير، طلب ماكرون، في رسالته التي لقيت احتجاجات قوية، لا بل تنديداً شديداً بـ«مناورته» الجديدة، من «كل القوى السياسية التي ترى نفسها داخل المؤسسات الجمهورية، أن تنخرط في حوار صادق ونزيه من أجل بناء أكثرية صلبة تكون بطبيعة الحال متعددة». وأردف أنه يريد «التمهّل بعض الوقت من أجل التوصل إلى تسويات بهدوء واحترام للجميع»، مكرّراً من جديد أن «لا أحد فاز» في هذه الانتخابات.