معرض «الرياض للكتاب» يقلب المعادلة ويصبح «أيقونة» المعارض العربية

«الشرق الأوسط» تستطلع آراء ناشرين ومؤلفين وباحثين

معرض الرياض للكتاب بات ظاهرة ثقافية مهمة ولافتة (تصوير: علي الظاهري)
معرض الرياض للكتاب بات ظاهرة ثقافية مهمة ولافتة (تصوير: علي الظاهري)
TT

معرض «الرياض للكتاب» يقلب المعادلة ويصبح «أيقونة» المعارض العربية

معرض الرياض للكتاب بات ظاهرة ثقافية مهمة ولافتة (تصوير: علي الظاهري)
معرض الرياض للكتاب بات ظاهرة ثقافية مهمة ولافتة (تصوير: علي الظاهري)

سجّل معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يختتم فعالياته السبت المقبل، حضوراً لافتاً في عدد الدور المشاركة ودولها، من محلية وعربية وأجنبية، وتنوع عناوين إصداراتها ومعروضاتها للكتب بما يرضي طالبيها والباحثين عنها. واستطلعت «الشرق الأوسط» آراء عدد من أصحاب دور النشر والمؤلفين وبعض زائري المعرض، ومن لهم علاقة بالكتاب ومتابعي ما تقذفه المطابع من مؤلفات متنوعة، وأجمع المشاركون على أن المعرض يمثّل ظاهرة ثقافية، بل يُعدّ أيقونة المعارض العربية وعينها، مع إمكانية الحصول على الكتب التي يبحث عنها الزائرون بعيداً عن مقص الرقيب.

الروائي عادل الحوشان

شدد بعض المشاركين على أن معرض الرياض للكتاب، قلَب المعادلة سريعاً وأعاد النظر في المقولة القديمة «القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ»، لتصبح «الرياض تتقاسم العبارة مع الأشقاء: تكتب وتطبع وتقرأ».
فضاءات واسعة وأسقف مرتفعة
أكدت الكاتبة أميمة الخميس أن الثقافة كممارسة بحمولتها الشاسعة والمتعددة تتواشج في المعرض لتصنع حالة مستقلة للنزوح عن النخبوية إلى اتساع دائرة الرواد والمريدين، وقالت «لأنني من جيل كان يدسّ الكتب بين ثنايا الملابس في الحقائب خشية من نقاط تفتيش المطارات والموانئ، أما الكتب ذات المواضيع الحساسة (أو ما كنا نزعم بأنها كذلك) فكنا نطلبها من العواصم المجاورة خلسة من جيل كانت تفرد فيه أيام المعرض كلها للرجال وتترك فتات يوم ونصف اليوم للنساء في نهاية المعرض (عندما كانت تنظمه جامعة الملك سعود)، ومن جيل كانت تقام فيه الغزوات بين أروقة المعرض ضد عنوان مستفز أو سطر جريء، إما غزوة (ذات التوقيع) فكانت ضد توقيع كاتبة (أنثى) كتابها لقارئ (ذكر)».
سيبدو كل ما يتجاوز ما كان يحدث أعلاه رائعاً ومدهشاً وجميلاً، لعل أول مزية تمنح معارض الكتاب قيمتها هي الفضاءات الواسعة والأسقف المرتفعة التي تتحرك بها المعارف، وهذا ما لمسته في معرض الرياض، حيث رواية نجيب محفوظ الخالدة (أولاد حارتنا) تتسنم واجهة دار نشرها، بينما كتاب يوفال هراري الثاني (الإنسان الإله) يوزع عبر مشروع الترجمة الجاد والأنيق في جناح أبوظبي، أما دار الجمل بحمولتها المزعجة المكهربة فقد أناخت بكلكلها في إحدى أروقة المعرض، هذا المساحات الشاسعة هي التي تهمني كقارئة، أما أن يدبج البعض المقالات للحديث عن مواقف السيارات وعرض الممرات وأسعار الكتب والبلاط فهذه ذهنية (مقاول) وليس طالب معرفة، مع احترامي للجميع!
وأزعم في وقتنا الحاضر (حيث احتدام البدايات) وزارة الثقافة ترجو من النخب تلويحات وإضاءات فوق خريطة مشروعها الذي تهدف فيه إلى جعل الممارسة الثقافية جزءاً نشطاً وفاعلاً يتخلل النسيج المجتمعي الذي تتربص به استهلاكية غرائزية مفرغة من العمق والمعنى الوجودي من جهة، وفي الجهة المقابلة أيضاً لتنجو بالثقافة من مصير الردهات المغبرة الخاوية في الأندية الأدبية.


الروائية أميمة الخميس

الثقافة كممارسة بحمولتها الشاسعة المتعددة المستحثة لجميع كوامن السامي والجميل والخالد في أعماقنا تتواشج في المعرض لتصنع حالة مستقلة بدا واضحاً فيها النزوح عن النخبوية إلى اتساع دائرة الرواد والمريدين، عبر الحفلات الموسيقية، وورش تعليم الطهي، حتى البرنامج الثقافي وسع دائرة المشاركين، حيث المبدعين والموسيقيين والمسرحيين، وقلص جمود الأكاديميين إلى حده الأدنى.
وزارة الثقافة في تنظيمها للمعرض، تسير فوق ذلك الصراط الحاد المرهف الذي يفصل النتاج الثقافي الأصيل المدهش العميق الذي يستلهم روح الإنسانية وبين النتاج الاستهلاكي المبتذل السخيف الخاضع لقوانين السوق... ومن هنا، يبدو التحدي كبيراً أمامها... لكن أعتقد أن أهم إرهاصات النجاح هو ما نراه من إقبال جماهيري كبير على المعرض ليس من سكان المملكة فقط، بل أيضاً من الخليج والعالم العربي، (كنت في الصيف في معرض كتاب إدنبرة فكان الحضور شحيحاً ونخبوياً) مقارنة بمعرض الرياض الذي بات من أبرز المحطات الثقافية في المشهد كقيمة (ثقافية – جماهيرية - اقتصادية) على مستوى العالم العربي».
المعرض قلَب المعادلة
شدد الدكتور محمد بن عبد الله العوين، الكاتب والناقد والأستاذ الجامعي، على أن معرض الرياض للكتاب قلب المقولة والمعادلة القديمة وأعاد النظر فيها التي تقول: القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ، لتصبح الرياض تتقاسم العبارة مع الأشقاء؛ فهي: تكتب وتطبع وتقرأ، وقال «بشفافية عالية سأتحدث عن رؤيتي للمضامين قبل الشكليات وأدوات تسيير أنشطة المعرض الجانبية وندواته الكثيرة، ولم أكن أصدق يوماً ما أن أرى ثمار العقل والإبداع العربي والإنساني من دون تحفظ إلا على الثوابت الدينية والأخلاقية والسياسية معروضة بسخاء وجدة أمام الزوار، تلك الكتب التي كنا نهرول وراءها باحثين عنها في معارض الكتب أو دور النشر في عواصم الثقافة قديماً، ثم نأتي بها بإرهاق وعنت ثم فرحة لا تعادلها فرحة بعد توزيعها في أرففها المناسبة لها في مكتباتنا الخاصة، لقد انقلبت المعادلة سريعاً، فقديماً سمعنا المقولة التي يحسن إعادة النظر فيها: القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ! إلى: الرياض تتقاسم العبارة مع الأشقاء؛ تكتب وتطبع وتقرأ، فلا يمكن أن تستمر مدينة ما عاصمة مركز والبقية أطرافٌ إلى الأبد؛ فالتحضر والتطور عملية متسارعة ومتغيرة بأسبابها وحيثياتها ودواعيها ونظامها السياسي المشرف على إدارتها، ومن التواضع المحمود أن نقول إن الإبداع فكراً أو أدباً أو فناً ليس محصوراً على مكان أو زمان محددين، فما يقلق ويسعد وما يختلج في القلوب من مشاعر وما يعترض سبل العيش السعيد من عقبات ونوازل همومٌ إنسانية مشتركة تشعر بها الشعوب في أميركا اللاتينية كما يشعر بها سكان الجزر الإندونيسية كما نفكر فيها نحن الشعوب العربية ونكتوي بنور أو نار مشاعرها، الإنسان الذي يبدع ويفكر شعلة تضيئ الدروب لأخيه الإنسان أينما كان أو حّل، ووظيفة التفكير الرشيد إسعادُ البشر، ووظيفة الإبداع الراقي بأشكاله الفنية المتعددة التعبيرُ الرفيعُ الراقي عن ذلك التفكير وتلك المشاعر والهموم.


