تستضيف براغ، العاصمة التشيكية يومي الخميس والجمعة قمتين: الأولى، قمة «المجموعة السياسية الأوروبية» التي تلتئم للمرة الأولى. وسيكون الاجتماع بمثابة شهادة ولادتها حيث ستضم 44 بلداً يشكلون كافة بلدان القارة الأوروبية باستثناء روسيا وبيلاروسيا بسبب حرب الأولى على أوكرانيا ودعم الثانية لموسكو سياسياً وعسكرياً.
والقمة الثانية خاصة فقط بأعضاء الاتحاد الأوروبي، وهي رسمية أي تشاورية ومن غير اتخاذ قرارات، وغرضها تمهيد الطريق للاجتماع الرسمي اللاحق الذي سيعقد في 17 الجاري.
ولذا، فإن الانتباه سيتركز بالدرجة الأولى على القمة الأولى التي ستنطلق بعد ظهر اليوم في قصر براغ الشهير المطل على المدينة وفي قاعة فلاديسلاف وهي الأكبر.
وتلتئم هذه القمة فيما الحرب الروسية على أوكرانيا متواصلة، وتحل بعد يوم واحد فقط من ضم روسيا أربع مناطق أوكرانية، وعلى خلفية التهديدات النووية إن لناحية تلميحات موسكو أو الخوف من كارثة نووية في محطة زابوريجيا الأوكرانية التي تسيطر عليها قوات موسكو والتي لا يخلو محيطها من عمليات قصف تتبادل كييف وموسكو الاتهامات بشأنها.
ويلعب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دور «العراب»، إذ إنه صاحب الفكرة والمسؤول الذي ضغط بقوة من أجل أن ترى «المجموعة» النور، وكان قد طرحها للمرة الأولى في خطاب ألقاه في البرلمان الأوروبي في 9 مايو (أيار) الماضي. وقتها، تساءل كثيرون عن فائدة «بنية جديدة» إضافية تنضم إلى ما هو موجود، كالاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتجمع الدول الأوروبية للتبادل الحر ومجلس الشراكة مع بلدان شرق أوروبا ومع البلقان ناهيك عن الحلف الأطلسي... ولما كانت فرنسا وقتها الرئيسة الدورية للاتحاد، حتى شهر يوليو (تموز)، فقد استفاد ماكرون من المناسبة ليدفع الخطة إلى الأمام، وحصل من الجمهورية التشيكية التي آلت إليها رئاسة الاتحاد تعهداً بأن تعمد إلى تنظيم أول قمة لها، وهو ما يحصل اليوم.
لم يغب عن أذهان الكثيرين أن الدول الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مثل أوكرانيا ومولدافيا وتركيا وصربيا... نظرت بكثير من الريبة للفكرة الفرنسية، واعتبرت أن غرضها إيجاد نوع من البديل عن الانضمام إلى الاتحاد.
وأمس، أكدت المصادر الرئاسية الفرنسية في معرض تقديمها للقمتين، ما سبق وشددت عليه باريس من أن «المجموعة» ليست بديلاً. لكنها في الوقت عينه، اعتبرت أن العمل المشترك بين الدول الأوروبية خارج الاتحاد مع أعضاء النادي الأوروبي من شأنه تسهيل الانضمام اللاحق وليس الحلول محله. ومن الناحية البرمجية، ثمة اتفاق على أن تعقد قمتان في العام، وأن القمة القادمة ستكون في ربيع العام 2023، وأن تستضيفها دولة غير عضو في الاتحاد. وثمة معلومات تفيد بأن مولدافيا ستكون الدولة المضيفة الثانية بعد براغ.
ولأن المولود الجديد يضم كافة البلدان الأوروبية التي سيحضر قادتها باستثناء رئيسة وزراء الدنمارك لارتباطات سابقة، فإن بريطانيا ممثلة برئيسة وزرائها ليز تراس ستكون حاضرة في براغ. وبذلك، يمكن النظر للحدث على أنه «عودة بريطانيا إلى الحضن الأوروبي».
وقالت مصادر الإليزيه إن حضور تراس «لا يتعارض مع خيار البريكست» وإن حضورها «مؤشر لانخراط بريطانيا في موضوع الأمن الأوروبي»، وسيكون لها اجتماع ثنائي مع الرئيس ماكرون.
وتعتبر المصادر الفرنسية أن الصورة التذكارية ستكون ذات بعد تاريخي لأنها تجمع للمرة الأولى كافة القادة الأوروبيين، ولأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكون غائباً عنها ما سيبين بشكل صارخ، عزلته الأوروبية. وأفادت صحيفة «لوموند» في عددها أمس بأن كبار مستشاري القادة الأوروبيين اجتمعوا في بروكسل يوم 29 سبتمبر (أيلول) للتفاهم على كافة الملفات والتفاصيل والمحاور والمناقشات.
وفي المحصلة، سيتم إيجاد أربع طاولات مستديرة ستنصب مناقشاتها على محورين رئيسيين: الأمن والسلام من جهة، الأمر الذي سيعني بلا شك مناقشة الملف الأوكراني وتبعاته وأمن أوروبا وصيغة المحافظة عليه، وما يعتبره بعض الأعضاء تهديداً روسياً لأمنهم مثل السويد وفنلندا ودول البلطيق وبولندا... والمحور الثاني عنوانه الطاقة والبيئة والاقتصاد. وكما هو واضح، فإن الملفين يفتحان الباب لأوسع مروحة من المداخلات. وسيتم في الاجتماع الجامع ليلاً طرح الخلاصات التي توصلت إليها مجموعات العمل الأربع. وبما أن ماكرون هو صاحب الفكرة، فستكون مهمته اختتام المناقشات وطرح التوصيات.
وينتظر أن يكون التعاون بشأن الطاقة بين دول «المجموعة» أحد المواضيع الرئيسية التي ستتم مناقشتها نظراً للصعوبات التي يعانيها الأوروبيون لتوفير حاجاتهم من الغاز والنفط بسبب الحرب الأوكرانية وتبعاتها.
وقالت المصادر الرئاسية الفرنسية إن الغرض من الاجتماع تعيين محاور تعاون بين أطراف «المجموعة»، وقد ذكرت من ضمنها الأمن السيبراني والصحة والتعاون الجامعي وتسهيل تبادل الطلاب والشباب وأمن البنى الاستراتيجية الحساسة. وتريد باريس أن يفضي الاجتماع إلى تحديد مشاريع تعاون واضحة. وينتظر أن يلقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كلمة عبر الفيديو ينتظر سلفاً أن يطلب فيهاً مزيداً من الدعم متعدد الأشكال لبلاده، ومزيداً من الضغوط والعقوبات على روسيا، وأن يعرض نظرته للحرب الدائرة وشروط السلام كما يراها. وتجدر الإشارة إلى أنه في إحدى كلماته الأخيرة وبعد عملية ضم أربع مناطق أوكرانية، أكد زيلينسكي أن لا تفاوض مع بوتين وأن المفاوضات يمكن أن تجري مع الرئيس الذي سيحل مكانه.
ستكون براغ بلا شك المكان الملائم لاجتماعات ثنائية لعل أبرزها سيكون اجتماع رئيس أذربيجان ورئيس الوزراء الأرميني، فيما لم يتم الإعلان عن اجتماع مرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس الوزراء اليوناني ورئيس الجمهورية القبرصي. وبين تركيا وجارتيها خلافات مستحكمة. وشهدت الأسابيع القليلة الماضية اتهامات متبادلة بين أنقرة وأثينا. وتتهم تركيا الأوروبيين بالتحيز لليونان وقبرص لأنهما عضوان في الاتحاد، بينما تسعى تركيا إلى الانضمام إليه منذ حوالي العقدين. وحتى اليوم، يبدو الطريق مغلقا بوجهها. وعلم أمس أن أثينا ونيقوسيا عارضتا دعوة تركيا إلى «المجموعة» باعتبار أنها تضم دولاً أوروبية «ديمقراطية» وهي صفة لا تنطبق حقيقة، من وجهة نظرهما، على تركيا.
ثمة إجماع على أن قمة براغ لن تجترح العجائب. لكنها، بلا شك، ستكون مفيدة لأنها توفر منصة للتلاقي والحوار بين كل بلدان القارة وهي الصيغة الوحيدة التي تضم الجميع بلا استثناء، وستسهل الحوار السياسي وتبادل الرأي بشأن المسائل المطروحة على الجميع. وجاء في خلاصة لاجتماع قادة الاتحاد في بروكسل في شهر يونيو (حزيران) الماضي أن «المجموعة» يمكن «أن تساهم في توفير الأمن والاستقرار والازدهار لكل القارة الأوروبية».
«المجموعة السياسية الأوروبية» تولد في براغ اليوم
تركيز القادة سينصب على الأمن والاستقرار والطاقة والاقتصاد
«المجموعة السياسية الأوروبية» تولد في براغ اليوم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة