الدين القومي الأميركي يرتفع لمستويات غير مسبوقة ويتجاوز 31 تريليون دولار

وسط مخاطر ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة

متسوقون يحملون أكياساً للبضائع في أحد مراكز التسوق في بنسلفانيا (رويترز)
متسوقون يحملون أكياساً للبضائع في أحد مراكز التسوق في بنسلفانيا (رويترز)
TT

الدين القومي الأميركي يرتفع لمستويات غير مسبوقة ويتجاوز 31 تريليون دولار

متسوقون يحملون أكياساً للبضائع في أحد مراكز التسوق في بنسلفانيا (رويترز)
متسوقون يحملون أكياساً للبضائع في أحد مراكز التسوق في بنسلفانيا (رويترز)

أعلنت وزارة الخزانة الأميركية ارتفاع الدين القومي الأميركي إلى ما يتجاوز 31 تريليون دولار، وهو مستوى غير مسبوق للولايات المتحدة، ويأتي في وقت يشهد فيه الاقتصاد الأميركي معدلات تضخم مرتفعة وارتفاعا في أسعار الفائدة ويخيم عليه حالة عدم اليقين الاقتصادي. وأشار عدد كبير من الاقتصاديين أن تلك البيانات تدعو للقلق. ووصفته جريدة «نيويورك تايمز» أنه يلقي مزيدا من القتامة على الصورة المالية للبلاد القاتمة بالفعل.
وأشارت بيانات وزارة الخزانة التي نشرت يوم الثلاثاء أن حجم الدين الوطني اقترب من السقف القانوني البالغ 31.4 تريليون دولار تقريباً - وهو سقف فرضه الكونغرس على قدرة الحكومة الأميركية على الاقتراض.
كانت الحكومة الأميركية قد ذهبت إلى أقصى فورة الاقتراض خلال جائحة (كوفيد - 19) لدعم الاقتصاد، بعد الإغلاقات واضطرابات سلاسل التوريد. وقفزت الديون المستحقة على الحكومة الأميركية بمقدار 8 تريليونات دولار منذ بداية عام 2020 وقفزت بمقدار 1 تريليون دولار خلال ثمانية أشهر.
وأوضحت البيانات أن الاقتراض بدأ في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب واستمر في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، لكن هذا الاقتراض حدث في وقت كانت فيه أسعار الفائدة منخفضة، والآن بسبب ارتفاع معدلات التضخم إلى مستوى غير مسبوق إضافة إلى الزيادة الحادة في أسعار الفائدة التي أعلنها الاحتياطي الفيدرالي على مدار عدة جولات خلال العام الجاري فإن تكلفة الاقتراض أصبحت مرتفعة للغاية.
وقد قام الاتحادي الفيدرالي برفع سعر الفائدة إلى ما يتراوح بين 3 و3.25 في المائة في محاولة لترويض معدلات التضخم المرتفعة، ويتوقع أن يصدر رفعا آخر للفائدة إلى 4.6 في المائة بحلول نهاية العام المقبل.
وتلقي لجنة الميزانية الفيدرالية اللوم على إدارة بايدن وتقول إن سياسات الإدارة أدت إلى إضافة ما يقرب من 5 تريليونات دولار إلى العجز منذ تولي بايدن منصبه، ويتضمن هذا المبلغ 1.9 تريليون دولار الذي أقره في مشروع قانون التحفيز الاقتصادي لمساعدة الأسر الأميركية على مواجهة تداعيات تفشي وباء (كوفيد - 19) إضافة إلى خطة الإعفاء من ديون قروض الطلبة بالجامعات، التي من المتوقع أن تكلف دافعي الضرائب الأميركيين ما يقر من 400 مليار دولار على مدى الثلاثين عاما المقبلة.
ووفقا للبيانات الاقتصادية ستؤدي مستويات أسعار الفائدة المرتفعة إلى إضافة 4.8 تريليون دولار إلى عجز الموازنة الأميركية في الفترة من عام 2021 إلى عام 2031. ويتخوف الخبراء من أن يؤدي الاقتراض المفرط إلى استمرار الضغوط التضخمية ودفع الدين الوطني إلى مستوى قياسي جديد بحلول عام 2030 ومضاعفات في مدفوعات الفائدة ثلاث مرات خلال العشر سنوات المقبلة. ويقول الاقتصاديون إن هذه الأرقام تأتي في توقيت يتخوف فيه المستثمرون من الدخول إلى مرحلة ركود اقتصادي عالمي.

- تشريعات متوقفة
وبتخطي الدين الوطني الأميركي عتبة 31 تريليون دولار، فإنه يشكل مشكلة سياسية لإدارة الرئيس بايدن الذي تعهد بوضع الولايات المتحدة على مسار مالي أكثر استدامة، وتعهد بخفض عجز الموازنة الفيدرالية بمقدار تريليون دولار على مدى عشر سنوات. ووقع بايدن مؤخراً على ما يسمى بقانون خفض التضخم، الذي يحاول ترويض الزيادات في الأسعار المرتفعة، إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة ستجعل تكلفة خدمة الدين أكثر تكلفة.
ويحاول المسؤولون في إدارة بايدن الدفع بتشريعات اقتصادية، مثل فرض مزيد من الضرائب على الأغنياء والقيام ببعض الإصلاحات في السياسات الضريبية، لكنها لا تحظى بالدعم الكاف لتمريرها داخل الكونغرس، وتواجه مثل هذه التشريعات معارضة قوية داخل أروقة المشرعين.
وقد أصدر مكتب الميزانية في الكونغرس في وقت سابق من العام الجاري تقريراً حذر فيه من ارتفاع أعباء الديون الأميركية، وشدد على أنه إذا لم تتم معالجة الدين، فسوف يرتفع الدين قريباً إلى مستويات عالية جديدة قد تعرض الاقتصاد الأميركي للخطر في نهاية المطاف.
في المقابل يدافع المسؤولون في البيت الأبيض عن سياسات بايدن الاقتصادية، وتوقع مكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض في أغسطس (آب) الماضي أن يصل عجز الميزانية الأميركية لهذا العام إلى ما يتجاوز تريليون دولار للعام المالي 2022 وهو أقل بنحو 400 مليار دولار مما كان متوقعا في مارس (آذار)، وقال المسؤولون في إدارة بايدن إن هذه الأرقام هي نتاج سياسات بايدن لدفع النمو الاقتصادي وترجع – جزئياً - إلى الإيرادات الأقوى من المتوقع، وانخفاض الإنفاق، وتحسن الاقتصاد الذي استعاد جميع الوظائف التي فقدت خلال الجائحة.
إلا أن الاقتصاديين ينتقدون تفسيرات البيت الأبيض بخفض العجز، مشيرين إلى أن بايدن لجأ إلى خطة إنقاذ اقتصادي بعد جائحة (كوفيد) بأموال مقترضة بشكل واسع، وأن العجز انخفض هذا العام لأن صانعي السياسة لم يقدموا على تقديم جولة أخرى من المساعدات المالية لمواجهة تداعيات (كوفيد - 19). ورد مسؤولو إدارة بايدن بأنهم مرتاحون لمستويات الديون والعجز، ولا يرون أن الولايات المتحدة قريبة من أي أزمة مالية.


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

الاقتصاد مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه يوم الأربعاء المقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة في تقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ شعار شركة ديلويت المسؤولة عن البوابة الإلكترونية للولاية (وسائل إعلام محلية)

اختراق معلومات شخصية ومصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية أميركية

اخترقت مجموعة دولية من المجرمين المعلومات الشخصية والمصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية رود آيلاند الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

خاص قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.