أبعاد رسوم ترمب الاقتصادية... ما بين حماية الصناعة المحلية وأداة ضغط للتوازن التجاري

استُخدمت وسيلةَ تفاوض لقضايا مختلفة

متسوقون في لوس أنجليس بكاليفورنيا يبحثون عن الأخشاب وسط تصاعد التوتر التجاري بعد تحذير الرئيس الأميركي دونالد ترمب من احتمال فرض تعريفات جمركية على الأخشاب الكندية المورِّد الأكبر للولايات المتحدة (إ.ب.أ)
متسوقون في لوس أنجليس بكاليفورنيا يبحثون عن الأخشاب وسط تصاعد التوتر التجاري بعد تحذير الرئيس الأميركي دونالد ترمب من احتمال فرض تعريفات جمركية على الأخشاب الكندية المورِّد الأكبر للولايات المتحدة (إ.ب.أ)
TT

أبعاد رسوم ترمب الاقتصادية... ما بين حماية الصناعة المحلية وأداة ضغط للتوازن التجاري

متسوقون في لوس أنجليس بكاليفورنيا يبحثون عن الأخشاب وسط تصاعد التوتر التجاري بعد تحذير الرئيس الأميركي دونالد ترمب من احتمال فرض تعريفات جمركية على الأخشاب الكندية المورِّد الأكبر للولايات المتحدة (إ.ب.أ)
متسوقون في لوس أنجليس بكاليفورنيا يبحثون عن الأخشاب وسط تصاعد التوتر التجاري بعد تحذير الرئيس الأميركي دونالد ترمب من احتمال فرض تعريفات جمركية على الأخشاب الكندية المورِّد الأكبر للولايات المتحدة (إ.ب.أ)

أحدثت الرسوم الجمركية، التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، نقاشاً واسعاً حول جدواها الاقتصادية، وتأثيرها في الأسواق المحلية والدولية، حيث من الناحية الاقتصادية، تهدف هذه الرسوم إلى تقليل العجز التجاري، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، مما يسهم في دعم الشركات الوطنية وزيادة فرص العمل، ومن ناحية أخرى فإن لهذه السياسات آثاراً متباينة، حيث يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين وزيادة تكاليف الإنتاج في القطاعات التي تعتمد على المواد المستوردة.

من جانب آخر، يرى بعض المحللين أن هذه الرسوم لم تكن مجرد أداة لتعزيز الاقتصاد المحلي، بل كانت أيضاً ورقة ضغط تفاوضية تهدف إلى تعديل الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة، وفرض شروط جديدة على الشركاء التجاريين مثل الصين والمكسيك وكندا. وبذلك، تبرز إشكالية رئيسية، عبر تساؤلات: هل تحقق هذه الرسوم فوائد اقتصادية مستدامة؟ أم أنها تؤدي إلى تأثيرات عكسية في بعض القطاعات؟.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن فرض رسوم جمركية جديدة تستهدف دولاً عدة، بهدف تقليل العجز التجاري، وتعزيز الصناعة المحلية، ومعالجة قضايا مثل الهجرة غير الشرعية، وتهريب المخدرات.

وتشمل هذه الرسوم فرض 25 في المائة على الواردات من المكسيك وكندا، و10 في المائة على السلع الصينية، و25 في المائة على الصلب والألمنيوم، بالإضافة إلى رسوم على المنتجات الزراعية المستوردة لدعم المزارعين المحليين. وبينما تهدف هذه الإجراءات إلى تقوية الاقتصاد الأميركي، فإنها قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التوترات التجارية مع الشركاء الدوليين.

دعم الصناعات المحلية... وتعزيز الأمن القومي

وفقاً لأرون ليزلي جون، كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشيال» في حديثه لـ«الشرق الأوسط» فإن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب كانت تهدف إلى دعم الشركات الأميركية التي تواجه منافسة شرسة من المنتجات المستوردة، مما يمنحها فرصة للنمو ويحفّز الاقتصاد المحلي، كما يرى ترمب أن العجز التجاري الأميركي يشكِّل خطراً على الاقتصاد الوطني، حيث يضر بالصناعات المحلية والعمال الأميركيين. بناءً على ذلك، دافع عن مفهوم «التجارة العادلة» بدلاً من «التجارة الحرة».

وبالمثل، تؤكد تشارو تشانانا، رئيسة استراتيجيات الاستثمار في «ساكسو بنك»، أن هذه الرسوم كانت تهدف إلى حماية الصناعات المحلية مثل الصلب والألمنيوم، مما يقلل الاعتماد على الواردات ويعزز التصنيع المحلي، ويؤدي إلى تعزيز الأمن القومي عبر ضمان استقرار سلاسل التوريد في القطاعات الحيوية مثل الدفاع وأشباه الموصلات والطاقة.

