الأرشيف الكرواتي يحتفظ بذكريات «المعابد المنتشلة من النيل»

عرض صور وأفلام نادرة منه في مكتبة الإسكندرية

جانب من المعرض(الشرق الاوسط )
جانب من المعرض(الشرق الاوسط )
TT

الأرشيف الكرواتي يحتفظ بذكريات «المعابد المنتشلة من النيل»

جانب من المعرض(الشرق الاوسط )
جانب من المعرض(الشرق الاوسط )

تعيد احتفالية «معابد منتشلة من النيل... التراث المصري في الأرشيف الكرواتي» بعض تفاصيل الملحمة التي أطلقتها منظمة اليونيسكو وشاركت فيها كل من كرواتيا ويوغسلافيا لإنقاذ آثار النوبة التي كانت مهددة بالغرق بعد بدء بناء السد العالي، إذ كان للجانب الكرواتي دور كبير في التوثيق للأحداث عبر أفلام وثائقية أنتجتها شركة «زورا فيلم» الكرواتية عام 1962 أثناء الحملة الضخمة التي قادتها المنظمة، وصور فوتوغرافية من مجموعة «ماركيتش» يحكي الفنانون الكرواتيون أنطوان ماركيتش مدير تصوير شركة زورا آنذاك ودانييل رافاييليتش وخرفوييه جرجينا تفاصيل ما جرى من أحداث وفعاليات، وذلك ضمن احتفالات فنية تستمر حتى 12 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بمناسبة مرور 30 عاماً على العلاقات الدبلوماسية بين مصر وكرواتيا، وتتضمن معرض صور وعروض للأفلام وإطلاق كتالوج يضم عدداً كبيراً من الوثائق التي تحكي يوميات ما جرى أثناء تغيير مجرى النيل خلال فترة ستينيات القرن الماضي.
يقام المعرض بقاعة المعارض الغربية بمركز المؤتمرات التابع لمكتبة الإسكندرية، ويضم 70 صورة فوتوغرافية و3 أفلام وثائقية تنتمي للتراث المصري في الأرشيف الكرواتي تصور عمليات نقل المعابد وعمل الطاقم الكرواتي المشارك، وبورتريهات تسجل حياة السكان في مدن جنوب مصر في ذلك الوقت، إضافةً للعديد من الصور لمواقع تراثية، ومدن وأماكن مر بها المصور أنطوان ماركيتش خلال فترة وجوده في مصر عام 1962.
وفي افتتاحه الفعاليات قال الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية «إن محتوى المعرض يبرز دور الجانب الكرواتي في توثيق المعابد المهددة بالغرق في موقعها الأصلي قبل نقلها، ويصور معالم أثرية عديدة أخرى، كما يسجل جوانب الحياة في كثير من المدن المصرية»، فيما أشار السفير الكرواتي إلى «أن العلاقات بين مصر وكرواتيا بدأت منذ زمن بعيد؛ إذ استخدم القدماء المصريون اللازورد بكثرة، وهو حجر لا يمكن العثور عليه إلا في بدخشان، والتي كانت تحت سيطرة الكروات لفترة طويلة من الزمن، وهذا يعد دلالة لافتة على التواصل التاريخي بين البلدين في العصور القديمة.
وأوضح أنه «يرجع العديد من المؤرخين مثل ليو أفريكانوس وآخرين أصول القائد العسكري جوهر الصقلي الذي قام بإنشاء مدينة القاهرة بأمر من الحاكم الفاطمي عام 969م - إلى كافتات وهي منطقة تقع بالقرب من مدينة دوبروفنيك الكرواتية».
الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المعرض عن ملحمة إنقاذ آثار النوبة، وهي العملية التي تمت في الستينيات وقت بناء السد العالي، كان الجانبين اليوغسلافي والكرواتي مشاركين في الحدث، وحينها قاموا بتوثيق ما جرى من أحداث بعدد كبير من الصور المتميزة».
موضحا أن المعرض «نتاج مخاطبات جرت من الجانب الكرواتي مع مكتبة الإسكندرية للاحتفال بمرور ثلاثين عاماً على بدء العلاقات الدبلوماسية بين مصر وكرواتيا، ويهدف عرض الأفلام والصور للتذكير بهذه الملحمة التي تمت منذ 60 عاماً».
طبع الجانب الكرواتي، حسب عبد البصير، كتالوجا للمعرض تضمن 250 صورة، ظهر منها 70 صورة فقط ضمن الفعاليات تحت عنوان «معابد منتشلة من النيل»، وتمثلت لقطات لمعبد فيلة ومعبد أبو سنبل والعديد من الآثار الأخرى الشهيرة الموجودة في النوبة وأسوان فضلا عن الكثير من المواقع الأثرية المتنوعة في الإسكندرية والقاهرة والأقصر.
ولم يتوقف ماركيتش عند حد تصوير المواقع الأثرية بل تجاوز ذلك، وقام بتوثيق حياة المصريين في المدن التي مر بها من الشمال إلى الجنوب على طول ضفاف النيل، فيما يشبه رحلة عبر الزمن، وتعد جزءا من التراث المصري في الأرشيف الكرواتي، أما الأفلام الثلاثة فقد حرص «ماركيتش» خلال تصوير مشاهد اثنين منها على تسجيل أعمال الشركات اليوغوسلافية في مشروع نقل المعابد، بينما قدم في الثالث «عرضاً مميزاً للتراث الثقافي المصري من خلال رحلة تنقل فيها بين سقارة والجيزة ومعابد الأقصر والكرنك والدير البحري وكوم أمبو وإدفو والنوبة، مروراً بمقابر منطقة وادي الملوك وتمثالي ممنون الضخمين، وقد كان وهو يقوم بذلك يرتد إلى حاضر المصريين ويسلط الضوء على جوانب من حياتهم اليومية.