الناقد محمد العوين

والرياض في تحولها الوطني السريع وانفتاحها الواثق على ثقافات العالم تتمثل أفقَ الرؤية الواسعَ: التعايشُ مع العالم والإسهامُ معه في الحضارة الإنسانية، وخلقُ وتكوينُ بصمة سعودية عربية إسلامية تحتفظ بخصوصيتها وهويتها وجيناتها الخاصة التي تمنحها التفرد َوالتأثيرَ والبقاء.
المدهش في المعرض هذا التنوع الرائع الجميل في العناوين الفلسفية والتاريخية والسياسية والأدبية وغيرها، والأكثر لفتاً لنظر المتأمل ظهور موجة تجديد كتب فكر وإبداع بداية عصر النهضة العربية في مصر ولبنان والعراق بطبعات جديدة، مع الاحتفاظ بأصول الطبعات القديمة الأولى وأركانها من محققين وكاتبي مقدمات، ونحو ذلك.
ومما يشكر للجنة المنظمة هذا الثراء والجمال في تعدد وتنوع القضايا والاهتمامات في الندوات والعروض.
هذا من حيث المتن والموضوع، وهو الأكثر أهمية، أما من حيث الإجراءات التنفيذية، فلحظت غلاء الأسعار بصورة مزعجة؛ مما قد يحدّ من تكاثر عمليات الشراء إلا للضروري جداً».
عين المعارض العربية
واعتبر المحامي والكاتب والمؤلف والناشر السعودي محمد المشوح، أن معرض الرياض يشكل أيقونة المعارض العربية وعينها، وقال «يُشكِّل معرض الرياض الدَّولي للكتاب أيقونة للمعارض العربيَّة بوهجه وجمهوره وزفِّ العديد من الإصدارات الكثيرة في أيَّامه، ولا شكَّ أنَّ المعرض هو عين المعارض العربيَّة؛ لكثرة الزوَّار والقوَّة الشِّرائيَّة الكبرى التي يزخر بها معرض الرياض الدَّولي لكتاب.
والحقيقة، أنَّ الإخوة الَّذين يقومون على هذا المعرض لا شكَّ أنَّهم يبذلون جهوداً كبرى من أجل إظهار المعرض بالوجه اللَّائق، ونحن نلحظ ونشهد كلَّ عام تغييرات مهمة وتطويريَّة شاملة للمعرض؛ مثلاً: المقصّ الرَّقيب، والرَّقابة الدَّوريَّة على الكتب نحن شاهدنا في معرض الرياض أنَّ الحسّ الرَّقابي اعتلا كثيراً؛ بحيث إنه أصبح هناك فسحة كبرى للنَّاشرين في العرض، وليس هناك رقابة رتيبة ومقلقة ومزعجة للجميع، وهذا بلا شكَّ يُحفِّز النَّاشرين على النَّشر، ويحفِّز القُرَّاء على ارتياد المعرض لوجود جميع الكتب التي يبحثون عليها من غير مقصِّ رقيب.
الجانب الآخر الَّذي يتميز به معرض الرياض الدَّولي للكتاب، هو النوعيَّة المتميِّزة من القُرَّاء ومن المتابعين، وهذه هي طبيعة الحضور في معرض الرياض الدَّولي للكتاب التي تختلف عن كثير من المعارض.
الجمهور السُّعودي معروفٌ بأنَّه جمهور قارئ متابع ناقد، وهذه الصِّفات قلَّ أن تتوفَر في كثير من الجماهير التي تزور المعارض. وكذلك هو جمهور غزير وغفير، وبالتالي هناك تزاحم كبير من قِبَل دور النَّشر العربيَّة والعالميَّة على الحضور والمشاركة في المعرض؛ للمكانة التي اكتسبها طيلة هذه السَّنوات الماضية، وللطبيعة المتميِّزة للقارئ السُّعودي والجمهور الحاضر.