بالإضافة إلى تأكيدها إلى أن ذلك من شأنه زيادة الإيرادات الحكومية، حيث يرى بعض الجمهوريين أن الرسوم الجمركية يمكن أن تكون مصدراً لتعويض العائدات الضريبية المفقودة.

التفاوض

وعلى الرغم من الأهداف الاقتصادية الظاهرة، فإن كثيراً من التحليلات تشير إلى أن هذه الرسوم لم تكن مجرد أداة لدعم الصناعة المحلية، بل كانت أيضاً ورقة ضغط تُستخدَم لتحقيق أهداف استراتيجية.

وأوضح أرون ليزلي جون أن الرسوم الجمركية كانت تُستخدم في بعض الأحيان للضغط على الدول في قضايا غير اقتصادية، مثل الهجرة غير الشرعية. فقد استخدم ترمب التهديد بفرض رسوم جمركية على المكسيك لحملها على تشديد سياساتها المتعلقة بالمهاجرين.

في الوقت الذي تشير فيه تشارو تشانانا إلى أن الرسوم الجمركية عملت كأداة تفاوضية في التجارة العالمية، حيث استخدمت الولايات المتحدة هذه السياسة للحصول على تنازلات من الشركاء التجاريين، كما حدث مع الصين والمكسيك وكندا، أو استخدامها إجراءً انتقامياً ضد الممارسات التجارية غير العادلة، مثل الدعم الحكومي غير المشروع أو فرض قيود تجارية غير متكافئة.

إضافة إلى ذلك، ترى رئيسة استراتيجيات الاستثمار في «ساكسو بنك» أنها استُخدمت وسيلةً لكسب تأييد الناخبين الأميركيين، خصوصاً في الولايات الصناعية التي تأثرت سلباً باتفاقات التجارة الحرة السابقة.

خشب مكدس على أرفف للبيع يحمل علامة «صنع في الولايات المتحدة» في مدينة لوس أنجليس الأميركية (إ.ب.أ)

التداعيات الاقتصادية

وعلى الرغم من نوايا الرئيس ترمب لحماية الاقتصاد المحلي، فإن تطبيق هذه الرسوم الجمركية كانت له آثار جانبية ملموسة، حيث قال أرون ليزلي جون، إن الرسوم المفروضة على بعض المنتجات، مثل الغسالات، أدت إلى ارتفاع أسعارها بنسبة 34 في المائة، مما زاد من الأعباء على المستهلكين.

وتوقَّع أن تؤدي هذه الرسوم إلى ارتفاع أسعار السيارات الجديدة بمعدل ألف إلى 9 آلاف دولار لكل سيارة، مع إمكانية فقدان أكثر من 165 ألف وظيفة في صناعة السيارات. وزاد: «أثرت الرسوم الجمركية على قطاع الزراعة، حيث أدت إلى ارتفاع أسعار الفواكه والخضراوات واللحوم؛ نتيجة الاعتماد الكبير على الواردات من المكسيك وكندا».

وعلى الرغم من أن هذه الرسوم تهدف إلى تعزيز الصناعة المحلية وخفض العجز التجاري، فإن تداعياتها قد تشمل ارتفاع الأسعار، وفقدان الوظائف، واضطرابات اقتصادية أوسع. وزاد: «من الواضح أن بعض الرسوم الأخيرة التي فرضها ترمب ليست فقط لدعم الاقتصاد، بل تخدم أيضاً وعوده الانتخابية، لا سيما فيما يتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية، والحد من تدفق الفنتانيل من الصين. وقد اتخذت الإدارة الجديدة قرارات سريعة بهذا الشأن، مما يعكس أن هذه الرسوم قد تكون وسيلةً للضغط أكثر من كونها سياسة اقتصادية خالصة».

اتفاقات أكثر توازناً

وأوضح كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشيال»: «ما يجب أن يضعه المستثمرون والأسواق في الاعتبار هو أن كثيراً من الرسوم التي فرضها ترمب سابقاً كانت تستند إلى عدم المعاملة بالمثل من قبل الشركاء التجاريين. لكن هذه المرة، يبدو أن التهديدات الجمركية مرتبطة بمخاوف تتعلق بأمن الحدد، والإمدادات غير المشروعة من المخدرات من دول رئيسية مثل الصين وكندا والمكسيك. وهذا يعني أن المفاوضات المستقبلية بين هذه الدول قد تكون معقدةً للغاية، وقد تُستَخدم هذه الرسوم أداةً تفاوضيةً للوصول إلى اتفاقات أكثر توازناً».

في المقابل تؤكد تشارو تشانانا أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب مجرد أداة اقتصادية، بل تُستخدَم أيضاً وسيلةَ ضغط لإعادة تشكيل التجارة العالمية بما يخدم المصالح الأميركية. وقالت: «هي تجمع بين الاعتبارات الاقتصادية المدروسة والاستراتيجيات التفاوضية الهادفة إلى تحقيق مكاسب سياسية وتجارية على الساحة الدولية».