مقالات ذات صلة

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق طريقة بناء الأهرامات تُمثل لغزاً كبيراً (الشرق الأوسط)

فيديو مولد بالذكاء الاصطناعي يُجدد الجدل بشأن طريقة بناء الأهرامات المصرية

جدّد مقطع فيديو قصير مُولد بالذكاء الاصطناعي، يشرح طريقة بناء الأهرامات، الجدلَ بشأن نظريات تشييد هذه الآثار الضخمة.

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
TT

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)

استقبل مسرح «الطليعة» في مصر أحد العروض الشهيرة للكاتب الآيرلندي الراحل صمويل بيكيت (1906- 1989)، «لعبة النهاية»، الذي رغم احتفاظه بالروح الأصلية للعمل الشهير المنسوب إلى مسرح العبث، فقد شكَّل إضاءة على مشاعر الاغتراب في الواقع المعاصر. وهو عرضٌ اختتم مشاركته في مهرجان «أيام قرطاج المسرحي» ليُتاح للجمهور المصري في المسرح الكائن بمنطقة «العتبة» وسط القاهرة حتى بداية الأسبوع المقبل.

على مدار 50 دقيقة، يحضر الأبطال الـ4 على المسرح الذي يُوحي بأنه غُرفة منسيّة وموحشة، فيتوسّط البطل «هام» (محمود زكي) الخشبة جالساً على كرسيّه المتحرّك بعينين منطفئتين، في حين يساعده خادمه «كلوف» ويُمعن في طاعته والإصغاء إلى طلباته وتساؤلاته الغريبة التي يغلُب عليها الطابع الساخر والعبثيّ المُتكرّر عبر سنوات بين هذا السيّد والخادم.

يَظهر والد «هام» ووالدته داخل براميل قديمة وصدئة، ويجلسان طوال العرض بداخلها، ولا يخرجان إلا عندما يستدعيهما الابن الذي صار عجوزاً، فيسألهما أسئلة عبثية لا تخلو من تفاصيل عجيبة، ويخاطبهما كأنهما طفلين يُغريهما بالحلوى، في حين يبادلانه أحاديث تمتزج بالذكريات والجنون، ليبدو كأنهما خارج العالم المادي؛ محض أرواح مُحتضرة تُشارك «هام» هلوساته داخل تلك الغرفة.

الأب يؤدي دوره من داخل أحد البراميل (مسرح الطليعة)

في المعالجة التي يقدّمها العرض، يحتفظ المخرج المصري السيد قابيل بأسماء الأبطال الأجنبية التي كتبها صمويل بيكيت من دون منحها أسماء محلّية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قدَّم المسرح المصري هذه المسرحية قبل 60 عاماً تقريباً في عرض للفنان الكبير الراحل سعد أردش، لكنه كان باللغة العربية الفصحى. اليوم، عالجتُ النص وأقدّمه بالعامية المصرية. احتفظت بالأسماء الأصلية للأبطال وهوياتهم، وكذلك بروح العمل وتفاصيل الحوار فيه، خصوصاً أنّ لهذا العرض الذي ينتمي إلى مسرح العبث فلسفته التي تمسّكتُ بها ضمن قالب جديد».

يؤدّي دور الخادم «كلوف» الفنان المصري محمد صلاح الذي اعتمد جزءٌ كبير من أدائه على الإفراط بحركات سير متعرّجة في محاولاته المُتسارعة لتلبية طلبات سيّده الأعمى، إذ يبدو كأنه في مَهمّات لا نهائية، منها ترتيب البيت الخالي بشكل فانتازي. بالإضافة إلى تردّده الدائم على نافذة الغرفة التي يظّل سيّده يطلب منه وصف ما يدور خارجها، فيصف له الضوء والبحر اللذين لا يدرك إذا كانا موجودَيْن بالفعل أم محض خيال.

على مدار العرض، يظلُّ الخادم يسأل: «لماذا أطيعك في كل شيء؟»، و«متى جئتُ إلى هذا البيت لخدمتك؟»، فيكتشف أنه قضى عمره داخل جدرانه المخيفة، فيقرّر في خطوة خلاص مغادرة خدمة سيّده، فتكون لحظة فتحه باب البيت هي عينها لحظة نهاية اللعبة، حتى وإنْ ظلّ واقفاً أمامه، متوجّساً من الخروج إلى العالم الحقيقي ومواجهة المجهول. لحظة تحدّيه سيطرة سيّده «هام» سرعان ما تبدو كأنها لا تختلف عن «الفراغ» الذي أمامه، بما يعكس فلسفة صمويل بيكيت عن سخرية الحياة، حيث لا يبدو الهروب من عبثها ممكناً أبداً.

الأب والأم في أحد مَشاهد المسرحية (مسرح الطليعة)

يشير مخرج العرض السيد قابيل إلى أنّ «للقضية التي تطرحها المسرحية صيغة إنسانية عابرة للمكان والزمان، وتصلُح لتقديمها في أي وقت؛ وإنْ كُتب النصّ الأصلي لبيكيت في الخمسينات. فكثير من نصوص شكسبير، والنصوص اليونانية القديمة العائدة إلى ما قبل الميلاد، لا تزال قابلة لإعادة تقديمها، وصالحة لطرح أسئلة على جمهور اليوم. وفي هذا العرض أدخلنا بعض الإضافات على الإضاءة والموسيقى للتعبير بصورة أكبر عن دراما الأبطال، ومساعدة المتلقّي على مزيد من التفاعُل».

الفنان محمود زكي في مشهد من العرض (مسرح الطليعة)

وعكست ملابس الممثلين الرثّة حالة السواد التي تطغى على عالمهم، في حين وُظّفت الإضاءة في لحظات المُكاشفة الذاتية التي تتوسَّط سيل الحوارات الغارقة في السخرية والتكرار العدميّ والخضوع التام. فإذا كان السيّد الأعمى والمشلول يعتمد على خادمه في مواصلة لعبة عبثية يتسلّى بها في عزلته، فإنّ الخادم يظلُّ غير قادر على تصوُّر الحياة بعيداً عن قواعد تلك «اللعبة».