المعرض شهد توسُّعاً كبيراً في المشاركات من قِبَل دور النَّشر، ولاحظنا أنَه تمَّ افتتاح صالة كبرى أخرى رديفة للصَّالة الأخرى الموجودة، وهي تُعزِّز دَور النَّاشر السُّعودي والعربيّ، كما أن الفعاليات الثقافيَّة تجذب وتنادي كلَ من له صِلة بالثَّقافة والفنّ والأدب بأن يحضر إلى المعرض، وسيجد ما يريده ويبتغيه من خلال الفعاليات الموجودة.
نحن كناشرين سعوديين نترقَب كلَّ عام مثل هذا العرس الثَّقافي، وهذا يوفِّر مزيداً من الجمهور العريض، فالنَاشر السُّعودي له حصَّة كبرى من معرض الرياض الدَّولي للكتاب، وبالتالي فإنَّ حضوره حضورٌ مهم، يضفي على المعرض القوَّة المحليَّة، ودُور النَّشر الكثيرة في السُّوق السُّعودية للنَّشر، وهذا يعزِّز مكانة السعودية في المشهد الثَّقافي وفي سوق النَّشر، وهو أحد أوعية الاقتصاد الـمَحلِّي والعالمي.
نجاح رغم غلاء الأسعار
ورأى الشاعر والروائي عادل الحوشان، أن معرض الرياض للكتاب يعدّ علامة عربية وعالمية مميزة، بل يعدّ من أهم المعارض العربية وأكثرها إقبالاً، وقال «الكلام عن معرض الرياض الدولي للكتاب كما هو دائماً، على اعتبار أنه أهم المعارض العربية وأكثرها إقبالاً.
أعتقد أن تصريح المسؤولين عن المعرض بمشاركة 1500 دار نشر، هو تصريح حسابات الأرقام، التي قد تكون منصفة كدليل للنجاح من جهة، لكن لا بد من مقارنتها مع بقية العناصر المهمة التي يجب مراعاتها دائماً بغض النظر عن الأرقام رغم أهميتها.
هذا المعرض هو علامة عربية وعالمية بامتياز بكل تأكيد، لكن لا بد من الأخذ بالاعتبار عناصر أخرى مهمة ويضعها المثقف وغير المثقف في الحسبان، أعتقد أن اللجان المنظمة بذلت جهداً هائلاً يشكرون عليه، لكن لا تزال هناك بعض الملاحظات التي سبق أن تكلمنا وتكلم عنها غيرنا تتعلق بجوانب تنظيمية؛ فتنوع الكتب واتجاهاتها وتنوع دور النشر عربية وعالمية شيء يحسب لكل معرض، لكن الرقابة على أسعار الكتب أيضاً مهمة وفي غاية الأهمية، بسبب أن الكثير من دور النشر تبالغ بشكل غريب في أسعارها، ولا أريد أن أذكر دولة بعينها صارت سمتها السنوية رفع أسعار بعض الكتب بما يقارب 7 أضعاف سعر تكلفتها.
إدارة المعرض - حسب ما سمعت - فرضت خصماً يقارب 15 في المائة، لكن هذه الدور تبيع وكأن من يزورها لا يعرف هذه المضاعفات التي تحدث مع كتب لها طابع «الشبابية»، كتب مؤلفين استطاعوا تسويق أنفسهم عبر السوشيال ميديا واستغلت هذه الدور رغبة الأجيال الجديدة في الانضمام إلى كوكبة القراء من أجل الحصول على نسخ من عينات هذه الكتب، هذا حقهم بالطبع، لكن ذلك سيؤثر على بقية المعرض، الذي أصبحت أبرز سماته غلاء أسعار العارضين، ليس هناك عذر بالطبع بوجود ضريبة قيمة مضافة، أو غلاء أسعار الطباعة، فهذا الكلام للدفاع عما ارتكبوه وهو كلام تكشف عن عورته السوق.
المعرض بشكل عام يستحق أن نقول لوزارة الثقافة ولهيئة الأدب، شكراً، كظاهرة ثقافية مهمة ولافتة».

إقبال واسع من مختلف شرائح المجتمع على معرض الرياض للكتاب (تصوير: علي الظاهري)

سقف الحرية لا حدود له
وأكد الدكتور أحمد الصادق برير، أكاديمي وكاتب سوداني مقيم في الرياض، بأن المعرض حقق التفوق وكان استثنائياً، وسقف الحرية فيه لم تحده حدود، وكانت الأجنحة الخاصة بالأطفال وجهاً مشرقاً وباهراً للمعرض، وقال «في العام الماضي وهذا العام، استعاد معرض الرياض الدولي للكتاب ألقه وتوهجه في نقلة تاريخية في استيعابه منجز المحيط العربي المعرفي. وفي سابقتين اثنتين تفوق وبشكل ملحوظ على معظم المعارض الأخرى وأقول قولي هذا بثقة وعن تجارب متنوعة ومتعددة. أعجبني التنظيم الدقيق وديناميكية وهمّة ونشاط الشباب والشابات، فإن دخلت إلى صالة المعرض فاعلم أنك لن تضل أبداً، أضف إلى ذلك أحدث التقنيات، بل وأرقاها في خدمة زوار المعرض، هذا مما يحسب للقائمين على ترتيب وإعداد المعرض. جاءت مشاركات الناشرين والمشتغلين بصناعة النشر والكتاب والتوزيع غير مسبوقة هذا العام بالتحديد. حتى دور النشر التي اختفت لسنوات ظهرت وتطالعك وجوه الكثيرين منهم وهم سعداء باستجابتهم لفضول قرائهم الذي لا تحده حدود. ولم يكن معرضاً عادياً على الإطلاق: هنالك أنشطة فكرية وثقافية مصاحبة وأكثر مما تم الاحتفاء به، تلك الأجنحة الخاصة بالأطفال. كانت وجهاً مشرقاً وباهراً.
المعرض هذا العام كان استثنائياً وسقف الحرية لم تحده حدود، وهذا مما لا تنتطح عليه عنزان كما تقول العرب. سعادة الزوار لا تخطئها العين الحرة: نعم هذه العناوين بحثت عنها كثيراً، وها هي أمامي وأخيراً حصلت على كتب كاتبي المفضل إلخ إلخ مما تسمعه هنا وهناك. يبقى أن جوانب عديدة من لوجيستية ومقابلة احتياجات الزوار المحتملين، وبالتالي الأخذ في الاعتبار فضولهم المعرفي الذي لا تحده حدود. نعم، ذلكم هو جوهر المسألة، ولكن ثمة بضع ملاحظات:
على الرغم من احتفاء الزوار بذلك العدد الكبير للمشاركين، فإن خريطة توزيعهم كانت مربكة للغاية، خاصة أن الصالة ضخمة جداً، وكان هذا بائناً في اليوم الأول للمعرض مع تعطل الشاشات المعينة لبعض من الوقت. بيروقراطية؟ ربما. وهذا في حسباننا طبيعي في وجود هذا العدد الهائل من المشاركين، لم يكن مبرراً على الإطلاق ردود فعل الزوار تجاه ذلك الارتباك. من ناحية أخرى، وكذلك على الرغم من احتفائنا مرة أخرى بتوفر العناوين التي لا نستطيع الحصول عليها واقتناء أحدث الإصدارات، فقد صدمنا من الأسعار وفجعنا وغمنا ما طلبه كثير من المشاركين من الكتب التي لا نستطيع مقاومة شرائها! نعم، دور نشر معروفة ومعروف الإقبال غير العادي من القراء عموماً على عناوينها وانتظارهم عاماً كاملاً حتى تحين لحظة اقتنائها ويفاجأوا بذلك الغلاء وتلك الأسعار؟ ربما نسي أولئك أو قُل تناسوا أن القراء والزوار خاصة في السعودية ودون كل البلاد العربية الأخرى، على وعي تام بما يدور من الشراء من المواقع الإلكترونية المختلفة ومعرفة تامة بالأسعار وتكلفة الشحن».


مقالات ذات صلة

«لُعْبَة القَفْزِ مِنَ النَّافِذَة»... صراع الأمل والموت وما بينهما

ثقافة وفنون «لُعْبَة القَفْزِ مِنَ النَّافِذَة»... صراع الأمل والموت وما بينهما

«لُعْبَة القَفْزِ مِنَ النَّافِذَة»... صراع الأمل والموت وما بينهما

تطرح قصص «لُعْبَة القَفْزِ مِنَ النَّافِذَة» للكاتبة المغربية هدى الشماشي تساؤلات وجودية في محاولة للتوفيق بين حيوات أبطالها ومآسيهم الخاصة المتواترة عبر العصور

«الشرق الأوسط» (عمان)
ثقافة وفنون «في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة

«في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة

ثمة خصوصية للنقد الأدبي التطبيقي حين يصدر عن مبدع عموماً وشاعر بشكل خاص، إذ تتحول الممارسة النقدية في تلك الحالة إلى غوص رهيف في أعماق النص بعين خبيرة

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب الكاتبة والناشرة رنا الصيفي

مؤثرو وسائل التواصل... خسارتهم قد تقتل كتابك

رغم كل ما يقال عن فاعلية «تيك توك»، دون غيره من وسائل التواصل الاجتماعي، في الترويج للكتب،فإن المؤثرين الذين ينشرون مساهماتهم، ولهم باع على هذه المنصة...

سوسن الأبطح (بيروت)
كتب أندريه سبونفيل

لماذا ترعب الأصولية الظلامية الفيلسوف الفرنسي سبونفيل؟

يُعتبر الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل أحد فلاسفة فرنسا الكبار حالياً. وقد كان أستاذاً في السوربون ومحاضراً لامعاً في أهم الجامعات الأوروبية والعالمية.

هاشم صالح
ثقافة وفنون سعيد حمدان الطنيجي

قصائد مغناة منذ ما قبل الإسلام حتى القرن الـ19

يصدر قريباً عن مركز أبوظبي للغة العربية، كتاب «مائة قصيدة وقصيدة مغناة» من الشعر العربي، والذي يحتوي على قصائد مغناة منذ ما قبل الإسلام حتى نهايات القرن التاسع

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

طهران تواجه لحظة الحقيقة

محسن ميلاني
محسن ميلاني
TT

طهران تواجه لحظة الحقيقة

محسن ميلاني
محسن ميلاني

في قلب المشهد الجيوسياسي الملتهب في الشرق الأوسط، ثمة قوة إقليمية تبدو موجودة دائماً، بشكل أو بآخر، في خلفية الحدث اللحظي: إنها إيران. فسواء كنا نتحدث عن هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) (2023) وما تلاه من عدوان واسع النطاق على قطاع غزّة، أو عن الاعتداءات الإسرائيلية التي لا تتوقف على مواقع الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربيّة المحتلة، أو الحرب الإسرائيلية الأحدث على «حزب الله» في لبنان، أو الصدام الأميركي - الإسرائيلي مع الحوثيين عبر البحر الأحمر، أو الانقلاب الصاعق في سوريا الذي أطاح حكم الرئيس الأسد حليف طهران العريق، فإن الجمهوريّة الإسلاميّة دائماً في مكان ما من الصورة. وتكتسب الحكاية الآن زخماً أكثر، مع عودة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب مجدداً إلى البيت الأبيض، بسياسته الأكثر ميلاً إلى المواجهة مع طهران، وتقاربه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يحلم بألا ينهي عهده بعد عشرين عاماً في السلطة إلا وإيران قد جُرّدت من القدرة على إنتاج السلاح النووي.

غلاف الكتاب

ولذلك؛ فإن فهم مسار صعود النفوذ الإقليمي لإيران وخلفيات مأزقها الاستراتيجي الحالي ممر أساسي لكل ممارسي السياسة في الشرق الأوسط، ومادة لا غنى عنها للمعنيين بتفكيك خطوط الوقائع ورسم تصورات حول السيناريوهات المستقبلية التي تواجهها دول المنطقة وشعوبها. لكن الحقيقة أن فهماً دقيقاً لهذه الصورة الشديدة التشابك من خلال المقالات والتحليلات الصحافية والبرامج الإخبارية على الشاشات يبدو متعذراً؛ نظراً للانحيازات الكثيرة والمواقف المسبقة لمختلف الأطراف ذات العلاقة، والمنهجيّة الاستشراقيّة التي تحكم خطاب الغرب عن الإقليم، ناهيك عن المضامين الآيديولوجيّة التي قد تحمّل بها آراء أصحاب الرأي، في حين تتسم الكتابات الأكاديمية المحض بكثير من التجريد والتعقيد؛ ما يبعدها عن متناول القارئ غير المتخصص.

وهذا كلّه يجعل من صدور كتاب الباحث والمدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية محسن ميلاني عن «صعود إيران وتنافسها مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط - 2025*» مدعاة للاحتفاء، حيث يقدّم فيما يقرب من 350 صفحة تأريخاً مكثفاً لنشأة النفوذ الإيراني وصعوده خلال السبعين عاماً الأخيرة، والآفاق التي انتهى إليها في منعطف تبادل السلطة بين الديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن.

يركز الكتاب بشكل أساسي على العقود التي تلت ثورة 1979، لكنّه يغطي أيضاً، وإن بإيجاز، فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي خلال الفترة (1941 - 1979)؛ ما ينبّه إلى أن الكثير من تحالفات إيران الإقليمية استمرت عبر العهدين. ويقول ميلاني إن نظام الشاه توجه خلال الستينات من القرن الماضي إلى تمكين الشيعة المهمشين بصفتهم قوةً مضادة ضد ازدهار القومية العربية في لبنان، كما مدّ يد المساعدة العسكرية إلى الملكيين المناهضين لجمال عبد الناصر في الحرب الأهلية في شمال اليمن (1962 - 1970).

ويصف المؤلف بالتفصيل دور الحرب العراقية - الإيرانية خلال عقد ثمانينات القرن الماضي في تثبيت أسس النظام الإسلامي الجديد في طهران؛ إذ رغم الخسائر الفادحة التي تكبَّدها الإيرانيون في ثماني سنوات من القتال الدموي، فإن الناس احتشدوا للدفاع عن بلادهم وراء النظام الجديد حينها، كما تكرّست مكانة «الحرس الثوري»، الذي كان له دور كبير لاحقاً في تأسيس ودعم الميليشيات الدينية في العراق، ولبنان، واليمن، وفلسطين، وغيرها.

وبحسب ميلاني، فإنه مع حلول مطلع القرن الجديد كانت القوة الإقليمية للجمهورية الإسلامية قد بلغت ذروتها؛ إذ كان العراق ضعيفاً بعد الحروب المتعددة وسنوات الحصار الدّولي، في حين كانت العلاقة مع سوريا قوية، وأصبح «حزب الله» قوة فاعلة سياسياً وعسكرياً في لبنان، وأمدت طهران بالمال والسلاح مقاومين فلسطينيين في الضفة الغربيّة وقطاع غزة كاسرة حدود الآيديولوجيا بين الشيعي والسنيّ.

ويجادل المؤلف بأن حدثين مفصليين بينهما عشرون عاماً تقريباً شكَّلا فضاء هذه القوة تمدداً وتقلصاً: الأول كان الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 والإطاحة بعدو إيران الرئيسي، صدام حسين، وما أعقبه من فوضى طويلة الأمد أصبحت خلالها إيران لاعباً أساسياً مؤثراً في الشأن العراقي، وشريكاً ضمنياً للولايات المتحدة في دعم النظام الجديد في بغداد الذي نشأ على أنقاض حكم البعث. أما الحدث الآخر الحاسم، والذي بدا أنّه نقطة التحوّل النوعي نحو انكماش النفوذ الإيراني في المنطقة – وهو مسار بدأ مع اغتيال الجنرال قاسم سليماني في بغداد بمسيَّرة أميركية عام 2020 - فقد كان الهجوم الذي نفذته حركة «حماس» المدعومة من طهران على المواقع الإسرائيلية في غلاف غزّة، الذي كان لحظياً بمثابة نجاح تكتيكي مبهر، قبل أن يتسبب بكارثة هائلة لسكان قطاع غزة و«حماس»، وفتح بوابة جحيم أدت فيما أدت إليه من تحجيم قوة «حزب الله» في لبنان بعد حرب الشهرين الأخيرة مع الجيش الإسرائيلي، والتدخل الأميركي والبريطاني للحد من هجمات الحوثيين على الملاحة المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر - وتالياً سقوط النظام في دمشق، وإن كان الكتاب أُرسل للطباعة قبل الحدث المفاجئ في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي ولم يتسن تغطيته ضمن النص -.

ويبدو أن الدّولة العبرية مصممة الآن على استغلال لحظة الانكماش الإيراني هذه لتطهير حدودها نهائياً من الميليشيات المدعومة من طهران، وتدفع حليفتها، الولايات المتحدة، للعمل سويّة على تنفيذ ضربة عسكرية استباقية مشتركة لتدمير منشآت إيران النووية تحت الأرض.

ميلاني الذي كان زميلاً باحثاً في جامعات هارفارد (الولايات المتحدة) وأكسفورد (بريطانيا) وفوسكاري (إيطاليا) يدفع القارئ إلى الاستنتاج بأن إيران اليوم أضعف مما كانت عليه خلال مرحلة الحرب العراقية - الإيرانية، في حين تواجه الآن مع ولاية الرئيس دونالد ترمب الثانية معضلة استراتيجية هائلة في مسرح انقلب عليها كليّة: فهل تتقبل خسارتها وتسعى إلى صفقة جديدة مع (الشيطان الأكبر) تحفظ النظام وتطيل عمره ولو على حساب إعادة صياغة كليّة لطبيعة دورها الإقليميّ، أم تخاطر بتسريع برنامجها النووي والصاروخي لامتلاك أدوات ردع تسمح لها بحماية النظام ذاتياً، وتكسبها مكاناً على طاولة الشرق الأوسط المزدحمة باللاعبين الكبار؟

يشدد ميلاني على أن الأولوية القصوى لقادة إيران في مواجهة هذه المعضلة تظل الحفاظ على النّظام، على الرغم من تآكل تأييد الشعب الإيراني له. يقول: «اليوم، أصبحت الجمهورية الإسلامية منفصلة بشكل متزايد عن حياة الإيرانيين العاديين، وتبدو الدولة وكأنها تسير في اتجاه لا مستقبل له» في ظلّ التطورات في الإقليم والعالم، وإن استمرار النظام في استراتيجيته الإقليمية لأسباب آيديولوجية قد يمدّد من سيطرته على البلاد، لكنه لن يصبّ في مجرى المصالح الوطنية الإيرانية على المدى البعيد. ولعل هذه النقطة تحديداً هي نقطة ضعف في طرح الكتاب؛ إذ إن العنوان الذي اختاره يشير إلى نوع من صراع النفوذ والتنافس الجيوستراتيجي مع الولايات المتحدة في الإقليم، لكن الواقع، وهو ما يظهره المؤلف نفسه في نقاط مختلفة، بأن تمدد إيران في الإقليم أقرب إلى سياسة دفاعيّة تستهدف منح نظام رجال الدين شرعيّة السلطة في دولة يبلغ تعداد سكانها نحو تسعين مليون نسمة، غالبيتهم الحاسمة وُلدوا بعد الثورة، ولم تعد تعنيهم تلك التجربة التاريخيّة كثيراً في مواجهة ظروف الحصار الاقتصادي الخانق الذي تعيشه بلادهم منذ أكثر من أربعة عقود.

Iran’s Rise and Rivalry with the US in the Middle East by Mohsen M Milani 2025 Oneworld Publications