مقالات ذات صلة

المحكمة العليا الأميركية تمنع مؤقتاً ترحيل الفنزويليين بموجب قانون من القرن الـ18

الولايات المتحدة​ مقر المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (أ.ف.ب)

المحكمة العليا الأميركية تمنع مؤقتاً ترحيل الفنزويليين بموجب قانون من القرن الـ18

أوقفت المحكمة العليا الأميركية اليوم السبت، وفي الوقت الحالي، ترحيل أي فنزويلي محتجز في شمال ولاية تكساس بموجب قانون يعود إلى زمن الحرب في القرن الثامن عشر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا جيه دي فانس وزوجته أوشا فانس وابنتهما ميرابل يحضرون قداس الجمعة العظيمة الذي يقوده الكاردينال كلاوديو غوجيروتي في كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان (أ.ب)

فانس يزور الفاتيكان لتبرير حملة ترمب على المهاجرين

يعتزم نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس عقد اجتماع مع المسؤول الثاني في الفاتيكان، في أعقاب غضب بابوي لافت من حملة إدارة ترمب على المهاجرين.

«الشرق الأوسط» (روما)
شؤون إقليمية منظر عام يظهر منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز على بعد نحو 322 كيلومتراً (200 ميل) جنوب طهران (رويترز) play-circle

إسرائيل تفكر في شن هجوم «محدود» على منشآت إيران النووية

يستعد المفاوضون الأميركيون والإيرانيون لجولة ثانية من المحادثات النووية التمهيدية في روما اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب مع فريقه في البيت الأبيض خلال اجتماع مع أمين عام «ناتو» 13 مارس 2025 (أ.ف.ب)

ترمب يعيد تعريف علاقة واشنطن مع الحلفاء... والخصوم

سلطت الأزمات الدولية الضوء على اختلاف الآيديولوجيات في صفوف فريق ترمب، خصوصاً بين الوجوه التقليدية وأنصار «ماغا».

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية بمدينة بالاكلافا في شبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)

تقرير: أميركا منفتحة على الاعتراف بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم

ذكرت وكالة «بلومبرغ» نقلاً عن مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة مستعدة للاعتراف بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم الأوكرانية في إطار اتفاق سلام أوسع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إيطاليا وأميركا تنتقدان الضرائب «التمييزية» على التكنولوجيا

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، 17 أبريل (نيسان) 2025 (أ.ف.ب)
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، 17 أبريل (نيسان) 2025 (أ.ف.ب)
TT

إيطاليا وأميركا تنتقدان الضرائب «التمييزية» على التكنولوجيا

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، 17 أبريل (نيسان) 2025 (أ.ف.ب)
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، 17 أبريل (نيسان) 2025 (أ.ف.ب)

أصدرت إيطاليا والولايات المتحدة بياناً مشتركاً ينتقد الضرائب «التمييزية» على الخدمات الرقمية، يوم الجمعة، في إشارة محتملة إلى أن روما تبتعد عن ضرائب تثير انزعاج واشنطن.

جاء البيان في الوقت الذي عقدت فيه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اجتماعات متتالية مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائبه جيه دي فانس، ونالت ترحيباً حاراً من الرئيس يتناقض مع معاملته الفاترة للقادة الأوروبيين الآخرين.

كانت الرسوم الأوروبية التي تستهدف عمالقة التكنولوجيا الأميركيين مثل «غوغل» التابعة لشركة «ألفابت»، و«فيسبوك» و«أبل» و«أمازون» مصدر إزعاج طويل الأمد للإدارات الأميركية، بما في ذلك إدارة ترمب، وفقاً لوكالة «رويترز».

وتطبق إيطاليا ضريبة تبلغ ثلاثة في المائة على الإيرادات من معاملات الإنترنت للشركات الرقمية التي لا تقل مبيعاتها عن 750 مليون يورو (نحو 853 مليون دولار).

وقالت روما وواشنطن، في أعقاب زيارة ميلوني للبيت الأبيض، أمس الخميس: «اتفقنا على أن وجود بيئة غير تمييزية فيما يتعلق بضرائب الخدمات الرقمية ضروري لجلب استثمارات من شركات التكنولوجيا المتطورة».

وجاء في البيان أن ترمب سيزور روما في المستقبل القريب، لكنه لم يوضح ما إذا كانت إيطاليا قد التزمت بإلغاء الضريبة.

كما رحب البيان المشترك بالاستثمارات الأميركية في الذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية في إيطاليا لدعمها لكي تصبح مركزاً إقليمياً رئيسياً للبيانات في منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا.